- مصر بين جمعة الهوية الإسلامية وأخري للتأكيد على هويتها المدنية
- من ابن مصر
- التيار المدني يتطلع لاستعادة الدفة من الإسلاميين في جمعة "مصر مدنية"
- "عبدالمقصود": النيابة العامة تعلم بوجود تسجيلات خاصة بالمتحف المصري أثناء الثورة ولن أمانع في ظهورها
- قانون الغدر...عودة لنهج النظام السابق نحو دمقرطة نظام المحاسبة القانونية لأعضاء النظام السابق لضمان حقوق الضحايا
قانون الغدر...عودة لنهج النظام السابق نحو دمقرطة نظام المحاسبة القانونية لأعضاء النظام السابق لضمان حقوق الضحايا
تابع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الجدل الدائر حول ضرورة محاسبة رموز النظام السابق عن الجرائم التي ارتكبوها أو تسببوا في ارتكابها بحق الشعب المصري. هذا الجدل الذي أدي في نهاية المطاف إلي لجوء مجلس الوزراء إلي استحضار القانون رقم 344 لسنة 1952 في شأن جريمة الغدر والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 173 لسنة 1953. وهو قانون ذو طبيعة استثنائية كان قد أُصدر عقب 23 يوليو 1952 من أجل عزل القيادات السياسية السابقة علي ثورة يوليو من الوظائف الحكومية والمناصب السياسية وحرمانهم من ممارسة الحقوق السياسية لفترة تمتد لخمس سنوات.
وبينما يؤكد مركز القاهرة علي أهمية محاكمة ومعاقبة أفراد النظام السابق وأعوانه بل ويؤكد علي ضرورة حرمان من يثبت انتمائه إلي النظام السابق وثبت تورطه في أي من جرائم الفساد المالي أو الإداري أو السياسي من حق الترشح لأي من الانتخابات النيابية أو الرئاسية أو انتخابات المحليات لفترة زمنية محددة. ولكي يتحقق كل هذا في إطار ديمقراطي هناك مجموعة من الضوابط التي يجب أن تتبع لفرض مثل تلك القرارات.
وبالرغم من أن التعديلات التي طرحها مجلس الوزراء على قانون الغدر جعلت صورته أفضل عن ذي قبل إلا إنها لم تنفي عنه العيوب والخلل في الصياغة، وإن ما طرأ عليه من تعديلات ليس إلا محاولة لتحسين قانون من ضمن ترسانة قوانين سيئة السمعة دأب النظام السابق علي سنها للبطش بخصومه. وإننا نرى أن قانون الغدر حتي بعد التعديلات التي طرحها مجلس الوزراء عليه يظل بعيدًا كل البعد عن تطبيق منهج العدالة الانتقالية، فضلاً عن احتوائه علي انتهاكات لقواعد قانونية مستقرة في معظم دول العالم الحديث.
فمن الناحية القانونية فقد خالفت نصوص قانون الغدر جميع المبادئ القانونية المتعلقة بالقواعد الجزائية، ففي مجال تحديد الأشخاص الذين يخضعون لأحكام هذا القانون كما ورد في مادته الأولى فقد تم التوسع في تحديدهم حيث نص علي "يعد مرتكبًا لجريمة الغدر كل من كان موظفًا عامًا أو وزيرًا أو غيره...."وهي صياغة من الممكن تطويعها لتستخدم كأداة لتصفية المعارضين السياسيين أو النشطاء خصوصًا، وأن تحديد الأفعال المعاقب عليها جائت فضفاضة وغير منضبطة الألفاظ، فاستخدم في المادة الأولى من القانون "عمل من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التعاون فيها أو مخالفة القانون" (فقرة" أ")، و استخدم لفظ "التدخل الضار بالمصلحة العامة" (فقرة "و").
فكل تلك الجرائم التي وردت في المادة الأولى تنضوي علي ألفاظ غير واضحة المعالم وتتسم بالغموض والاتساع في مجال التجريم وذلك خلافًا لقواعد قانون العقوبات في أن يكون الفعل المجرم واضح ومحدد وبنصوص قاطعة الدلالة.
أما عن العقوبات التي وردت في القانون بمادته الثانية، فلا حاجة إلي أن يتم النص عليها في قانون خاص مثل قانون الغدر لأنها عقوبات موجودة في قوانين أخرى أو من الممكن تطبيقها كعقوبات تبعية يحكم بها القاضي الجنائي في حال ثبوت التهم الأصلية علي المتهمين مثل عقوبة سقوط العضوية من مجلسي الشعب أو الشورى أو المجالس المحلية والحرمان من حق الترشح أو الانتماء لأي حزب سياسي لفترة خمس سنوات كتلك التي وردت في (المادة 2 فقرة "ب"،"ج"، "ه") من قانون الغدر، كما يمكن إجرائها من خلال قرارات إدارية تصدر من رئيس مجلس الوزراء "كالعزل من الوظائف العامة القيادية" وهي التي وردت في (المادة 2 فقرة أ) من قانون الغدر.
الجدل والتخبط حول كيفية وماهية الطرق للتعامل مع أركان النظام السابق وجرائمهم السياسية والجنائية بالإضافة لجرائم الفساد المالي والسياسي أصبح رمزاً لتلك المرحلة الانتقالية. يجادل البعض بأن علي الحكومة أن تسعي إلي تحقيق العدالة ومحاكمة رموز النظام السابق والاكتفاء بهذا. بينما يري البعض الأخر ومنهم مركز القاهرة أن تحقيق العدالة مرتبط بإرساء العدل وكشف الحقيقة ومعاقبة كل من تورط في أي من الجرائم التي أفسدت المجال العام في مصر. بينما يري آخرون أن العفو العام هو أفضل وسيلة لإعادة بناء الدولة بدعوى أنه ينبغي على النظام الجديد التخلي عن الماضي، والتركيز على المستقبل. ويبقى التحليل الأخير هو التحليل الوحيد المنافي لقيم ومبادئ حقوق الإنسان حيث إنه يكرس ثقافة الإفلات من العقاب التي آمن بها نظام مبارك كعقيدة ليتمكن من حكم مصر ومستقبلها من دون أية رقابة أو عقاب.
إن عدم انضباط نصوص قانون الغدر يجعلنا نخشي من أن تطبيقه قد يطول كثيرين بتهمة (إفساد الحكم أو الحياة السياسية) بل إنه قد يطول أيضًا أشخاص وقيادات طالما عارضت النظام السابق وعانت من حكمه وبطشه، وذلك لأن تعريف تلك الجريمة وتحديد أركانها والأشخاص الذين ينطبق عليهم مجال القانون سيكون منوط بمن بيده سلطة الحكم وهو ما قد يتم توظيفه مستقبلاً للتخلص من خصوم سياسيين.
ومن حيث تحقيق قانون الغدر للعدالة فيجب علينا إدراك أن تطبيق منهج العدالة الانتقالية لا يقتصر فقط – بالرغم من أهميته- علي محاكمة مرتكبي جرائم حقوق الإنسان وإنزال العقاب بهم فقط بل هذا يعتبر إجراء واحد فقط ضمن حزمة من الإجراءات الطويلة في هذا الصدد، إذ يسبقه تشكيل هيئة ذات تشكيل قضائي كامل مستقلة ماليًا وإداريًا عن وزارة العدل أو أي من أجهزة الدولة التنفيذية، تتولي هذه الهيئة اختصاص تلقى الشكاوي في الجرائم الجنائية والسياسية والاقتصادية التي ارتكبها أعضاء النظام السابق، والتحقيق فيها بناء علي مبادئ القانون الجنائي المصري، والقانون الدولي بالإضافة لفرض العقوبات الملائمة على المسئولين عن تلك الانتهاكات.
إن إقرار العدل والوصول إلي محاكمات منصفة ترضي ضحايا انتهاكات النظام السابق تتطلب ايضًا اتخاذ تدابير تشريعية وقضائية تهدف إلي حماية الضحايا وذويهم ومن يشهد لصالحهم من أي مضايقات أو تنكيل قد يتعرضون له جراء الإدلاء بشهادات قد تدين رموز النظام السابق. وتأتي أيضاً خطوة في غاية الأهمية لتطبيق منهج العدالة الانتقالية وهي الوصول إلي الحقيقة وذلك للحيلولة من تكرار تلك الجرائم في المستقبل، وهذا لن يتأتي إلا عن طريق إتاحة المعلومات عن جرائم الماضي والمتورطين فيها علنًا علي الجمهور وإتاحة كافة السبل للضحايا وممثـليهم في معرفة الملابسات والأسباب التي أدت إلى تعرضهم للضرر، فضلاً عن وضع خطة لجبر الضرر والوصول إلي الإنصاف للضحايا وذلك عن طريق تقديم الخدمات القانونية والطبية والنفسية والاجتماعية لهم.
فجبر الضرر والتعويض يخدمان ثلاث وظائف أساسية أولاً: أنهما يساعدان الضحية علي تخطي الجانب المادي لخسارتها، وثانيًا: فإنهما يشكلان اعترافًا رسميًا من قبل الدولة بالألم الذي تعرضت له الضحية، وثالثًا: قد يكون رادعًا للحكومات التالية من انتهاج نفس الجرم من جديد، من خلال فرض أعباء مالية باهظة علي مرتكبي هذا الجرم.
علي الحكومة المصرية أن تتذكر أن من أخذوا الشوارع سبيل لهم لتحقيق الحرية في 25 يناير يبغون تحقيق مجتمع ديمقراطي يعيش المواطن فيه بحرية ويتمتع بكرامته الإنسانية. وعليه، ليس بإمكان الحكومة الحالية إلا وأن تتمسك بالمبادئ الديمقراطية الجديدة التي رسم ملامحها الثوار بميادين مصر المختلفة.
إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يرى أن من أهم غايات منهج العدالة الانتقالية إحداث قطيعة حقيقية مع الماضي لعدم تكراره في المستقبل. ليس عن طريق نسيان هذا الماضي البغيض ولكن عن طريق تكريس آليات ديمقراطية جديدة تؤدي إلى إحداث قطيعة مع أهم الوسائل التي طالما أستعملها النظام السابق للبطش بمعارضيه وهي القوانين الاستثنائية والتي منها قانون الغدر. فالقوانين الإستثنائية هي مجموعة من القوانين تحتوي على قواعد شاذة شرعت فقط للتعامل مع حالة أو حالات أو أشخاص بعينهم منتهكة بذلك كافة الأعراف القانونية الدولية، والمحلية.
إن الوصول إلى العدالة لن يتحقق إلا بتوافر الإرادة السياسية لإحداث قطيعة مع الماضي ومحاسبة من انتهك حقوق المصريين وتعويض الضحايا عن تلك الانتهاكات، وهذا يمكن تحقيقه بإجراءات عديدة وليس من بينها القوانين الاستثنائية سيئة السمعة. إن عملية العدالة الانتقالية وما تحتويه من محاكمات ولجان تقصي الحقائق، وتعويضات وإعادة التأهيل هي -بلا شك- عملية مكلفة علي المدى القصير ومع ذلك، فإن الفشل في التعامل مع مثل هذه القضايا علي نحو منطقي وديمقراطي وشامل سوف يكون أكثر كلفة على الدولة والمواطنين علي المدى الطويل.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :