الأقباط متحدون | الاتفاق على تدمير العراق
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٢:٤٦ | الاثنين ٢٢ اغسطس ٢٠١١ | ١٦ مسرى ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٩٣ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الاتفاق على تدمير العراق

الاثنين ٢٢ اغسطس ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم :د.عبدالخالق حسين

"اتفقوا على أن لا يتفقوا"، مقولة قيلت بحق العرب، ولكنها تنطبق أكثر على عدد غير قليل من الكتاب والسياسيين العراقيين فيما يخص الخير للعراق وإعادة بنائه بعد الخراب الشامل على أيدي البعثيين. فهم لا يتفقون إلا على ما يضر العراق ويسيء إلى سمعته، وما يدفع إلى المزيد من الدمار وعدم الاستقرار، فتراهم يكيلون المديح لأي عمل ضد العراق، والحط من أي عمل في صالحه، ويتم كل ذلك باسم الوطنية، والحرص على مصلحة الشعب، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يخالفهم في ذلك، فالتهمة جاهزة، "عميل للاحتلال، يدافع عن حكومة المحاصصة والفساد!!" بل وحتى تلصق به تهمة الطائفية.

لذلك، ليس غريباً أن يطلع علينا يومياً سيل من الافتراءات والأكاذيب من مواقع بعثية، وطائفية، وسعودية وغيرها من الجهات المتضررة بسقوط الفاشية في العراق، ولكن، ونقولها بأسف شديد، نلاحظ بين هؤلاء الكتاب، من كنا نتوسم فيهم النوايا الحسنة إزاء بلدهم، ولكنهم صاروا يرددون ما تكتبه شبكات الدعاية البعيثة، وفي النهاية فإن كتاباتهم تصب في خدمة أعداء العراق، سواءً عن قصد أو بدونه. وهؤلاء يتمتعون بقدرات كتابية فائقة، ولكن بدلاً من استخدام طاقاتهم لتنوير الجماهير، وخدمة شعبهم، فإنهم يستخدمونها لتشويش الجماهير وتضليلها، ولما يضر بالعملية السياسية. فهم يعرفون كيف يتلاعبوا بالألفاظ، ليظهروا الخير شراً والشر خيراً، وبمختلف الدوافع، فمنهم من فشل في الانتخابات، و عدم حصوله على منصب في السلطة، ومنهم بدوافع طائفية، أو أيديولوجية ونكاية بأمريكا، لأن إسقاط حكم البعث قد تم على يدها، كما واتخذت دول الجوار من العراق ساحة لصراعاتها الإقليمية والطائفية كما هي الحال بين إيران والسعودية، ولكل منهما امتداد طائفي في العراق.

وهؤلاء الكتاب يعملون على عدة جبهات، وتحت مختلف الواجهات والأغراض والحجج، ولكنهم يتفقون على غرض واحد وهو: إفشال العملية السياسية، والحط من قدر كل ما تحقق في عراق ما بعد صدام. فبناء الدولة على أسس عصرية وديمقراطية، وإجراء الانتخابات، وإقرار الدستور الدائم، وبناء الجيش الجديد غير المسيس وغير المؤدلج، والأجهزة الأمنية، وإلحاق الهزيمة بالإرهاب، ومضاعفة إنتاج النفط، والتخلص من معظم الديون وتعويضات الحروب الصدامية العبثية، واسترجاع العملة العراقية لنحو 80% من قوتها الشرائية، ووو...الخ، كل ذلك في نظرهم خرافات ونكات بائسة. والمؤسف أن الذهنية العراقية مهيأة لتقبل هذه الطروحات وتدمير الذات وجلدها.

والجدير بالذكر، أن هذه الحملة التسقيطية ليست موجهة ضد كل المشاركين في السلطة، بل ضد السياسيين من طائفة معينة فقط، بل وكما ذكر أحد الأصدقاء في مقال له، تم تركيز وإدامة الهجوم على (مثلث برمودا العراقي) المتكون من: (المالكي، وحزب الدعوة ودولة القانون)، علماً بأن لحزب الدعوة ثلاثة وزراء فقط من مجموع 42 وزيراً، في الحكومة إضافة إلى رئيسها، فهل هذا يجعل من حزب الدعوة هو الحزب الحاكم؟ فهناك محاولات لشخصنة مشاكل العراق ووضعها على كاهل شخص واحد وهو رئيس الوزراء، السيد نوري المالكي، والإدعاء بأن الحل الوحيد لمشاكل العراق هو إزاحة هذا الشخص عن المسرح السياسي.
فلو كان هذا الحل صحيحاً وممكناً، ولديهم البديل الأفضل، لكنتُ من أوائل من يدعم هذه الدعوة ويصفق لها. ولكن المشكلة أنهم لحد الآن ليس لدىهم أي بديل، كما وأن السيد المالكي نفسه صرح مراراً في لقاءات تلفزيونية أنه مستعد للتنحي عن منصبه، ودعم أي شخص آخر توافق عليه الأغلبية، ولكن المشكلة ليس هناك اتفاق على هذا الآخر، لأن الصراع المستفحل بين خصوم المالكي هو أشد من صراعهم ضده.

وكمثال على المقالات التسقيطية والتقارير الملفقة التي تنشر يومياً تقريباً نقرأ العناوين التالية:
(نهاية العراق من دون شهادة وفاة !!)، (العراق السابح في بحر الظلمات)، (الديمقراطيّة الكسيحة)...، هذا غيض من فيض لكاتب عراقي واحد ينشر في صحيفة خليجية ذات توجه إسلامي أخواني. وعناوين أخرى لكتاب آخرين مثل: (ساسة الكويت ليسوا عمالقة، بل ساستنا أقزام)، (العملية السياسية فاشلة كلها، ولا تصلح للترقيع)، (طائرات السيد المالكي المتطورة لمقاتلة من؟)، (أميركا وإيران على سقف عراقي واحد)، وعناوين لمقالات كاتب آخر:(مهلاً .. لا تفرحوا)، (حكومة فاشلة بالثلاثة)، (احترامي للحرامي)، وتقرير بعنوان: (إشاعات عن استيراد مواد مشعة من اليابان تقلق الشارع العراقي)، وحتى أية الله السيستاني لم يسلم من هذه الافتراءات إذ هناك خبر ملفق مازال يتداول عبر الإيميلات بعنوان: (السيستاني تسلم 200 مليون دولار من رامسفيلد) ...إلى آخر القائمة، كلها تدل على الرغبة لدا هؤلاء السادة لإشاعة البلبة وتدمير الثقة بالنفس ومستقبل العراق، والحط منه، وكأن العراق كان بألف خير وعافية في عهد حكم البعث.

لم يكتف هؤلاء السادة، سامحهم الله، بمقالاتهم التسقيطية ضد العراق الجديد، بل واستعاروا قصائد عراقية قديمة، أو أغان من بلدان أخرى، ليصفوا بها الحالة العراقية، فمثلاً اختار السيد عدنان حسين في صحيفة المدى (احترامي للحرامي) عنواناً لمقال له، وهو عنوان لأغنية من كلمات الشاعر السعودي الأمير عبد الرحمن بن مساعد، لا علاقة لها بالعراق، ولكن السيد عدنان اختارها متهكماً، لتكون النشيد الوطني الجديد للدولة العراقية!!. وآخرون استعاروا قصيدة الشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي، التي تهجم فيها على الحكم الملكي قبل 70 سنة، والتي قال فيها: "علم ودستور ومجلس أمة ...كل عن المعنى الصحيح محرف"، فراحوا يعممونها عن طريق الإيميلات ليصفوا بها الوضع العراقي الحالي، ولا يحتاجون في هذه الحالة سوى إضافة جملة: (ما أشبه اليوم بالبارحة!!). وهذا يعني في رأيهم، أن كل ما تحقق بعد حكم البعث، من انتخابات، ودستور وبرلمان... هو مزيف.
إن النظرة الدونية إلى العراق، وتقريع الذات من قبل بعض العراقيين مع الأسف، هي حالة عراقية بامتياز، لم نجدها عند مواطني أي بلد آخر.

لا أريد هنا ذكر أسماء كل الكتاب الذين صارت مهمتهم الوحيدة هي الحط من العراق الجديد، إذ أكتفي بذكر إثنين منهم كنماذج.. وهما السيدان: إبراهيم الزبيدي وعدنان حسين، على سبيل المثال لا الحصر.
فمن يطالع مقالات هذين الكاتبين، يتصور أن العراق، منذ إسقاط صدام ونظامه، لم يعد عراقاً، وأنه أسوأ من الصومال، وعلى وشك الاختفاء من الخارطة، وأن عصره الذهبي كان فقط في عهد صدام حسين.
ففي مقال للسيد إبراهيم الزبيدي بعنوان: (طائرات السيد المالكي المتطورة لمقاتلة من؟)، يقول فيها: "أجل، إنه سؤال مشروع. فهذه ألــ 36 طائرة أف 16 الأمريكية المتطورة المقاتلة (غير الدفاعية) التي بشرنا نوري المالكي بعزمه على اقتنائها، لقتال من؟ إيران، أم تركيا، أم سوريا، أم السعودية، أم الكويت، أم الأردن؟؟ أم هي لتحرير الجولان ومزارع شبعا وفلسطين؟؟"

إذن، فالعراق المحاط بدول مدججة بكل أنواع الأسلحة المتطورة، عليه وحده أن يكون منزوع السلاح، وإذا ما سمح له بتأسيس جيش، فعليه أن يكون جيشاً مخصياً عقيماً غير مسلح، لا حول له ولا قوة، وظيفته للديكور فقط مثل الاستعراضات العسكرية في المناسبات الوطنية. وإذا ما حاول العراق تسليح جيشه، فالهدف يجب أن يكون لتحرير الجولان وفلسطين، وكل شبر من بلاد العرب "أوطاني!" تحت الاحتلال، وليس لحماية حدوده. ونحن إذ نسأل: أما تكفي الشعب العراقي الكوارث التي حلت به على أيدي البعثيين من دمار بذريعة تحرير فلسطين والجولان؟؟ ألم نشبع من شعاراتهم الزائفة مثل "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، و"التحرير قبل الديمقراطية"، و"كل شيء من أجل المعركة" والتي تحولت إلى "كل شيئاً من أجل المعركة"، تلك الشعرات التي أوصلت العراق إلى ما قبل الثورة الصناعية؟. نسي كاتبنا أن الدول، وخاصة الديمقراطية منها، لا تؤسس جيوشاً قوية لغزو الدول الأخرى، بل كقوة رادعة لحماية حدودها، والحفاظ على هيبتها، وإلا تصبح هدفاً سهلاً للطامعين.

ولكن بعد اعتراضه على المالكي لشراء الطائرات المقاتلة، يعود السيد الزبيدي متهكماً: "فدولتنا العامرة الزاهرة القوية العزيزة لم تستطع منع إيران الشقيقة الكبرى من قصف قرى كردستان الآمنة. ولم تجرؤ على صفعها حين جففت أنهار المواطنين وجعلتها قاحلة، أو حين رمت وساخاتها علينا فدمرت مزارعنا ولوثت مياهنا."
فالكاتب هنا يناقض نفسه بنفسه، ويطالب بالمستحيل. فمن جهة، يرفض تسليح الجيش العراقي بالطائرات المقاتلة، ويعتبر العملية محاولة عدوان على دول الجوار!!، ومن جهة أخرى يتهكم على "دولتنا العامرة الزاهرة" لأنها غير قادرة على منع إيران "الشقيقة الكبرى" من قصف قرى كردستان الآمنة. طبعاً لم يشر كاتبنا الحريص على "قرى كردستان الآمنة" إلى "الشقيقة الكبرى تركيا" التي كانت ومازالت تقصف القرى الكردية العراقية المحاذية لحدودها منذ عهد "القائد الضرورة" وإلى الآن وبلا توقف في محاربتها لقوات حزب العمال الكردستاني (PKK). فتركيا هي شقيقة كبرى حقيقية، يغض الكاتب النظر عنها.

فإذا كان الجيش العراقي ضعيفاً، قالوا عنه ضعيف وصار مصدراً للتهكم والسخرية. وإذا ما حاولت الحكومة تجهيزه وجعله قادراً على حماية حدود الوطن من "الأشقاء"، اعترضوا عليه وقالوا أن هذا التجهيز للعدوان على دوار الجوار، وأن المالكي هو نسخة من صدام!!! ولكن الكاتب وأمثاله، لم يوجه السؤال نفسه إلى السعودية وغيرها من دول الجوار "الشقيقات" المدججة بالسلاح بما فيها المئات من طائرات أف 16 الأمريكية وغيرها، المتطورة المقاتلة؟ ولا أدري متى ساهمت السعودية "الشقيقة الكبرى" في تحرير فلسطين والجولان، أو أية حرب من الحروب العربية- الإسرائيلية. نعم، أرسلت السعودية قواتها لقمع انتفاضة الشعب البحريني.

ثم يستعير الكاتب فقرة من مقال للكاتب الليبي السيد محمد الهوني وهو يصف ليبيا تحت حكم القذافي، قائلاً بحق: "ليبيا بلد بلا دستور، بلا جيش، بلا برلمان، بلا أحزاب. ليبيا بلد بلا رئيس، ولا نائب رئيس. ليبيا ليست دولة." ليقول لنا إبراهيم الزبيدي: "أسألكم بالله، ألا تشعرون بأن الهوني يتحدث أيضا عن العراق الديمقراطي الجديد؟". ونحن بدورنا نسأل السيد الزبيدي: بالله عليك، هل من الإنصاف خلط الأوراق ومقارنة العراق الجديد بليبيا؟

ولكي لا يُتهَّم الكاتب بالانحياز ضد رموز طائفة معينة، وضع جميع قادة الكتل السياسية في سلة واحدة،
قائلاً: "أعلم بأن كثيرين من عشاق المالكي والصدر والحكيم وعلاوي والمطلق والنجيفي والبرزاني والطالباني سوف يرشقونني بما اعتدتُ عليه من ورد وسكر وزبيب، ويردون علي بأن العراق دولة كاملة غير منقوصة. فيه حكومة منتخبة وجيش وبرلمان ورئيس ونواب رئيس وحرية وديمقراطية وأمن وأمان وسلام. اللهم سامح هؤلاء المتعصبين المتحيزين المخدوعين، ....ألخ"
ونحن نؤكد للسيد الكاتب أننا لسنا من عشاق أحد، ولا متعصبين أو مخدوعين، ولكن نستنكر شطب كل ما تحقق بعد حكم المجرم صدام من مكتسبات مثل: (حكومة منتخبة وجيش وبرلمان ورئيس ونواب رئيس وحرية وديمقراطية...الخ). شئنا أم أبينا، فهؤلاء الذين ذكرتهم، هم قادة كتل سياسية ورموز انتخبتهم مكونات الشعب العراقي، ولم يأتوا للسلطة بانقلاب عسكري كما جاء معمر القذافي، وصدام حسين، وحافظ الأسد وعبدالناصر وغيرهم من الحكام العرب. ولكن يبدو أن الانتخابات صارت عند الكاتب سبة مذمومة ومعيبة، وأفضل طريقة للوصول إلى الحكم هو البلطجة على طريقة صدام حسين "القائد الضرورة". ولكن هذه الطريقة يا أستاذ، جربها العراقيون خلال ثمانية عقود من حكم الاستبداد، فأوصلتهم إلى الهاوية وإلى هذا الدمار الشامل. فإلى متى يجب أن يستمر العراق تحكمه البلطجية الذين يغتصبون السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية وفرض حكم الحزب الواحد والمكونة الواحدة بالقبضة الحديدية؟ أما يكفي العراقيين كل هذه المصائب؟
إن هذا الموقف التهكمي والساخر من الديمقراطية ونتائج الانتخابات، دليل على كذب أولئك الذين ينادون بالديمقراطية بالأقوال، ويرفضون نتائجهاً بالأفعال لأن النتائج جاءت على غير ما يرغبون.

وفي مقال آخر بعنوان: (إيران وأمريكا على سطح واحد) يقول السيد الزبيدي: "يحار كثير من زملائنا الكتاب السياسيين العراقيين والعرب في تفسير اللغز الشائك المتمثل في إصرار بوش ورامسفيلد وبريمر ومعاونيهم ومستشاريهم على تسليم العراق لمجموعات سياسية عراقية يعلمون، بدقة وعمق، بأنها مرتبطة بإيران، بل إن بعضها إيراني بالولادة وبعضها الآخر بالرضاعة، وهم الذين كانوا لا يكفون عن الشكوى المريرة من خطر إيران على أمن المنطقة واستقرارها، ومن رعايتها للإرهاب،...".
ففي رأي الكاتب أن أمريكا هي التي جلبت قادة الكتل السياسية إلى الحكم وليست صناديق الاقتراع... أما تهمة "مجموعات سياسية ... مرتبطة بإيران... وبعضها إيراني بالولادة وبعضها الآخر بالرضاعة.." فهذه مخصصة للسياسيين الشيعة فقط، ولأغراض واضحة لا تغيب عن بال القارئ اللبيب.

وفي مكان آخر، يلغي الكاتب الدولة العراقية بالجملة، فيقول: "لا تغضبوا مني يا أحبة دولة القانون وإيران وحزب الدعوة. فالعراق الجديد دولة فاشلة، بل هو ليس بدولة. إنه واحة ٌلاستراحة الولي الفقيه وقاسم سليماني الذي قال عنه النائب الكردي الجريء الدكتور محمود عثمان: من العار ان يلعب هذا الرجل مثل هذا الدور في بلادنا. أما ما عدا ذلك فديكور وتمثيليات صبيانية في مدرسة مشاغبين. فلا حكومة ولا معارضة. لا ديمقراطية ولا ديكتاتورية. لا إسلام ولا علمانية. لا اشتراكية ولا رأسمالية. لا رئاسة ولا برلمان، لا ملكية ولا جمهورية. دولة من كل شيء، ومن دون أي شيء."
ومرة أخرى نسأل، بالله عليكم هل هذا الكلام يليق بكاتب عراقي يدعي الحرص على وحدة شعبه وإنجاح العملية السياسية؟؟ ففي هذه الحالة ما لنا إلا وأن نقول: إنا لله الواحد القهار.

والمعروف عن الكاتب أنه خدم نظام البعث ولم يتركه إلا بعد غزوه للكويت حين تأكد أنه آيل للسقوط، عندئذ اتجه إلى السعودية لمحاربة صدام إعلامياً. لذا يمكن القول أن السيد الزبيدي وأمثاله من المدرسة السعودية، الذين كانوا يريدون إزاحة صدام وحده عن الحكم دون تغيير نظامه، ولذلك لما تم تغيير النظام جذرياً، وبناء نظام ديمقراطي على أساس دولة المواطنة لكل العراقيين بدون تمييز، لم يعجبهم ذلك، فسرعان ما انقلبوا على أعقابهم، وشنوا عليه حرباً شعواء، وحملة تشويه وتسقيط وتحت مختلف الذرائع والواجهات. فهؤلاء السادة الذين أدمنوا على حكم المكونة الواحدة، لا يمكن أن يوافقوا على نظام يعاملهم على قدم المساواة مع 80% من الشعب المؤلف من "الشراكوة وكاكا حمه وغيرهم!!"، فهؤلاء في نظرهم الرتل الخامس وشعيط ومعيط وجرار الخيط!! لا يجوز لهم المشاركة في حكم بلادهم. نسي هؤلاء السادة أن الزمن قد تغير، وعهد حكم الحزب الواحد والمكونة الواحدة قد ولىَّ إلى غير رجعة، ولا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء مطلقاً، فإما أن تتكيف مع الوضع الجديد وتقبل به حالك حال بقية مكونات الشعب العراقي دون تمييز لك أو ضدك، أو تنقرض كما انقرضت الدينصورات.

أما السيد عدنان حسين، فهو الآخر صحفي محترف، اشتغل فترة في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية اللندنية، ثم فصل منها لأسباب لا نعرفها، ليظهر له عمود يومي في صحيفة (أوان) الكويتية، وأخيراً انتقل إلى صحيفة (المدى) البغدادية لصاحبها السيد فخري كريم، وأنا لست من قراء صحيفة المدى، وما ينشر فيها، ولكن الكاتب تفضل مشكوراً بإرسال روابط مقالاته اليومية لي ضمن من يرسل لهم.

والرجل كان معارضاً لنظام البعث، ولكن بعد إسقاط هذا النظام الغاشم، كانت بعض مقالاته تثير الاستغراب. فلم نقرأ له يوماً أي مقال ثناء على أحد من المسؤولين الجدد إلا عند استقالة هذا المسؤول من منصبه، ولم يؤيد أي قرار يأخذه البرلمان إلا إذا كان هذا القرار من شأنه أن يهدد العملية السياسية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم نقرأ يوماً أي ثناء من الكاتب على الدكتور عادل عبد المهدي، ولكن ما أن استقال الأخير من منصبه كعضو في مجلس الرئاسة، حتى وطلع علينا السيد عدنان حسين في صحيفة المدى يكيل له المديح ويذكر مناقبه. كما وكتب مقالاً بعنوان: (ليت "العراقية" تفعلها)، بمناسبة تهديد قيادة الكتلة بالانسحاب من العملية السياسية، إذ قال: "وهنا في بلادنا، العراق، منذ سنوات تهدّد الكتلة العراقية بين شهر وآخر وأحياناً بين أسبوع وأسبوع بالانسحاب من العملية السياسية، أو في الأقل من الحكومة، أو بسحب الثقة من الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة،...". وهذا يعني أن الكاتب يدعو الأطراف المشاركة بالانسحاب من العملية السياسية لإفشالها وبأي ثمن كان، دون أية اهتمام لعواقب هذا الفشل.

ولما استقال السيد جعفر الصدر من عضوية البرلمان، لأسباب خاصة، منها احتجاجه على الفساد المتفشي في أجهزة الدولة، ومنها شخصية لتحقيق طموحاته الأكاديمية. وكالعادة انثال عليه الثناء والمديح من قبل بعض الكتاب ومنهم السيد عدنا حسين على قراره في الاستقالة. ومعنى ذلك أنهم يشجعون كل مسؤول نزيه وشريف على الاستقالة من منصبه.

لم تتوفر لي الفرصة للتعرف على السيد جعفر الصدر، إلا إن ما كتب عنه من إيجابيات، وبالأخص بثقافته العالية، وتحصيله العلمي في علم الاجتماع، ومقته الشديد للفساد، وانحيازه للعلمانية والديمقراطية والليبرالية رغم كونه من عائلة دينية دفعت الكثير من التضحيات،...الخ، كل ذلك يجعل من السيد جعفر الصدر سياسياً مرموقاً واعدا، ولو بقي كنائب في البرلمان لفضح الفساد لكان أفضل بكثير من استقالته. ولكن يبدو أن السيد جعفر لم يستطع العمل في هكذا أجواء، لذلك قرر الاستقالة والتفرغ لتحقيق طموحاته الأكاديمية، ولا اعتراض على ذلك. ولكننا نعترض على تشجيع السيد عدنان حسين وأمثاله للسياسيين النزيهين الشرفاء على الامتناع عن تحمل المسؤوليات.

فلو اتفقنا مع السادة الذين يشجعون السياسيين النزيهين على الاستقالة من السلطة والمسؤولية، فعلى من يريدون الاعتماد في بناء العراق الجديد؟ ألا يعني هذا أنهم يشجعون الأخيار على عدم المشاركة في المسؤولية، الأمر الذي يفسح المجال للأشرار والفاسدين فقط في اللعب وحدهم في الساحة، وأن صراخهم ضد الفساد ليس لمحاربة الفساد والحرص على العراق وسلامته كما يدعون، بل لتدميره بتفشي المزيد من الفساد؟ إذ كما قال سقراط الحكيم في هذا الخصوص: "إذا ابتعد الأخيار عن ممارسة السياسة، فسيعاقبون بتولي أشرارهم عليهم".
إذنْ، يا من تذرفون دموع التماسيح على الشعب العراقي، ومعاناته من الفساد و الفاسدين، لا تلوموا إلا أنفسكم إذا ما تفشى الفساد في السلطة، لأنكم تشجعون الأخيار على الاستقالة والتخلي عن مسؤولياتهم!

أما موقف السيد عدنان حسين من البرلمان العراقي فليس هناك علاقة حب، ولكن لكل قاعدة استثناء، كما يقال، إذا كال الرجل الثناء على هذا البرلمان فقط عندما صوت لصالح مفوضية الانتخابات وبرأها من تهمة الفساد، وكما قال في مقال له بهذا الخصوص، لا لأنه يعتقد ببراءة المفوضية من التهمة، بل نكاية برئيس الوزراء لأن كتلته (دولة القانون) هي التي قدمت التهمة وطالبت البرلمان بتخصيص جلسة لمساءلة رئيس المفوضية على الفساد. وهذا يعني أن كل هذا الصراخ ضد الفساد هو مجرد تغطية، أما الغرض الحقيقي فهو إفشال العملية السياسية برمتها، وإغراق البلاد في فوضى عارمة، لأن رئيس الحكومة شخص غير مرغوب به لدى رئيس تحرير الصحيفة التي يعمل فيها السيد عدنان حسين.

ومن متابعتي لمقالات السيد حسين لاحظت أنه يلقي اللوم على المسؤولين العراقيين، في الحق والباطل، حتى ولو حاولت إحدى دول الجوار التجاوز على حقوق العراق، ففي جميع الأحوال، الذنب هو ذنب الحكومة العراقية في نظره. وعلى سبيل المثال أذكر له المواقف التالية: فعندما كان السيد عدنا حسين يعمل في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية، نشر مقالاً يطالب فيه السعودية والكويت وغيرهما من الدول الدائنة بعدم التنازل عن ديونها على العراق، بحجة منع ظهور صدام آخر في المستقبل!. وهذا يعني أن الكاتب يريد معاقبة الشعب العراقي والأجيال القادمة، وحتى الأطفال العراقيين الذين لم يولدوا بعد، بجرائم صدام، وكأن صدام كان يستشير الشعب العراقي في شن حروبه العبثية. ووفق هذا المنطق فأمريكا كانت على خطأ كبير عندما راحت تتوسل بالدول الدائنة والمتضررة من حروب صدام حسين، بالتنازل عن ديونها، والتخلي عن تعويضات الحروب. فلو كان السيد عدنان حسين مواطناً سعودياً أو كويتياً، لهان علينا الأمر، وكان له الحق لأنه في هذه الحالة يدافع عن مصلحة بلاده، أما وأنه مواطن عراقي نتوسم فيه الحرص على مصلحة العراق، فموقفه هذا مثير للحيرة والغرابة.

كما ويبدو أن السيد عدنان حسين يحاول اختلاق الحجج بمناسبة وأخرى للحط من العراق. فقبل أسابيع نشر مقالاً في صحيفة (المدى) بعنوان مثير (كارثة مروعة في جامعة بغداد)، فتصورتُ أن انفجاراً هائلاً قد حصل في الحرم الجامعي مما جعل أشلاء الطلبة والأساتذة تتطاير في الهواء! وكان المقال فيه شتم وتحقير بالوضع وتحريض على الحكومة، وتبين أخيراً أن "الكارثة المروعة" التي قصدها الكاتب هي عدم وجود كشك لبيع الصحف في الجامعة، فتصور!
وكتب أيضاً في نفس الصحيفة مقالاً حول (ميناء مبارك) المثير للجدل، والذي تنوي الكويت بناءه، وقيل الكثير عن هذا الميناء. ووفق الخرائط والمعلومات التي نشرت على الشبكة، فهذا الميناء عند إكماله سيخنق الموانئ العراقية. ولكن حتى في هذه الحالة أنحاز كاتبنا إلى الجانب الكويتي، وراح يلقي باللائمة على "حكومة المحاصصة الفاسدة" وأنهم بدلاً من سرق الأموال، عليهم بصرفها في نقل البحر إلى داخل العراق!!! ولا أدري كيف يمكن نقل البحر إلى داخل الأراضي العرا




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :