- قصة حقيقية
- الصوفية تحصد بعد الثورة زراعة نظام مبارك للصراع داخلها
- الاقباط متحدون الان على موبايلك
- بالفيديو والصور : أشرف راضى: أى دستور يأتى بقيم ومبادئ تختلف عن المواثيق الدولية لحقوق الانسان يجب اخراجه من الدولة الحديثة.
- اشتباكات على الهواء حول من رفع العلم على سفارة إسرائيل.. "أحمد الشحات" أم "مصطفى كامل"؟!
الناس أم النص؟
بقلم منير بشاي – لوس أنجلوس
ليس هدفي من هذا المقال ذم أو مدح أى دين، فالدين اختيار شخصى لمن يعتنقه وليس من شأن آخر التدخل فيه. فسواء عبد الانسان الحجر او الشجر أو البقر فهذا خياره وهو خيار لا يعني غيره من الناس الا اذا كانت فى هذه الممارسة ما يؤثر على الغير. وقد قيل "من حقك أن تعبد الحجر ولكن ليس من حقك أن ترمينى به".
الحروب والصراعات بين البشر قديمة قدم الإنسان منذ أن قتل قايين أخاه هابيل. وهي تهدأ حينًا وتشتعل حينًا، ولكنها يبدو أنها تتصاعد بطريقة مخيفة فى عصرنا الحديث. ترى ما هى أسباب هذه الظاهرة؟ ما الذى طرأ علينا حتى يزيد من الاحتقان الطائفى؟ هل هو الناس أم النص؟ ولكن الناس هم الناس منذ آدم وحواء والنص هو النص منذ نزوله على الأنبياء. واضح اذن ان هناك عوامل جديدة حركت المياه الراكدة وسببت الرواسب التى كانت قابعة فى القاع أن تطفو على السطح من جديد.
فى صميم الموضوع تقع حقيقة أن الدين ليس هو فقط تنظيم للعلاقة بين الإنسان والخالق ولكنه أيضا تنظيم العلاقة بين الانسان وأخيه الإنسان، ومدى قبول الإنسان لغيره ممن لا يتبع نفس الدين، والتي تتفاوت – طبقًا لدرجة التشدد- بين محاولة التعايش السلمى معه، إلى رفضه وتكفيره، وربما إلى كراهيته ومحاولة تصفيته.
وتزداد الاشكالية عند محاولة الحكم باسم الدين وبالتالى فرض أنماط سلوكية مستقاة من دين بالذات على جميع الناس فى الوطن الواحد حتى ممن لا يتبعون نفس ذلك الدين.
ظهرت هذه الإشكالية بوضوح فى هذا العصر الذى نعيش فيه وفى كل بقاع الأرض. فحيثما ذهبت تجد أن صراع الحضارات الذى بدأ يظهر لابسًا عباءة الدين أصبح يتصادم مع غيره لدرجة تصل إلى الدموية وتهدد السلام الاجتماعى فى العالم كله.
وما يحدث فى مصر هذه الأيام هو صورة مصغرة لما يحدث فى العالم كله. فقد عاش الأقباط مع أخوتهم المسلمين على مدى قرون. كانت هناك مشاكل بين الطرفين من وقت لآخر ولكن بصفة عامة كان هناك نوع من التعايش السلمى ومراعاة الجيرة والمواطنة وقبول الواحد للآخر. ولم نسمع عن تصاعد أعمال العنف فى مصر مثل ما رأيناه فى العقود الأربعة الأخيرة. بدءً بحادثة الخانكة ومرورًا بالزاوية الحمرا ثم العديد من مدن مصر ثم الكشح ونجع حمادى والعمرانية والاسكندرية وأطفيح وامبابة... وغيرها... وغيرها.
غالبية المصريين ينتمون الى أصل إثنى واحد. عاشوا معًا على أرض وادى النيل وشربوا من نفس مياه النيل وجاملوا بعضهم فى الأفراح والأتراح. ولكن يبدو أنه حدث مؤخرًا استدعاء لعامل آخر، وهو النص الذى أعيد تفسيره وفهمه طبقًا لأيدلوجية ضيقة وافدة على مجتمعنا المصرى المعروف بالوسطية لتزرع بذور الفتنة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
كان المسلمون فى وقت من الأوقات يحرصون على مراعاة مشاعر أخوتهم المسيحيين، وكانوا يرددون النصوص التى كانت تمتدحهم مثل سورة المائدة 82: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى وذلك فان منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون". وأيضًا التى تمتدح دور العبادة المسيحية واليهودية مثلما تمتدح الإسلامية كما جاء فى سورة الحج 40 "صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا". وكانو يرددون الحديث النبوى الذى يقول عن المسيحيين "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" والحديث النبوى الذى يقول عن أقباط مصر "أوصيكم بأقباط مصر خيرًا فإن لكم فيها نسبًا وصهرًا".
ولكن بدلًا من هذه النصوص أصبحت الآن تتردد نصوصًا أخرى تكفر المسيحيين، مثل المائدة 17 "لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم" والمائدة 73 "لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد" ثم ترددت نصوص تدعو إلى إرهاب غير المسلمين مثل الأنفال 60 "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" ونصوص تدعو إلى قتال أهل الكتاب مثل التوبة 29 "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".
أضف إلى ذلك ترديد مبادىء فى الدين إذا فهمت بطريقة معينة يمكن أن تؤدى إلى التفرقة بين المواطنين وتصيب مفهوم المواطنة فى مقتل. وعلى سبيل المثال:
المبدأ الذى يقول "لا يقتل مسلم بكافر" يمكن أن يفرق فى العدالة ضد من يقتل المسلم ومن يقتل غير المسلم.
المبدأ الذى يقول "لا ولاية للكافر على المسلم" يمكن أن يميز فى الترقى للوظائف العليا بين المسلم وغير المسلم.
المبدأ الذى يقول "من بدل دينه (الإسلامى) فاقتلوه". يمكن أن يلغى حرية الإنسان في اختيار دينه وتغييره.
المبدأ الذى يقول "لا يجوز بناء الكنائس فى البلاد الجديدة والتى فتحها المسلمون عنوة" يمكن أن يحرم المسيحيين فى البلاد الإسلامية من بناء كنائس يصلون فيها إلى الله.
هذه النصوص وغيرها تسبب صراعات فى المجتمع ويتحتم على شيوخ الإسلام وقادته التعامل معها للتقليل من آثارها السلبية. ولتحقيق هذا أقترح أربعة مداخل:
أولًا: محاولة إعادة تفسير بعض هذه النصوص بطريقة مريحة تنزع منها الطابع العدوانى وتضمن التعامل بين المواطن وأخيه بما يحقق السلام الاجتماعى.
ثانيًا: محاولة إعادة تأويل بعض هذه النصوص لتوضيح أنها قد انزلت فى ظروف خاصة وفى زمن معين ولا يجب تطبيقها فى كل زمان ومكان.
ثالثًا: محاولة توضيح أن بعض النصوص التي تنتقد النصارى إنما كانت تنتقد بعض ممارسات قبائل عربية كانت تدين بمسيحية منحرفة تختلف عن صحيح الدين المسيحى. مثال ذلك إيمانهم بثالوث مريمى مرفوض يتكون من الله الآب والله الأم (القديسة مريم) والله الابن.
رابعًا: أما النصوص التى لا يمكن تفسيرها أو تأويلها أو توضيحها، فيجب الاعتراف أنها خلافات بين الأديان لا يمكن التوفيق بينها، ومسئولية الله تعالى أن يحكم فيها فى يوم الدين. أما فى هذه الحياة فالحرية متاحة للناس لاختيار عقيدتهم. بل ولا أرى مانعًا من أن يدعو أتباع كل دين لدينه بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
الاحتقان الطائفى هو البركان الذى يهدد مصر ومن فيها. والنيات الطيبة والعلاج التجميلى والأحضان وتقبيل اللحى، كل هذا تم تجربته وثبت عدم جدواه. وليس هناك مفر من مواجهة الحل الصعب وهو الغوص الى أعماق المشكلة وعلاجها من الجذور.
بدون هذا فإن ما نفعله هو مجرد تأجيل الانفجار....
mounir.bishay@sbcglobal.net
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :