الأقباط متحدون | أبي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٣:٤٢ | الثلاثاء ٦ سبتمبر ٢٠١١ | ١ نسئ ١٧٢٧ ش | العدد ٢٥٠٨ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

أبي

الثلاثاء ٦ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: مينا ملاك عازر
أذكر أنني في آخر أيام خطبتي، وقبل الانتقال من حالة الخطوبة لحالة الزواج، قالت لي خطيبتي: "يا ريت نبقى ننادي على بعض بيا خطيبي ويا خطيبتي لأنها ألقاب لن نعود نستخدمها من بعد زواجنا". فقلت لها: "لك حق". وبدأنا في اعتياد ذلك.. وأثناء تأملي لهذه الفكرة التي قالتها خطيبتي السابقة وزوجتي الحالية، وهي الفكرة الرومانسية التفلسفية الناعمة، تذكرت أبي الذي لم أنسه، وقلت لنفسي: "لو أنني كنت أعلم أنه سيرحل عني سريعًا تاركًا إياي قبل أن أتم عامي العشرين، لكنت قلت له يا أبي كثيرًا، كما طالبتني خطيبتي بأن أقول لها يا خطيبتي، بل ما كنت تركته أبدًا وهجرت العلم وكل ما في الحياة ورافقته في كل مكان ذهب إليه، ليس حبًا فيه فقط، وإنما لأنني أعتبره كلية متحركة وليس مدرسة.

طالما حلمت أن أحدثكم عن هذا الطود الشامخ الذي مات واقفًا رغم نومه على فراش المرض.. طالما تمنيت أن أحكي لكم عن هذا الرجل الذي علمني الرجولة والكرامة والشموخ، وعن هذا الخِضم من المعرفة والعلم.. صدقوني، أنا لا أشكر فيه لكونه أبي، وإنما لأني عرفت عنه القليل سواء في حياته أو بعد مماته.. عرفت منه كيف أقف أمام الكبير رغم سطوته بإباء وشمم، وأرفض أن أشترك في الخطأ مهما كلفني هذا.. عرفت كيف لا أحني رأسي لريح مهما بلغ عتيها.. تعلمت كيف أفعل الخير في الخفاء.. فهمت معنى الصمود أمام الأزمات، وكيف لا أتركها تفت في عضضي..

عرفت أبي وأنا صغير، وصادقته ما أن شعر بأنني صرت كبيرًا.. وثق بي، واستند علي واحتضنني، وافتقدته في نجاحي في الليسانس والماجستير.. وفي إكليلي بحثت عنه بين الحضور لم ألمح وجهه، ولكن وجدته في حب الناس لي، واحترامهم لثمرته التي تركها.

عزيزي القارئ، اعذرني. فأبي لم أكتب عنه مطلقًا، ولكنني كتبت له أناجيه كثيرًا، وتكلمت معه أكثر. ودعني أقول لك إن أكثر قرارات حياتي حساسية وحسمًا إتخذتها معه رغم موته. فقرار تركي شغلي يومًا ما حين شعرت بالظلم ناقشته معه رغم أنه كان قد مر على موته أكثر من ثماني سنوات، وسألته لو كنت مكاني هل كنت سترضى بالظلم؟ فقال: "لا". وسألته ماذا كنت ستفعل؟ قال: سأحاول تغيير الأمور، وإن لم أستطع سأهجرهم، وهو ما فعلته.. قرار زواجي شاركني فيه، وأحمله المسئولية فيه، مثله في ذلك- بل أكثر- مثل من شاركني في إتخاذه.

وثقت بأبي، واعتبرته نموذجًا للرجولة، والأبوة الواثقة، والقوة الناعمة. لم يكن أبي رومانسيًا بل عمليًا. إتسم بأخلاق الفرسان في زمن لا يعرف تلك الأخلاق، فمات شريفًا رافعًا الرأس، حتى أنه بعد موته بتسع سنوات نقلت لي إحدى صديقاتي التي تعمل بنفس البنك الذي عمل به، كيف حكى أمامها عنه وعن شرفه وأمانته، زملاؤه الذين عاصروه دون أن يعرفوا أنها تعرف ابنه، وكيف كانوا يضربون به المثل في النزاهة ورفضه للرشوة والفساد..

والآن، اسمح لي عزيزى القارئ أن أطبع قبلة عرفان بالجميل على جبين أبي في يوم عرفت فيه قيمة ما رسَّخه في وجداني وعقلي من قيم نبيلة وخلق حسن. واعذرني يا والدي في تأخري عن الكتابة عنك، رغم أن أستاذي الدكتور "محمد مؤنس"، اقترح عليَّ منذ وفاتك، أن أكتب عنك كتبًا، لكنني يومها ما كنت أستطيع، وللآن لا أستطيع. لكنني أعاهد نفسي وأعاهدك أن أفعلها حال ما أجد في نفسي القدرة على اجترار ذكرياتي معك دفعة واحدة دون أن أصاب بانهيار نفسي وعصبي، وأكون قادرًا على مكافحة انهمار الدموع التي أثق في أنها ستغالبني فور عملي عمل كهذا.

المختصر المفيد، الله يرحمك يا أبي ويا ليتني أكون أبًا مثلك.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :