أين حقوق الاقليات؟
بقلم: حنا حنا المحامي
الاعلان عن انتخابات مجلس الشعب فى ديسمبر القادم. كما تم تحديد لجان الانتخاب باراده منفرده دون الاعلان عن معناها أو مغزاها أو السياسه التى تحددت على أساسها. ولكن الاهم من هذا كله هو أن هذه اللجان لم تحدد أية ضمانات لتمثيل الاقليات, وهذا حق كفلته كل المواثيق الدوليه وحقوق الانسان. خاصة أنه من البادى أن ثمة إصرار بشأن فرض الماده الثانيه والتى تنص على أن الشريعه الاسلاميه المصدر الرئيسى للتشريع.
وهذا النص المفروض أنه يطبق على كل إنسان يقطن على أرض المحروسه. سواء كان هذا الانسان يعتنق الدين الاسلامى أم لا, وسواء رضى بتطبيق هذه الماده وأحكامها أم لا.
والذريعه أن هناك ديمقراطيه فى الانتخابات. وهذه الديمقراطيه المزعومه تكفل للاغلبيه أصحاب الدين الاسلامى أن يفرضوا أحكام دينهم على الاقليه الغير مسلمه.
ولا شك أن هذه مغالطه واضحه وجليه لكل من يريد أن يحكم ضميره. ذلك أن حكم الاغلبيه يسرى على حكم الافليه فى المسائل السياسيه فقط. فمثلا انتخاب زيد أو عمرو يكون هو الفائز إذا كانت الاغلبيه هى التى تريده. ومن المعروف أن الاغلبيه تعنى أكثر من النصف. وطبعا إننا هنا نستبعد الاغلبيه الخياليه مثل 99 وتسعه دائره أو بصوره أكثر ذكاء بنسبة .77.9% وما إلى ذلك من استخفاف بعقول الشعب وبحقه بل وبكرامته. وحين نقول المسائل السياسيه فهذا يعنى المسائل التى تخص كل أفراد الشعب دون استثناء بكل طوائفه وأطيافه.
والمحك هنا شخصية المرشح وتاريخه وبرنامجه المستقبلى ونظرته المستقتليه ..... وما إلى ذلك..
ولكن لا يدخل بالطبع ديانة المرشح ولا ديانة الاغلبيه. ذلك أن الديانه تكون ملازمه للفرد طوال حياته لا تتغير. فلا يقال مثلا البرنامج الدينى لفلان أو علان. ذلك أن الديمقراطيه معروف أنها مبدأ سياسى وليست مبدأ دينيا.
وبالمثل لا يجوز إذا ارتضينا أن تكون الشريعه الاسلاميه مصدرا رئيسيا للتشريع, أن يكون هذا النص مبدأ ديمقراطيا يتحدد بالانتخاب. ذلك أنه من المعروف أن الدين ملازم للشخص لحظة ولادته حتى أنفاسه الاخيره. وفى هذه الحاله لا يكون طرحه للتصويت إلا من باب الخداع السياسى. ومن ثم يكون الهدف أيضا خداعا سياسيا. ذلك أن النص دينى ولكنه يفرض على الكافه بوسيله ديمقراطيه. فهل نتصور أن نصا ينادى بتطبيق أحكام الكتاب المقدس يمكن طرحه للتصويت ونتصور أنه قد يفوز أو لا يفوز علما بأن أغلب السكان يدينون بالدين الاسلامى؟
وإذا كان الحاكم يبدأ بخداع الشعب فلن يكون هذا الحالكم محل ثقه.
هذا من الناحيه السياسيه والاخلاقيه.
أما من الناحيه العمليه فإذا فرضت الاغلبيه أحكام دينها على الاقليه بواسطة خدعة الديمقراطيه والانتخاب والتصويت, فإن روح الشقاق أو السيطره أو التعالى أو التحدى سوف تسود الشعب صاحب الاغلبيه, أما الاقليه فسوف يسود لديها الاحساس بالظلم والتجبر ويتولد لديها الرغبه فى التحدى من أجل العداله والمساواه. على ذلك سيظل قطبى أو أقطاب الوطن الواحد فى صراع دائم ودائب الامر الذى يعود بالسالب على الدوله وازدهارها وتقدمها.
وبذلك نكون قد تحركنا إلى الوراء وصممنا على ألا نواكب ركب التقدم بل سنظل فى صراعات دائمه ودائبه إلى أن يرث الله الارض وما عليها ونحن فى مؤخرة الشعوب.
على ذلك صدق المرشح سواء لمجلس الشعب أو الرئاسه يتحقق من مدى قبوله لهذه الماده. بكل صراحه ووضوح إذا كان الحاكم يريد دوله مدنيه ويسعى إلى أن يجعل منها دوله تتبوأ مكانتها التى تستحقها فيتعين إغفال الماده الثانيه.
كذلك من باب المغالطه والغش السياسى القول بأننا ننادى بدوله مدنيه وفى نفس الوقت نحكمها بنصوص دينيه. مغالطه تدعو إلى التشاؤم وتنبئ بعدم الجديه للعمل على نهضة مصر. فالتصويت الانتخابى يتعين دون أدنى تهاون أن يكون ذلك التصويت واردا على أحكام ونصوص مشتركه بين الجميع دون استثناء. وهذا لن يتأتى إلا إذا كان الانتخاب على مسائل سياسيه بحت.
من ناحية أخرى؟ ما هى ضمانات الاقليات سواء تدين بالمسيحيه أو بأى مذهب إسلامى أخر غير مذهب الاغلبيه أو لا تدين بأى دين؟ ليس من حق إى إنسان يدعى الديمقراطيه والعداله أن يتنكر لأى إنسان, كائنا من كان, فى حقه من الضمانات الكافيه التى يمارس بها عقيدته أو مذهبه فى حرية تامه دون تعنت أو تعصب من السلطه الحالكمه التى تدين بدين الاغلبيه. والامر ينسحب أيضا على كل نشاطات الحياه من عمل وترقى وتبؤ للمناصب دون أى استثناء.
فمثلا كيف يمكن أن نثق بمرشح يعلن أنه سوف يحقق المساواه؟ بينما الدستور نفسه لا يحقق مثل هذه المساواه؟
إذا كان الامر إرضاء للاغلبيه فهنا يكون مكمن الخطوره. ذلك أن الحاكم الذى يسعى إلى إرضاء الاغليه على حساب العداله والمبادئ الساميه يكون حاكما ضعيفا يخشى الشعب ويضحى بالقيم والمثل العليا من أجل إرضاء من لا يريدون العداله والمساواه. أما الحاكم الصلب صاحب المبادئ هو الذى يدرب الشعب على التأقلم على مبادئ العداله والمساواه.
وإذا وصلنا إلى أن العداله والمساواه فقط هما اللذان يحققان تقدم الدول والشعوب يكون من الثابت أن تلك المساواه لا يمكن أن تتحقق إلا بحذف أى ماده من شأنها وجود الفرقه والتفرقه بين أعضاء الجسم الوطنى.
يترتب على ذلك أنه يتعين أن تكون الاقليات ممثله فى المجالس النيابيه. فكيف يتم ذلك فى الجو المشحون بالتوتر الطائفى والتعصب الاعمى الذى تفصح عنه تصرفات المتطرفين مقرونه بحماية السلطه الحاكمه سواء كانت المجلس العسكرى أو رئاسة الوزراء أو الشخصيات المسئوله عن أمن البلاد والعباد والتى تتقاعس عن حماية ضحايا التطرف والمتطرفين وتسمح بالتعدى على المقدسات الدينيه مثل ما يحدث فى قنا من السلفيين سواء فى الماضى القريب أو فى الحال ناهيك عن الاستقبال.
لا شك أن هذا الجو المشحون بالتعصب لن يؤدى إلا إلى تهميش الاقليات تهميشا قاطعا وظالما. إن موقف المجلس العسكرى والحكومه يمثل استمرارا لما حدث فى الماضى القريب, فلا شك أن سلسلة الاحداث سوف تكون حبلى بنفس النتائج التى تلغى الاقليات وحقها فى المشاركه فى حكم البلاد .. وأيضا فى حقها فى المشاركه فى سن تشريعات وطنها.
من هنا لا نجد أية مندوحه من ضمان تمثيل الاقليات فى هذه المرحله. وذلك لن يتأتى إلا بالتمثيل النسبى لكل الطوائف والاقليات.
أما إذا رأت السلطه الحاكمه تقنين التطرف ووضعه فى إطار ديمقراطى بدعوى حرية الانتخابات على النحو الذى تم فى انتخابات الاعلان الدستورى والذى افترض سذاجة الشعب المصرى, فتكون الحقيقه المره أن الثوره قد سرقت فعلا بمن لا يملك ولا يستحق.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :