جديد الموقع
نداء إلى سكان المريخ!!
بقلم: سحر ماهر
"كل الناس وكل أصحابي حذروني.. بس أنا مااهتميتش بكلامهم.. كان عندي هدف لازم أحققه.. كان نفسي أعيش حر بكرامة.. كنت بعمل كل اللي أقدر عليه بتنبيه الناس بالخطر اللي جاي عليهم.. كنت بنادي بالحرية بالكرامة.. اتكلمت عن حاجات كبيرة ممنوع وخطر الكلام فيها.. بس ماخوفتش.. كان كل همي حقي وكرامتي.. حتى الناس اللي كنت بنادي بحريتهم وحقوقهم، اضطهدوني بسبب 60 سنة فساد تحت ظل حكم عسكري أفسد تفكيرهم وتمييزهم لحقوقهم ومصالحهم.. لكن كل ده ماوقفنيش.. اتعرضت لمشاكل ومحاولات اعتقال كتيرة قبل ثورة 25 يناير.. لكن بالضغط الدولي على النظام كنت بخرج بعد ساعات أو أيام قليلة جدًا.. وقامت الثورة.. فرحت بيها أوي وقولت أخيرًا الشعب المتخدر فاق..
راهنت على الشعب وكان عندي أمل كبير أوي إنه يغير شيء وإنه يستمر في ثورته لحد ما ينفذ كل مطالبه.. واللي كانت حرية وكرامة إنسانية، ودولة مدنية لا دينية ولا عسكرية.. وكانت صدمة بالنسبة لي إن الشعب تقبَّل الجيش في السلطة.. ومش بس تقبَّله إنما كمان كان فرحان بوجوده.. الشعب اللي أنا راهنت عليه هو نفس الشعب اللي ما أخدش باله إن وجود الجيش في السلطة وحكم البلد غير دستوري.. وإن المجلس العسكري إتعيَّن بواسطة رئيس مخلوع مالوش أي صلاحية لتعيين بديل في منصبه.. وإن الجيش والمجلس كانوا ولايزالون جزءًا من النظام القديم.. وإننا بالفعل تحت حكم عسكري من عام 1952 ولم نحقِّق أي شيء وعشنا بدون كرامة..
ذُهلت؛ إزاي نسى مطالبه بالدولة المدنية واستسلم للواقع كالعادة وأقنع نفسه أنه الأفضل؟؟.. وقتها كتبت مقالًا بحثيًا عن أفعال الجيش بعد الثورة ومن وقت توليه السلطة.. كتبت فيه عن انتهاكات الجيش والشرطة العسكرية ضد المتظاهرين، من ضرب واعتقالات وغيره.. تكملت عن حبس وتعذيب المتظاهرين داخل المتحف المصري يوم 9 مارس على أيدي قوات الجيش والشرطة العسكرية.. تكلمت عن أحداث كشف العذرية للفتيات.. وكل ده ماكانش مجرد رأي، إنما كان بحثًا موثقًا بالفيديو والصور والمقالات والأخبار من صحف موثوق فيها.. أنا ماصنعتش خبر ولكن فقط نقلته.. رصدته عشان أنبه الناس إنهم في خطر، وإن الجيش مش ملاك، وإننا كنا عاوزين دولة مدنية.. وكنت بنبه الجيش إنه مايخسرش رصيده واحترامه عند الشعب بسبب تصرفات بعد قيادات الجيش والمجلس العسكري.. وأنه لابد من التحقيق فى كل الانتهاكات اللي حصلت ومنع حدوث أي انتهاكات أخرى.. وبعد ما نشرت بحثي الأول كنت في اجتماع في مركز "هشام مبارك"، وأعلنت عن نشر الجزء الثاني من بحثي خلال أيام..
وبعدها بأيام قليلة، كنت في بيتي بتابع الأخبار.. وفجأة، سمعت خبط جامد على الباب.. حسيت إن في كارثة.. فتحت الباب، اتفاجئت بمجموعة من أفراد الجيش والشرطة العسكرية برتب مختلفة.. قبضوا عليَّ وماسمحوليش أبلغ أهلي أو أصحابي أو حتى المحامي.. وبعد 12 يوم في التحقيقات والمحكمة العسكرية.. اتحكم عليَّ بـ 3 سنين سجن و200 جنيه غرامة.. بتهمة إيه؟!! بتهمة إهانة المؤسسة العسكرية ونشر أخبار كاذبة عن الجيش.. وتم إسقاط التهمة الثانية بعد أن أثبت المحامين أن كل الأخبار اللي نشرتها مستمدة من صحف أخرى وموثَّقة بالصوت والصورة.. أما التهمة الأولى اتعاقبت عليها بالسجن 3 سنين.. كل ده بسبب إني انتقدت انتهاكات المؤسسة العسكرية، وبدل ما يعتذروا عنها أو يحققوا فيها، اعتبروها إهانة أستحق عليها السجن 3 سنين من أجمل سنين عمر أي إنسان..
افتكرت وقتها صديقي "كريم عامر"، اللي اتسجن 4 سنين بتهمتين.. أحدهما ازدراء أديان فقط لأنه غير مسلم.. والأخرى إهانة رئيس الجمهورية وقتها، وهو الرئيس المخلوع "حسني مبارك".. والمفارقة هي أنه اتعاقب على ازدراء الدين بالسجن سنة.. وازدراء الرئيس بالسجن 3 سنين.. وده يوضِّح قد إيه إحنا في دولة بتقدس الحكام حتى عن أقدس الأشياء عند أي إنسان متدين وهو الدين والإله.. وده اللي حصل معايا.. اتعاقبت على نقد الكيان الحاكم المتمثل في العسكر بقيادة المشير "طنطاوي" بالسجن 3 سنين.. دخلت السجن، ودي من أصعب تجارب حياتي.. كان عندي مشاكل صحية بسبب انخفاض ضغط الدم اللي بيأثر على القلب.. زاد مرضي أكتر جوه السجن.. حسيت أكتر بانتهاك حقوقي وحريتي وكرامتي.. افتقدت أهلي وأصحابي وحياتي وكل حاجة جميلة كنت بحبها.. فاضل ليا شيء واحد بس.. "قلمي".
كان هذا الحديث دائرًا في عقل "مايكل نبيل" في ذلك الركن المظلم داخل أحد زنازين سجن "المرج".. نقلته لكم من خلال معرفتي الجيدة واحساسي بـ"مايكل".. الإنسان المحارب من أجل الحرية والحق..
أقف متفرجة، مكتوفة الأيدي، أمام المهزلة السياسية التي تحدث حاليًا في "مصر".. أتابع تصرفات النخبة السياسية، والتي من المفترض أنها دائمًا مدافعة عن حقوق الإنسان وعن حقه في التعبير.. ولكن أحدًا منهم لم يفعل أي شيء تضامنًا مع "مايكل" سوى قلة معدودة.. طلبنا منهم أن يكتبوا شيئًا عنه أو يزوروه في معقله أو يطالبوا بالإفراج عنه بما لهم من شعبية كبيرة.. لكن لا حياة لمن تنادي.. تضامن معنا العديد من الصحف العالمية والنشطاء الدوليين والسفارات الأجنبية.. لكن ماذا عن أبناء الوطن؟!! المتحدثين دائمًا بلسان حال الدفاع عن الحقوق والحريات.. ما كان لهم سوى الصمت العميق.. بحجة أنهم مختلفون مع بعض آراء "مايكل" ولا يستطيعون التضامن معه، رغم رغبتهم، حتى لا يؤدي هذا إلى انخفاض شعبيتهم لدى الشعب..
يا لها من ازدواجية راسخة داخلهم.. إذا كانوا هم يدَّعون أنهم أول المدافعين عن الحرية وحقوق الإنسان.. و"مايكل" إنسان له كل الحق في التعبير عن رأيه بشكل سلمي.. فكيف لهم أن يرفضوا التضامن معه؟!!
أصطدم بواقع مؤلم.. إن قوى المعارضة والدفاع عن حقوق الإنسان قوى ليست شفافة مثلما اعتقدت سابقًا.. وإنما تكيل بمكيالين لخدمة مصالحها أولًا.. فرغم إدعائهم دفاعهم عن مباديء مهمة، ولكنهم يدافعون عنها فقط عندما تتفق مع آرائهم ومصالحهم الشخصية..
وأيضًا النشطاء السياسيين والحقوقيين، الذين دافع عن حقوقهم "مايكل" سابقًا، وتضامن معهم رغم اختلافه مع بعض أفكارهم، إيمانًا منه بحقوقهم- لم يبادلوه نفس الموقف النزيه..
"مايكل" المدافع عن الحرية يرقد الآن وحيدًا خلف تلك الأسوار اللعينة، لا يدافع عنه من هؤلاء سوى القليل.. ولا يعمل من أجله سوى مجموعة من الأصدقاء والنشطاء المتضامنين معه، إيمانًا منهم بحقه- كإنسان- دون النظر إلى مدى إتفاقهم أو اختلافهم مع آرائه..
وهنا، لابد من ذكر موقف آخر.. عندما تم القبض على ناشطة سياسية والتحقيق معها بتهمة أكثر خطورة من تهمة "مايكل"، وهي التحريض على الاغتيال، سرعان ما انتفض الجميع- وأنا منهم- وثاروا من أجلها، ومن أجل حقها في التعبير عن رأيها وعن غضبها.. وبسبب ضغط القوى السياسية تم الإفراج عنها بعد يومين. وتساءلت: أين كان كل هؤلاء عندما تم القبض على "مايكل"، ومن بعدها الحكم عليه بثلاث سنوات، وعندما ناشدناهم بالإنضمام لحملة الدفاع عن "مايكل نبيل"؟!! أم أنهم يؤمنون بالحق في حرية التعبير لأشخاص بعينهم دون سواهم؟؟!!
عندما علم "مايكل" بذلك أصابه إحباط شديدوإحساس بالظلم لا حدود له.. فإذا كان هناك من يستطيع الدفاع عن غيره إلى هذا الحد، لماذا لم يدافع عنه هو أيضًا؟؟.. أستطيع تقدير شعوره، والإحساس به وبما يدور داخله من إحساس بالتمييز والاضطهاد.. ربما بسبب معتقداته.. ربما بسبب أنه شخص سلامي في عالم مليء بالأسلحة.. ربما لأنه يعلم حقوقه جيدًا ومتمسك بها في عالم مليء بالجهلاء..
وما كان لديه سوى آخر ما يملكه للدفاع عن حقه.. وهي حياته.. قرَّر "مايكل نبيل" يوم الثلاثاء 23 أغسطس، الدخول في إضراب عن الطعام حتى الموت أو الإفراج غير المشروط عنه.. طالب "مايكل" بالإفراج عنه مثلما أُفرج عن غيره، إيمانًا منه بأن حرية التعبير حق وليست جريمة، وبالتالي مكانه ليس داخل سجن "المرج"، وإنما موطنه هو الكون يعيش فيه حرًا طليقًا.. "مايكل" قرَّر إما أن يعيش حرًا أو يموت بكرامته ويرحل من هذا العالم المليء بالظلم..
أخبرني "مايكل" أنه يفضِّل الموت على البقاء في ذلك الجحيم لليلة واحدة أخرى.. يفضله على ذلك الشعور القاتل بالظلم وبالرفض..
تمر على أذني الآن أحد أشهر مقولات "مايكل"، وكأني أسمعها منه "يعني أنا مضطهد في مصر، وحكومة نتنياهو بتعمل المستحيل علشان مدخلش إسرائيل، ودلوقتي بيقولولي متجيش لبنان علشان حزب الله مش هيعتقك، والبعث السوري بيني وبينه معزة قديمة ومش هعرف أدخل سوريا تاني في ظل وجود النظام البعثي، وأمريكا وبريطانيا عاملين نفسهم ميعرفونيش... أنا كدة شكلي هقدّم على لجوء سياسي في كوكب المريخ، كوكب الأرض متآمر ضد مايكل نبيل"..
حقًا، أشعر الآن بأن كوكب الأرض متآمر ضد "مايكل" وضد أي إنسان مختلف..
بالفعل، كان لديك كل الحق يا مايكل..
فبعد تلك المهزلة الحادثة.. ليس لدينا سوى اللجوء إلى كوكب المريخ.. ربما كان سكانه أكثر عدلًا..
وبناءًا عليه.. قرَّرت أنا "سحر ماهر"، توجيه استغاثة إلى سكان كوكب المريخ..
أغيثونا باسم الحق.. باسم الحرية..
في انتظار استجابتكم!!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :