ليت الجميع يكونوا مثل عائشة!
"عائشة" أسم تردد فى مقالاتى، وهو أسم مستعار لشخصية حقيقية. هى شابة مسلمة نابهة، تعمل بالتدريس فى فى احدى الجامعات المصرية. كل ما ذكرته عنها فى مقالاتى كان حقيقيا ليس فيه شىء من صنع الخيال. وقد فضلت ان لا أفصح عن اسمها الحقيقى حفاظا على خصوصياتها، وتفاديا لأى احراج يمكن أن ينتج عن ذلك.
أول معرفة لنا بعائشة كان عن طريق ايميل وصلنى منها تطلب فيه اجراء مقابلة فى نطاق بحث تحضره لدرجة الدكتوراة عن الأقباط. وعلمت بعدها انها حضرت الى لوس أنجلوس للدراسة فى احدى جامعات لوس انجلوس ولاستكمال البحث. وكانت قد عملت مقابلة مع نيافة الأنبا سرابيون أسقف لوس أنجلوس وطلبت منه اسماء آخرين لعمل نفس الشىء فأعطاها اسمى.
كان لقائى بعائشة بداية عدة مقابلات معى وزوجتى وكانت فى البداية تصحب أباها الذى جاء معها الى لوس أنجلوس وبعد فترة رجع الى مصر. توطدت علاقتنا بعائشة لدرجة اننى اعتبرتها مثل ابنتى. وفى مرة قلت لها مداعبا اننى الآن لدى ابنتان واحدة مسيحية والأخرى مسلمة. كنا نتكلم دون حرج فى كل الموضوعات وكنا نعبر عن رأينا بصراحة وكنا غالبا نتفق ونادرا نختلف ولكن الخلاف لم يفسد يوما بيننا للود قضية.
كانت عائشة قد جاءت وهى محملة بأفكار مسبقة ومنها ما يقال عن أقباط المهجر فى الاعلام المصرى. وفى مرة عبرت عن تعجبها لما رأته وكيف أن أناس غابوا عن مصر40 عاما مثلنا ولكن ما زالوا مصريين من كل ناحية. ما زلنا نتكلم اللغة العربية، ونأكل الملوخية والكباب والفول المدمس والفلافل والبذنجان أبو خل والمخلل البلدى والبقلاوة والبسبوسة، ونتمتع بسماع أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ. (فاتنى أن أذكر أنه حتى المش لم نحرم منه فى أمريكا وإن كان يعتبره البعض مضروب (مغشوش) لأن المش الأمريكانى خال من الدود!).
انتهت فترة دراسة عائشة وحان وقت عودتها. وبعد وصولها للقاهرة كانت تتصل بنا من وقت لآخر وتحكى لنا أحوالها وبالذات عندما كانت تواجه بعض الصعوبات فى الدراسة وكانت تطلب منا ان ندعو لها فى الكنيسة فى صباح الأحد ان يذلل الله لها هذه المشاكل. أما من ناحيتى فلم أشك قط أن مجهودات عائشة سوف تكلل بالنجاح وكم كان سرورى بالغا عندما علمت انه قد تمت مناقشة رسالتها وانه تم منحها درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف، وأن بعض ما ذكرته فى حوراتى معها مدون فى تلك الرسالة، وأنتظر بفارغ الصبر نشر الرسالة.
أخر مقالة أشرت فيها الى عائشة كان مقالى السابق بعنوان "خشبة غيرت مجرى التاريخ" والمقال يتكلم عن كيف أصبح منظر الصليب فى مصر مؤذيا لمشاعر بعض المسلمين خاصة عندا يعلق فوق مبانى الكنائس وبالتالى قد يؤدى الى أعمال العنف واراقة دماء الأقباط وقد ارسلت لها هذا المقال فأرسلت لى تعليق ولكن بعد رفع المقال. وقد رأيت انه من المفيد أن أعيد نشر ما ذكرته عن عائشة فى مقالى الأخير ثم أضيف الى ذلك تعقيب عائشة. والغرض هو ان يعرف الجميع أنه يوجد فى مصر أشخاص أمثال عائشة ممن يؤمنون بالحب والتسامح بين الناس وعسى ان يؤدى هذا الى بث هذه القيم الجميلة بين جميع المصريين
هذا ما ذكرته عن عائشى فى مقالى الأخير عن الصليب
"وفى بيتنا صليبان لهما معزة خاصة عندى. وهذا راجع ليس فقط للمعنى الدينى للصليب ولكن أيضا للمعنى الشخصى الذى يرتبط بكل منهما. الصليب الأول أضعه فى مدخل البيت وقد أهداه لى صديق جاء به من زيارته للقدس.
"أما الصليب الثانى فله أيضا ذكريات خاصة ولذلك أضعه فوق مكتبى ليكون أمام عينى باستمرار. ولهذا الصليب قصة طريفة. لم أشترى هذا الصليب ولم يهدينى اياه أحد أصدقائى المسيحيين. ولكن أهدته لنا شابة مسلمة. والقصة باختصار أن الفتاة التى أعطيها هنا الاسم المستعار "عائشة" كانت قد جاءت الى لوس انجلوس فى بعثة للدراسة والتحضير لدرجة الدكتوراة. تعرّفنا عليها وتوثقت علاقتنا بها فزارتنا فى المنزل عدة مرات وأصطحبناها فى زيارة الكثير من معالم لوس أنجلوس. حدث تقارب ومودة بيننا وبينها لدرجة اننى اعتبرتها مثل ابنتى. انتهت فترة دراسة عائشة وحان موعد رجوعها الى مصر. وفوجئنا بها تقدم لنا قبيل رحيلها هدية تذكارية وكانت هى ذلك الصليب. وبعد رجوعها الى مصر استمرت اتصالاتها بنا وكنت أطمائنها أن هديتها القيمة وهى الصليب مازالت موجودة أمام عينى معلقة على الحائط فوق مكتبى فأتذكرها كلما نظرت اليه.
"لذلك الصليب قيمته الكبيرة عندى لأنه فى عينى رمز للتسامح الدينى الذى أتمنى ان يكون بين كل مسلم ومسيحي فى مصر. ومع إن الإسلام والمسيحية ينظران الى موضوع الصليب كل من زاوية مختلفة، ولكن هذا لم يمنع عائشة ان تهدينا الصليب لأنها كانت تحاول أن تقدم ما تعتقد انه سوف يسعد الطرف الآخر. وهذا معناه انها كانت تجد راحة فى ارضاء الآخر المخالف فى العقيدة باظهارتقديرها لمقدساته."
وهذا تعقيب عائشة وهى تروى قصة ذلك الصليب:
أنا عائشة..لايهم الاسم .. كان ذلك دائما تعليق الأستاذ منير على اندهاشى من عدم ذكر اسمى الحقيقى فى أى من كتاباته عن معرفته بى أو بوالدى .. وكنت اندهش دائما ولكنى فى ذات الوقت كنت أشعر بخوفه على خوف الأب على ابنته لأسباب كثيرة قد تبطش بى تحت وطأة "أمن الدولة" ولحساسية موضوع دراستى الذى قدمت للولايات المتحدة من أجله!!.
قدمت للولايات المتحدة عام 2009 بمنحة خاصة من مؤسسة أمريكية عريقة لجمع مادة علمية خاصة بموضوع رسالتى للدكتوراه "مطالب الأقباط فى مصر بين التضمين والاستبعاد" وكنت أبحث عن كل ماهو له علاقة بموضوع دراستى بالولايات المتحدة من كتب ومراجع وأشخاص ومؤسسات .. لم أتواكل فى البحث وقابلت كبار الشخصيات القبطية الدينية والعلمانية بمصر وأمريكا. ولن أنسى مساندة أحدهم ، وهو رجل دين، "لو احتجتى أى حاجة إحنا هنا أهلك بعد ما بابا يرجع مصر" .. لن أنسى الدعم الذى شعرت به من مصريين تجاهى لمجرد الشعور بالارتياح بين مصريين فى الغربة لاتجمعهم سوى مصريتهم ولايفرقهم دينهم أو سلالتهم
أما الأستاذ منير فهو حقا أبى .. شعرت بالحب والحنان والخوف على فى عينيه عندما أختفى لأعد شيئا ما فى دراستى ولا أتصل به بشكل منتظم .. شعرت بأمومة زوجته (مدام مارى) لى وخوفها على عند تأخرى عن الوصول لمحل إقامتى بغرب لوس أنجلوس فى ساعة متأخرة من الليل.. قابلت الشوق فى عينيهما عند مغادرتى للولايات المتحدة وتصميمهما على وداعى فى المطار ... هذا بجانب النصائح والمساعدات المقدمة لى طيلة فترة بحثى والتى كللها الله لى بالنجاح والحصول على الدكتوراه .
تساءلت داخلى.. أليس هذا الرجل مسيحيا؟؟ ألا يؤمن بصلب المسيح ؟؟ لأجد نفسى أتذكر أمرا واحدا :أنه مصرى لاينتظر منى شىء .. ولن تعود علاقته بى بأى مصلحة بل على العكس أنا الذى أحتاج إليه .. وإن كان لإيمانه بالصليب وبالمسيح هذا الفضل فى التحلى بهذه الأخلاقيات وهذا الحب -الذى لم أجده منه فقط بل من كل من ساعدنى من المصريين الأقباط المقيمين هناك والذين وصلت درجة التقارب بيننا إلى الإقامة فى بيوت أحدهم إقامة كاملة- فلهذا الإيمان احترامه ووجوب تبجيله بغض النظر عن معتقداتى التى أؤمن أنا بها وأعتز أيضا.
جاء عيد الميلاد المجيد .. وطرأت الفكرة .. أحترم هذا الشخص وأحبه وعلى أن أبحث عما يحبه كى أرد جزءا بسيطا وأسعده كما أسعدنى ... إنه الصليب الذى يقدسه والذى أحترمه ... قمت بشرائه واخترته من بين عشرات الصلبان لأغلفه وأرسله بنفسى أمام منزله لأسمع صوته بعدها بساعتين فرحا لأجد نفسى فى منتهى الفرح لفرحه وسعادته.
ساعات بعدها لأسمع دوى أحداث نجع حمادى 2010 ولتطرأ فى رأسى التساؤلات والمقارنات بين علاقتى بالاستاذ منير وبين مايحدث من مسلمين ومسيحيين أيضا فى سياق مختلف وعلى أرض مغايرة ... لماذا هذا الاختلاف؟؟ لماذا ما يحدث بينى وبين آل منير لايتكرر فى نجع حمادى مثلا؟ وإن كان يتكرر لماذا العداء هو الذى يبرز على السطح؟؟ هذه التساؤلات هى ماحاولت الإجابة عليها وتحليل أسبابها فى دراستى.
اسمى الحقيقى لايهم... لاتفرق أن أكون عائشة أو مارى... فاطمة أو ميريت... اسمى الحقيقى "مى" الذى قد يكون مسلما أو مسيحيا والذى يحير أصدقائى الجدد ويصرون على الكشف عن باقي الاسم لعل وعسى أن يحمل محمدا أو أحمدا أو جرجسا أو وليما!! ناسين أن الدين فى القلب وليس فى الاسم.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :