الأقباط متحدون | لو قال سليمان: اشطروا الأم قسمين؟!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٥:٢٤ | الاثنين ٢٦ سبتمبر ٢٠١١ | ١٥ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٢٨ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

لو قال سليمان: اشطروا الأم قسمين؟!

الاثنين ٢٦ سبتمبر ٢٠١١ - ١١: ٠١ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بقلم: منير بشاي- لوس أنجلوس

الاحتقان الطائفي بين أبناء مصر وصل إلى ذروته في هذه الأيام. عنصرا الأمة من الأقباط والمسلمين اللذين عاشا معًا على مدى قرون لم يعودا قادرين على مشاركة الوطن الواحد. غُلاة المسلمين لا يطيقوا التواجد المسيحي في وسطهم، وأصبحوا يعملون على "تطهير" مصر دينيًا، على الأقل من ناحية الشكل إن لم يكن من ناحية المضمون.

تصور الغلاة أن الحل يكمن فى محو الهوية القبطية من على وجه مصر. بدأنا نلاحظ إعادة تسمية ما تبقى من معالم مصر القبطية. واستمر حظر تدريس تاريخ مصر القبطية ولغتها القبطية. وتمادى العداء لكل ما هو مسيحي حتى أصبح منظر الكنائس بشكلها التقليدي المعروف غير مقبول. وإذا كان لابد من وجود كنائس فلا يجب أن تكون ظاهرة في الشوارع العامة أو على خطوط السكك الحديدية، أو عند مداخل المدن أو إلى جوار المساجد (انظر الشروط العشرة لبناء الكنائس للعزبي باشا). وأصبح هناك اتجاه لتغيير الشكل التقليدي المعترف به للكنائس. فإذا بنيت كنيسة يجب أن من يراها لا يعرف أنها كنيسة، وكأن الكنائس أصبحت عورة يجب تغطيتها عن الناظرين. فلتكن الكنائس مبانٍ بدون قباب أو منارات أو أجراس، وأهم من ذلك كله أن تكون بدون صلبان (راجع ما حدث فى قرية الميريناب بأسوان).

وأصبح الوجود المسيحي في الأعمال الشعبية الظاهرة غير مرغوب فيه. أطفال المسيحيين في مصر يمكنهم لعب كرة القدم في الحارة أو على المستوى البدائي في النوادي، ولكنهم غير مرحب بهم في فرق النوادي الكبرى، ولا يستحب أن يشتركوا في تمثيل بلدهم في الفريق القومي. الممثلون في الأفلام، والمذيعون في الراديو والتلفاز، وكبار المحررين فى الصحف، هم غالبًا من المسلمين. والعدد البسيط الذي فلت من هذا الحصار يحرص عادة على تغيير اسمه أو تغيير فكره بحيث لا يعرف أحد أنه مسيحي. وكنت طوال عمري أتعجب كيف أن المطربين والمطربات في مصر ليس بينهم مسيحيين، وهل السبب أنه قد حل على المسيحيين لعنة الله فحرمهم من موهبة الصوت الجميل الذي يمكنهم من الغناء؟ وأن المكان الوحيد الذي يستطيع المسيحى فيه الغناء ربما في الحمام أثناء الدش؟ وأتساءل هل لو كان "وديع الصافي" و"فيروز" قد ولدا وعاشا في مصر - هل كانا سيعيشان عمرهما دون أن يعرف أحد موهبتهما، أو يسمح لهما بالغناء إلا ربما في المردات الدينية داخل الكنائس؟

هذه مجرد أمثلة لعملية التهميش العرقي والفرز الدينيى الذي طغى على مصر، وحرم المواطن المسيحي من مجرد حق الوجود والظهور كمواطن من الدرجة الأولى، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات.

من الطبيعي أن هذا الفرز والتهميش يقابله رد فعل مسيحي. فمادام القبطي غير مرحب به في مصر، ومادام لا يأخذ حقوقه كاملة، ومادام يعاني كل هذا العنف بما فيه حرق الكنائس وتدمير البيوت وتحطيم المتاجر والقتل وخطف البنات مع التحيز والتمييز والاضطهاد، فإذا من المنطقى أن يظهر الاستنتاج أنه لا يمكن للأقباط أن يستمروا في العيش مع المسلمين في بلد واحد. والحل في نظر أصحاب هذا الاتجاه هو تقسيم مصر وإقامة دولة قبطية في جزء منها.
ولكن كيف يتم هذا؟ واضح أن الحل المقترح أصعب من المشكلة القائمة. ويحتاج إلى حكمة سليمان أو أكثر.

سليمان الحكيم له خبرة واسعة في قضايا التقسيم. وكلنا نتذكر تناوله للمشكلة التي جاء ذكرها فى سفر الملوك الأول الأصحاح الثالث عدد 16-38. والقصة تحكي أن إمرأتين تعيشان في بيت واحد ولدت كل واحدة منهما ابنًا في يومين متتاليين. وفي ذات ليلة اضطجعت إحدى المرأتين على ابنها أثناء الليل فمات. ولما رأت المرأة أن ابنها قد مات أخذته ووضعته إلى جانب المرأة الأخرى وأخذت ابن تلك المرأة عوضًا عنه. وفي الصباح عندما حاولت المرأة الأخرى إرضاع ابنها عرفت أنه ميت، ولما نظرت إليه بالتدقيق عرفت أنه ليس ابنها وأن ابنها الحقيقي ما زال حيًا مع المرأة الثانية. ذهبت المرأتان المتنازعتان إلى سليمان ليقضي بينهما. وكان واضحا أمام سليمان أن واحدة هي أم الطفل الحي وأن الأخرى كاذبة. وبحكمته فكّر في طريقة يميز بها الأم الحقيقية من الأم المزيفة. أمر سليمان أن يأتوا له بسيف ثم أصدر أوامره "اشطروا الولد الحي إلى اثنين واعطوا نصفًا للواحدة ونصفًا للأخرى" وهنا انزعجت الأم الحقيقية على ابنها وطلبت أن يعطي الملك الطفل للمرأة الأخرى. أما الأم الكاذبة فلم تمانع من التقسيم وقالت لا يكون الطفل لي أو لك. وهنا عرف سليمان من هي الأم الصادقة وهي التي لم تقبل تقسيم ابنها وفضلت أن تحرم منه عن أن تراه يقتل أمام عينيها.

قضية تقسيم مصر تختلف قليلا عن القضة التى عرضت أمام سليمان. الفارق أن القضية القديمة كانت عن أمّين تتنازعان على طفل واحد. أما فى حالة تقسيم مصر ففريقين من الأبناء يتنازعان على أم واحدة. وهناك أصوات تنادى بتقسيم هذه الأم ليعطى لكل مجموعة من الأبناء قطعة منها.
موضوع تقسيم مصر هو موضوع كبير وخطير ومثير وذو شجون. وليس هدف هذا المقال تناوله وتفنيده من جميع الوجهات المؤيدة والمعارضة وإصدار رأي فيه.

كل ما أريد أن أقوله هنا أنه إذا عرضت القضية على سليمان الحكيم، وعندما يطلب سليمان أن يأتوه بالسيف ويصدر أمره "اشطروا الأم (مصر) قسمين" واعطوا لكل من المتنازعين قسمًا، فإننى أرى نفسى رافضًا لهذا الحل مفضلًا أن أفقد مصر كلها عن أن أراها تتمزق أمام عيني.
معنى ذلك أن كل حكمة سليمان لن تستطيع أن تحل مشكلة مصر. وأن الأمر يحتاج لمن هو أعظم من سليمان. وقد قال السيد المسيح عن نفسه إنه أعظم من سليمان "هوذا أعظم من سليمان ههنا" متى 12: 42.
ندعوك يا ملك السلام أن تسكب سلامك على مصر وعلى شعب مصر، وأن تحفظها آمنة من كل شر ومن كل شرير.
mounir.bishay@sbcglobal.net




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :