الإعلام الخاص والمسئولية الوطنية
بقلم: الأب بولس سيدهم
المتتبع للقنوات الفضائية الخاصة خلال وبعد أحداث "ماسبيرو" الأخيرة- والتي كلَّفت "مصر" دم أبنائها الأبرار- لا يمكن أن ينكر الدور الرائع والفكر المستنير للكثيرين من مقدمي البرامج والمتحدثين من الإخوة المسلمين، الذين تفخر "مصر" بهم، والذين أرجو ألا تفوتني هذه الفرصة لأعبر لهم عن عميق إمتناني لهذه الروح العالية في حب "مصر".
وقد اطمأنت قلوب الكثيرين لسماع بوادر انفراج أزمة قانون دور العبادة الموحَّد وخروجه للنور، كما لو أننا كنا نحتاج إلى مثل هذا الزلزال حتى يتم اعتماد هذا القانون وإصداره!!.
غير أنني أرى أن المسألة ليست مسألة إصدار قوانين (يمكن التلاعب بها والتحايل عليها مستقبلًا) بقدر ما هي مسألة أن تُزرع هذه القوانين في وجدان الشعب المصري بأسره، وتكون عقيدة راسخة لديه.
لقد سمعت كلامًا رائعًا عن الاهتمام والبدء بالنشء الصغير، وغرس مبادىء المواطنة والقيم المشتركة بين المواطنين، وعن أهمية أن يتم تدريس هذا في المدارس.
وحيث أن المدارس غالبيتها تتبع الحكومات، ولا يوجد أي ضمان لنوعية من سيقوم بمهمة التعليم وتقديم ما نصبوا إليه، وحيث أن التلفزيون والإعلام الحكومي- بشهادة الجميع- لم يعد مصدرًا مناسبًا لأداء مثل هذه المهام؛ فإنني أقترح أن تتصدى القنوات الخاصة- والتي كثُر عددها بعد الثورة- لهذه المهمة العظيمة، والمساهمة في خلق جيل جديد من النشء لا يعرف التعصب ولا يعرف الضغينة ولا يتعلم كيف يرث ويورِّث الأحقاد.
أذكر حديثًا رائعًا لقداسة البابا "شنودة الثالث" أثناء الصدام بين الدولة والكنيسة في أوائل سبعينات القرن الماضي، إبان أحداث "الخانكة" الشهيرة، وكان الحديث فى مبنى مجلس الشعب في ذلك الحين اضغط هنا للاستماع لهذا الحديث
فقد قال قداسة البابا بالحرف، "إن هناك جوانب مشتركة يتفق عليها المسلمين والمسيحيين؛ مثل المحبة، وفعل الخير، والأمانة، واحترام الكبير، وحب الوطن، وكل الفضائل... إلخ". وطالب قداسته بضرورة تفعيل هذا الأمر، وإصدار المناهج الدراسية لتشمل هذه النواحي، وطبعًا لم يتم شىء من ذلك.
وها نحن هنا نكرِّر الدعوة مرة أخرى، ولكنا نتوقعها من خلال القنوات الفضائية الخاصة.
ماذا يمنع أن يظهر قادة الكنيسة وكبار المفكرين والعلماء المسيحيين ويراهم الأطفال جنبًا إلى جنب مع شيوخ المسلمين، ويخاطبون الجماهير عن الفضائل والقيم التي فقدناها أو افتقدناها في حياتنا، بدلًا من المسلسلات والأفلام الهابطة التي تعج بها قنواتنا، والتي تضر أكثر مما تفيد؟؟!!.
في تصوري أن هذا الأسلوب أقوى كثيرًا من قوانين مكتوبة على الورق، فنحن أحوج ما نكون إلى قوانين مستقرة داخل قلوبنا ووجداننا.
إن كانت هناك نية صادقة لإجتثاث أسباب التوتر والاحتقان بين أبناء الوطن الواحد، فلا أعتقد أن هناك وسيلة أضمن ولا أجدر من هذه.
لقد اعتمدنا سنينًا طويلة على إعلام مبرمج لا يخدم قضية المواطنة ولا يبنى الأجيال، وها هي النتيجة المأساوية، وقد رأيناها بعيوننا وسمعناها بآذاننا.
إنها دعوة مفتوحة للقنوات الخاصة للمساهمة بحق في رأب الصدع وإصلاح ما أفسدته السنون والعهود الماضية، لعلنا نصل إلى "مصر" جديدة في كل شىء. أما ما يصدر من بعض القنوات التي تُبث من خلال القمر المصري "نايل سات"، والتي تهدم كل ما يمكن بنائه، فهذا حديث لنا في مرة أخرى إذا شاء الرب وعشنا.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :