الأقباط متحدون | تكفير المسيحيين عمل عدواني وتحريضي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٦:٠٥ | الجمعة ١٤ اكتوبر ٢٠١١ | ٢ بابه ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٤٧ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

تكفير المسيحيين عمل عدواني وتحريضي

الجمعة ١٤ اكتوبر ٢٠١١ - ٠٧: ١١ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاي- لوس أنجلوس

لا شك أن المذبحة التي حدثت للأقباط يوم الأحد 9 اكتوبر 2011، أثناء قيامهم بمظاهرة سلمية، كانت نتاج جو عام متفجر يعم المجتمع المصري في هذه الأيام، والذي كان لا يحتاج لأكثر من شرارة حتى يشتعل. وهذا لم يحدث من فراغ بل كان نتيجة تراكم الإهمال في معالجة القضية القبطية، أو ربما نتيجة التزام الصمت في وجه ما يحدث لأسباب خاصة، أو ربما عن عمد وتصميم وتخطيط، بسبب قناعات وأيدلوجيات متشددة طغت على العقل المصري. في جميع الاحتمالات لا يستطيع المسئولون في مصر غسل أيديهم من دماء الأقباط. فسواء بإهمالهم أو صمتهم أو ضلوعهم في الجريمة، هم الذين سمحوا لهذه الجريمة أن تحدث وهم وحدهم يتحملون مسئوليتها.
ولكن الشيء الخطيرالذي استجد على الساحة أننا نختبر في هذه الأيام عواصف تكفيرية موجهة للمسيحيين. فتصريحات الإسلاميين التي كانت عادة تتكلم عن المسيحيين بأسلوب تجاملي، وعلى استحياء، أصبحت في هذه الأيام تنادي بتكفيرهم عيانًا بيانًا. وما كانوا يسمونهم بالأخوة المسيحيين أصبحوا يطلقون عليهم اسم النصارى التحقيري الذي يشير إلى جماعة مهرطقة كانت تسكن شبه الجزيرة العربية. بل ولم يصدر التكفير من عامة الناس ولكن من كبار العلماء مثل فضيلة المفتى الشيخ "علي جمعة" والرجل الطيب فضيلة شيخ الجامع الأزهر، وقادة إسلاميين مشهورين مثل "خالد الجندي" والشيخ "البرهامي" وغيرهم كثيرون من السلفيين والمتشددين.
ماذا حدث؟ هذا الأسلوب جديد على مصر. هل المسيحية دين جديد اكتشفتم فجأة عيوبه؟ هل الأقباط طائفة جديدة نزحت حديثًا إلى مصر ولم تكونوا تعرفون عقيدتهم؟ هل اكتشفتم فجأة وجود فروقات دينية بين المسيحية والإسلام؟ كنا جميعًا نعرف هذه الخلافات ونتركها لله ليفصل فيها في يوم الدين. ولكن في هذه الحياة كنا نسعى نحو وجود شيء من التناغم والتوافق الذين لا يمكن التعايش بدونهما. وفي النهاية نقبل ونحترم بعضنا بعضا مرددين القول "لكم دينكم ولي دين".
ولكن ظهرت مؤخرًا كلمات قاسية لوصف المسيحيين وبالذات كلمة "كفار"، وللتخفيف من وقعها كان يقال لنا أن الكلمة لا تعنى إساءة ولكنها هي مجرد وصف لمن تختلف معه في الدين. وربما يكون هذا صحيحًا من الناحية اللغوية، ولكن العبرة بالمفهوم العام للكلمة عند الناس. فلا شك أنه في اعتقاد الكثير من الناس أن وصف من تختلف معه بالكفر يتعدى حدود الخلاف العادي في العقيدة إلى التحريض بالعنف. والمعروف أن هناك نصوصًا دينية ومدارس فقهية داخل الإسلام تنادي بقتل الكفار. وفي هذا يقول "عبد الرحمن عبد الخالق" شيخ السلفيين فى الكويت: "ألله عز وجل لم يبح لنا فقط بغلق لأبواب الباطل، بل قتل صاحب الباطل أيضًا... القول بأن لكل أحد الحرية في أن يقول ما يشاء هذا كلام باطل".
ومن ضمن عاصفة التكفير ما صرح به الشيخ البرهامي رئيس جماعة الدعوة السلفية لقناة دريم أن "المسيحيين كفرة ولكن سيتم التعامل معهم كما أمرنا الإسلام ولن يتعرضوا للعنف"، وفي تصريح آخر قال "هل نعتذر عن القرآن الذي وصفهم بالكفر؟ لعنة الله عليهم". وليس هدف هذا المقال الرد على ادعاءات التكفير أو إثبات صدق إيماننا، فنحن بكل سرور مستعدون أن نتحمل هذه المخاطرة لأننا متيقنون من إيماننا، ورأى الآخرين فينا لا يقدم أو يؤخر شيئًا. ولكن الهدف محاولة وضع أسس للتعايش المشترك يضمن السلام الاجتماعى للجميع . وتعليقي على هذه الادعاءات:
أولًا: إذا كان هناك شيء إيجابي في تصريحات الشيوخ فهو أنه يعلن صراحة ما يبطنون. في المقابل هناك جماعات أخرى مثل الأخوان التي أيضًا تؤمن أن المسيحيين كفار، ولكنهم لا يقولون لنا هذا صراحة، ولا مانع عندهم من إنكار المبدأ من أساسه، بل قد يخرج علينا منهم من يقول أن المسيحيين مؤمنين بالله ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. ولكنهم بعد وصولهم للحكم سينكرون كل هذا ويعتبرونه مجرد رأى خاطىء من أعضاء غير مسئولين لا يمثل رأي الجماعة كلها.
ثانيًا: على المسيحيين أن يفخروا أنهم مخالفون لتوجهات وعقائد السلفيين، ولكن ما هو ليس بمقبول أن يظهر أحد أمام التلفزيون ويستعمل ضدهم هذه الكلمة المسيئة، فيصفهم بالكفر ويعرضهم لاعتداءات المتعصبين. هناك قناعات دينية موجودة عند كل واحد فينا ولكن هناك أيضًا قواعد للأدب والذوق العام، ولغة التخاطب للجماهير أمام الميكروفون والكاميرا، وإطلاق كلمة كافر على إنسان آخر سواء كان جارك في السكن أو زميلك في العمل أو حتى شريكك في الإنسانية هو ازدراء بالأديان وهو غير مقبول مجتمعيًا ومجرّم قانونيًا.
ثالثًا: إصدار حكم عام بأن إنسان ما كافر بالدين كله، وبالتالي سيكون مصيره جهنم، أمر لا يملكه البشر. هذا يعتبر إدانة للناس وهو تدخل غير مقبول في عمل الخالق تعالى اسمه. البشر يحكمون حسب الظاهر وأحكامهم معرضة للخطأ والصواب، ولكن الله يعرف ليس فقط ما نظهره ولكن ما نخفيه داخل قلوبنا. من حق الإنسان أن يدعو لدينه بالحكمة والموعظة الحسنة ولكن عليه أن يتحذر من أن يقوم بدور الديان، فهذا دور هو غير مؤهل له وغير مسئول عنه. ومن يقوم به يضع نفسه حتمًا تحت حكم إدانة الله له في اليوم الأخير.
إنها تصريحات غير مسئولة وغير مسبوقة أن تصدر من مسئولين في الدولة فيحكمون على مواطنين بأنهم كفرة وبذلك يعطون المتطرفين إشارة الضوء الأخضر أن يريقوا دمائهم. وهذا ما رأيناه في الفيديو عندما كانت الدبابات تتعقب الناس لكي تدوسهم تحت الجنازير أو يطلقون عليهم النار بدم بارد وهم يصرخون في وجوههم في غضب "يا كفرة يا أولاد ال....". ولم يكن القصد طبعًا وصف المسيحيين بالاختلاف البريء فى العقيدة بل نعتهم بصفة شنيعة تستحق القتل. هذا هو الجيش المصري الذي وظيفته حماية الوطن والمواطنين. كيف صار هذا الجيش أداة لشتم وقتل المواطنين المسيحيين؟ هل أصبح المسيحيون وهم أصل مصر أعداء لمصر يجب قتالهم وقتلهم بواسطة جيشها؟
أخيرا كلمة أهمس بها فى أذن أصحاب الفضيلة الشيوخ: عقيدتي وإيماني هو اختيار شخصي بيني وبين الله، وهى أمور لا تهمكم ولا تهم غيركم، ولذلك يجب أن لا تتكلموا عنها في الميديا بالشر أو الخير. وسواء كانت صحيحة أو خاطئة فأنا هو الذي يتحمل العواقب في اليوم الأخير وليس أنتم. ولكن في هذه الحياة، وعلى أرض هذا الوطن، فإن ما يجمع بيننا هو المواطنة. فواجبنا هو أن نصنع من هذا الوطن المكان الآمن الذي نسعد جميعا بالعيش فيه، وليس المكان الذي يهرب منه أبناؤه، ويتركوه للبوم والغربان، والمتاجرين بالأديان.
mounir.bishay@sbcglobal.net




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :