لماذا يتظاهر الأقباط ؟!
بقلم: أحمد صبح
بعد أحداث الأحد الدامي 9/10/2011 م أمام ماسبيرو ، لابد من العلاج الجذري للخلل المزمن بين المسلمين والأقباط في الوطن الواحد ، كما ينبغي أن نعالج كمصريين كافة قضايانا الوطنية ، بإرادة خالصة ومخلصة ، ونهج يضع الأمور في نصابها ، وأن نقلع عن نهجنا الكئيب المدمر، بإسناد كافة مشاكلنا إلى مؤامرة خارجية ، أو التفضل بالتنازل ونسبتها إلى فئة مندسة ضالة مضلة ، أما عدا ذلك فهو على مايرام !
لابد أن نسأل أنفسنا سؤالاً محدداً " لماذا خرج الأقباط في هذه التظاهرة أمام ماسبيرو ؟ " الإجابة ببساطة لأن لهم مطالب ، ولأنهم يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة العاشرة !! ولأن الإعلام يستضيف دعاة الفتنة الذين لا همّ لهم إلا التكفير وفرض الجزية ، وإظهار الإسلام على أنه تقطيع للأيدي وجلد للظهور ، مع أن الشريعة جاءت لسد حوائج الناس ورفع الحرج عنهم والحفاظ على كرامتهم ، هذا في أصلها العام ، لذلك فإن هدم الكنائس وحرقها كان نتيجة لهذا الشحن الثقافي الخاطيء وغير المسئول !
والأقباط يعيشون في مظلومية واضحة ، والغريب أنه إذا قال المظلوم آه قلنا له صوتك يزعج الآمنين ، والحل هو المساواة القانونية والسياسية والواقعية بشكل كامل بين المواطنين مسلمين وأقباط في إدارة شئون المجتمع والتمتع بالحقوق والواجبات ، دون تمييز بسبب الطائفة أو الدين أو المذهب أو العرق ، لأن الجميع ليس شريكاً في الوطن فحسب ، بل هم شركاء في صنع التاريخ ، ففي عام 1919 م بعد الثورة لما نفى الإنجليز أربعة مواطنين مصريين كان منهم قبطيان ، ولما حكموا بالإعدام على سبعة مواطنين مصريين حكموا على أربعة من الأقباط وثلاثة من المسلمين ، لذلك فإن الأمر تجاوز ما يسميه البعض أغلبية و أقلية ليضربه الواقع والتاريخ في مقتل ، والواقع الذي يعيشه الأقباط الآن جعل مالديهم من الأسئلة أكثر مما هو متاح من الإجابات ، لذلك تظاهروا ليضعوا حداً لمظلوميتهم ، لأن الواقع يخلق حالة نضالية بين أبناء الطائفة المظلومة ، وبات الخروج على الواقع مطلباً إنسانياً عاجلاً ، بعد ماتمددت التفرقة وأصبحت مشكلة مجتمعية لذلك يشكو الأقباط من انهيار الحقوق ، ومن التمييز الواضح ، وأصبح طوق النجاة للجميع هو الدولة المدنية الحديثة ، التي ينعم فيها الجميع بالعدالة ، وليست عدالة انتقائية ، بل هي السواسية للجميع أمام القانون في أسمي معانيها !
وحتى يصبح التسامح حقيقياً وبدون شروط ، لابد من التمتع بالحرية الكاملة في ممارسة الشعائر دون تضييق أو معاناة ، ومن هنا يشعر الإنسان بحلاوة الحرية ومعناها الحقيقي ، وهذا لن يتم إلا في ظل الدولة المدنية ، والتى هي شأن من شئون الدنيا !! والتي نحن أعلم بها كما قال النبي محمد عليه السلام ، ويحضرني المثل الصيني الرائع " لايهمني لون القطة حمراء أم صفراء أم سوداء أم بيضاء .. المهم القطة التي تمسك بالفأر " ، فلماذا لا نستغل موروثنا الثقافي الفرعوني والقبطي والإسلامي من أجل البناء بدلاً من البحث عن الهوية مع أننا أقدم حضارة في التاريخ ، لنا نسيجنا الخاص وطابعنا المتميز ، إننا يجب أن نتخلى عن ثقافة بعض المتعصبين الإسلاميين الذين يقولون أن الحاكم الماليزي المسلم لمصر أفضل من الحاكم المصري المسيحي ! ، أو قول بعض متعصبي الأقباط بعودة اللغة القبطية كلغة رسمية للدولة ! ، لذلك فقد كان قانون محاربة التمييز الذي أصدره المجلس العسكري الحاكم في مصر أمراً ضرورياً حتى ندع مالله لله ومالقيصر لفيصر ، أو نطبق أنتم أعلم بشئون دنياكم ، فالله هو الذي يحكم بين الناس يوم القيامة ، ولسنا وكلاء الله على الأرض ، وعلينا أن ننشر ثقافة الحب والوئام بين الناس ، فقد قال المسيح عليه السلام " أحبوا أعداءكم " ، والقرآن يقول " هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ".
فلنبدأ بالمحبة لأن الحب هو فرق الجهد مع فضل القيمة ، فالإنسان الواعي هو الذي يعمل على تعديل الواقع أو إلغائه بما يضمن سعادته ، لأن الأنبياء حُرموا من أن يصنعوا القرار بالعنف ، بل حُرموا من الدفاع عن أنفسهم وهذه مفارقة ، ففي الأولى يقول رسول السلام محمد " إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وفي الثانية يقول المسيح عليه السلام " إذا ضربك أحد على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر " ، إذن المطلوب منا بعد كل تحليل أو قبله أن نبحث عن دورنا الإنساني ، وأن نصارح أنفسنا ونكون على استعداد للإصلاح ، قال المسيح عليه السلام للمريض " أتريد أن تبرأ " إذن لابد من الاستعداد والمناخ الهاديء الذي يزهر ثم يثمر ، لقد ذابت الفروق في خلق الله للناس على شكل واحد ، ولايمكن أن يُجبَر إنسان على التصرف ضد عقيدته ، فحق الإنسان في الإيمان والطقوس لا يمكن منعها ، وهذا بما لا يتنافى مع النظام العام الذي يحترمه الجميع ، ولا أشك أن الجميع على استعداد أن يبرأ ، فلابد من المصارحة ، ورفع مظلومية الأقباط أمر جاء به الإسلام وحث عليه رسوله ، لذلك فقواعد الإسلام ليست مرعية عند المسلمين وأصوله مهملة التطبيق ؛ لذلك يتظاهر الأقباط ، اللهم قد بلغت !!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :