الصحوة القبطية... رابعًا: حتمية استمرارها
بقلم: أنطوني ولسن
على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية تحدثنا عن الصحوة القبطية، وقلنا أننا نوافق على هذه التسمية التي أطلقتها باحثة نرويجية في جامعة كوبنهاجن، حول ما يدور سواء في مصر أو خارج مصر من المطالبة بحقوق الأقباط، وإيجاد الحل العادل لمشاكلهم.
المقال الأول كان يحمل اسم "الاضطهاد" وقد عرفناه على أنه "التعصب ضد إنسان، أو التمييزالعنصري،أو عدم الاعتراف بحقوقه، إما بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو المعتقد".
المقال الثاني حمل عنوان "الأقباط" وعرفنا الأقباط بأنهم "هم الورثة الشرعيون لفراعنة مصر...".
المقال الثالث حمل اسم "الخوف" الذي عرفناه بأنه "عدو الإنسان الأول وإذا تمكن من أمةٍ قضى عليها وأذلها...".
نتحدث اليوم عن "حتمية استمرارية الصحوة القبطية"، بمعنى أنه يجب الاعتراف بوجود الصحوة القبطية كحقيقة ملموسة على الصعيد المحلي في مصر، بدءً بما ينادي به أخوة مسلمون لرؤيتهم واقتناعهم أن هناك ضرورة مُلحة للوحدة الوطنية، والتي لن تتم إلا إذا حصل أقباط مصر على حقوقهم كاملة كمواطنين مصريين، ويعاملون معاملة المواطن الحر الذي عليه واجبات وله حقوق متساوية، تمامًا مثل أي مواطن مسلم.وعلى الصعيد العالمي لوجود مصريين مسلمين وأقباط مهاجرين خارج مصر، ويؤمنون كل الإيمان بحاجة مصر للوحدة الوطنية، حتى تستطيع دخول "القرن الواحد والعشرين"، بقوة بشرية فكرية وحضارية أكثر تفاعلًا في العالم مما هي عليه الآن.
ليس معنى هذا أن القوة الجديدة التي نريد الدخول بها القرن الجديد مرتكزة على الأقباط فقط.. لا.. إن ركيزتها العدالة والمساواة الاجتماعية بين أبناء البلد الواحد.
وهذا هو مضمون ومفهوم ما ينادي به كل محب لمصر مسلم أو مسيحي، في مصر أو خارج مصر، لأنه "إذا إنقسم البيت على ذاته... خَرُبْ".
إذن الصحوة القبطية حقيقة واقعة وأصبح لها هيئات وجمعيات وأفرادًا مستقلين، هدفهم الأساسي رفعة مصر ورفاهية شعبها. وأن القبطي يجب ألا يُهمش في حياة المجتمع المصري. وألا تؤخذ منه حقوقه. وألا يقال عنه ما يحب المتأسلمون أن يطلقوا عليه من تكفير أي أنه كافر أو ذمي ويعامل معاملة الدرجة الثانية أو أقل من ذلك بكثير.
نعرف نحن أقباط المهجر تمام المعرفة أن مشكلة الأقباط ليست فقط هي المشكلة الوحيدة في مصر. نعرف هذا جيدًا. ولكن نعرف أيضًا أنها بدأت متخفية في الظلام بغرس بذرة الكراهية والتفرقة في عهد الثورة الأول "عهد عبدالناصر". وقد تحدثنا وكتبنا عنها مرارًا وتكرارًا.
بدأ الغرس ينمو ويثمر ثمرًا مُر المذاق في الحقبة الثانية للثورة "عهد السادات". ومما زاد النار اشتعالًا رغبة رجل ذلك الزمان ضرب الشيوعية بالمتطرفين المسلمين. وبقية القصة معروفة. وقد واجهت مصر أشد فترات القتل والعنف داخل المجتمع المسالم، والذي لم يعرف معنى مثل هذا الحقد الأسود الأعمى بين الأخوة.
قلنا أنه خلال الألفي عامًا الماضية كان الشعب المصري يعاني من ظلم الحاكم، تخللها فترات بعد الفتح الإسلامي عانى جزء من الشعب المعروف بالأقباط أكثر من الآخر. حُرموا من الكثير من الحقوق والمساواة. وتعرف شعوب المنطقة الشرق أوسطية تمامًا معاناة شعوبها مثلما عانى شعب مصر. لأن الحاكم واحد لا يعرف معنى للحق ليتبعه. فتأخرنا جميعًا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.
ومن الطبيعي أن تكون الحقبة الثالثة لجمهورية العسكر "عهد مبارك" لم تكن أفضل من الحقبتين السابقتين لا بالنسبة للأقباط ولا بالنسبة للمسلمين. لذا يجب علينا ترتيب أوراقنا لنعرف الحقائق ونضع أيدينا في أيدي بعض من أجل وطن أحببناه ويحبه أولادنا وأحفادنا في المهجر تمامًا مثل الذين في مصر.
أولًا: دعونا نتفق جميعًا في مصر وفي خارجها على أن كل ما هو مصري، المشكلة لا حل له سوى في مصر وبتفكير مصري وضمير مصري.
ثانيًا: إننا جميعًا نعرف أن أميركا لا يهمها أقباط مصر ولا مسيحي الشرق، بقدر اهتمامها بمصالحها ومصالح ربيبتها إسرائيل.
ثالثا : يخطيء كل مسلم في مصر أو في غير مصر باعتقاده أن المسيحي الشرقي أقل ولاء لوطنه من المسلم. وأنه يميل إلى الدول الغربية بدافع الدين. وذلك لأننا -مسيحيو الشرق- أكثر وطنية من أي متشدق بمثل هذه الخزعبلات. لأننا وببساطة
أصحاب البيت، وصاحب البيت يهمه في المقام الأول سلامة بيته وأهل بيته.
رابعًا: أننا المسيحيون في الشرق قد وعينا الدرس، وحفظنا التاريخ، وعرفنا أن أخطر الحكام هم من يحكمون باسم الدين، لأنك لا تستطيع مناقشتهم أو الاعتراض على ما يفعلون لأنك ستكون عدو الله. وبهذا يخمدون صوتك. وحدث هذا إبان عصور الظلام عندما كانت المسيحية مستغلة في حروب باسم الدين (مثل الحروب الصليبية). أو أنه باسم الدين تباع الآخرة وتشترى "صكوك الغفران". أو أن الإنسان يخضع لكل ما يأمر به الحاكم أو رجل الدين مستخدمًا الدين.
نأتي هنا إلى كلمة عتاب نوجهها إلى رئيسنا مبارك عندما ألقى خطابه في مدينة العريش يوم الخميس 11 يونيو 1998، وأظهر غضبه على أقباط المهجر ومنع صفة مصريين عنهم. قد تكون ظروف الهجرة أجبرتهم على الاحتفاظ بجنسية البلد الذي هاجروا إليه، مثلما يحدث في أميركا. لكن بالنسبة الأقباط مصر في المهاجر أؤكد لسيادتكم أنهم مصريون حتى النخاع، وعندما يطالبون بشيء من الإصلاح بالنسبة للأقباط يعرفون يا سيادة الرئيس أن معاملتهم مازالت حتى الآن غير متساوية بسبب الدين على سبيل المثال لا الحصر.
جاء في إحدى الصحف المصرية "الأهالي" الصادرة في مصر خبر تحت عنوان بدون تعليق، أن وكيل إحدى الوزارات صُدم نفسيًا عندما عينت الوزارة وكيلًا أولًا غيره، علمًا أنه كان المرشح الوحيد للمنصب وخبراته وكفاءاته تشهدان له. وسبب الأبعاد أنه قبطي مسيحي وقد نشرنا الخبر هنا على صفحة " الأخبار المصرية " بالجريدة بتاريخ 1 / 5 / 1998. نرجو يا سيادة الرئيس أن يتوقف غضبكم عند هذا الحد ولا يتخطاه. لأنني وفي منتهى البساطة أؤمن وبدون شك كثيرين جدًا مثلي أن الأقباط المسيحيون والمسلمون في مصر، إن لم يحصل كل منهما على حقوقه كاملة في عهدكم، فلن يحصلوا عليها أبدًا.
قلت الأقباط والمسلمين، وأعني جيدًا كما أن للقبطي المسيحي مشكلة، أيضًا للقبطي المسلم مشكلة. ونحن سيادة الرئيس أبناء مصر في الخارج أقباطًا مسيحيين وأقباطًا مسلمين خير سفراء لبلدنا. وقد شرفنا كل بلد نزلنا فيه وإستطعنا أن نتفاعل تفاعلًا إيجابيًا مع المجتمعات التي نعايشها. أن أي عمل ناجح يصدر من مصري في الخارج يشرفنا جميعًا ، وأن أي تقدم تحرزه مصر في أي مجال من مجالات الحياة يرفع رؤوسنا عاليةً بين شعوب العالم. وأن هجرتنا لم تبعدنا أبدًا عن أرضنا مصر. لأن جذورنا ضاربة في أعماق الأرض والتاريخ ونحن فروعها وأغصانها وأوراقها التي سيسجل عليها التاريخ أشرف صفحات الكفاح الشريف في بلاد المهجر.
أأتي إلى ختام هذا الجزء من " الصحوة القبطية " و " حتمية إستمرارها " ، لأنها برأي ليست دعوة دينية تبشر بالإيمان المسيحي ولا تدعو أحدًا لإعتناقه. إنما هي صحوة المقصود بها تصحيح المسار الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والديني في مصر، بعدم تهميش أراء الأقباط المسيحيين وغيرهم من أقليات لا في مصر ولا في خارجها. بل يشارك الجميع بالرأي والعمل في كل ما يدور على أرض الوطن مشاركة المواطن الحر الذي يتمتع بكامل حريته. وكما أن عليه واجبات، تكون له حقوق متساوية. والمشاركة في الرأي هنا غير مقتصرة على ما يتعلق بالأقباط المسيحيين فقط.. لا.. أنها مشاركة كاملة متكاملة للمواطن مطلق الحرية التي يخولها له القانون بالمشاركة بكل ما يخص المواطن المصري والوطن المصري بمن يعيش على أرض مصر ويتمتع بحق الجنسية المصرية سواء كان مسلما أو مسيحيًا، أسود أو أبيض. كل مواطن حر في معتقده الديني والسياسي طالما لا يضر بالآخرين. وأن الصحوة القبطية في رأي ليست صحوة إنفصال جزء أساسي في البنية الإجتماعية ألا وهو أقباط مصر المسيحيين. بل هدفها هو العمل على التكامل الإجتماعي والوحدة الوطنية الصادقة، والعمل سويا من أجل أرض الكنانة مصر.
الأخيــرة
"الهيرالد" رسالة لبنان والشرق الأوسط
17 / 7 /1998 - سيدني/ أستراليا
المقالات موثقة ضمن كتاب "المغترب" الجزء الثالث والصادر في عام 2000
*********
بعد هذه السنوات التي مرت على كتابة هذه المقالات هل تحقق شيئُ على أرض الواقع في مصر؟؟!! وهل إذا صحا الأقباط المسيحيون مطالبين بحقوقهم المشروعة، سيقف إلى جوارهم إخوة لهم من المسلمين المعتدلين يساندوهم للحصول على هذه الحقوق، أم أنهم سينقلبون عليهم ويشددون القبضة ويزداد إضطهادهم ؟؟
ثورة الشباب التي قامت في الخامس والعشرين من شهر يناير هذا العام 2011، هل غيرت شيئا غير تخلي الرئيس السابق مبارك عن الحكم؟؟!!
الحقيقة المؤسفة لا شيء تحقق.. وبعد أحداث 9 أكتوبر هذا العام 2011 لا يوجد أمل لا في تحقيق أو مساندة أحد من المسلمين المتشددين وإن وعد أحد بشيء فهو يعد بما لا يبطن. لقد ظهرت الحقيقة إن لم يرها مفتوح العين، لا شك شعر بقسوتها محروم البصر.
ويؤسفني أيضًا أن أقول أن الثورة.. ثورة الشباب قد حكم عليها بالإعدام يوم عدم تدخل الجيش لحماية المتظاهرين في موقعة الجمل وإكتفى بالفرجة. وما صدر من الجيش بعد ذلك في التراخي مع الأحداث الني حدثت ضد المسيحيين لصالح فئة من المسلمين ويوم تقديم مبارك وعائلته وأخرين من رجالات الحكم إلى القضاء بتهم مالية سهل تبرئتهم منها ولم يهتموا بما حدث للشعب المصري على يد المغول والتتار مبارك ونظامه من قتل الشعب المصري وإيصال مصر إلى ما وصلت إليه من حال لا تسر عدو أو حبيب.
الصلاة والصيام لمدة ثلاثة أيام غير كافية.. ليت كل محب لمصر أن يستمر في الصيام بالطريقة التي يمكنه أن يصوم بها مع الصلاة المستمرة.
لأن الغير مستطاع عند الناس.. مستطاع عند الله.
اطلبوه فهو يستمع ويستجيب.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :