تأسفت إسرائيل ولم تعتذر
بقلم: أحمد صبح
تعالوا بنا نحكم على الأشياء دون ضجيج أو عجيج ، لأننا أصبحنا مشهورين بين الأمم بأننا أمة الصياح ، فهل فعلاً اعتذرت إسرائيل لمصر عن قتل جنودها على الحدود المصرية ، وفي الوقت ذاته لم تعتذر لتركيا لقتلها الأتراك على متن أسطول الحرية الذى كان ذاهباً لفك الحصار عن غزة ؟!
الواقع أن اسرائيل لم تعتذر لتركيا ، وكذلك هى لم تعتذر لمصر إلى الآن ! بل إنها – فقط - تأسفت لمقتل الجنود المصريين على الحدود المصرية
وثمة فرق كبير بين الاعتذار والتأسف ، وهذا فارق مهم على عكس ما قدر يرى البعض ، ولم يظهر هذا الفارق في أماكن عديدة إلا مؤخراً مع وقوع مستجدات على المسرح السياسي ، فقد رفضت اسرائيل – على سبيل المثال – أن تعتذر لتركيا على قتل رعاياها كما أسلفنا ، ولهذا اكتفت بإعراب وزير دفاعها باراك عن الأسف للحكومة المصرية عن قتل ضباط وبعض الجنود على الحدود المصرية عند رفح في أغسطس 2011 م ، عند مطاردة متسللين فلسطينيين قاموا بعملية فدائية ضد أتوبيس وسياريتين في إيلات ، نتج عنها بعض الجرحى والقتلى ، ثم هربوا إلى الأراضي المصرية ، وعند إسقاط طائرة استطلاع أمريكية في الصين رفض الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن طلب الحكومة الصينية بالاعتذار ، واكتفى بالإعراب عن أسفه العميق .
فما هو الفرق بين الاعتذار والأسف ؟ علماً بأن معظم الناس يخلطون بينهما ، إن تعريف الاعتذار يشمل اعترافاً بالخطأ من جانب المعتذر ، والاعتذار يعني أن يتكلف المخطيء قانوناً بدفع التعويضات اللازمة لتصحيح الخطأ ، ولهذا لو كان الرئيس جورج بوش الابن أو وزير الدفاع الاسرائيلي اعتذارا ؛ فمعنى ذلك الاعتراف بالمسئولية ودفع التعويضات طبقاً للقانون الدولي مع ما يتضمنه ذلك من إحراج ، أما الإعراب عن الأسف فهو تعبير عن أن ماحدث ماكان يجب أن يحدث بدون التسليم بالخطأ ، وتعتبر اسرائيل ضليعة في هذا الموضوع ، فهي استطاعت أن تجبر ألمانيا على الاعتذار عما ارتكبه النازي في حق اليهود ، وحصلت بذلك على أموال طائلة كتعويضات ! وفعل الشىء نفسه معمر القذافي عندما اعتذر عن تفجير طائرة مدنية ودفع مليارات الدولارات لأهالي الضحايا ، بينما تصر اليابان على عدم الاعتذار عن المعاملة الوحشية لجنودها عند احتلالها لبعض دول جنوب شرق آسيا ، وتصر الولايات المتحدة على عدم الاعتذار عن قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية لأول مرة في التاريخ ، وإذا كان البعض يرى – خطأ – أنه لافرق بين الاعتذار والأسف ، فإن الفرق الكبير بينهما قد حسمه وزير الدفاع الاسرائيلي باراك حرفياً عندما قال " إن اسرائيل لم تعتذر ، وأنا أيضاً لم اعتذر رسمياً ، ولكن ماحدث هو أنني أعربت عن أسفي - فقط - لفقد حياة الانسان نتيجة لخطأ عسكري للقوات الإسرائيلية المرابطة على الحدود المصرية "
يقول أحد علماء السياسة الأمريكيين " إن اعتذارك عن أشياء ارتكتبها وأحدثت أضرار معناه أنك ترفع الراية البيضاء " ومن الواضح أن هذا العالم الأمريكي قد استبعد " الأسف " !
إن الاعتذار الذي يتم بأمانة والتزام هو شكل مؤثر من أشكال حسم النزاع عبرالثقافات ، فمن الممكن تجنب كثير من الدعاوي القضائية تماماً إذا اعتذر المسيء لصاحب الحق وبصرف النظر عن الأخطاء والحقوق الناتجة عنها ، فإنه يمكن إدراك أن الاعتذار يصبح ملجأ في القضاء على الخلافات الاجتماعية ، وليس إبداء الأسف الذي هو نوع من التعزية يقوم به المخطيء وغيره على حد سواء ، فالاعتذار الكامل والمخلص في حد ذاته قادر على توفير المصالحة وحسم الكثير من الحوادث الدولية والصراعات والمظالم .
أما الأسف فهو رد فعل عقلاني وأحياناً وجداني لنتائج غير مقصودة ، ومكلفة في الغالب لحدث أو فعل ما ، والأسف الذي يكشف مشاعر الندم مقصود به علاج عواقب أعمال سيئة قام بها أفراد أو حكومات ثم تمنوا لو لم يقوموا بها ، أو أعمال طيبة لم يقوموا بها وتمنوا أنهم لو قاموا بها ، ونحن نشعر بالأسف من نتائج هفوات صغيرة أو اخطاء لو أتيح لنا الخيار للرجوع في القرار لكُنّا قد قررنا على الأرجح أن نتحكم فيها بما فيه الكفاية ، أو أفعال تمت عن عمد لأسباب منطقية ولكنها أتت بنتائج غير مقصودة ، ونحن نقدر الدور الحيوي الذي يلعبه الإعراب عن الأسف في حياتنا اليومية ، لأن الأسف يساعد على فهم الاختلافات بين الأخطاء التي نرتكبها ومشاعر الأسف التي نقدمها نتيجة لذلك ، والشخص الذي يرفض أن يعرب عن أسفه ويرفض الاعتذار عن خطأ جسيم ارتكبه خوفاً من أن يؤثر على هيبته وكرامته هو شخص متضخم الذات يحتاج إلى علاج نفسي ، وبيت القصيد أن نعلم أن اسرائيل لم تعتذر ولكنها تأسفت لنا كما قال وزير دفاعها باراك ؛ فهي عزّتنا في مصابنا الجلل الذي ارتكبته ؛ ولذلك فهى لن تدفع تعويضات ..
وشكر الله سعيكم !
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :