مازلت لا أصدق!
بقلم: منير بشاي- لوس أنجلوس
لم أكتب معلقا على مذبحة ماسبيرو التي حدثت في التاسع من أكتوبر 2011 حتى الآن، لأني أكاد لا أصدق أن ما حدث كان حقيقيًا. وأتمنى أن أستيقظ يومًا فأكتشف أنه كان مجرد كابوس مزعج. ولكن الحقيقة المرة تزداد تأكيدًا، يومًا بعد يوم، والمأساة التي لا يصدقها عقل تبدو أنها حقيقة واقعة.
ومع ذلك ما زلت أضرب كفًا على كف، كلما تذكرت تفاصيل ذلك اليوم المشئوم، وأدخل في دوامة من التساؤلات، محاولًا أن أفهم الأسباب والتبريرات والمنطق والعقل وراء ما حدث، فلا أجد له جوابًا.
• لا أصدق أننا مازلنا نعيش في ثورة. وأن الآليات التي فجّرت تلك الثورة وأسقطت النظام كانت مظاهرات بدأها الشباب في ميدان التحرير. وأن أهم مكاسب هذه الثورة كان إقرار مبدأ حق المواطنين في التظاهر السلمي للتعبير عن مطالبهم إزاء القضايا التي تهمهم.
• لا أصدق أنه في الوقت الذي يعطي هذا الحق لفئات مارقة من الشعب مثل أولئك الذين رفعوا أعلام دولة أجنبية، ومن قطعوا شريط السكة الحديدية وأوقفوا سير القطارات الذاهبة والآتية لمدى عشرة أيام ويكون هذا حلالًا لهم وحرام للأقباط.
• لا أصدق أن يتهم الرئيس السابق حسني مبارك بأنه أمر بإطلاق النار على المتظاهرين ويحاكم بهذه التهمة، ثم ترتكب السلطات من بعده نفس الجريمة ضد الأقباط وببشاعة أكبر، ومع ذلك لا نرى أحدًا يحاكم، بل نرى من يحاولون التغطية على الجريمة وكأنها لم تحدث.
• لأ أصدق أن نرى الاتهامات توجه نحو الضحايا في الجريمة، الذين قبضوا عليهم وأجروا معهم التحقيق بتهمة التحريض والاعتداء على رجال الأمن؟
• لا أصدق أن رجال الأمن المصري يوجهوا السلاح ضد مواطنين مصريين مسالمين.
• لا أصدق أن الأمن لكي يقوم بواجبه الأمني يدوس بعجلات المدرعات متظاهرين مسالمين (أو حتى غير مسالمين) من المواطنين (أو حتى من الأعداء).
• لا أصدق أن رجال الأمن بعد أن يقتلوا ويسحقوا ويفرموا الأجساد البشرية للأقباط، يجمعوا بعض الجثث ويلقوها في النيل ثم يغسلوا الأرض لإخفاء معالم الجريمة، وكأن شيئًا لم يحدث.
• لا أصدق أن الغوغاء يذهبون إلى المستشفى القبطي ليكمّلوا جريمتهم بمنع من يريد أن يتبرع بالدم لإنقاذ المصابين.
• لا أصدق أن مسئولين من النظام الحاكم يقفوا ليرددوا ادعاءات لا يقبلها العقل من محاولات الإنكار، ويهينوا ذكائنا بقولهم مثلًا أن رجال الأمن الذين يحرسون مرفقًا في غاية الأهمية وهو مبنى التلفزيون، كانوا مسلحين بطلقات مزيفة (فشنك) أو أن مدرعة قد سرقت وقام السارق بالجريمة، هذا بينما تظهر فى صور الفيديو أربعة مدرعات تصول وتجول وهي تقوم بمهمتها في تعقب المتظاهرين ودهسهم.
• لا أصدق أن التلفزيون المصري يمكن أن يكذب، فيقول أن الأقباط هم الذين اعتدوا على قوات الأمن. ويقوم بالتحريض لفصيل من المواطنين ضد الآخر، مطالبهم أن يذهبوا ليحموا قوات الجيش التي تتعرض للاعتداء من الأقباط! ثم توجه التوبيخ للأقباط أن يتقوا الله في هذا الوطن.. ومع ذلك ما يزال هؤلاء المسئولون دون مساءلة!
• لا أصدق أن يتكرر الكذب، فبعد الكذبة التي ادعوا فيها أن الأقباط يعتدون على قوات الجيش والتي اعتذروا عنها، تلتها في اليوم التالي كذبة أخرى بالقول أن قوات الجيش سقط منها 66 ضحية ليعودوا ويكذبوا هذه أيضًا. كيف نصدق ما يقوله الإعلام الرسمي بعد كل هذا؟
• لا أصدق أن مذبحة مثل هذه التي قام بها الأمن، بالاشتراك مع البلطجية وتحريض التلفزيون وصمت المسئولين وتحيز التحقبقات، يمكن أن تتم دون تنسيق مسبق بين كل هؤلاء. وهذا ما أكده د. أيمن نور عندما قال أنه علم من زيارته لمبنى التلفزيون في اليوم السابق للمذبحة أن هناك نية لإطلاق البلطجية على المتظاهرين الأقباط لكي "يقطعوهم حتت". ومع ذلك تلقي السلطات اللوم فيما حدث على العناصر الخارجية والأصابع الصهيونية والإمبريالية الأمريكية وغيرها من الكليشيهات الجاهزة، التي تطبق على كل حدث دون تقديم الدليل.
هل كانت هذه أعمالًا جنونية؟
الأعمال الجنونية عادة تكون فردية، ولكن عندما يشترك آلاف من الشرطة والجيش والشرطة العسكرية والأجهزة المختلفة من الدولة في المؤامرة، ولا نرى بينهم شخصًا عاقلًا واحدًا (غير بعض الكتاب النزهاء والإعلاميين الشرفاء) فإنه يصعب وصفها أنها أعمال جنونية إلا اذا كان الجنون قد أصبح حالة مرضية متفشية في مصر!
هل كانت أعمالًا همجية؟
أستبعد أن ينحدر همجي إلى هذا الدرك الأسفل من الشر مهما كانت الدوافع، لم أسمع عن همج يدهسون آخرين تحت عجلات المدرعاتـ وبعد ذلك فمن لم يمت بالدهس بضربوه بالشوم وهو مصاب ومتألم ليتأكدوا من موته، وكأنهم يتعاملون مع صراصير!
وهل كانت أعمالًا وحشية؟
هل سمعنا عن أي نوع من الوحوش يقتلون بعضهم بهذه الطريقة وبناء على هذه الأسباب؟ المعروف عن الوحوش أنها تقتل الحيوانات الأخرى فقط في حالة الجوع. ولم نسمع عن وحوش يقتلون الواحد الآخر لا لسبب سوى الكراهية والحقد.
لا.. لابد أنها كانت أعمالًا شيطانية!
الروح التي تمت بها هذه الجريمة البشعة لا يمكن أن تكون من الله المحب الرحيم، لابد أنها من إبليس لأنها تحمل بصماته. ربما أوعز بها إبليس لهؤلاء أو ربما كانوا هم أكثر شرًا من إبليس فتعلم إبليس منهم. لكن المؤكد أن القتل هو أحد أعمال إبليس ومن يقتل يكون بالتالى ابنًا لإبليس كما قال السيد المسيح: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالًا للناس من البدء" يوحنا 8: 11.
mounir.bishay@sbcglobal.net
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :