"صندوق ميتين".. صورة من وحي مظاهراتنا بالمهجر
يرسمها: إيليا مقار
تحرَّك الجمع على عجل إلى حيث الصندوق الفارغ الذي يحمل صورة شهيد شاب في مقتبل العمر، أسرع رجل ستيني يدافع الصغار متجها نحو مقدمة الصندوق، يحمله علي كتفه الأيسر المنحني، يرفع الصندوق وكأن به ابنه. يصرخ في وجه الكاميرا وعيناه تملأهما الدمع، يشكو سنوات الظلم التي جمعت بينه وبين صاحب الصندوق، يتذكر كيف اختطفته الغربة وهو على اعتاب النجاح بفعل وطن أحمق استكثر عليه حلمه في عصر رئيس مؤمن، تشبث بالصندوق وكأنه جزء من قصة يرويها للعالم..
تحرَّك الجمع علي عجل إلى حيث الصندوق الفارغ الذي يحمل صورة شهيد شاب في مقتبل العمر، أسرع الشاب الفارع يضع الصندوق على كتفه الأيمن، يرفض في نظرات حادة كل محاولات المساعدة، يتحسس بيده صورة الشاب الشهيد وكأنه يتواصل معه، الشاب الشهيد أصبح أيقونة للنضال القبطي الوليد، أسرع إلى ذهنه سؤال طالما تجاهله.. هل خان الوطن والأهل بسفره؟ هل نجاحه في الغربة دليل أنانيته؟ نظر بخجل إلى الأرض، ثم إلى صورة الشهيد الشاب، أطالا النظر إلى بعضهما، ابتسم.. فقد وصلته الإجابة.. إن شجاعة مواجهة الموت، لا يضاهيها إلا شجاعة مواجهة الحياة... احتضن أخيه الشهيد في امتنان..
تحرَّك الجمع على عجل إلى حيث الصندوق الفارغ الذي يحمل صورة شهيد شاب في مقتبل العمر، تقدَّم رجل ممتلئ الجسم تحمل ملامحه صورة الفخامة وملابسه دليل الثروة، شق صفوف المتظاهرين محاولًا الوصول للصندوق، لم يعبأ بما وصل إليه هندامه أثناء محاولاته الاندفاع نحو الصندوق، دفعته شابة باكية متَّجهة بعنف نحو الصندوق، تجاهل كبريائه على غير عادةٍ، لملم ما تبقى من جاكتته الفخمة تحت إبطه، توجَّه نحو نهاية الصندوق، حمله علي كتفه الأيمن، ابتسم في إحساس باللقاء، احتضن الشاب صاحب الصندوق الفارغ، يروي له قصته، شعر أن شهيد الصندوق يفهمه أكثر مما يفهمه أبناؤه الذين ملوا من التظاهر بالضحك على نكاته المصرية التي تزداد سخافة عندما يحاول أن يترجمها لهم، يفتقدهم بشدة ومازالوا على قيد الحياة، وما هي الحياة سوى "حالة من التواصل"، نظر إلى صورة الشاب الشهيد، شعر بالشاب يبتسم له بحب.. همس لصاحب الصندوق بنكتة مصرية.. انخرط وشهيد الصندوق في ضحك متواصل... لم يدرك أنه يقهقه بصوت عال ولم يشعر بهمهمات غاضبة تتعالى نحوه...
تحرَّك الجمع على عجل إلى حيث الصندوق الفارغ الذي يحمل صورة شهيد شاب في مقتبل العمر، تردّدت في القيام في مهمة تُركت تاريخيًا للرجال، ولكنها حسمت ترددها، اندفعت وسط الناس الذين افسحوا الطريق نحو الصندوق لهذه الشابة التي- ومن شدة نحيبها- تخيلوا أنها ترتبط بصلة قرابة لصاحب الصندوق.. وضعت الصندوق على كتفها... واحتضنته بقوة.. وأغمضت عينيها على مشهد نهاية جمعها بحبيبها قبل أن تقرِّر أسرتها أن تترك الوطن منذ عدة سنوات هاربة من قرية حرقها تجار الكراهية... نظرت لصورة الشاب وفي عينيها كل مشاعر الفراق والوحدة، مسحت بيدها المبتلة على وجه الشهيد، نظر لها وكأنه يحمل لها رسالة من الوطن، "حبيبك بخير"، انهمرت دموعها... بينما لم تعبأ برجل بدين يقف بجوارها، يشاركها حمل الصندوق بينما يقهقه بهستيرية..
تمت
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :