الأقباط متحدون | تونس ومصر وليبيا وتأسيس الديكتاتوريات المقدسة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٥:٢١ | الخميس ٣ نوفمبر ٢٠١١ | ٢٢ بابه ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٦٧ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

تونس ومصر وليبيا وتأسيس الديكتاتوريات المقدسة

الخميس ٣ نوفمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بفلم / أحمد لاشين
أكاديمي مصري
ahmedlashin@hotmail.co.uk

" 1945 ..اغتيال أحمد ماهر باشا على يد الأخوان المسلمين ، 1948 ..اغتيال النقراشي باشا على يد الأخوان المسلمين، 1977..اعتيال الشيخ الذهبي على يد الجماعة التي أسسها مصطفى شكري بأصوله الأخوانية التكفير والهجرة ،1981..اغتيال الجماعة الإسلامية للرئيس أنور السادات،1992..اغتيال الجماعة الإسلامية للمفكر فرج فودة....،عام 1987..تفجير أربع فنادق سياحية في تونس على يد حركة الإتجاة الإسلامي قبل تغير اسمها إلى حركة النهضة "

تاريخ طويل من الدم تتمتع به تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي،يجعل من المستحيل أن تطرح نفسها في إطار المخلص للمجتمعات العربية التي تعاني الآن من فوضى وسيولة سياسية وجهل مجتمعي ،تجعل من وصول أي تيار حداثي تحرري إلى سدة الحكم أمر يحتاج إلى عقود من التوعية الثقافية والسياسية.وبالتالي أصبحت الفرصة التاريخية سانحة لوصول الأحزاب أو الجماعات الدينية إلى قمة الهرم ،ليستقروا هناك إلى ماشاء الله.فالديمقراطية دائماً ما تكون هي المدخل الملكي لمعظم الأيدلوجيات التي تؤمن بالإقصاء والنفي سواء السياسي منها أو الديني.

فالجماعات الدينية تستخدم الديمقراطية كمنتج أبدعه الغرب الكافر من وجهة نظرهم،كما يستخدمون السلاح الغربي الصنع كذلك ،لتحقيق أهداف تتسق مع منطلقاتهم الدموية من الأساس،أي مجرد وسيلة لتحقيق غاية. ففكرة حرية المجموع في الاختيار تنافي البنية الفكرية التي ينتمي إليها التيار الديني،فكيف بأُناس يؤمنون بقدسية الفرد المجسد في شخصية المرشد أو الأمير ،وكانوا ما زالوا يمارسون كل طاقتهم العدائية في تكفير المجتمعات ومحاولة فرض الوصاية الدينية عليها،يؤسسون الآن للحرية الفردية والخصوصية السياسية!!.


لكن يبدو أن المصالح والتحالفات السياسية الآن تأخذ شكلاً مختلفاً في الواقع العربي،فكما خلقت الولايات المتحدة منطمات الإسلام السياسي الحركي تحت عنوان الجهاد،لمكافحة المد الروسي أثناء الحرب الباردة،فنتج عن ذلك القاعدة التي تمردت فمنحت أمريكا المسوغ الحقيقي لاحتلال المنطقة بأكملها عسكرياً وسياسياً،قررت الآن أن تُعيد اللعبة ولكن بشكل مختلف،تحت رداء الديمقراطية الجديدة،أو الربيع العربي إن شئنا التعبير،لتُخرج المارد الإسلامي من القمقم الأمني في سجون الأنظمة العربية الاستبدادية،وتضعة على رؤوس شعوب تحوي ذاكرة مثقوبة،يختارون من سيقتل ثورتهم في مهدها.
تونس سؤال بلا إجابة:
صرح " راشد الغنوشي " زعيم "حركة النهضة"،بعد فوزه الساحق في انتخابات الجمعية التأسيسية،التي ستحدد مصير تونس لعقود قادمة،أن " الحركة جاءت عن طريق الديمقراطية وليس الدبابات"،ذلك التصريح جاء متسقاً تماماً مع رؤيته الخاصة عن العلمانية التي حكمت تونس لعقود،فمنذ سنوات كتب الغنوشي في كتابه " مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني" في المقاربة العاشرة تعليقاً على أزمة الجزائر وإلغاء نتائج الانتخابات التي كانت لصالح الجبهة الإسلامية :"قبل أن تتحرك الدبابات العلمانية وقد تزودت بوقودها من الغرب لتسحق صناديق الاقتراع،أكدتُ لهم أن جزائر إسلامية ستكون أكثر استعداداً لتبادل المصالح مع الغرب،..وهو الأمر نفسه الذي أكده عمر البشير،والشيخ رفسنجاني ،ومرشد الأخوان المسلمين ".أي أن العنوشي بخلفية الأخوانية والتي تبنى من خلالها مواقف الجماعات الجهادية بوصفها جاءت كرد فعل على الهيمنة الأمريكية،يتعامل مع العلمانية بوصفها منتج غربي ديكتاتوري،ويعتبر مشروعه امتداداً طبيعياً للمشروع الإيراني،وفكر البشير بكل ما أنتجه من ظلامية في السودان.


أي أن مشروع الدولة الدينية هو العنصر الأصيل في أدبيات الغنوشي،ففي نفس كتابه يعتبر أن الأقليات غير المسلمة ليس لديها الحق في الوصول إلى مناصب عليا كرئيس الدولة مثلاً،فالشيخ الغنوشي يؤسس الآن لمجتمع حداثي جديد على خلفية دولة دينية إقصائية،تناقض لا يختلف كثيراً عن دعوته في إنتاج تحالفات مع التيارات العلمانية في الداخل التونسي،أو عن استعداده للتفاعل مع الولايات المتحدة بكل هيمنتها التي أشار إليها مسبقاً،فحركة النهضة قررت أن تمارس خطاباً تلفيقياً للحصول على أكبر المكاسب الممكنة في فترة الفوضى السياسية،مما يشير إلى تحالفات ظهرت بإشادة غربية بالانتخابات التونسية،رغم إشارة بعض ممثلي المعارضة التونسية إلى احتمالية وجود تزوير في العملية الانتخابية.

والمحصلة النهائية أن تونس اختارات أن تؤسس لديكتاتورية جديدة بعد الخلاص من استبداد قديم،ففي مقال لي منشور على إيلاف بتاريخ 17 / 1 / 2011 تحت عنوان(سفر الخروج بين دينية إيران وعلمانية تونس ) تساءلت : "هل ستنتهي المدينة الفاضلة التي يحلم بها الشعب التونسي نفس النهايات الإيرانية؟، فرغم ديكتاتورية بن علي إلا أن الجميل الوحيد الذي قام به للشعب التونسي أنه وقف أمام المد الديني الذي كان من الممكن الأن أن يلبس عباءة الثورة، ويحول تونس إلى مدينة مقدسة يحكم فيها أحدهم باسم الله، ولنا في إيران المثل الأعلى، فعلى كل النخب التونسية أن تحافظ على علمانية الدولة ولكن في شكل ديمقراطي أكثر حرية"... وجاءت الإجابة صادمة ،فقد مارس الشعب التونسي إنتقامه من نظام بن علي في نفسه،وجاءت النتيجة استكمالاً لمشروع حركة النهضة الديني،واضعون في الاعتبار أن كرة النار بدأت من هناك،حيث مهد الثورات العربية،والتي بدأت حداثية لتنتهي دينية رجعية، أو أنها بدأت كذلك دون أن نعي.!


ليبيا الإمارة والدولة:
رغم اختلاف بنية المجتمع الليبي،ولكن جاءت النتائج متماثلة تقريباً مع الحالة التونسية،فبعد إعلان رئيس المجلس الإنتقالي الليبي في خطاب تاريخي،أنه سيسمح بتعدد الزوجات ـ وكأن الثورة الليبية كانت لأجل المتعة ـ وأنه سيلغي نظام التعامل الربوي في البنوك،وسيطبق الشريعة كاملة غير منقوصة.وضعنا جميعاً أمام إعلان لإمارة دينية،وليس لدولة قبلية تريد أن تُعيد إنتاج نفسها كمجتمع مدني حديث.
ولن نتوقف طويلاً أمام مقتل القذافي،والذي جاء متسقاً مع التاريخ الدموي للقذافي ذاته،ولكن ما يطرح نفسه بقوة الآن،أن الطبيعة القبلية للمجتمع الليبي تفرض نفسها على الساحة السياسية،مما يسمح يتحويل تلك القبائل إلى جماعات مسلحة مستقلة عن مفهوم الدولة المركزية،ومع شيوع التيار الديني بشقية الأخواني والجهادي السلفي نصبح أمام ملشيات دينية مسلحة،يغازلها عبد الجليل في خطاب تاريخي.ويتكرر نفس السيناريو التونسي ولكن هذه المرة سيكون أكثر عنفاً ودموية،خاصة مع الدعم الأمريكي للجماعات المسلحة والمتمثل في بقاء قوات الناتو،والدعم المالي القطري بخلفية العلاقات القطرية من معظم الجماعات الإسلامية على رأسها جماعة الأخوان المسلمين، والأخطر العلاقات القطرية الأمريكية الإسرائيلية،فتتضح الصورة أننا أمام تحالفات عربية خليجية تريد أن تمنع وصول كرة النار إلى عروشها،فدعمت المشروع الأمريكي بالشرق الأوسط الإسلامي،والذي بدأ في ليبيا بشكل ما.


فطرابلس العاصمة التي تشكل مركز ليبيا بكثافتها السكانية التي تقارب المليونين من إجمالي ستة ملايين ليبي،تتنازعها القوى،بين المجلس العسكري بقيادة "عبد الكريم بلحاح" المعروف بتشدده الديني وقيامه بتدريبات العديد من العناصر الجهادية قبل اقتحام طرابلس،وبين المجلس الإنتقالي بقيادة مصطفى عبد الجليل،والذي يبدو أنه لا حول ولا قوة أمام السطوة العسكرية الدينية.
فالتيار الديني في ليبيا له تاريخ طويل من التواجد في شكله الدعوي ،والقمعي من قِبل نظام القذافي الذي مارس عليه اضطهاداته كاملة بعد مرحلة السبعينيات،التي شكلت مفصلاً تاريخياً لمختلف الجماعات الدينية في الشرق بشكل عام،وفي ليبيا خاصة،حيث انتشرت الأفكار الجهادية بين مختلف التيارات الدينية،وأصبح لها سطوة مضاعفة بعد الثورة والتخلص من القذافي تحديداً،وبالتالي أصبح الإعلان الدستوري المؤقت سيوضع تحت وصاية دينية كاملة،وبالتأكيد سينسحب ذلك على الإنتخابات القادمة،وما يليها.والأهم سطوة الجماعات السلفية على الشارع الليبي والتي بدأت بهدم العديد من الأضرحة والمساجد في طرابلس وجنزو والعزيزية،والتي اعتبرها أصحاب هذا التيار شركية لاحتوائها على أضرحة،والمشكلة الحقة أن تلك الجماعات محسوبة على كتائب الثوار التابعة للمجلس الإنتقالي.وبالتالي ستكون ليبيا ساحة للصراع ليس فقط بين مفهومي الإمارة المقدسة والدولة الحديثة،ولكن الأخطر بين شكل الإمارة والطبيعة القبلية التي ستحكمها.
مصر بين العسكر والدين:

الحالة المصرية لن تختلف كثيراً عن مثيلتها التونسية،بل أن الصورة في مصر أصبحت أشد وضوحاً في الآونة الأخيرة، فالإنتفاضة التي قامت لتقرير الحريات العامة والخاصة،وإقامة مجتمع ديمقراطي يتم من خلاله تطبيق القانون،تعلن نهايتها الآن على مذبح التيار الديني،والمنقسم بطبيعة الحال إلى الأخوان وإعلانهم الوسطية السياسية وقبول الآخر،بما يتنافى مع تاريخهم الإقصائي الأصيل ،وجماعات سلفية عاشت لعقود داخل أدراج الأمن ،والجماعة الإسلامية التي خرجت من السجون لتلملم شتاتها من مختلف بقاع الأرض في سبيل تكوين جماعة مُعدة للتسلح في أي لحظة تاريخية تراها مناسبة.
وتمثل إنتخابات البرلمان القادمة نقطة فاصلة في التاريخ السياسي المصري،فإما تمر بسلام اجتماعي وتكون نتيجتها لصالح التيار الديني بمختلف قوائمه ومرشحيه،أو تنتهي إلى صدامات وحروب أهلية بسبب صراعات المصالح والغياب الأمني،وسيظل الضوء الأخضر من المجتمع الغربي لصالح التيارات الدينية يمنحها شرعية الوجود،ومكتب الأخوان في الولايات المتحدة شاهداً على ذلك،فأمريكا التي قررت فضح تمويلها لمنظامات المجتمع المدني،لم تقرر بعد الكشف عن أرصدة الأخوان وغيرهم في البنوك الأمريكية.


وفي مقابل سطوة التيارات الدينية على الشارع المصري،ونفوذها الواضح داخل الحكومة ،واستعراض قوتها بالتهديد والوعيد للأقباط،وهدم الكنائس وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعات،يقابل ذلك كله صمت من المجلس العسكري ،الذي يقرر أن يحفظ الحد الأدنى من الاستقرار مع من يملك الأغلبية العددية،والمؤيد من قبل مجتمع لا يفقه ما يريد،ويعتبر ما حدث في ميدان التحرير حالة عابرة إن لم تصب لصالح بعده الإقتصادي فلا جدوى منه.ذلك الصمت العسكري لا نلاحظه حال التعامل مع الناشطين السياسيين بل أن معظم القضايا والاتهامات تعامل بحسم لا يليق بها،في إشارة تخويف وتخوين يفقد التيارات الحزبية والليبرالية أي مصداقية داخل الشارع،وينحصر مباشرة لصالح الجامعات الدينية ومصداقيتها.وبالتالي ستأتي نتيجة الإنتخابات لصالح التيار الديني بنسبة لن تقل عما حققته حركة النهضة في تونس،والبداية كانت في النقابات والجامعات التي اكتسحها الأخوان .


فرغم أن الحالة المصرية تختلف بشكل أو بآخر لوجود لاعب عسكري في الميدان السياسي،إلا أن النتائج ستأتي متشابهة تقريباً.وعموماً سيظل مشروع الشرق الأوسط الإسلامي وسطوة التيار الديني على السياسية الغربية والأمريكية تحديداً بداية لتغير وجهة المنطقة العربية بشكل عام،وستباع الثورات التي أنتجتها الحداثة الغربية لصالح رجعية دينية ستؤخرنا لقرون،فطالما قررت مجتمعاتنا ألا تحدد لها هوية واضحة،ومشروع قومي تنبني على أساسه،ستتراجع كل الأحلام ديكتاتوريات مقدسة لن ترحل بألف ثورة أو انتفاضة،ولتفرحوا بما صنعت أيديكم.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :