لماذا تضطهدني؟
بقلم: زكريا رمزي
عانت المسيحية عبر تاريخها الطويل من الاضطهاد الذى يعتبر سمة من سمات العصور المسيحية أينما وجدت. فقال قال السيد المسيح لأبناءه قبل صعوده "في العالم سيكون لكم ضيق"، فلا يستغرب المسيحيون من تعرضهم للاضطهاد، ويعتبرونه بركة لهم أن يكون مستأهلين أن يتألموا على اسم سيدهم وإلههم. فكان المسيحيون فى العصور الأولى أثناء الاضطهاد الروماني يذهبون بأنفسهم إلى ساحات الاستشهاد، ويقدمون أنفسهم لنوال العذاب قائلين عبارتهم الشهيرة "أنا مسيحي"، وهذا رد على من يزور التاريخ ويقول أن مسيحيي مصر استنجدوا بالمسلمين لحمايتهم من الاضطهاد الروماني، فالمسيحيون لا يستنجدون بأحد سوى إلههم الذي قال لهم "ادعني في وقت الضيق أنقذك فتمجدني" و"ها أنا معكم في كل الأيام وإلى انقضاء الدهر".
والآن ونحن في القرن الواحد والعشرون، عصر الفضاء والتقدم العلمي وحقوق الإنسان، يتعرض الأقباط في مصر لمشاكل لا حصر لها، يمكن أن يصنفها البعض بالاضطهاد، ويصفها آخرون بأحداث طائفية، مع إنها تحدث من جانب واحد. فلم نشاهد الأقباط مثلا قاموا بالذهاب إلى أحد المساجد الغير مرخصة، وهي كثيرة، وتجمهروا من حوله طالبين هدمه ثم شرعوا في حرقه وهدمه وهم صارخين مثلًا الله محبة الله محبة. ولم نشاهدهم يحاصرون الازهر للمطالبة بإحدى الفتيات التي أشهرت مسيحيتها ويشاع أنها محبوسة داخل الأزهر..
المشكلة وأصلها واضح وضوح الشمس، ولكن المضحك المبكي أن من يفتعلون هذه الجرائم يتهمون الكنيسة بالتطرف والإرهاب، ويقولون أن قداسة البابا هو رأس الفتنة في مصر، وهذا يدل عن حقد كبير جدًا لكل ما هو مسيحي، ويدل عن مدى اللاوعي الذي وصل إليه جموع المصريين، فالقتل في الأقباط أصبح مسببًا، ودائمًا ما يكون الأقباط هم الجناة وهم مقتولين مهدومة كنائسهم محروقة قلوب أمهاتهم على أبنائهن الذين فقدنهم، ودائمًا ما نسمع الموشحات الشفوية أن الدفاع عن الأقباط أمر شرعي، لكننا نرى في أرض الواقع عكس هذا تمامًا. مما دفع بعض شباب الأقباط كتابة كلمات "شهيد تحت الطلب" على صدورهم في مظاهراتهم، مما يعيدنا إلى ماكان يقوم به المسيحيون الأوائل حين كانوا يذهبون إلى ساحات الاستشهاد لتقديم أنفسهم.
إنها مأساة حقيقية يواجهها الأقباط بالفعل، وهي عدم استطاعتهم التعايش مع المسلمين، وإن كان ذلك يتم في جو من المجاملات السطحية، لكنه ينتهي عندما تنتهي العلاقة، وينقلب الحال على ما هو عليه. مما دفع الأقباط إلى اختيار أماكن بعينها يسكنون بها، وهي التي يوجد بها تجمعات كبيرة من الأقباط تجنبا للمشاكل وعدم الاحتكاكات، وهذا يدل على أن النفوس تحمل كثير من الجروح التي تجعل هناك فواصل وحوائط عنصرية، فنجد منشورات توزع في إحدى محافظات الصعيد تدعو إلى مقاطعة المسيحيين، وعدم التعامل معهم، وكل هذه الأمور معروف من وراءها ولكنهم يخرجون بعد كل فعلة ليعلنوا أنهم براء منها، إن العقد الذي بنى عليه المجتمع المصري انحدر إلى بئر طائفي عميق، سيحتاج إلى كثير من الوقت لانتشاله منه، اذا سرنا في الطريق الصحيح، ولكن لو سرنا بظهورنا وأصبح الضحية هو الجاني لارضاء بعض التيارات المتطرفة التي تبث قنواتهم العنف والتطرف والتكفير فإننا قادمون على ما لا نتمناه لمصرنا الحبيبة.
أصبح الأقباط غير آمنين على أنفسهم أو ممتلكاتهم، إذ بكلمة واحدة من أحد المتطرفين يتم تحريك الجماهير للقتل والهدم والحرق، وسط تخاذل أمني، فانقسم الأقباط إلى مجموعات؛ منهم من يلهث نحو الهجرة لترك هذا الجو البغيض من التطرف، وإن كانوا مخطئين في اختيارهم هذا لكنهم يحملون كثير من المبررات, وفريق آخر يرى أن مصر بلده وأن الهروب من الضيقة هو هروب من الله، ولن يترك بلده للمتطرفين. ومن يعيش فى حالة من الرعب والخوف من الأيام وما تحمله لهم، وهؤلاء أقول لهم أن إلهنا الذى سار معنا عبر العصور المختلفة لن يتركنا، وسنرى العجب في بلادنا، فيقول الله ارجعوا إليَّ أرجع أنا إليكم، فتعالوا نرجع إلى الله بكل قلوبنا، ونتركه هو الذي يعمل وسيعمل ونحن مطمئنين لعمل الله. ونقول "إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت إن عشنا وإن متنا فللرب نحن". وإن المسيحي على مر تاريخه لم يذل لبشر، ولم يطلب من أحد إلا من الله، ونقول للذين يريدون أن يقتلوا فينا الاطمئنان والسلام "أنا مسيحي تعالى اقتلني".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :