وداعـًا يا حبيبتي.. لكن لحين!!!!
بقلم: نبيل المقدس
حبيبتي... صعبان عليّ فراقك.. والأصعب من الفراق هو أن يصير حلًا ألجأ إليه، وأتوجَّه إليه مُجبَرًا... اجتزتي آلامًا قاسية جدًا قبل فراقك عني، لكن الأقسى من هذا أنني لم أستطع أن أشاركك هذه الآلام حتى أخفِّف عنك ولو جزءًا منها.. صدقيني يا حبيبتي.. كان غصب عني؛ فأنا فشلت في استعادة عافيتك.. لكن الأكثر فشلًا هو أنني لم أستطع أن أفيق من هذه الكبوة. كانت الظروف من حولك خلال شهورك الأخيرة صعبة جدًا، مملوءة حقدًا وغلًا وعداوة لكِ.. لكن الأصعب من كل هذا وذاك حين أحسستُ بالشلل التام، ووقفتُ مكتوف الأيدي لكي أنشلك من هذه الظروف الصعبة التي أحاطت بك. فالجهل الذي تفشَّى فيكِ.. والسوس الذي نخر عظامك.. والحسد الذي طال جمالك وشموخك.. والحقد على استمراريتك في العطاء.. والغيرة من سمعتك النظيفة بين جيرانك.. والغيظ من تطورك الراقي.. والرفض لرفضك لكل ما هو يشير إلى التخلف.. والغل لمقدرتك على احتوائك لكل جنس أو مذهب أو دين... كل هذا جعلهم يخرجون من جحورهم بعد أول فرصة جاءت لهم صدفة، فإستلوا سيوفهم وفي صدرك طعنوكي.. "بخوا" سمومهم في جسدك الأسمر الجميل، حتى أصبح لونه أسود سواد الليل في الشتاء.. كفَّنوا جسدك بحجاب أسود لكي يداروا جريمتهم الشنعاء.. جمعوا الحجارة ليرجموكي حتى الموت، لمجرد أنك كنتِ تحتضني النيل كل أمسية بطبيعتك الربانية، فاعتبروها جريمة ارتكاب فعل فاضح!!.. ياما هاجموكي لكونك امرأة... حبسوا صوتك لأنه عورة... خيموكي بقماش خيام أسود، متصورين أنهم نجوا من شر جمالك الذي يؤدي إلي آتون النار.. وتناسوا أن السبب أفكارهم النجسة!!.
فعلًا.. الحزن على الفراق كأشعة الشمس الملتهبة.. ربما تجعل كل الذكريات الجميلة تتبخر من الوجدان، ليعلو بها إلى السماء، فتنهمر العيون بشلالات الدموع لعلها تُطفيء وهج الذكريات.. فالفراق سعير لا يحس به إلا من لُسع بسعيره..
قبل فراقها اختليت بها وحيدًا، أحاول أن أجمع حولي صور أيام جميلة عشتها على ترابها، فتذكرت جيراني وأصدقائي وزملائي غير مبال بدياناتهم.. كل ما أعرفه أنهم مصريون مثلي.. جمعت الصور التي فيها أكلنا، وشربنا، ولعبنا، وذاكرنا، وكافحنا، وخسرنا معارك وانتصرنا في أخرى، وتذوقنا الاحتلال كما تذوقنا التحرير، وحضرنا أفراحًا، وقمنا بواجب العزاء.. كل هذه الأعمال كانت تتم بروح مصرية من منطلق أخوة وأبناء وطن واحد.. وتراث واحد.. وجذور واحدة.. وثقافات وحضارات وديانات امتزجت بنيلهـا وسبحت مع تيارها لكي تصل بنا إلى بر الأمان والحب والسلام...
ذهبت إليها وهي تحتضر.. فوجئت بالملايين حولها.. سمعتها تقول اجعلوا آياديكم مرفوعة وهي ممسكة بعضها البعض.. قبل ما يفوتكم الوقت ولا تجدون أيادي ترفعونها.. ارفعي صوتك يا بنت مصر، وانشدي وغني لحبيبك بصوت عال قبل ما يعتبروه عورة ويحبسوه .. اسرعي يا بنت مصر لتحتلي مراكز قيادية قبل ما تصبحين عبدة لرجل في البيت.. انطلق يا شباب وتعلموا وابتكروا واخترعوا قبل فوات الأوان ويعتبرونها هرطقة ضد الله.. إلحق وفكر وتأمل في شعر أو نثر أو قصة أو فيلم يعبِّر عن أحاسيس المصري الاجتماعية والعاطفية قبل ما يمنعوا الأدب والفن والرسم والنحت لأنهم خطيئة من الكبائر.. اعزفوا الآن على أوتار الربابة والعود أغاني الحب والتفاؤل قبل ما يجعلوا هذه الأوتار قيودًا وسلاسل لإسكات نبض قلوبكم العاشقة لربكم ولوطنكم ولبعضكم البعض.. يا شباب.. سافر واذهب إلى بلدان العالم لكي تكتسب معرفة جديدة قبل ما يعتبرون سفرك هو خروج عن الطريق المستقيم، وتكون نهايتك تهمة التعامل مع الكفار!!.
لذلك..، ليس أمامكم إلا طريق واحد هو الصندوق.. فهبوا يا مصريون مبكرين يوم المحاولة الأخيرة في إحياء حبيبتكم.. هرول من الصباح الباكر ومعك حبيبتك وأختك ووالدتك وبناتك وأخيك وصديقك ووالدك وجيرانك وكل من هو مصري أصيل أحب تراب "مصر"، وتوجَّهوا إلى الصندوق لكي لا تجعلوه كفنًا لـ"مصر" بل صندوقًا لحياة جديدة لـ"مصر" الفتية.. والتي ستظل بكم مصر الجميلة.. صاحبة أجمل وجه وأحلى عيون من بين البلاد. في هذا اليوم البسوا أحلى الثياب وكأنكم في عيد.. خذوا العصيان والدف والرق لكيتنشدوا أناشيد الحرية وترقصون رقصة النصرة على خفافيش الظلام، والذين وصل بهم الحال أن يظهروا حتى في النهار، فبدأوا يتخبطون ولا يفرِّقون ما هو صالح وما هو ضار لـ"مصر".
نامي يا حبيبتي.. نامي يا حبيبتي .. وأنت مطمئنة سالمة.. سوف يُظهر أبنائك وشبابك أنهم جديرون أن تكوني لهم أمًا ووطنًا... لكِ السلامة يا مصـــر.. فوداعًا يا حبيبتي.. لحين ما ينشلك أبنائك من هؤلاء الذئاب الذين يحومون حولك.. وإلى أن تشرق عليكِ شمس الحرية.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :