هلمّ .. نرجع و نأخذ معنا كلاماً ..ثم نقوم ونبنى !! (2)
بقلم : ارنست أرجانوس جبران
فى المقال السابق ، قد أشرنا الى المواقف المؤسفة التى حدثت فى ماسبيرو والاعتداءآت على المتظاهرين الأقباط من قبل الجيش .. وعند كتابة هذه الكلمات استجدت بعض الأحداث المؤسفة والمؤلمة و المبكية لسقوط ضحايا الشهداء الأبرياء يوم الأحد 9 أكتوبر 2011 .. وذنبهم الوحيد أنهم كانوا من ضمن المسيرة السلمية .. وفجأة ظهرت بعض المصفحات و قامت بمطارتهم كأنما تريد اثبات وجودها فى ساحة الوغى ضد الأعداء الكفار .. مدرعات ومصفحات تتقاذف بنى البشر كأنما كنا فى ساحة لكرة القدم بين فريقين غير متكافئين .. فريق من الحديد والآخر من بنى آدم .. والنتيجة كانت الفوز الساحق لصالح الجيش المغوار الذى كان يسحق بدروعه الحديدية لحوماً بشرية .. وهاهى النتيجة .. القتلى التى سالت دماؤهم والتصقت بقايا أجسادهم بإطارات مصفحاتهم .. أطراف مبتورة ورءوس مفلوجة .. حيث بلغ عدد الشهداء 28 شهيداً .. وأكثر من 300 جريحاً و28 سجيناً من الأقباط المسيحيين جراء هذه المذبحة اللاأخلاقية .. وما خفى أعظم .. أى حكومة وأى أمر أو أوامر تأمر باستخدام المدرعات على مواطنين عُزّل .. والشئ الغريب الذى زاد السوء سوءاً ، دور الاعلام المصرى .. حيث قامت بعض قنوات التلفزيون المصرى ببث أخباراً كاذبة وهى تصب جام إتهاماتها التى تدعى بأن الأقباط هم الذين من قاموا بقتل رجال الجيش .. فى حين أن أحد الآباء الكهنة الأبطال واسمه فليمون خليفة قام بحماية أحد الجنود الذين كانوا يقودون إحدى المدرعات الساحقة للأجساد .. وعند خروجه من المدرعة هجم عليه بعض الشباب ليشفوا غلهم ويأخذوا بتارهم .. إلا أن الكاهن صار يحميه بجسمه الذى لم يسلم من بعض الضربات الموجعة .. ومن العجيب كيف كان التلفزيون يبث أكاذيبه بالرغم من عدم تواجدة فى الشارع أثناء تلك الحوادث .. بدليل أن لا وجود لمقابلات أو لقاءآت مع رجال الدين المسيحى والذين هم الضلع الأساسى فى المسيرة .. أما كان من الأجدر بل من الضرورى وجود كاميراته للتغطية الاعلامية والوقوف على الحقيقة بدلاً عن أسلوب التحريض والتضليل لتشويه صورة الأقباط .. مع العلم بأن هذا التجمع كان على بعد خطوات من مبنى التلفزيون .. ولكن الحقيقة تكمن فى أن هذا الإلتباس كان متعمداً بدليل أن بعض العاملين فى التلفزيون أمثال المذيع الوطنى الشجاع الأستاذ محمود يوسف ، المذيع بقسم الأخبار الذى كتب قائلاً :" أنا العبد الفقير الى الله محمود يوسف وأعمل مذيعاً بالتلفزيون المصرى أعلن تبرئى مما يذيعه التلفزيون المصرى " .. وهنا أيضاً أود أن أشيد بعينة أخرى من المذيعين ألا وهو الأستاذ الشاب "بلال فضل" من قناة "التحرير" الذى قام باعداد حلقة خاصة مكونة من ثلاث لقاءآت استضاف فيها بعضاً من النساء المسلمات والمسيحيات اللائى كان لهن دور فى أحداث ماسبيرو ثم لقاء آخر مع بعض الشابات واللقاء الأخير كان مع بعض الشباب .. لمناقشة ماهية وأدوار مختلف فئآت الشعب و انواع الحلول للأوضاع الحرجة التى تمر بها مصر .. حقيقة كانت الحلقة ممتعة لأنها كانت تتسم بالصدق والاخلاص .. ولهذا يجب علينا أن نشيد بأمثال هؤلاء الأبطال من المذيعين و المذيعات الذين يضربون مثلاً ومثالاً للوطنية الصادقة فى زمن تقل فيه الوطنية بمعناها العملى والفعلى.. بل وقد يضربون مستقبل وظائفهم ومراكزهم بعرض الحائط من أجل مقولة حق .. فلو كان كل فرد فى هذا الوطن من أمثال الأستاذ محمود أو الأستاذ بلال وغيرهما من المصريين الوطنيين ، لتغيرت الموازين فى جميع أنحاء مصر .. ولِما كنا قد وصلنا الى ما نحن عليه الآن .. بل ومما يزيد الألم ألماً هو القبض على بعض الأقباط من تلك المسيرة .. وكم وكم من المظلومين الأقباط هم الآن وراء القضبان .. وهناك حادثة أخرى تسمم الأبدان من ضمن الأخبار التى توالت بعد مذبحة ماسبيرو .. هو الحكم على المسيحى أيمن يوسف منصور بالسجن 3 سنوات مع الشغل والنفاذ .. وما هى تهمته .. قالت محكمة جنح الأزبكية ، أنه قام باستغلال الدين بأفكار متطرفة والترويج لها بقصد إثارة الفتنة الطائفية والإضرار بالوحدة الوطنية وتحقير الدين الإسلامى عبر موقع " الفيس بوك " .. وهنا أتساءل ، كم من الذين يكتبون على الفيس بوك .. بل عبر قنوات اليوتيوب بالصوت والصورة .. وهم يحقرون فى الدين المسيحى .. وشخصيات الدين المسيحى .. ولم يحاكم فرد منهم .. ألم يكن هذا ما يثير الفتنة الطائفية .. أم لم تكن تلك أفكارأً متطرفة ..!! .. ثم الظاهرة الأخرى التى بدأت تتفاقم فى الآونة الأخيرة .. كل سيارة يكون صاحبها مسيحياً ويعلق صليباً داخل سيارته .. يعطيه الشرطى مخالفة .. والتهمة هى إثارة الفتنة الطائفية .. وإن لم تصادف شرطياً ليحرر لك مخالفة ، تصادف سلفياً متأسلماً أم بلطجياً ينهال على سيارتك تحطيماً وتكسيرا ثم تنتهى العملية بحرقها وإن سلمت من هاتين العمليتين لسرقت سيارتك وذنبها أيضاً ان صاحبها مسيحى .. وقابلنى إن عثرت عليها مرة أخرى .. وهكذا .. لأننا الحيطة الواطية .. وهنا تظهر الغرابة العكسية والتى تظهر جلية ، عند وجود الكم الكثير من السيارات التى تحمل آيات قرآنية .. إلا أنها لا تصادف شرطياً لتحرير محضر المخالفة أم من يعترض سبيلها لتحطيمها ثم حرقها ..أو حتى سرقتها .. والحقيقة والتى لا يختلف عليها إثنان .. هى " عليهم غفور رحيم وعلينا شديد العقاب ..!! .. لماذا .. يارب .. ولكن لتكن مشئتك ..
ومن الجهة الأخرى ، يوجد الاعلام المسيحى الذى قام بدور فعال ومن ضمن هذه القنوات ، قناة سى تى فى ، وأخص بتقدير خاص للبرنامج الممتاز " فى النور " الذى قام ويقوم بدور عظيم لاستضافته بعضاً من رجال الدين و السياسيين والصحافيين و عدداً من شهود العيان فى مسيرة ماسبيرو السلمية .. وكم كانت شهاداتهم مؤلمة عما شاهدوه وعما سمعوه من الشرطة العسكرية والتى كان أفرادها يقومون بضرب المسيحيين وهم يرددون جملة " الله أكبر " إضافة الى الألفاظ النابية والغير مهذبة والتى لا تليق وشرف المهنة ..
والآن .. وبعد كل هذه المهازل العنترية ، نسمع بقيام السيد المشير طنطاوى و طلبه لمقابلة قداسة البابا شنودة فى يوم الاثنين 24 أكتوبر .. لا أدرى إن كان بالفعل يريد المشير تقديم واجب العزاء ..أم لبحث أمور أخرى .. ونقول للمشير .. فيك الخير يا جناب المشير .. حقيقة أننى أندهش .. وأنا واثق من أن الكثيرين يندهشون .. وكما يقول المثل القائل .. كلا .. كلا ، ليس المثل بل الحقيقة القائلة : " يقتلون القتيل ويمشون فى جنازته " .. صحيح أننا لسنا ضد السلام والمحبة .. لأن مسيحنا علمنا السلام بمعناه الحقيقى .. إلا أن الرياء والتظاهر والخداع لا يقرها ولا يقبلها الله .. وكم من المرات كان السيد المسيح يصف الكتبة والفريسيين بالمرائين .. وكم وكم من المرات قدم الأقباط تنازلاتٍ فى الماضى تحت بنود موائد افطار رمضان .. والجلسات العرفية للمصالحة .. أم مقابلات الشيوخ مع القساوسة .. وآخرها بيت العائلة .. وهنا أود أن أسأل .. ماذا عن الضمائر ..أسألك أخى الشيخ .. عندما تقبل أخاك القس أمام عدسات التلفزيون ، هل تكنُ له بالفعل محبة صادقة نابعة من القلب !! ..أم غداً فى صلاة الجمعة تقول ما لا يقال فى خطبتك الساخنة والتى تختمها بالدعاء المعروف " اللهم ثكل نساءهم .. اللهم يتم أبناءهم .. الخ .. " والعجيب أن هذه الخطب لها من الفاعلية التى تجعل المصلين يخرجون وهم يروحون هجوماً وتكسيراً وحرقاً فى محال النصارى .. ألا تتفقوا معى .. بأن الأقباط هم الحيطة الواطية .. يسهل القفز عليها كما وعندما وأينما أرادوا .. بل وهم يؤكدون أن الأقباط أجبن الجبناء وأن الخنوع من شيمهم .. فهم يفسرون التسامح وتكراره ، دليلاً على ذلك .. ولكننا نريد أن نقول لهم .. ليس أبداً أن التسامح ، يعتبر جبناً أو خنوعاً .. وهنا وجب علينا أن نقف وقفة رجل واحد لنبنى هذه " الحيطة الواطية " لترتفع وتقوى كسور أورشليم الذى بناه نحميا بعد سبى بنى اسرائيل .. ولبناء هذه " الحيطة الواطية " لابد وأن نرجع الى كتابنا المقدس لنعرف كيفية مراحل بناء الحائط .. وما بعد البناء ..
الخطوة الأولى : لابد وأن نرجع الى الله آخذين معنا كلاماً ..
كما جاء فى سفر هوشع 14:" إرجع يا إسرائيل الى الرب إلهك لأنك قد تعثرت بإثمك خذوا معكم كلاماً وارجعوا الى الرب قولوا له إرفع كل إثم .. " وفى نهاية الأصحاح يقول الرب " أنا أشفى إرتدادهم . أحبهم فضلاً لأن غضبى قد إرتد عنه " .. وأيضاً فى كتاب العهد الجديد "لو15" قرر الابن الضال أن يرجع ليقول كلاماً :"فرجع الى نفسه وقال أقوم وأذهب الى أبى وأقول له يا أبى أخطأت الى السماء وقدامك .. " وكانت النتيجة ، عندما رآه الأب ركض ووقع على عنقه وقبله " .. هكذا تكون التوبة والرجوع الى الله عندها سيقبلنا الله ويسدد خطانا .. هذه هى الخطوة الأولى.. فقيام الكنيسة باصوام وبصلوات إنما هى بمثابة الرجوع الى الله قائلين له " إرحمنا يا الله .. يارب ارحم "..نحن نريد معونتك يارب فى هذه الظروف القاسية على كنيستك وعلى شعبك .. أيضاً يارب نطلب منك أن تظهر الحق والحقيقة للذين لا يعرفونها .. بل ولا يعرفونك أنت الإلة الواحد القدوس .
الخطوة الثانية : عملية البناء : كيف نبنى كنائسنا ثم نبنى أنفسنا .. !!
والبناء هنا يتطلب إيماناً ومجهوداً ودفاعاً .. ومثالنا فى هذا البناء ، نَحَميا النبى .. فعندما سمع بأن أسوار أورشليم قد هُدِمت ، قام أولاً وصلى الى الرب وقال له كلاماً .. قائلاً :" إن إله السماء يعطينا النجاح ، ونحن عبيده نقوم ونبنى " نح2 - وبالغعل اهتم نحميا ببناء سور أورشليم والذى بناه فى 52 يوماً فقط .. بالرغم من التهديدات والتهكمات وتثبيط الهمم .. مما أدى الى إقامة حراساً نهاراً وليلاً .. وهنا ضرب نحميا مثالاً حياً يقول الكتاب نح4:" ومن ذلك اليوم كان نصف غلمانى يشتغلون فى العمل ، ونصفهم يمسكون الرماح والأتراس والقسى والدروع . والرؤساء وراء كل بيت يهوذا البانون على السور بنوا وحاملو الأحمال حملوا باليد الواحدة يعملون العمل ، وبالأخرى يمسكون السلاح " وهنا وجب علينا أن نركز على هذه النقطة ونكرر : باليد الواحدة يعملون العمل وبالأخرى يمسكون السلاح .. ولكننى لا أقصد ولم أقصد قط .. بأننا سنتسلح بالبنادق أو الخناجر لا سمح الله .. بل سلاحنا الأساسى هو التمسك بايماننا المسيحى الى آخر نفس من أنفاسنا ثم الدفاع عن كنائسنا لآخر قطرة من دمائنا .. وكفانا بأن نكون تلك الحيطة الواطية بذاتها.. وهكذا لن نتنازل عن حقوقنا من بناء الكنائس
وإعادة بنائها .. ورفع صلبانها عالية .. ووضع حدوداً للمتهجمين على كتابنا المقدس وشخصياتنا المسيحية ومقاضاتهم ..وإن لم نجد حقوقنا كاملة وغير منقوصة نلجأ الى المحافل الدولية .. وخلافه مهما بلغ بنا الأمر .. وأعتقد ان ما حدث فى مذبحة ماسبيرو ، هو أقوى دليل على الايمان العملى والتصدى العلنى الذى أدى إلى إستشهاد الكثيرين من أبنائنا الأقباط .. نعم هناك من هم ينادون بالآية القائلة "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" .. فهم أبناء الله المصلون والذين ينفذون المرحلة الأولى فقط من بناء السور.. هذا جيد ونحن لا نعارضهم .. بل نكمل رأيهم بالأية التى تقول وعلى لسان السيد المسيح له كل المجد " لماذا تضربنى " ...
وكما ذكرت ، أننى أود أن أستشهد بما فعله نحميا بعد بناء السور بأبوابه ومصاريعه .. لأنه قام بأفعال شتى لتكملة البناء الداخلى .. فلو رجعنا الى الأصحاح السابع ، نحميا القائد فوض آخرين للقيام بترتيبات خاصة وهامة بعد الانتهاء من بناء السور ..بدأ بترتيب البوابين والمغنيين واللاويين .. ثم قيامه بعملية حصر الانتساب .. لمعرفة أصل اليهود القادمين من السبى ..وكما فعل نحميا فى العهد القديم ، يجب علينا نقوم ونبنى ..
فعلينا نحن الأقباط أن نعمل معاً .. وكما رتب نحميا أولوياته ، يجب علينا أن نرتب أنفسنا كل على حسب الوزنة أو الموهبة أو المؤهل الذى عنده .. ولاسيما ونحن الآن نجابة المشاكل المتعددة والتى قد تصيب الكثيرين بالاحباط .. ومن بينها مسألة الانتخابات .. ماذا يكون موقف الأقباط من الانتخابات القادمة .. لماذا لا نقوم بعمل تعداد دقيق للأقباط فى مصر .. أيضاً كما فعل نحميا .. فموضوع الانتخابات هو أحد أولويات المشاكل الراهنة .. فمن يجد فى نفسه الكفاءة ، يقوم بترشيح نفسه.. وعلى المنتخبين أن يعوا الى من يوجهون أصواتهم .. وأننى واثق إن اتحد الأقباط لانتخاب حزب من الأحزاب المؤهلة لخدمة الوطن بأمانة واخلاص ، فأننى واثق من فوز هذا الحزب لأن عددية الأقباط وأصواتهم المعطاه سترجح كافة الموازين .. فعلى الرعاة مسئولية توعية الشعب توعية كاملة دون خوف أو مداراة.. وكفانا سلبية واحباطاً ..
وهنا وجب على كنائسنا فى مصر وكنائسنا فى بلاد المهجر .. أن تتعامل سويا بنفس الطريقة التى اتبعها نحميا فى كتابنا المقدس ..توعية شبابنا لمحبة مصر .. أمنا مصر .. وأننى أكرر .. وأركز على شباب المهجر .. فعند إنقراض جيلنا المعاصر فى بلاد المهجر ، لن نجد جيلاً يستلم الرسالة الحقوقية من بعدنا ..وكما نعلم إن الحكومة المصرية تعمل ألف حساب لأقباط المهجر .. وأذكر .. من ضمن أساسيات هذا الانتماء هو التركيز على كنيستنا المصرية فى مصر التى هى بلاد أجدادنا .. ويجدر بى القول لإبراز نقطة هامة وهى يجب تعليم اللغة العربية بجانب القبطية فى الكنائس .. وكما أوضحنا فى كتاباتنا السابقة ، إن اللغة العربية تعتبر بمثابة جسر عبور لمصرنا الغالية .. نعود مرة أخرى الى المواهب والكفاءآت .. ليت الرعاة يعملون على اكتشاف وتشجيع هذه المواهب عند الشباب ولا مانع من اكتشافها عند الشيوخ أيضاً .. اكتشاف السياسيين ، الفنانين من راسمى الأيقونات ..المبشرين ..المرتلين .. الممثلين .. المصورين ..الخ .. فلنجعل المواهب تعمل سوياً .. مكملين بعضنا بعضا فى محبة صادقة .. ولتحيا كنيستنا بل كنائسنا بجميع طوائفها .. والمجد لك يارب ..
آسف للاطالة .. أعذرونى .. لأن القلب متألم مشحون بالألم و الشجون .. ..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :