الاب متي المسكين .. الارثوذكسي الثائــر
بقلم : مايكل ماهر عزيز
يحدث بين الحين والاخر بعض المشادات بين بعض الاشخاص داخل الكنيسة وهذه المشادات تحدث بين فريقين أرثوذكسيين فلكل فريق رجلاً يمشون علي خطاه وله مرجعيته الفكرية ويؤمنون بتعليمه , وهذان الرجلان في عصرنا الحالي امتلك كل منهما مميزات وأسلوب روحي منهجي يعيشان عليه ولحل تلك الاحجية فهذان الرجلان هما قداسة البابا شنودة الثالث وأبونا متي المسكين الذي حتي كتابتي لهذا السطور لا اعرف سر الخلاف الحقيقي بينهما ؟؟ !! .
يعتبر البابا شنودة والاب متي المسكين مدرسة روحية خاصة ., فلكل رجل فيهم رائيه وفكره الخاص عن الارثوذكسية وماهيه طريقة العيش الروحية المناسبة وقد أدت هذه الروئ والافكار المختلفة الي الاختلاف بين الرجلين علي فكر كل منها وقد تبني بعض الاشخاص هذا الاختلاف وتعميقه وذلك للفرقة والانقسام .
فبعد نياحة أبينا متي المسكين ظهرت بعض التيارات تتبع الايمان الارثوكسي إنحرفت عن تعاليم الكنيسة وأبتدت هذه التيارات تنادي بتعاليم غريبة عن ايماننا الارثوذكسي وقد تزعم هؤلاء انهم من مدرسة الاب متي المسكين الروحية ,,, ولعلي من أشهر هؤلاء المدعو ماكس ميشيل الذي زعم انه من تلاميذ الاب متي المسكين ونصب نفسه بطريرك علي الاقباط الارثوذكس !!! الامر الذي أدي الي إصدار مجمع ورهبان دير أبو مقار بيان يستنكر فيه تصرفات ماكس ميشيل ونفي الرهبان ان تكون للاب متي المسكين صله بهذا الرجل من قريب أو بعيد , بل وفي حياه الاب متي المسكين قد تم منع ماكس ميشيل من دخول الدير نتيجة تعاليمه المنحرفة .
ليس ماكس ميشيل وحده من أستغل الخلاف الفكري بين البابا شنودة والاب متي المسكين بل انضم اليه أصحاب التعاليم والاراء الغريبة مثل المدعو / جورج حبيب بباوي الذي قام بتكفير قداسة البابا في بحث قدمه بجريدة روز اليوسف وهذا البحث قد أحدث ضجة حينها الامر الذي أدي الي اجتماع المجمع المقدس لمناقشة الامر وكانت توصية المجمع الحرمــان لجورج بباوي وما يسير علي خطاه نتيجة انحرافه عن الايمان الارثوذكسي وانضمامه لكنائس أخري غير كنيسته الام .
وأصبح الاشخاص الذين لا يروق لهم شخص قداسة البابا ينضمون الي معسكر الاب متي المسكين والعكس صحيح فالذين لا يروقون الي تعاليم الاب متي المسكين ينضمون الي معسكر قداسة البابا معسكر الاغلبية !! .
والسؤال الذي يطرح نفسه الي أين نتجه ؟؟!!
أين أجدك يا الله؟ أين أجدك ؟ ... لقد بحثت عنك في كل مكان فما وجدتك ". "
بهذه الكلمات أراد الدكتور يوسف أسكندر (فيما بعد الاب متي المسكين) أن ينهي حياته عن العالم الزائل بعد أن أراد ان يتحرر من ذاته ومن المحيطين به وذلك لكي يتعمق في الرب ويعيش الي الله وحده .. لقد قال يوسف اسكندر هذه العبارة بعد ان راي أحداث بعينه وتصرفات من كثيرين لم يقتنع بها فالاب متي المسكين كان يمتاز بأنه غير طائفي بمعني أنه لا يؤمن بالطائفية والمذهبية وهذا يعتبر أساس خلافه مع الكثيرين فقد ظهر هذا الخلاف في بدايات عمره في مرحلة الشباب ويذكر هو بنفسه عندمــا قال في مذكراته : " في مساء يوم كنا مجتمعين فيه في منزل الاستاذ سعد عزيز بالجيزة ( فيما بعد المتنيح الانبا صموئيل اسقف الخدمات ) في اجتماع محبة . وطرح أحد الاخوة سؤالا عن علاقتنا بالبروتستانت . فتبرع أحد المسئولين بالرد يفهم منه ألا نتعامل معهم . فبدأت أنا أتساءل لماذا ؟؟ فتطور الرد الي الامــر وألا نضع يدنا إلا في يد من يؤمن بمبادئنا ! فاعترضت وقلت ان هذه عزلة وليست بحسب الانجيل , وهنا طرحت أنا سؤالا محرجا ولكن يقطع في الامر . هل لن يدخل الملكوت البروتستانت والكاثوليك ؟ وكان رئيس الجماعة جالسا يسمع واسمه ظريف عبد الله ( فيما بعد المتنيح القمص بولس بولس راعي كنيسة دمهنور ) فأخذ السؤال من فمي وطرحة للاستفتاء العام للجماعة الجالسة وكانوا نحو 20 شابا فكان الرد بالاجماع إن لا بروتسانتي ولا كاثوليكي سيدخل الملكوت طبعا ! وإلا فما قيمة الارثوذكسية ؟
وهنا فهمت أني أمام كارثة إيمانية بل كارثة وطنية وشعبية معا ولكن علي ضوء هذا الاستفتاء بدأت أفهم الامور من حولي .
كانت هذه الواقعة تعتبر نقطة تحول في حياة الدكتور الشاب يوسف اسكندر ( الاب متي المسكين ) فقد كان لا يؤمن بالطائفية ولا بالاختلاف في العقيدة بل كان يريد ان يدمج كل هذه الطوائف والعقائد في المحبة المسيحية وقد أدرك أنه ليس الاقباط فقط من يتحفظون علي عقيدتهم بل العالم أجمع يفعل ذلك عندما كتب في مذكراته : " لقد عاني العالم كله من صراع العقائد الدينية تماما كما عاني من صراع الأحزاب السياسية " .
فللاسف فلكل كنيسة من كنائس العالم إقتناع أنها الكنيسة الصحيحة ذات العقيدة الصحيحة ناسين الاساس الايماني المسيحي المتمثل في الاعتراف بألهوية المسيح وبكفارته عن البشرية
فكان يبحث عن المسيح الحقيقي .
فبدأ لسان حاله يقول : أين أجدك يا الله؟ لقد بحثت عنك في كل مكان فما وجدتك لا في العلم, ولا في السياسة, ولا في تعصبات رجال الدين, ولا في المال الذي بدأ يملأ خزانتي.
لقد قال من كل قلبه : أنا لا أريد المسيح الارثوذكسي ولا المسيح الكاثوليكي ولا المسيح البروتستانتي .. بل أريد المسيح المعلق علي خشبة الصليب فاتحاً ذراعيه لكل إنسان ضال بعيد عن حظيرته المقدسة .
الطريق الي الرهبانية :
خرج الدكتور يوسف اسكندر من بلدته دمهنور تاركا ورائه كل ما يملك من ( بيوت وسيارات وصيدليات ) وذلك لكي يتبع طريق الملكوت وكان ذلك عام 1948 وكان وقتها في عامه التاسع والعشرون ويعتبر الاب متي المسكين والانبا صموئيل أول رجلين جامعيين يخرجون الي البرية طالبين الرهبنة وقد أدي هذا الامر الي تشجيع الكثير من الشباب القبطي الجامعي للذهاب الي الاديرة بحثا عن الرهبنة والتعمق والصلاة ولمعرفة الامور الدينية .
وبدأت اول تلك الحركات عام 1948 بدخول يوسف أسكندر ( الاب متي المسكين ) و الاستاذ سعد عزيز بالجيزة (المتنيح الانبا صموئيل اسقف الخدمات ) ونظير جيد ( البابا شنودة حاليا ) وعبد المسيح بشارة ( الانبا أثناسيوس المتنيح مطران بني سويف ) وغيرهم .
وقد كان لدخول هؤلاء الشباب الاثر الكبير في النهضة الرهبانية الحديثة في القرن العشرين .
الاب متي المسكين ... الارثوذكسي الثائر:
والاب متي المسكين يحسب له أنه كان يضع علي عاتقه تقديم صورة أرثوذكسية أبائية معاصرة عن الكنيسة القبطية وقد نجح في ذلك نجاح منقطع النظير فقدم اول مؤلفاته عام 1952 كتاب : " حياة الصلاة الارثوذكسية " و قد لاقي هذا الكتاب شهرة عالمية وعبر عن هذا الكتاب المطران جورج خضر مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس عندما قال : " لأول مرة يتتلمذ الروم على كتاب قبطي "
وكان الاب متي المسكين يركز في مجمل كتاباته عن الابائيات في القرون الاولي المسيحية وكان يستعين في ذلك بكتب ومراجع لاباء غير أقباط أرثوذكسين وهذا الامر أدي الي أستياء الكثيرين داخل الوسط الكنسي
وهنا نلاحظ هدف أبونا متي القديم وهو عدم الطائفية والمذهبية التي لم تعجبه في يوما من الايام فهو كرجل محب للمسيح لم يتأثر بمثل تلك الامور وقد استعان في كتاباته بمنشورات كنيسة الروم الأرثوذكس في لبنان ( منشورات النور ) ، ومؤلفات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في انجلترا ( مؤلفات الأب ليف جيليه وغيره ) . وقد ساعده على هذا عمق معرفته باللغة الإنجليزية واليونانية القديمة بالاضافة الي استعانته بتفسيراته الي مراجع أروبية وأمريكية عن تفسيرات الكتاب المقدس .
تخوف كنســى من التحرر الارثوذكسي للاب متي المسكين :
وهذا الامر قد أدي الي تخوف قيادات الكنيسة القبطية الارثوذكسية من نشر الافكار الغير أرثوذكسية من خلال كتب الاب متي المسكين ولذا فقد تم منع بيع كتب الاب متي المسكين من الكنائس القبطية والاديرة حفاظاً علي الاجيال القادمة التي من الممكن أن تتأثر بهذه المؤلفات التي قد تم دمج بها بعض ألافكار البروتستانتية والارثوذكسية الشرقية والكاثوليكية !!
وتعقيبا علي هذا : إن مثل هذا الاجراء ليس ضد الاب متي المسكين ذاته أو عداوه لشخص ابينا متي المسكين كما يدعي المروجون لتلك الامور .
وإختلاق قصة أن البابا شنودة علي خلاف مع الاب متي المسكين ليست صحيحة بالمرة ولا يوجد خلاف علي شيئا وإنما الخلاف في طريقة كتابة الاب متي المسكين المدمج بها الافكار والتفسيرات المسيحية التي من مختلف الطوائف ........
وبالرغم من سوء التفاهم بين الاب متي المسكين وقداسة البابا شنودة بخصوص هذا الموضوع إلا ان علاقتهم كانت تتسم بالمحبة المسيحية الصادقة وكان كثيرا ما يجتمع قداسة البابا بالاب متي في الكثير من المناسبات . إنها حقا روح المحبة الحقيقة بدون ريبة ولا رياء .
الخلاصـــــــة :
يعتبر أبينا الحبيب المتنيح الاب متي المسكين مفخرة لكل قبطي ارثوذكسي ولكل مصري ينتمي لاي مذهب أيا كان فالمسلمين يقدرونه ويوقرونه ووسائل الانباء العالمية تحدثت عنه كثيرا وعن مجمل أعماله وكتبه .
ولم يحدث في تاريخ الرهبنة منذ نشأتها أن قام راهب بتأليف هذا العدد الضخم من الكتب التي يبلغ عددها 181 كتابا. أغلب هذه الكتب ذو طبيعة موسوعية مما يجعلها تتأهل لأن توضع في كبري مكتبات كليات اللاهوت في العالم وأن تكون مرجعا لرسائل الدكتوراه فيها .
إن أبينا متى المسكين من أعظم المؤلفين في العلوم المسيحية في القرن العشرين على مستوى العالم
وتتميز كتاباته بالآتي :
(1) العمق الروحي واللاهوتي في آن واحد . إنه ابن الرهبنة الناسكة ، وسليل آباء الأسكندرية الذين تعمقوا في العلوم اللاهوتية ، وهكذا اجتمع في شخصه حلاوة وعمق الكنيسة القبطية ومجدها .
(2) الانفتاح على فكر الآباء: ولتحقيق هذا الهدف انفتح أولا على فكر الكنائس الأرثوذكسية غير القبطية مثل منشورات كنيسة الروم الأرثوذكس في لبنان ( منشورات النور ) ، ومؤلفات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في انجلترا ( مؤلفات الأب ليف جيليه وغيره ) . وقد ساعده على هذا عمق معرفته باللغة الإنجليزية واليونانية القديمة . المعروف أن الأب متى المسكين رجل عصامي ثقف نفسه بنفسه ، إذ لم يدرس العلوم اللاهوتية في مصر أو الخارج ، لكنه حقق مكانة مرموقة فيها ترقى إلى العالمية كما سبق أن أشرنا .
(3) الانفتاح على الفكر الغربي : يظهر هذا واضحا في تفسيراته للكتاب المقدس حيث رجع فيها إلى مراجع كبار علماء الكتاب المقدس الأوربيين والأمريكيين.
4) الاهتمام بدراسة المخطوطات القديمة المحفوظة في الأديرة : ويظهر هذا بوضوح في كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية وكتاب رسائل القديس أنطونيوس وغيرها .
عوامل نبوغه
لا شك في أن الأب متى المسكين أحد نوابغ الكنيسة القبطية في القرن العشرين ، وقد كتب اسمه بحروف من نور في تاريخ الرهبنة عبر العصور ولم يكن وصوله إلى هذه المكانة صدفة ، ولم يكن طريقه مفروشا بالورود ، لكن حياته كانت حافلة بالأمواج والأعاصير لكنه صمد كالصخر .
لعل من أهم أسباب نبوغه ذكاءه الخارق ، وقدرته العالية على البحث والدراسة العميقة . لقد استغل هدوء الصحراء ليس فقط في الصلاة والتأمل ، بل أيضا في القراءة المتواصلة المضنية والبحث العميق ، وساعده على ذلك نشاطه الذهني وسعة أفقه وقدرته على الاستيعاب .
ومن أسباب تفوقه قدرته على الجمع بين المتناقضات . كان آبائيا ، لكنه استعان بالفكر اللاهوتي الحديث . كان يعشق التقليد الكنسي ، لكنه كان تجديديا ميالا إلى الحداثة .
وسيبقى الأب متى المسكين علما من أعلام الرهبنة وعلامة بارزة في تاريخها من خلال فكره ومؤلفاته ، ومن خلال تعميره لدير أنبا مقار ، وتجديده للحياة الرهبانية وإحيائه للفكر الآبائي . وسلاما لروحه الوثابة.
بركة صلاته فلتكن معانا أمين
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :