يا صاحب النيافة بئس ما "أكدت"
بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
تاسفت جدا, و ان لم ادهش كثيرا, مثلى فى ذلك مثل الغالبية العظمى من الاقباط داخل مصر و فى المهجر, لما نشر عن تصريح لوزير خارجية هولندا يورى روزنثال فحواه ان "انبا موسى اسقف الشباب (افتراضا نيابة عن قداسة البابا) وعدد من النشطاء الأقباط الذين أكدوا أنهم يثقون فى التحقيقات التى تتابعها لجان حقوق الإنسان المصرية، ويرفضون عمل وتدخل اللجان الدولية فى مصر". لن اتناول هنا هذا "البعض من نشطاء الاقباط" فقد اسماهم الزعيم الراحل عدلى ابادير باليهوذات, و اعتدنا على بذاءاتهم. و لكنى ساتصدى ل"تأكيد" احد كبار اساقفتنا المحزن. لى بعض الاستفسارات ساتناولها لرفع ثقلها عن صدرى.
اسئلة طال السكوت عن طرحها. اولها هو: نيافة انبا موسى بيضحك على مين؟ و ثانيها هل يثق نيافته حقا ان اللجان المحلية فى مصر ستأتى بالحقائق غير مشوهه و غيرملتوية او معكوسه؟ و ثالثها هل كان من المستطاع ان يتجنب نيافه الاسقف الاجابة على استفسار وزير الخارجية الهولندى؟
اما عن السؤال الاول فلا شك ان نيافتة يعلم تمام العلم ان التحقيقات كلها "مبلطة فى الخط" بحكم الحاكم المتحكم القوى (و لا اقصد الله تمجد اسمه), فلا تحقيق و لا يحزنون الموضوع كله تسكين لغليان الاقباط و اسكاتا لهم حتى لا يجذبون انظار العالم لما يحيط بهم من مذابح الى ان يصعقوا بكارثة جديدة من المحتم و المنطقى ان تكون اكثر وحشية و شراسة من سابقاتها حتى تنسيهم القديم كله فيخرجون رجالا و نساء و اطفالا داخل مصر و خارجها يستعطفون العالم ان يلقى نظرة على الحاقة الجديدة فى مخطط ابادتهم حيث ان شكواهم لضمير العالم هى المحاولة الاخيرة اليائسة لانقاذهم من الفناء. و عندما تتعاطف الشعوب و الحكومات المتحضرة مع مأساة الاقباط و يشرعون فى تبنى قضيتهم يطلع علينا اصحاب النيافة رجال الاكليروس القبطى ليسكبوا الماء البارد على رؤس الجميع.
الاجابة عن السؤال الثانى لا تحتاج الى جدال: فان لم يكن هناك تحقيق فلن تكون هناك نتائج...و انعدام النتائج يعنى عدم ادانة الجناه و هذا سيؤدى بدوره الى اعادة الكره دون رادع او عائق, و كله فى سبيل الله و رسوله!
الاجابة على السؤال الثالث امر آخر. فنفى الاسقف المبجل الحاجة الى جهة محايدة تتولى التحقيق هو منطق لا تتقبله ابسط قواعد العدالة. انه تأكيد مخجل لغباء قوم يرتضون ان يكون الخصم فى قضيتهم هو الحكم. او لا يجعلهم هذا موضع سخرية العالم و ازدرائه؟ اليس هذا بقبول جبان للاستعباد و دعوة الى المزيد من القتل و التعجيل بالافناء. قد يدعى البعض ان صاحب النيافه معذور! فلا طاقة له بمواجهة عسكرى متغطرس غشيم غاشم. هنا يصح القول بان الصمت ابلغ واصدق و اكرم لنيافة الاسقف و لشعبه المطحون. كنا نتهم الاقباط بالسلبيه و الاعتياد على قبول الهوان, و بالتالى يكون تصدى رجل الدين للطغاة دون ثورة شعبهم درب من المغامرة لأن الوقوف امام وحش كاسر دون سند قوى يرقى الى مرتبة الانتحار. و ربما كان ايضا فى توقع مثل هذا الاقدام الكثير من حسن الظن بشجاعة القادة الروحيين و استعدادهم للعطاء حماية و دفاعا عن الرعية التى ائتمنوا عليها, داعيك بالطبع عن القول بأن الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف... اما الان و قد خرج الشعب القبطى حاملا الرؤس على الكفوف فاى سند للراعى اعظم من استعداد قطيعه للاستشهاد؟ بذلك ينعدم اى تبريرلمسايرة الطغاة و مهادنتهم. هل لناباكليروس يمزق اوامر الامبراطور كما فعل مار جرجس؟ ليس الامر ايضا خوف الراعى على رعيته كما يدعى بعض الجبناء, فقد تولت مدرعات المتجبرين فعلا تسوية اجساد ابناء مصر بطرقاتها, فهل بعد الموت موت اخر سوى موت العار على الاحياء المتخاذلين.
لا شك ان السيد وزير خارجية هولندا على علم تام بهذه الحقائق المسطرة اعلاه. كيف ستكون عندئذ نظرته الى من اقاموا انفسهم اوصياء على الشعب؟ كان الاجدر بصاحب النيافة الرد يصمت مطبق, او القول بان لا شأن للكنيسة بامور العالم لانها تعنى بارواح الشعب فقط قبل ما يطلعها الجيش الوطنى الى بارئها ثم تصلى من اجلهم بعد ان يكتمل الانتصار العسكرى المبهر.
انا هنا اتوسل لزملاء الكفاح فى هولندا و كل من اصيب من مؤيدى صراع اقباط مصر من اجل البقاء بتصريحات اكليروسيه مماثلة, ان يضاعفوا جهودهم لتوضيح عدم مصداقية الاصوات التى تنادى بعدم التدخل فى هذا الامر الحيوى و الاسباب التى تدفع البعض للرياء و المداهنة. كل من هب و دب يتدخل فى شئون مصر بما يصيبها بأضرار قاتلة ابتداء من اغنياء النفط و القار فيما يسمى بالسعودية, الى داليا مجاهد القابعه بخبث فى مكتب حسين اوباما و ما بينهم من هوام. فليس من الخطأ ان تتدخل العدالة الدولية لمنع القضاء على اصحاب مصر. وليس فى هذا اى ضرر, بل كل خير لمصر و لعامة شعبها. لقد تغيرت حدود سيادة الدولة فى عالم اليوم و تلاشت عند محاولات الحكام الفاسدين القضاء على شعوبهم العزلاء.
كثيرا ما "يصرح و يأكد" رجال الاكليروس المتيمين بممارسة السياسة و التنعم بامجادها باقوال غير امينة فيلقون اعباء جديدة على اقباط المهجر خاصة. فهم الذين يبذلون الجهد و المال لايقاظ ضمير العالم على انين ذويهم فى مصر: فتقابل جهوده هؤلاء النشطاء قليلي العدد بحيرة و دهشة من يلجأون اليهم عندما يصتدم هؤلاء بما يتفوه به اصحاب النيافة. و لكن يبدو ان هذا قد اصبح جزء لا يتجزأ من كفاحنا: ان ننشر الوعى بحقائق الاضطهادات العظيمة التى يلقاها مسيحيو الشرق, بينما نسحب عربة احباطات بعض "كبارنا" على هذا الطريق الصاعد الوعر.
يا اصحاب النيافة: ان كنتم لا تستطيعون او لا تقوون على قول الحق فان الصمت سيمنع عنكم الوقوع فى خطيئة الرياء و عن "رعيتكم" الوقوع فى العثرات التى يتسببها هذا الرياء و لعله ينقذ ايضا بعض الارواح من الدهس تحت جنازير جيش مصر الباسل.
لقد بلغت من العمر ما يقربنى من نهايته, و امتد عملى المتواضغ جدا بقدر طاقتى و ملكاتى الضعيفة لرفع الاضطهاد عن اهلى الى ما يقرب من الاربعة عقود حرصت خلالها دائما و بلا استثاء واحد على التعامل مع الاكليروس بكل احترام و تبجيل و تفهم الى ان اصبح الصمت على الاعاقات التى يضعها بعض رجال الكنيسه فى سبيل كفاح الشعب المدهوس غير مستطاع لرجل تجرى فى عروقه دماء شهداء اخميم. فتكلمت اخيرا.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :