الانتخابات تنظيم وذكاء ودهاء ومكر
بقلم: جرجس وهيب
خرجت دعوات كثيرة لتوحيد أصوات الأقباط في انتخابات مجلس الشعب القادمة، والتي تجري المرحلة الأولى منها يوم 28 نوفمبر الجاري، وأنا من أشد الراغبين في تحقيق ذلك، إلا أنني أرى صعوبة تحقيق ذلك على أرض الواقع، وقد يكون تحقيقه شبه مستحيل الآن بصفة عامة، وخاصة في محافظات الصعيد حيث العلاقات المباشرة، فمعظم أهل القرى بالصعيد يعرفون بعض جيدًا فقد يكون ذلك مناسب للقاهرة والإسكندرية ومحافظات الوجه البحري، حيث قد لا يعرف الشخص من يسكن معه في نفس الطابق من العمارة أما في الصعيد فقد يستطيع أحد الغرباء الوصول لأبعد شخص داخل القرى، فقط من اسم عائلته وليس اسمه كاملًا.
فالأفضل للأقباط ألا يتم الإعلان عن اختيار مرشحين بعينهم للتصويت لهم، لعدة أسباب أوجزها في أن اختيار الأقباط لمرشحين بعينهم دون الآخرين، وهم بالمئات، وتقريبًا من جميع كبار العائلات، سيؤدي لمشاكل جمة بالنسبة لهما، سواء أثناء إجراء الانتخابات أو بعد إجراء الانتخابات، فهل يعقل أن يتجاهل الأقباط في إحدى القرى على سبيل المثال المرشح الموجود بالقرية ليخرجوا ليصوتوا للآخرين، فمن الطبيعي أن مرشح القرية سيعوق وصول الأقباط للقرية، بل قد يخترع مشاكل معهم الآن.
كما أن الإعلان عن أسماء مرشحين وقوائم سيصوت لها الأقباط عبر وسائل الإعلام، سيكرر مأساة التعديلات الدستورية، وتتحول الانتخابات إلى صراع ديني، وسيعطي فرصة للبعض بشن حملة ضد هؤلاء المرشحين، وأنهم مرشحي الأقباط، ويحاربون الإسلام، ولا يريدون تطبيق شرع الله، مما يؤدي إلى خروج الأغلبية الصامتة البسيطة للتصويت ضدهم!
وقد يرد البعض على ذلك بأنه سيتم الاتفاق على أسماء معينة سرًا، مع إبلاغ الناخبين سرًا، هذا الكلام ثبت فشله، وأنا لي تجربة في انتخابات عام 2005، حيث تم الاتفاق على مرشحين في مرحلة الإعادة، على الرغم من أحد المرشحين كان منتميًا لجماعة الأخوان فيعني هذا أن هناك مرشح واحد تم استبعاده، ومع هذا علم هذا المرشح بما جرى في الاجتماع بعدة دقائق، وعتب على العديد من الأقباط على عدم اختياره، فليس كل الأقباط ملائكة، فمنهم من يبحث عن مصالحة الشخصية حتى لو على حساب الآخرين، فما بالنا أن هناك أكثر من 270 مرشحًا في بني سويف على سبيل المثال، فاختيار مرشحين بعينهم سيجعل أسر جميع المرشحين يتنافسوا في منع الأقباط من الوصول إلى اللجان، وإعاقة تصويتهم والاحتكاك بهم، مما يعرض حياة الأقباط للخطر، وخاصة في ظل هذه الضعف والترهل الأمني، فحياة الأقباط أهم بمراحل من انتخاب شخص بعينه.
ولمن لا يعلم أن من يحكم الصعيد الآن ليس الشرطة ولا الجيش ولا القانون، وإنما العلاقات الاجتماعية ورؤساء وكبار العائلات.
فقد يكون اختيار مرشحين مناسبًا في مرحلة الإعادة عندما يتم تصفية المرشحين إلى أربعة مرشحين فقط، وغالبًا سيكون اثنان منهم تيار ديني، ففي هذه الحالة سيكون من الطبيعي التصويت للمرشحين الآخرين، وخاصة أن الغالبية العظمى من الأقباط لا يميلون إلى التصويت للتيارات الدينية، والتيارات الدينية تعرف ذلك جيدًا، فليس هناك جديد في ذلك.
فمن الأفضل أن نشجع الأقباط فقط على الخروج وتوعيتهم، وتفسير لهم بعض المصطلحات الجديدة عليهم، مثل عدد من يتم اختيارهم في المقاعد الفردية وأيضًا القوائم، ومتى يكون الصوت باطل، وتحديد اللجان الخاصة بهم لاختصار وقت البحث عن اللجنة الانتخابية، ولا نمارس عليهم أي دور رقابي، فقديمًا كان يتم العتب على الكنيسة أنها تجبر الأقباط على مرشحين بعينهم، والآن يطالب البعض بنفس الشئ، بل أن بعض من يطالبون بذلك من المقيمين خارج مصر لعشرات السنين، ولا يعرفون مدى التغيير الذى طرأ على المجتمع المصري، والمعاناة التي يعانيها الأقباط في الصعيد، إذا بنا نطالب منهم أن يكسبوا عداءً جديدًا مع أناس قد تكون علاقتهم بهم طيبة، فيكفي على أقباط الصعيد عداء الجهلاء والغوغاء والمتشددين والسلفيين.
وأنا على المستوى الشخصي لن ألتزم بأي اختيارات تصدر عن البعض، وإنما سأدرس جميع المرشحين، وسأعطي صوتي لمن أراه مناسبًا وسيكون هناك أولوية للمرشح القبطي الجاد وليس من ترشح بغرض الدعاية لنفسه أو من يطلب أصوات الأقباط لكونة قبطيًا فقط، دون أن يكون لديه برنامج أو رؤية أو إمكانيات، ومن لا يكلف خاطره بأي جولات أو مؤتمرات.
وأنا على ثقة ويقين تام من ذكاء ويقظة وثقافة الأقباط، أنهم جديرين باختيار المرشحين الجادين، ومن يستحقون أصواتهم من تلقاء أنفسهم، دون أن يملى عليهم ذلك، أو يتسبب لهم في مشاكل نحن في غنى عنها.
وأقول كلمة أخيرة؛ أن الانتخابات تنظيم وذكاء ودهاء ومكر، ومن يجهل هذه القواعد يصمت، إن كان يرغب في مصلحة الأقباط.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :