ما وراء الثورة الثانية
بقلم: نادر فوزي
يظن الكثيرون وكما يروج الإعلام، أن الثورة الثانية التي تفجرت يوم السبت الماضي، كان سببها الهجوم على مجموعة صغيرة معتصمة في ميدان التحرير، من مصابي شباب 25 يناير، ولكن الشواهد والمعطيات تقول أن هذا اختزال للحقائق، ومحاولة لإخفاء الدوافع الحقيقية وراء ما حدث ويحدث في كل أنحاء مصر، وسذاجة في التحليل .
ولنفهم ما حدث يوم السبت، لابد أن نعود للوراء بضعة أيام.. كانت وثيقة السلمي محور الحديث في تلك الأيام، وكانت البنود التاسعة والعاشرة هي القشرة التي أغضبت الكثيرين، وخصوصًا الإسلام السياسي، ولقد قامت بعض برامج التوك شو بسؤال الكتاتني وغيره من المتأسلمين عن رأيهم في المادة الأولى، ولم يبد أحد اعتراضًا، وهي المادة التى تقول أن مصر دولة مدنية، ولدى تسجيل صوتي لهم يقولون هذا ولا يبدون اعتراضًا.. وأصر الأخوان والسلفيون على القيام بجمعة قندهار، لأسباب عرفناها خلال هذه الجمعة المشئومة... ففي نهاية اليوم أصدرت الحكومة المتخاذلة والمرتعشة قرارًا بتعديل المادة الأولى، وبحذف كلمة "مدنية" بناء على طلب الأخوان المسلمين. وهذا يدل على كذب الأخوان المسلمين والسلفيين، وتلاعبهم حتى بأعضاء الجماعة المغرر بهم من قبل مرشدهم وقيادتهم .. ونامت مصر تلك الليلة تغلي من الغضب المكتوم على بيع مصر للإسلاميين علنًا، وخصوصًا شباب الثورة، الذين قدموا أرواحهم الغالية لتكون مصر دولة مدنية ديمقراطية، ولكن المجلس العسكري ضرب بشباب الثورة وآمال المصريين عرض الحائط، وقدموا مصر على طبق من الفضة للإسلاميين، بناءً على الصفقة التي دارت بينهم.. وهذا يفسر لنا الثقة التي يتكلم بها الأخوان والسلفيون في الحصول على الأغلبية المطلقة، علمًا بأن أشد المتفاءلين يقولون أنهم سيحصلون على 30% فقط، فمن أين لهم هذه الثقة في أحاديثهم، إلا لو كان هناك اتفاق مسبق بينهم وبين العسكري على هذا الأمر، وهذا يفسر ما سبب تقسيم الدوائر بتلك الكيفية التي تسمح للأغنياء فقط بتمويل الحملات الانتخابية الضخمة، والملايين التي تصرف بغير حساب، وهذا ما جعل المخابرات الإسرائيلية تصرح أن إيران وقطر وبعض أمراء السعودية يمولون الحملة الانتخابية للإسلاميين بسخاء، في وقت عجزت باقي الأحزاب عن ممارسة نفس الحقوق، وطبعًا ستكون الانتخابات بغير منافسة حقيقية..
شعر شباب الثورة وباقى الشعب المصري أن الثورة تسرق من بين أيديهم، وأن كل القوانين التي صدرت في صالح المتأسلمين منذ الموافقة على تكوين أحزابهم على خلفية دينية مخالفًا لقانون الأحزاب إلى تقسيم الدوائر بطريقة تعطى لهم الأفضلية. ولم يجد الشباب من مفر سوى النزول مرة أخرى لميدان التحرير، ولتكون المطالب هذه المرة واضحة، بالإطاحة بالحكومة وبالمجلس العسكري على السواء، وبتشكيل حكومة إنقاذ وطنى ليست دمية في يد المجلس العسكرى، وبتسليم البلاد لمجلس مدنى وطنى، يدير البلاد في تلك المرحلة الحرجة، ولا يكون له ولاء للجماعات المتأسلمة، وللتدليل على صحة هذا الكلام فمن ناحيه شباب الثورة، وقاموا بطرد محمد البلتاجى أمين حزب الحرية والعدالة بطريقه مهينة بالأحذية، كما طردوا الشيخ صفوت وكل المتأسلمين من الميدان، في رسالة واضحة للجميع.. كما أن المتأسلمين من ناحيتهم أصدروا بيانات بأنهم لن يشاركوا في الثورة الثانية، لأنها ضد مصالحهم، بل طالبوا على لسان السلفيين بفض الثورة والاعتصام، وبأن ما يحدث هو مؤامرة على الانتخابات المعروفة سلفا لصالح من..
والغريب في هذا الأمر أن المشير الذي كذب أمام المحكمة لصالح مبارك، خرج علينا في بيان هزيل، كان الغرض منه هو تهدئة مخاوف الإسلاميين، فقط عندما ذكر أن الانتخابات ستقام في موعدها، على الرغم من غليان مصر كلها، مما جعل صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية تخرج علينا اليوم بعنوان أن خطاب طنطاوي أرضى المتأسلمين فقط... خصوصًا بعد اجتماع رئيس الأركان مع المتأسلمين في صباح أمس، بعد أن قاطعته كل الأحزاب الأخرى عدا الوفد الذى كان شريك الاخوان والوسط. وهذا يفسر أيضًا رفض الشباب ومعتصمى التحرير بيان المشير جملة وتفصيلا، وازدياد المطالبة برحيل المجلس العسكري، الذي باع مصر وقواته التي قتلت شباب مصر، سواء في ماسبيرو أو التحرير، وفي كل مدن مصر .
ما يحدث في ميدان التحرير اليوم هو الثورة الثانية لاسترداد الثورة المسروقة من الشباب، هي ثورة تعديل المسار، والعودة بمصر للمدنية، وليس للتخلف والتقهقر للوراء.. ربنا يوفق شباب الثوار.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :