الأقباط بين العدالة الغائبة والعدالة الإلهية في "مصر" أواخر نوفمبر 2011م
بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
إن الإيمان المسيحي كله يقوم على الحقيقة المسلَّم بها أن الله- الإلـه الحقيقي- ملك على كل الأرض، ولا يمكن أن تكون هناك إلا قوة عليا مطلقة واحدة تسود على جميع البشر، وهذا القانون البديهي قائم على قانون الطبيعة البشرية ذاتها، البشرية المخلوقة بالإله الواحد لعبادة الإله الواحد.
وبعد، منذ أواخر العام المنصرم 2010م، تعرَّض أقباط منطقة "العمرانية" لظلم بيِّن من جانب محافظ مدنية "الجيزة"، بسبب موقفه من استكمال بناء كنيسة بذات الناحية، بل وصل الأمر لقتل اثنين من شباب الأقباط، وعلى شاكلة هـذه الأحداث قـام الأقباط بمظـاهرة أمام مبنى محافظة "الجيزة" مطالبين بحقوقهـم بعزل المحافظ، ومحاكمة المعتدين، واستكمال بناء الكنيسة، وكانت هــذه الوقفة الأولى طوال عصر الرئيس السابق "محمد حسني مبارك" للشعب المصري، وفي هذه الأحداث لم يحصل الأقباط على حقوقهم، وغابت العدالة.
ومع مطلع العام الجديد 2011م، وبالتحديد يوم رأس السنة، تشهد كنيسة القديسين بمدنية "الإسكندرية" مجزرة راح ضحيتها ما يقرب من 25 شهيدًا، بعد قيام مجهولين بتفجير الكنيسة، وقام الأقباط بمظاهرات مطالبين بالعـدالة، ومعرفة ملابسـات الحادث، وضاعت العدالة لعدم تقديم الداخلية أدلة كافية للقضاء المصري. ولكن عدالة السمـــاء كانت أسرع، حيث لم يمر أكثر من أربعين يومًا، ويثور شباب "مصر" بميدان "التحرير"، مطالبين بإسقاط السلطة، وتحقَّق ذلك في 11 فبراير 2011م، وبعدها انتشرت وذكرت وسائل الإعلام بأن وزير الداخلية "حبيب العادلي" كان وراء الحادث، ولاتزال المحاكم المصرية تنظر هذه القضية.
وبعد ما يقرب من أربعين يومًا من تنحي الرئيس السابق "مبارك"، يقوم بعض المتشددين من المسلمين بقرية "صول" بمنطقة "حلوان" بهدم الكنيسة، وقام الأقباط بمظاهرة "ماسبيرو" الأولى مارس 2011م، وتدخـل الجيش المصري وأعادها كما كانت، بعد مضي أربعين يومًا. ولكن لم يقدَّم شخص واحد بتهمــــة الاعتداء على دور العبادة، بالرغم من وجود شتى المستندات القانونية التي لم تقدَّم للقضاء، وبهذا ضاعت العدالة.
وبعد، تعرضت كنيسة "إمبابة" للاعتداء من جانب بعض المتشددين الإسلاميين، لدرجة وصلت إلى حرق الكنيسة كاملة بحجة البحث عن فتـــاة تُدعى "عبير"، وقام الأقباط بمظاهرة "ماسبيرو" الثانية مايو 2011م، وبكل أمانة تدخل الجيش، وأعاد الكنيسة كما كانت، ولكن لم يقدَّم شخص واحد للمحاكمة، بالرغم من وجود تسجيلات وثائقيـة بصور من قاموا بذات الفعل، حسب ما ذكرته بعض الفضائيات المصرية، وضاعت العدالة.
وبعد أيام قلائل يقوم بعض الأفراد المتشددين في مدينة "قنا" بقطع أذن قبطي يُدعى "أيمن" لإقامة الحــــد، وهؤلاء الفاعلون معرفون، ولم يقدَّم أحد للمحاكمة؛ لإجباره للتصالح معهم، وضاعت العدالة.
وفي أوائل أكتوبر 2011م، قام بعض أهالي قرية "المريناب" بمدينة "أسوان" بهـــدم كنيسة القرية، على إثر دعوة خـــطيب المسجد لتنفيذ ذلك، وبالفـعل هـُـدمت الكنيسـة، وإدَّعى محافظ المدينة بأنها مضيفة، وبعدها قـام الأقباط بمظاهرة "ماسبيرو" الثالثة يوم الأحد 9 أكتوبر 2011م، إلا أن الأقباط تعرَّضوا لمذبحة بشعة على يد الجيش سوف يذكرها التاريخ (حسب ما ورد ببعض الدوريات والفضائيات المصرية)، نذكر ما ذكره الدكتور "عـلاء الأسواني"، راح ضحيتها 28 شهـيدًا من شباب قبـــــطي، وأكثر من 250 مصابًا، وجاءت لجنة تقصي الحقائق مخالفة لآمال الأقباط. ومن هنا ضاعت العدالة.
ولم يمض أكثر من أربعين يومًا، وبالتحديد يوم الاحتفال بذكرى الأربعين لشهداء "ماسبيرو"، يقوم الأقباط بمسيرة حضارية لم تشهدها البــــــلاد من قبل، بدأت من أمام الكاتدرائية المرقسية بـ"العباسية" وحتى ميدان "التحرير" لتأبين الشهداء، وبعدها قـام شباب "شبرا" بمسيرة آخرى بالشموع، ولكن اعترضها مجموعة من البلطجية، مما دفع الأقباط لفض مسيرتهم وإلغائها، وضاعت العــــــدالة؛ حيث لم يتم إلقاء القبض على بلطجي واحد.. وضاعت العدالة.
أمام العـــدالة الغائبة، لم يجد الأقباط مخرجًا إلا الثقة في العدالة الإلهية، وهـو الصوم والصلاة؛ لأنهم أقوى الأسلحة لـوأد الفتنة، والسلام من أجل "مصر"، ومن أجل هذا أُقيم يوم الصـلاة للرجوع لله، ولم تمض أيام قليلــــة إلا ويقـــوم شباب "مصر" بمظاهرات الآن منذ يوم 18 نوفمبر2011م، ولاتزال حتى كتابة هذه السطور، مطالبة بمحاكمة وزير الداخلية ووزير الإعلام ورحيل المجلس العسكري، وهــذا ما طالب به الأقباط في مظاهرة "ماسبيرو" الثالثة، وتحقَّق بعد مضي أربعين يومًا.
وأخيرًا، لا ننكر أن الجيش المصري هــو الوحيد لخروج "مصر" من هـــــذا النفق المظلم، والجيش ليس المجلس العسكري وحده، بل هناك العديد من القيادات القادرة على إدارة الأزمات.
والقضاء المصري بلا نفاق أو مجاملة منذ عـهد الفراعنة علَّم العـالم أسس العدالة، ووضع القوانين والنظم القانونية التي أبهرت العالم، ولكن عندما تقــدم له الإدلة القانونية حتى لا تغيب العدالة الغائبة.
وهناك العديد من رجال الفــكر والثقافة الشرفاء من المسلمين الذين يندِّدون بحقوق الأقباط؛ نذكر على سبيل المثال الكاتب والــــمفكر الكبير "سعـــد هجرس"، والدكتور "علاء الأسوانى"، والأستاذ "نبيل شرف الدين"، كما لا ننسى موقف وزير الثقافة أمس 21 نوفمبر 2011م، الدكتور"عماد أبو غازي" بتقديمه استقــــالته اعترضًا على ما يتعرَّض له الثوار بميدان "التحرير".
علينا جميعًا كمصريين، من أقباط وإخوان وسلفيين وليبراليين، أن نتحد ونصبح صفًا واحد من أجل مصرنا العزيزة، نعم لكم جميعًا حقوق، ولكن لا تنسـوا أن جميعكـم أبناء وطن واحد، و"مصر" تملك الكثير والكثير من أبنائها أيًا كانوا قادرون على إدارة شئون البلاد.. حمى الله "مصر" للمصريين جميعًا.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :