الأقباط متحدون | حول "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التونسية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠١:٣٦ | الثلاثاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١١ | ١٨ هاتور ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٩٣ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

حول "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التونسية

الثلاثاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: د. عبدالخالق حسين
استبشر الديمقراطيون في العالم، وبالأخص في العالم العربي، خيرًا عند اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي بدأت شرارتها في "تونس"، ثم انتشرت كالنار في الهشيم في عدد من البلدان العربية، وأسقطت عددًا من الأنظمة المستبدة. وكلنا تمنينا أن يكون ربيعًا دائمًا، وبداية خيرة لولادة الديمقراطية ونهاية للأنظمة الاستبدادية الأبوية الفاسدة التي جلبت كل هذه الكوارث لشعوبها. ولكن مع الأسف الشديد، يبدو أن الطريق إلى الديمقراطية لم يكن معبدًا وسلسًا كما تصوَّر كثيرون. وقد نبهت لهذه الصعاب في مقال لي بعنوان (معوقات الديمقراطية في العالم العربي)، إذ يبدو أن الكثير مما توقعته قد حصل، وأخطرها الدور الذي يلعبه الإسلاميون لسرقة ثورات الشباب في هذه البلدان.

فبعد عشرات السنين من تأسيس أحزاب الإسلام السياسي، اكتسب قادة هذه الأحزاب، والمتحدثون باسمها وكتابها خبرة فائقة في التضليل والتبشير برسالتهم، والتلون باللون الذي يناسب الزمان والمكان، والجمهور الذي يتحدثون إليه. لذلك تعلموا الحديث بلسانين، وحسب الجهة التي يوجهون لها خطابهم. فعندما يتحدثون إلى الجمهور الغربي، والإعلاميين والسياسيين في الدول الديمقراطية، يطرحون أنفسهم على أنهم ديمقراطيون حتى النخاع، وأنهم من أحرص الناس على الديمقراطية، والتعددية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات، وغيرها من الحقوق المألوفة التي صارت من ألف باء متطلبات حياة الإنسان في الغرب، كما وأكدوا على أنهم سيتبعون الديمقراطية الغربية في حكم شعوبهم إذا ما استلموا السلطة، وكثيرًا ما استشهدوا بالنموذج التركي (حزب العدالة والتنمية) بقيادة "رجب طيب أردوغان" الذي قام بدوره أحسن قيام، حيث زار مؤخرًا عواصم بعض الدول العربية، وخاصة تلك المرشحة منها لحكم الإسلاميين بعد ثورات الربيع العربي، للترويج للإسلام السياسي والاستفادة من خبرته وإرشاداته في التكتيك السياسي والإعلامي.

ووفق هذا النهج، أكد زعيم حركة النهضة التونسية، الشيخ "راشد الغنوشي"، الذي أقام في "لندن" نحو 20 سنة، أنه إسلامي معتدل، ومتأثر بالديمقراطية الغربية، وأن حركته لا تنوي تطبيق الشريعة الإسلامية إذا ما استلمت السلطة، فسيحافظ على العلمانية، وعلى قانون الأحوال الشخصية الذي صدر في عهد المصلح الكبير، الرئيس الراحل لحبيب بورقيبة، وأنه ضد فرض الزي الإسلامي والحجاب على المرأة، ولا يريد غلق البارات والحانات، بل وسيسمح حتى بلبس البكيني على البلاجات، خاصةً وأن السياحة تشكل أهم مصدر للاقتصاد التونسي.

ولكي يطمئن العلمانيين وبالأخص في الغرب، رشحت حركة النهضة في الانتخابات الأخيرة عددًا من النساء السافرات لتؤكد تسامحها مع، وتقبلها، لمتطلبات العصر. ونتيجة لتلك الوعود والتطمينات، ولما عاناه الشعب التونسي من فساد على أيدي الحكام العلمانيين، نالت حركة النهضة التونسية ثقة نسبة كبيرة من المصوتين، ففازت بأعلى نسبة من الأصوات والمقاعد البرلمانية، وبذلك صار من حقها تشكيل الحكومة الائتلافية برئاسة مرشحها. ولنفس السبب (أي فساد الحكام العلمانيين)، فاز الإسلاميون في "غزة"، و"المغرب، ومن المحتمل أن يفوزوا في "مصر"، وفي "اليمن"، وفي كل بلد عربي يمكن أن تجرى فيه انتخابات حرة ونزيهة، ولسان حال الناخب العربي يقول: لنجرب الإسلاميين هذه المرة ولنرى ما سيفعلون.

ولكن ما أن فازت حركة النهضة في الانتخابات، وتم تكليفها بتشكيل الحكومة، حتى وبدأت بوادر الشؤم تلوح في الأفق، ومنها ظهور عصابات من أصحاب اللحي الطويلة والثياب القصيرة، يقومون بترويع النساء، وفرض الحجاب عليهن بالقوة، ومنعهن من الدخول إلى أماكن أعمالهن ما لم يلبسن الزي الإسلامي والحجاب.

فقبل أيام استلمت رسالة من الدكتورة "آمال قرامي"، أستاذة تاريخ الأديان المقارن في جامعة "تونس"، جاء فيها ما يلي: "بحضور منجي الخضراوي من نقابة الصحافيين، وهشام السنوسي من الهيئة العليا للإعلام، وعماد الخصخوصي، منعت الدكتورة إقبال الغربي من الدخول إلى مقر عملها في إذاعة الزيتونة من طرف "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التونسية" التي يترأسها عادل العليمي كما عرف نفسه، والتي لها من اليوم حق النظر في جميع القرارات الحكومية.."

وتأكيدًا لهذا الخبر، نشرت صحيفة "المغرب" التونسية، في عددها الصادر يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، تقريرًا عن نفس الموضوع، جاء فيه: [علمت جريدة المغرب أن الجهة التي تقف وراء منع الدكتورة إقبال الغربي من الدخول إلى مكتبها بإذاعة الزيتونة وتمنعها من مزاولة عملها كمديرة على رأس هذه الإذاعة، هي هيئة في طور التأسيس، وتحمل اسم "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بحجة أنها لا تفقه وظيفتها] (كذا). وذكرت الصحيفة أنها تمكنت من الاتصال بالشخص المسئول عن الهيئة، الشيخ عادل العليمي، الذي أفاد أن هذه الهيئة جاهزة منذ غداة الثورة وتنتظر فقط الأمور الإجرائية لتنظيم مؤتمر وطني تدعو له جميع الأطراف بما في ذلك الإعلام.

والجدير بالذكر، أن الدكتورة "إقبال الغربي" هي أستاذة جامعية، حاصلة على الدكتوراة في الشريعة وأصول الدين والأستاذية في علم النفس الديني، والأنثروبولوجيا بجامعة الزيتونة، ورئيسة تحرير مجلة التنوير، وعضوة وحدة بحث "علوم القرآن"، وعضوة في المجلس العلمي لجامعة الزيتونة، وعضوة لجنة الإصلاح الديني، وعضوة وحدة بحث بجامعة شمبري بفرنسا...الخ. (نفس المصدر).

فهل يا ترى من العدالة أن تُعامل هذه العالمة الجليلة بهذه المعاملة الفظة بدعوى أنها لا تفقه في وظيفتها؟

وقد كتبت الدكتورة "آمال قرامي" مقالًا قيمًا في هذا الخصوص، أشارت فيه إلى ما تتعرض له النساء التونسيات من مضايقات وتحرشات لفظية واعتداءات جسدية، لفرض الحجاب عليهن. كما وحصلتْ عمليات اختطاف بنات صغيرات وبالغات إلى درجة أن صار الناس لا يأمنون على بنتاهم من مغادرة بيوتهم خوفًا على سلامتهن من الاختطاف.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الجهة التي تقف وراء هذه الجماعات التي تنشر الرعب بين الناس؟ وبالتأكيد تحمل هذه الجهات بصمات الإسلام السياسي، وخاصة في فرض الحجاب، بل وباسم "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر"؟

ذكرنا أعلاه أن الأحزاب الإسلامية كسبت خلال عشرات السنين خبرة فائقة في التضليل، إذ تقول شيئًا وتعمل شيئًا آخر على النقيض تمامًا من الأقوال. كما واتبع قادة حركة النهضة أسلوبًا ابتزازيًا يبتزون به أي كاتب يتعرض لهم بالنقد. وفي هذا الخصوص، أشارت المستشرقة الإيطالية المتميزة، الأستاذة الدكتورة "فالانتينا كولومبو"، في مقال لها قبل فترة، ذكرت فيه أنه إذا ما نشر كاتب مقالًا ينتقد فيه حركة النهضة، أو زعيمها فسرعان ما تصله رسالة تهديد من مكتب محاماة، يطالبونه بدفع كذا مبلغ وإلا سيقاضونه أمام المحاكم البريطانية بتهمة تشويه السمعة. وذكرت الأستاذة "كولومبو" عدة أمثلة، وبذلك فقد نجح زعيم الحركة في تحصين نفسه من أي نقد عن طريق الترهيب.

على أي حال، وفي ظل التطورات الأخيرة في "تونس"، فمن حقنا أن نعتقد أنه ليس مستبعدًا أن تكون الجهات التي تفرض أوامرها القرقوشية على النساء في "تونس" باسم الدين لها علاقة بحركة النهضة، وربما تحاول الحركة أن تنأى بنفسها عن هذه الجماعات لتتخلص من المسئولية أمام الشعب والعالم. لذلك فإذا كانت هذه التصرفات المشينة التي تقوم بها هذه العصابات في تنشر الرعب بين الناس بغطاء ديني هي حقًا ليست تابعة لحركة النهضة ولا علاقة لها بها، فعلى زعيم الحركة الشيخ "راشد الغنوشي" تبرئة حركته منها، وذلك بالظهور في وسائل الإعلام، وإدانة هذه العصابات وتجريمها. وإذا لم تقم قادة حركة النهضة بإدانة هذه التصرفات فهذا يعني أن هذه العصابات هي تابعة لها وتنفذ أوامرها، فالسكوت من الرضى. كما ونطالب رجال الدين بإصدار فتاوى تمنع هذه الاعتداءات والتجاوزات على حرية النساء وتجريمها ومعاقبة القائمين بها. كذلك على منظمات المجتمع المدني، وكافة وسائل الإعلام الحر في "تونس" وخارجها، إدانة هذه الأعمال ومنع قيام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الظهور، فهي شرطة دينية فاشية على غرار ما هو موجود في "السعودية" و"إيران".

وعلى الحكومة التونسية أخذ أشد الإجراءات القانونية لحماية أمن المواطنين، وبالأخص النساء، من هذه التجاوزات والاعتداءات الجسدية والنفسية ومعاقبة الجناة.

عنوان المراسلة: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مقال ذو علاقة بالموضوع
1- د. آمال قرامي: النساء والثورات والعنف
http://www.akhbaar.org/home/2011/11/119407.html

2- د.عبدالخالق حسين: معوقات الديمقراطية في العالم العربي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=472




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :