الأقباط متحدون | فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٣١ | الجمعة ٢ ديسمبر ٢٠١١ | ٢١ هاتور ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٩٦ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟

الجمعة ٢ ديسمبر ٢٠١١ - ٥١: ٠٢ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: د.عبد الخالق حسين

يبدو أن فوز الإسلاميين في الانتخابات الديمقراطية الأخيرة واللاحقة في البلدان العربية، والتي أعقبت انتفاضات الربيع العربي بات مؤكداً، فإذا لم يحصلوا على الأغلبية المطلقة (51%+)، فإنهم بالتأكيد سيفوزون بالأغلبية النسبية، أي بالمركز الأول على منافسيهم من القوى الديمقراطية العلمانية، فهذا ما حصل في تونس، وفي المغرب، ومن المتوقع أن تتحقق نفس النتيجة في مصر، وليبيا وغيرها، وكما حصل في الجزائر وغزة من قبل.

أسباب انتصار الإسلاميين
الأسباب عديدة، أهمها ما يلي:

أولاً، أن الحكومات التي حكمت الشعوب العربية كانت علمانية مستبدة، وفاسدة إلى أبعد الحدود، وفشلت في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة، لذلك شوهت سمعة العلمانية، الأمر الذي استغله الإسلاميون، ولتفشي الجهل والأمية بين الشعوب العربية، صوروا لهم أن العلمانية تعني الإلحاد والإباحية، ومعاداة الإسلام، وفساد السلطة، فطرحوا شعارهم المعروف (الحل في الإسلام). كما ويجب أن لا ننسى أن الجماهير الواسعة من الشعوب العربية هي محافظة ومتدينة وخاضعة لتأثير التراث العربي- الإسلامي، كما وصور لهم الإسلاميون أن سبب تخلف العرب هو تخليهم عما كان عليه السلف الصالح، وأنهم لن يعيدوا مكانتهم المرموقة في العالم إلا بالعودة إلى الماضي "المجيد" والتمسك بالتراث وإحيائه.
 

ثانياً، وكما بينا في مقال سابق لنا، أن الإسلاميين اكتسبوا خبرة هائلة في مخاطبة الرأي العام العالمي الغربي، والشارع العربي، فطرحوا أنفسهم على أنهم ديمقراطيون حقيقيون، وأنهم سيلتزمون بالديمقراطية، والتعددية، واحترام الحقوق...الخ إذا ما استلموا السلطة.

ثالثاً، إن الحكومات العربية العلمانية الفاسدة كانت تخاف على كراسيها في الحكم من القوى الديمقراطية الليبرالية أكثر من خوفها من الأحزاب الإسلامية، لذلك كان هناك نوع من التحالف غير المعلن بين الإسلاميين والحكومات المستبدة الفاسدة في محاربة العلمانيين الديمقراطيين، فضيقت السلطات الخناق عليهم في التبشير برسالتهم، وتصفيتهم إعلامياً، وحتى جسدياً، وهناك قوائم طويلة بأسماء قوافل الشهداء الديمقراطيين العرب الذين اغتيلوا على أيدي الإسلاميين والسلطة، ودون مقاضاة الجناة.

رابعاً، يمتلك الإسلاميون آلاف المنابر المنتشرة في طول البلاد العربية وعرضها مثل المساجد والمدارس الدينية، وحتى الشوارع والساحات العامة يستغلونها للتواصل مع الجماهير لنشر أفكارهم وأيديولوجيتهم بمنتهى الحرية، والعمل على تشويه سمعة الديمقراطيين الليبراليين، وإصدار الفتاوى بمحاربتهم، ودعوة الجماهير للتصويت للإسلاميين في الانتخابات العامة، وآخرها كانت فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في هذا الصدد.
 

خامساً، يتمتع الإسلاميون بالدعم المالي الهائل من الدول الخليجية الغنية، وبالأخص من المملكة العربية السعودية التي تلعب على الحبلين، فتحارب الإسلام السياسي والإرهاب في بلادها، ولكنها تدعمهما بكل الوسائل في الخارج وخاصة في البلاد العربية. وبهذه الأموال الهائلة استطاعت أحزاب الإسلام السياسي في العالم العربي فتح مؤسسات خيرية من أسواق، وجمعيات، ومراكز صحية لمساعدة الشرائح الفقيرة في هذه المجتمعات، وبذلك كسبت عطف الجماهير البائسة. كما وساعدت هذه الأموال الإسلاميين على فتح مؤسسات إعلامية من صحافة وفضائيات ومواقع انترنت، والاستفادة من تقنية الثورة المعلوماتية، وتدريب كوادرها على فن الخطابة والتواصل مع الجماهير لبث رسالتهم، وإقناع الآخرين بها، كما واستغلوا رحابة صدر مسؤولي شبكات الديمقراطيين في نشر دعاياتهم ضد منافسيهم من العلمانيين.
 

سادساً، الإسلاميون متماسكون في أحزاب منظمة موحدة بشكل جيد، بينما الديمقراطيون الليبراليون متشرذمون إلى عشرات الأحزاب المتنافسة فيما بينها، وأغلبها قيادات بلا قواعد كما الحال في العراق. أما شباب الانتفاضة الذين يشكلون القطاع الأوسع فهم غير منتمين إلى أي تنظيم، ودون قيادة كارزماتية معروفة، أو حتى برنامج سياسي واضح، والشيء الوحيد الذي دفعهم للثورة هو وعيهم بظلم الحكومات المستبدة، والبطالة، وحاضرهم المؤلم، وقلقهم من المستقبل المجهول، وطموحاتهم في حياة أفضل. لذلك فالأقلية المنظمة المتماسكة تنتصر على الأغلبية المشتتة.

سابعاً، امتناع نسبة كبيرة من الذين يحق لهم التصويت من المساهمة في الانتخابات، وعلى سبيل المثل، امتنع 55% من الشعب التونسي عن المشاركة في التصويت، ومعظمهم ليسوا من أنصار الإسلاميين، لأن الإسلاميين مستميتون للمشاركة في أي انتخاب كفرض عين على المسلم. ولذلك فلو شاركت هذه الأغلبية في التصويت لصوتوا لصالح العلمانيين وفوتوا الفرصة على الإسلاميين. وهذا يعني أن 45% فقط شاركوا في الإدلاء بأصواتهم، أي الأقلية هي التي قررت من سيحكم الشعب التونسي. وبذلك فاللوم هنا يقع على الذين رفضوا المشاركة في الإدلاء بأصواتهم، واستخدام حقهم الديمقراطي في تعيين من سيحكمهم، وبذلك عليهم أن لا يلوموا إلا أنفسهم.

فوز الإسلاميين نعمة أم نقمة؟
قبل أربعة أعوام نشرتُ مقالاً على حلقتين، بعنوان: (خوف الديمقراطيين من الديمقراطية)، بينت فيه خوف الديمقراطيين من فوز الإسلاميين إذا ما جرت انتخابات حرة ونزيهة في البلاد العربية، وأن هذا الخوف استغلته الحكومات المستبدة لصالحها، لتقول لشعوبها، أبقونا نحكمكم رغم سيئاتنا، لأن البديل أسوأ، أي حكم إسلامي قروسطي سيفرض عليكم حكم الشريعة، ويفرض الحجاب والنقاب على المرأة ويعيدها إلى عهد الجواري والحريم، سجينات البيوت (وقرن في بيوتكن). ولكن بعد ثورات الربيع العربي تغير الموقف، فصارت الانتخابات حتمية وحرة ونزيهة بالمعايير العربية وحتى الدولية، لا مناص منها، وبالتالي تحققت مخاوف العلمانيين الديمقراطيين بفوز الإسلاميين.
 

فما موقف الديمقراطيين من ذلك؟
إذا كنا حقاً نؤمن بالديمقراطية، فيجب علينا أن نقبل بنتائجها حتى ولو كانت ضد طموحاتنا وتوقعاتنا، ولا أرى في فوز الإسلاميين مبرراً للخوف والتشاؤم، خاصة وإن انتصارهم جاء جزئياً، أي لم يتمكنوا من الإنفراد بالسلطة لوحدهم، بل لا بد وأن يشكلوا حكومة إئتلافية مع القوى العلمانية، وهذا ما حصل في العراق، وحصل في المغرب وتونس، وسيحصل في البلاد العربية الأخرى. ولذلك، أعتقد أن مرحلة ما بعد الاستبداد هي ليست إسلامية بالكامل، ولا علمانية بالكامل، وإنما مزيج من هذه وتلك. فلو درسنا تاريخ الشعوب الغربية التي سبقتنا في هذا المجال لوجدنا أنه من المستحيل الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية الناضجة بسهولة وسلاسة دون المرور بمرحلة انتقالية من الديمقراطية الناشئة. وبنفس المنطق، فمن المستحيل انتقال الشعوب العربية بكل ما عرف عن تاريخها الدموي المعقد، إلى الديمقراطية الناضجة بين عشية وضحاها. لذلك نعتقد أن صعود الإسلاميين إلى السلطة في هذه المرحلة مسألة حتمية، وربما مفيدة. نقول مفيدة لأنها توفر الفرصة الذهبية لوضع الإسلاميين على المحك، واختبار إمكانياتهم وادعاءاتهم في قدرتهم على حل مشاكل شعوبهم. فطالما ردد الإسلاميون شعارهم المعروف (الإسلام هو الحل)، وراحوا يمجدون السلف الصالح، وينكرون ما في التاريخ العربي- الإسلامي من جرائم، ومظالم، وعبث، وجور وفجور الخلفاء والسلاطين، بل وحتى الأمجاد معظمها مختلقة وزائفة.
فإذا نجح الإسلاميون في حل مشاكل شعوبهم، وحكموا بالعدل، وتمسكوا بالديمقراطية والدولة المدنية، من دون أن يفرضوا قوانين الشريعة على الناس، كما وعدوا شعوبهم والعالم، ففي هذه الحالة يجب أن نرحب بهم، لأن الغاية هي تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

أما إذا فشلوا، وهو الاحتمال الأرجح، فعندئذ، سيواجهون انتفاضات شعوبهم مرة أخرى كما واجهت الحكومات العلمانية المستبدة من قبل. وعلى الأغلب، فالإسلاميون سيفشلون في حل مشاكل شعوبهم، لأنهم يريدون فرض حلول وقوانين القرون الغابرة لحل مشاكل القرن الحادي والعشرين، وإعادة شعوبهم إلى الوراء لـ 1500 سنة بدلاً من دفعها إلى الأمام لمواكبة الشعوب المتطورة.

ولذلك، أعتقد أن فوز الإسلاميين نعمة ونقمة في آن واحد. نعمة للعلمانيين الديمقراطيين، ونقمة على الإسلاميين أنفسهم، لأن ليس لدى الإسلاميين برنامج عصري واضح لمواجهة مشاكل العصر. ففي ظل ما يشهده عالمنا اليوم في عصر العولمة من تحولات حضارية سريعة وتداخل المصالح في مختلف المجالات، وبروز مشاكل جديدة تحتاج إلى حلول علمية جديدة، فإن سياسة الإسلاميين الرجعية محكوم عليها بالفشل الذريع. ومن هنا سيقدم الإسلاميون للجماهير الدليل العملي على فشل حلولهم الخيالية الطوباوية، وشعاراتهم البراقة التي تمسكوا بها طويلاً، وسيسقطون كما سقطت من قبل الأنظمة الشمولية القمعية: الاشتراكية، والشيوعية، والقومية العربية، والبعثية الفاشية.
 

هناك من يعتقد من العلمانيين الديمقراطيين بأن هذا التحليل المتفائل هو الآخر خيالي ومجرد تمنيات وأفكار رغبوية، ويرون أنه إذا ما وصل الإسلاميون إلى السلطة فإنهم سيتمسكون بها، ويعملون على أسلمة المجتمع، ولن يتخلوا عن السلطة إلا على أسنة الحراب، ويستشهدون بالأنظمة الإسلامية المستبدة في السعودية، وإيران، والسودان، وأفغانستان في عهد طالبان. وجوابنا على هذا الاعتراض رغم وجاهته، أن الأوضاع في البلاد العربية قد تغيرت، فحاجز الخوف قد انهار، ومعظم الذين ثاروا هم من جيل الشباب، خاصة وأن 70% من الشعوب العربية دون الثلاثين من العمر. وإذا ما فشلت الأحزاب الإسلامية في تحقيق طموحات الشباب فلن يتردد هؤلاء في العودة إلى ميادين التحرير، وإعلان الثورة والعصيان مرة أخرى على الحكومات التي يقودها الإسلاميون الذين تنكروا لوعودهم وعهودهم، وسيتم إزاحتهم عبر صناديق الاقتراع. وهكذا تتطور المجتمعات باختيار البديل الأفضل وفق القاعدة الداروينية الاجتماعية: البقاء للأصلح.


Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :