السيرة العطرة للقديس البابا بطرس الـ 17 خاتم الشهداء عيد إستشهاده ( 29 هاتور – 8 ديسمبر )
بقلم : د. فكرى نجيب أسعد
كان فى أيام البابا ثاؤنا البطريرك السادس عشر من بطاركة الكرسى المرقسى كاهن إسكندرى قديس يدعى ثيؤدوسيوس وكان له زوجة صالحة تُدعى صوفيا، وكانا يعيشان فى خوف الله حافظين لوصاياه، وكانا كليهما مٌتقدمان فى السن ولم يكن لهما ولد. توجهت صوفيا التقية إلى الكنيسة للأشتراك فى الأحتفال بعيد استشهاد القديسين العظيمين بطرس وبولس الرسولين (عيد الرسل) الموافق 5 أبيب وامام أيقونة القديسين طلبت صوفيا من القديسين أن يرفعا صلواتها للرب لكى يهبها الله ابناً يخدمه كل أيام حياته، ثم تناولت من الاسرار المُقدسة.
فى تلك الليلة أثناء نومها رأت وإذا بشخصان هما الرسولان بطرس وبولس بملابس بيضاء باهرة يقولان لها بأن الرب قد استجاب لطلبها وستُرزق ابناً يكون أباً لشعب عظيم، ومتى استيقظت فى الصباح اذهبى إلى البابا ثاؤنا وأخبرية بالأمر، وهو يصلى لكِ. استيقظت صوفيا فرحة متهللة وأخبرت زوجها الكاهن بالرؤيا فشاركها فرحتها وقال لها بأن تذهب إلى البابا ثاونا وأن تخبره بالرؤيا، فذهبت الى البابا وقالت له ما رأته فى الحًلم ليلاً، فبارك عليها وقال لها ليتمم الرب طلبتك، فالرب صادق فى مواعيده وهو قادر على كل شىء. انصرفت صوفيا فرحة إلى منزلها وهو مؤمنة بأن الرب سيُحقق ما وعد به.
مرت الأيام وحبلت صوفيا وولدت أبناَ فى نفس يوم عيد القديسين الرسولين بطرس وبولس فى العام التالى، توجها الولدان بعد ذلك إلى البابا يعلمونه بميلاد الصبى ففرح جداَ وقال لهما : " اجعلوا أسمه بطرس باسم القديس صاحب العيد الذى ولد فيه " .
احتفظ البابا ثاؤنا ببطرس ا طرفه كابن محبوب له وكان بطرس ملازماَ للكنيسة ليلاَ ونهاراَ وقام البابا بسيامته شماساَ ثم قساَ باسم بطرس، وقد حفظ أغلب نصوص الكتاب المقدس حتى تأهل أن يكون مديراَ لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية ، ويلقب ب " المعلم البارع فى المسيحية " وكان الرب ينجحه فى كل عمل يكلفه به البابا ثاؤنا خاصة من جهة الرد على البدع والهرطقات التى مرت بها الكنيسة.
فى عام 18 ش الموافق 302 م اجتمع الإكليروس السكندرى وسائر الشعب بعد رحيل البابا ثاؤنا وتمت سيامة القس بطرس البتول باسم البابا بطرس، وهو البطريرك السابع عشر على كرسى الإسكندرية.
لقد بدأ البابا بطرس خدمته كبطريرك وسط عاصفة من الأضطهادات العنيفة التى أثارها الأمبراطور دقلديانوس الذى أصدر منشورات تقضى بهدم الكنائس ، وحرق الكتب المقدسة، وطرد جميع المسيحيين ذوى المناصب الرفيعة من مناصبهم وحرمانهم من الحقوق المدنية ، وكل المسيحيين غير الموظفين يصيرون عبيداَ أرقاء، وإرغام المسيحيين فى إنحاء الإمبراطورية الرومانية بجحد إيمانهم المسيحى، وأن يقدموا ذبائح للآلهة الوثنية وإلا عوقبوا بأشد أنواع العذاب. أمام هذا التحدى الذى تواجه الكنيسة كان البابا بطرس يثبت إيمان أبنائه مفتقداَ الكنائس .وقد نال الكثيرون من أبناء البابا بطرس الاستشهاد، فى فترة شهدت أقسى وأعتى الاضطهاد الرومانى الوثنى للمسيحية حيث أستشهد حوالى 800 ألف من الكنيسة القبطية وحدها أى ما يقرب من عدد سكان الأقباط المسيحيين فى الإسكندرية فى الوقت الحالى . ومن بين هؤلاء الشهداء : القديسة الشهيدة دميانة والأربيعين عذراء، والقديس الشهيد مالامينا العجائبى ، والقديسة الشهيدة كاترين الإسكندرانية شهيدة الإيمان والعلم، والقديس الشهيد أبسخيرون القلينى ، والقديسان الشهيدان قزمان ودميان، والقائد القديس موريس وكتيبته المكونة من ستة ألاف قبطى من صعيد مصر والمعروفة بالكتيبة الطيبية، والقديسة الشهيدة العفيفة أوفيمية وغيرهم من الشهداء والشهيدات .
وإن كل من أرتد عن الإيمان المسيحى بسبب الأضطهاد عن جهل أو عن ضعف بسبب الإغراءات المقدمة إليه أو خوفاَ من العذابات المصاحبة للأضطهاد طالباَ من البابا بطرس بدموع أن يقبله مرة أخرى فى شركة الكنيسة ، كان البابا ينظر إليه بنظرة حانية ويقبل عودته إلى حضن الكنيسة. ولقد وضع البابا بطرس قوانين للتوبة للمرتدين عن الإيمان المسبحى ليتم بمقتضاها قبولهم مرة أخرى إلى شركة الكنيسة كقبول الأب لأبنه التائب فى مثل الأبن الضال. وإن البابا بطرس لم يفتر لحظة عن وعظ الشعب وتحصينه ضد الإنشقاقات والبدع التى سببت متاعب كثيرة للكنيسة كالإنشقاق الذى أحدثه ميليتيوس والبدعة التى أثارها آريوس ولقد عقد مجمع حرم فيها ميليتيوس ومجمع آخر حرم فيه آريوس ولدفاعه بقوة عن الإيمان المسيحى استحق أن يلقب من محبيه بحصن الإيمان .
فى سنة 311 م أى منذ سبعة عشر قرناَ أصدرالإمبراطور مكسيميانوس أمراً بإلقاء القبض على البابا بطرس ووضعه فى السجن، ولما وصل خبر سجن البابا فى كل موضع اجتمع حول السجن الآلاف من الشعب، أدرك البابا أن احتكاكاً لابد أن يحدث بين الجنود الذين يحيطون بالسجن وبين الشعب، وأن القادة مستعدون أن يضربوا بالسيف كل جموع المسيحيين الحاضرين. خاف البابا أن يقتلوا أحداً من شعبه المحبوب بسببه وأراد أن يحفظ المؤمنين من كل اعتداء ويفديهم بنفسه فأرسل إلى الجند سراً وقال لهم : تعالوا الليلة إلى حائط السجن الذى أدقه لكم من الداخل فانقبوه من الخارج وافعلوا ما أمر به الأمبراطور ، فلما سمعوا منه هذا الكلام وافقوا على خطته التى رسمها لهم، وأتوا فى تلك الليلة سراً إلى الموضع الذى أشار عليهم به فدق البابا الحائط من الداخل، فلما سمعه الجنود يدق لهم، نقبوا موضع الدق وفتحوه وأطل عليهم برأسه من الطاقة التى فتحوها ورشم نفسه بعلامة الصليب مسلماً نفسه بين أيديهم فى هدوء، مقتفياً آثار سيده الذى سلم حياته من أجل قطيعه. سألهم البابا بعد ذلك أن يسمحوا له بزيارة قبر القديس مارمرقس الرسول مؤسس وحارس كل الذين شغلوا كرسيه لينال بركته،شاكراً الله الذى وهبه ان يكون شهيداً.
طلب البابا من مارمرقس أن يصلى من أجله لتسنده القوة الإلهية فى تحمل آلام الاستشهاد بقلب شجاع وإيمان راسخ مستودعاً قطيع المسيح المتعبدين له،الذين كلف برعايتهم من الله. وطلب من الله أن تهدأ عواصف الاضطهاد على الكنيسة ،وأن يكون سفك دمه ختاماً لهذا الاضطهاد الوثنى الحال بالقطيع. كان بالقرب من القبر عذراء ساهرة تصلى ،وسمعت صوتاً يقول:"آمين"، أى ليكن لك ماتريد. بعد ان انتهى البابا القديس من صلاته قبل القبر المقدس وتقدم أحد الجنود إلى البابا فقطع رأسه بالسيف وأكمل القديس شهاداته المقدسة فى التاسع والعشرين من شهر هاتور الموافق الثامن من ديسمبر عام 311 م،أى منذ 17 قرناً. وقد تحققت صلاة القديس وصار آخر شهداء اضطهاد الإمبراطورية الرومانية الوثنية التى امتدت إلى عشرة من الأباطرة الرومان من نيرون (54- 68 م ) حتى دقلديانوس وشريكه مكسيميانوس (284-311م )،أى ما يقرب من ثلاثة قرون.
وأن أنفس ما أنقله فى تكريم القديس البابا بطرس فى ذكرى العيد المئوى السابع عشر على إستشهاده هذه المناجاة للأنبا الكسندروس البطريرك ال 19 عن القديس البابا بطرس :
"بينما تشرق علينا ذكراك المجيدة اليوم يا أبانا القديس البتول رئيس الأساقفة شهيد المسيح القديس الأنبا بطرس، فإن أشعتها الباهرة تنير روحى وتشجعها على النطق بمدائحك. إنى أعرف جيداً مسكنة روحى،وضعف لسانى، لذلك إذ اتقدم نحو محيط أمجادك الذى ليس له شاطئ،أخشى ألا أستطيع أن أذكرها كما تستحق. لكنى أعرف أيضاً أيها القديس أنك سوف تقبل ما نقول حسب قوتنا، نظراً لأننا سوف نضع كل حصنيتنا فى القليل الذى سوف نقوله طبقاً لافتقار مسكنيتنا،وربنا يسوع المسيح قبل بعطف فلسى الأرملة الفقيرة،لأن هذا كان كل ما لها. فلست مؤجلاً قول ما نستطيع فهمه أو بالحرى ما تمنحه لنا النعمة لنفهمه.
أيها المجيد المولود بعد نذر مثل يوحنا المعمدان، يا من كنت هدية من الله مثل النبى صموئيل ، صرت مثله مكرماً منذ طفولتك بنعمة النبوة والإعلانات العجيبة ، دعيت إلى الكهنوت العالى مثل هارون الكاهن، أو بالحرى ارتفعت أعلى من هارون، لأن ذاك كان كاهناً فى الرمز، أما أنت فكنت كاهناً بالحقيقة.
يامن أكرمك الله بنعمة الأشفية مثل بطرس الرسول سميك، وبالحقيقة أخذت سلطان الحل والربط فى السموات،يا من بشرت مثل بولس الرسول،مثبتاً أنت أيضاً برسائلك الجامعة،قلب المؤمنين رعيتك،يامن أغلقت فم الهراطقة مثل يوحنا اللاهوتى، قتلوك بالسيف من أجل المسيح مثل يعقوب الرسول القديس. وبتسليم نفسك للموت من أجل المسيح، قد سلكت كما فعل الرب حينما تقدم نحو جلادى اليهود بإرادته قائلاً: أنا هو الذى تطلبونه، باذلاً نفسه من أجل خرافه. قد افتديت به كل شئ، مسلماً نفسك للسيف من أجل قطيع المسيح".
بركة صلوات القديس البابا بطرس خاتم الشهداء فالتكن معنا جميعاَ آمين .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :