خوف غير مبرر
بقلم: أحمد صُبح
إنني أرى الخوف من نجاح الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة غير مبرر على الإطلاق ؛ حيث أن التيار الديني في مصر لم ينجح في التغيير بالأدبيات الفقهية التي تبناها على مدار تاريخه الطويل ، سواء كانت مذكورة في" معالم في الطريق " لسيد قطب ، أو في أدبيات الجماعة الإسلامية ، والتي تراجعت عنها بعدما خاضت حرباً طاحنة مع النظام السابق في فترة التسعينات ، معتمدين على أدبيات مثل " حتمية المواجهة " و" الطائفة " وغيرهما من الأبحاث التي كانت تتخذها مُستَنَداً لها في خروجها على النظام الحاكم ، كما أن معظم التيار السلفي في مصر ليس من أدبياته المواجهة العملية ، وإن كان بعضه يكفُر بالعملية الانتخابية والديمقراطية ، والبعض االآخر من التيار راهَن على النظام السابق ؛ فاعتبر الخروج عليه خروجاً على الحاكم المسلم ، وارتبط مع جهاز أمن الدولة ليقدم نفسه على أنه صاحب الإسلام المعتدل ، وهناك نوع آخر من السلفيين توارى في سردابه مكتفياً بما يتاح له من مساحة دعوية في مساجدهم والتي كانت تقع تحت عيون أمن الدولة مثل غيرها من التيارات الإسلامية ، ولازلت أذكر قول أحد ضباط أمن الدولة في جهاز مدينة نصر وهو في زيارته للسجون أثناء ندوات مراجعة الجماعة الإسلامية لأفكارها ، حيث قال : " أنا اللي في المطبخ وأخرج الوجبات سواء كانت في المساجد أو في الفضائيات ! " ، وأنا أوقن أن المصريين يعلمون ذلك جيداً ، ولكن دعونا نتساءل لماذا الخوف من قدوم التيار الديني ليتصدر المشهد ؟!
إن الخوف الذي يبديه الليبراليون والأقباط وغيرهم قد يكون له ما يبرره ، حيث أن رسائل الاطمئنان لم تكن كافية من التيار الديني ، وخاصة أن البعض منهم قام بحرق وهدم بعض دور العبادة للأقباط ، وآخرون قاموا بقطع بعض الأعضاء لمن يرونهم مخالفين في أمر ما ، هذه الهمجية من بعض المنتسبين إلى التيار الديني ساعد عليها غياب سلطة الدولة في الردع والزجر ، حيث لم نر جدية في تقديم المخالفين للقضاء العادل ، واعتمدنا على بعض الجلسات العرفية في سيناريو هابط لا يمكن أن يعبر عن دولة ضاربة في جذور التاريخ ، وإن كنت كمراقب للأحداث أرى أن ذلك من قبيل الثورة المضادة لإجهاض الثورة ، قد تكون ضالعة فيها أجهزة داخلية ومخابرات أجنبية ، معتمدة على غباء من يقوم بذلك ، ولكن الله متمّ نوره بنجاح الثورة ولو كره الحاقدون ، ومن هنا أرى أن الخوف من صعود التيار الديني ليس مبرراً للآتي :
1. من المستحيل أن نرى من شعب ذاق الذلة والهوان منطقاً سليماً ، وقد تحدث مفاجآت من أناس آخرين لم نتصور أنهم يأتون بذلك ! فما الحل ؟! الحل أنه لابد من كفاح صامد ضد المعطيات والشروط ، لأننا قبل كل تحليل أو بعده ، لابد أن تبحث عن دورنا الإنساني .
2. أن بعض السلفية والتي كانت تُكَفّر العملية الديمقراطية لم نكن نخشاها وهي تفعل ذلك ، فكيف نخاف منهم وهم الآن يأخذون بالديمقراطية من إنشاء الأحزاب والاحتكام إلى صندوق الانتخاب ، أى إلى إرادة الشعب ، ومعلوم منطقياً أن بداية الطريق يؤدي إلى نهايته ، وبالتالي فهم آمنوا بالديمقراطية كإجراء ، فلابد أن يؤمنوا بها كقيمة يوماً ما .
3. نحن الذين حددنا قواعد اللعبة ونضع قوانينها ، وبالتالي فمن شارك في العملية الانتخابية لابد أن يخضع لقوانينها ، وإن اختلف ظاهره وهديه الظاهر ، فمثلاً لو أن رجلاً سلفياً لعب مباراة كرة قدم سوف تنطبق عليه قوانينها ، ولن يخترع قانوناً جديداً ، وهذا ما سنراه في العملية الديمقراطية والتي ارتضت بها السلفية خاصة والتيار الديني عامة .
4. إن الشعب المصري شعب ذكي بطبعه ، وهو صانع الحضارة ، وبالتالي لن يترك طائفة معينة أو حزباً سياسياً يأخذه إلى الوراء ، وهذا ما رأيناه في انتخابات الإعادة في الجولة الأولى ، حيث كان رد الشعب قاسياً على السلفية ، عندما صرحوا بعبارات غير مسئولة تؤدي إلى تفكيك هذا المجتمع ، ولعل أبرزها كلمات عبد المنعم الشحات الذي أعلن أن الديمقراطية كفر بواح ، فتم الاحتكام للشعب الذي صفعه في انتخابات نزيهة وأسقطه هو ومن يمثله ، مع أنه كان يقدم نفسه بأنه المتحدث باسم السلفية ، ألم أقل لكم نحن الذين نضع قوانين اللعبة ؟
5. يقولون دائماً إن أشد ساعات الليل ظلمة هي الساعة التي تسبق طلوع الفجر ، لأن الفساد والظلم والسواد يستجمعون قواهم من أجل البقاء حتى لايظهر النور والحق والإبداع ، ولكن أنـَّي لهم ذلك ؟ فالليل ينتسب إلى الماضي ، والفجر يأتي بالمستقبل ، لذلك فأنا مطمئن أن شمس الثورة ستسطع على الجميع وسيشعر بشعاعها الدافيء الخصيب والجديب ، والعامر والغامر ، والنجد والوهد ، والأخضر واليابس ، والمسلم والقبطي وجميع شعب مصر .
6. لقد أوصى نابليون بونابرت خليفته في الحملة الفرنسية كليبر ، قائلاً عليك أن تحذر روح التعصب ، وتعمل على تنويمها ، وذلك بأن تحوز ثقة كبار المشايخ ، فلا شىء أكثر خطراً من المشايخ الذين يرهبون القتال ولايعرفون طرقه ولكنهم مثل القسيسين يوحون بالتعصب دون أن يكونوا هم أنفسهم متعصبين ، لذلك فإنني أرى أن أكثر الناس الـمُتوقَّع اندماجهم المستقبلي في المجتمع المصري هم التيار الديني ، وخاصة السلفية ، ولكم أن تنظروا إلى فتاويهم الأخيرة من جواز كشف المرأة لوجهها لإعطاء صوتها أمام القاضي ، أو جواز عمل المرأة ، أو الصور التي يتم تعليقها في الدعاية الانتخابية ، كل هذه الامور – والتي كانت في الماضي القريب ضرباً من ضروب الخيال - توحي بأن التيار الديني في مصر سوف ينخرط في الحداثة ، وأن مصر بالذات تنفي الخبث عنها وتطرده .
7. إن التاريخ شاهد أن كل من يحاول حل قضيته بالعنف يكون قد باع قضيته لأشد خصومه ؛ لذلك إذا أخرجنا من قلوبنا فرحتها بالعنف فإننا سنفتح طرقاً لانهائية للحلول ، فعالم الكبار لايمكن أن يتقاتلوا ، وقد وقع الاتحاد السوفيتي بدون قتال ، ولعلنا قرأنا " اليابان البلد الذي يستطيع أن يقول لا " ، وعالم الصغار إذا أرادوا أن يحلوا مشاكلهم بالعنف والإقصاء فمصيرهم مصير العراق وأفغانستان .
من هنا فأنا أوقن أن المستقبل في مصر باهر ، وأن المواطَنة الحقيقية سوف تظهر في أسمى معانيها لدى الشعب المصري ، وأن التيار الديني سوف يكون في خدمة مصر ، وإن كان ظاهر بعضهم يوحي بالتعصب ، فإننا نحن الذين نضع قوانين اللعبة ، وإن كنت من منبر أقباط متحدون أدعو التيار الديني السلفي بالذات أن يتعلم " النحو " ، أى نحو الممارسة التطبيقية لأننا لا نستطيع أن نمحو أمية جماعة معينة بالقدر الذي نريده ، بل لابد من تعريفهم طريقة " النحو " ، وليس المقصود جمع المفردات داخل جملة واحدة ، ولكنه نحو الممارسة التي تعني المواءمة بين الواقع وماينبغي أن يكون ، وفي نهاية مقالي أدعو الشعب المصري إلى عدم الخوف من التيار الديني ، فقد جاء عن طريق عملية ديمقراطية سليمة ، كنا نتوق إليها بعد عقود من الظلم والاستبداد ، وإذا أحسن التيار الديني إلى شعب مصر أقباطه قبل مسلميه ، فسوف نجدد الثقة فيه ، أما إذا كانت الأخرى والتي لا أتوقعها ، فسوف يكون في الجانب الخاطيء من التاريخ وقانون الله دائماً " وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِـــبُونَ "
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :