الأقباط متحدون | قراءة في فوز تيار الأصولية الإسلامية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٤٨ | الأحد ١١ ديسمبر ٢٠١١ | ١ كيهك ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٠٥ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

قراءة في فوز تيار الأصولية الإسلامية

الأحد ١١ ديسمبر ٢٠١١ - ٥٦: ١٢ م +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: عبد المنعم عبد العظيم
لم تكن نتيجة فوز التيار الأصولي الإسلامي بأغلبية مقاعد مجلس الشعب غير متوقّعة، فقد كان تيارًا منظَّمًا ويملك التمويل، وكانت الأحزاب الجديدة غير جاهزة، فبعضها ضم الفلول، وبعضها لم يكتسب القدرة على العمل الجماهيري اعتمادًا على شرعية الثورة، ولم يكن الوقت في صالحهم، في الوقت الذي كان فيه تيار الأصولية يزحف ليكتسب مواقع لم تكن في حسابهم وفاقت آمالهم بعد أن كانت تنظيماته منفية وليس لها شرعية، ولكن الضربات المتواصلة مكنتهم من اكتساب تجربة نضالية، ونجحوا أثناء عملهم تحت الأرض في تجنيد عدد كبير من الشباب الذين دغدغت مشاعرهم الدينية، والشعب المصري متدين بالفطرة، وأكسبته مساخر نظام "مبارك"؛ رفضًا لحزبه الذي انهار فجأة، وعدم ثقة في قيادات الأحزاب الأخرى التي عاشت كديكور للنظام الفاسد واكتفت بتحصيل العمولات من الدولة دون عمل سياسي وتجنيد وخطط عمل وبرامج وخدمات جماهيرية.
 
 
كان الجيل الجديد من شباب التنظيمات الأصولية أكثر مرونة، وخاطبوا الشارع بلغة جديدة ومنهج متفتّح، ربما يكون نوعًا من التكتيك، ولم يحاول أحد أن يدرس تاريخ هذه التنظيمات، ومنابع فكرها، بل لقنوا الناس أن هؤلاء المجاهدين ظُلموا وعاشوا في السجون وتعرَّضوا للاضطهاد.
 
والناس يستغربون من الدعم الأمريكي للتيار الأصولي، وتناسوا أن النظام العالمي الجديد بقيادة "الولايات المتحدة الأمريكية" هم أول من سمحوا بدخول الأصوليين إلى عالم السياسة والمشاركة في الحكم بما يُعد انقلابًا في سياساتها والمبادىء التي قامت عليها الدولة، وانقلابًا على أفكار عصر النهضة.
 
والعالم يشهد تصاعد تيار الأصولية ليس في "مصر" وحدها لكن في العالم أجمع، إما عن طريق الإرهاب والعنف، أو عن طرق صناديق الانتخاب في النظم الديمقراطية.
 
 
وتعود خطورة الحركة الأصولية إلى أن لها بريقًا عند الناس، وعلى الأخص في أوقات الشدة والإحباط، على الرغم من المصائب التي يمكن أن تحدثها لو أنها أفلحت في الوصول إلى الحكم والمشاركة فيه.
 
أول مراكز الأصولية في العالم دولة "إسرائيل"، مركز الأصولية اليهودية التي بُنبت أصلًا على أساس ديني وتستمد أيدلوجيتها من الحق الإلهي المزعوم بوطن يمتد من الفرات للنيل، وبموجبه ترتكب كل جرائم الاعتداء والتصفية العرقية للفلسطينين، وانتهاك لكل العهود. 
 
المركز الآخر للأصولية تمثِّله دول النفط العربي التي استخدمت أموالها لنشر الأصولية الإسلامية الوهابية، والثابت أنها موَّلت بعض الحركات الأصولية في "مصر" بمساعدة المخابرات الأمريكية، وامتد نشاطها إلى "باكستان" و"أفغانستان" ودول الاتحاد السوفيتي المسلمة، بغرض دعم المؤسسة الدينية الإسلامية، وتطبيق الشريعة، والتبشير، وتسييس الدين، ودعم الإرهاب باسم الدين.
 
تجارب تسييس الدين لم تنجح في إقامة دولة إسلامية، بل مهدت لمزيد من القلاقل والممارسات الإرهابية في "أفغانستان" (طالبان)، و"باكستان"، وتجربة "السودان" التي مهَّدت لانفصال الجنوب والقلاقل في "دارفور" و"عنتيبي".

 
حتى التحربة التركية لم تصل بعد إلى أن تصبح تجربة تُحتذى.. 
 
وتصاعد أيضًا تيار الأصولية الهندوسية في "الهند"، وقد يكون له أثر كبير على استقرار القارة الهندية.
 
وتبنت "الولايات المتحدة" تيار الأصولية المسيحية وإقحام الدين إلى ميدان "السياسة" خلال إدارة "جورج دبليو بوش"، وبدأت في محاربة ما أُطلق عليه "مملكة الشر في العالم". 
 
يقول الأستاذ "محمد حسنين هيكل" في "خريف الغضب": "في مناخ مثقل بالتناقضات وأسباب الشك والحيرة والقلق وتضارب في القيم الاجتماعية والثقافية وتخبط في السياسات الاقتصادية والاجتماعية تكون العودة إلى الدين طلبًا لليقين حركة طبيعية، وكأنه السبيل إلى الخلاص." 
 
لهذا حقَّق الأصوليون الإسلاميون هذا العدد من مقاعد مجلس الشعب، وحصد هذا الكم من الأصوات، إلى جانب الدور الذي لعبه التنظيم الجيد والتمويل السخي للحملة.
 
 
إن الأصولية الإسلامية في جوهرها تمثل عودة إلى الأصول الأولى للإسلام بالنقاء الذي كانت عليه حين تنزَّل بها وحي السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم. في عهد الخلافة العباسية عندما شاع في بلاطها الترف والأبهة برزت في بغداد الدعوة الأولى للعودة إلى الأصول على يد الإمام "أحمد بن حنبل"، وفي القرن التاسع وما بعده جاءت الكارثة الكبرى في زحف المغول على بغداد، فعادت فكرة العودة إلى الأصول على يد "ابن تيمية" الذي استلهم أفكار "ابن حنبل".
 
وامتد تأثير "ابن تيمية" عبر الدهور، وتأثر به الإمام "محمد عبده" والثائر "جمال الدين الأفغاني"، وظهرت الحركة "الوهابية" في الحجاز، و"المهدية" في السودان، و"السنوسية" في ليبيا في محاولة لمواجهة الاستعمار بالعودة إلى الدين، حتى ظهرت جمعية الإخوان المسلمين على يد الإمام "حسن البنا" في "الإسماعيلية" ثم "القاهرة"، وانتشرت في "مصر" والعالم الإسلامي، وأصبحت قوة لا يُستهان بها، وظهر جيل جديد من رهبان الليل وفرسان النهار كما كان يصفهم "البنا".
 
كان الشيخ "حسن البنا" يجيب أن منهجه هو القرآن. وعن برنامجه: عندما تكون لي الكلمة وتجىء الظروف المناسبة فسوف نتكلم عما يمكن عمله في ضوء الواقع الذي نحتاجه، وحتى يحدث هذا لن نغرق أنفسنا في التفاصيل.

 
وأنشأ "حسن البنا" التنظيم الخاص، وتم تسليح هذا النظام ليصبح قوة ردع.
هذا النظام قام بهجمات على دور السينما، والملاهي، والمحلات الأجنبية، واغتال "أحمد ماهر" والقاضي "الخازندار"، واغتال "النقراشي" بعد أن حل الجماعة، واغتالت الحكومة "حسن البنا" ردًا على اغتيال "النقراشي". وفي ظل ثورة 23 يوليو تمتعت الجماعة بوضع خاص، وأُعيدت محاكمة قاتلي "حسن البنا"، ولكنهم كانوا يطمعون في الحكم، فحاولوا اغتيال "عبدالناصر"، وانتهى شهر العسل بين الثورة والإخوان فسُجن من سُجن وهاجر من هاجر، وفي المعتقلات بدأ ظهور فكر الجهاد الذي استلهم أفكار "أبو الأعلى المودودي" والأستاذ "سيد قطب"، وتلخَّصت الأفكار في:
- حاكمية الله في مقابل حاكمية البشر.
- ألوهية الله في مقابل ألوهية الإنسان.
- ربانية الله في مقابل العبودية لغيره.
- وحدانية الله في مقابل الاعتماد على أي مصدر آخر.
 
فتنظيم أمور المجتمع وفكرة الحاكمية تعني تكفير الحاكم والخروج عليه وجواز قتاله وجواز الاستيلاء على أموال الدولة ومحاربة سلطانها. 

 
وفي "معالم على الطريق" حدَّد الأستاذ "سيد قطب" منهاجه:
1- أن هناك تعارضًا شديدًا بين فكرتين وتصورين ومجتمعين ونظامين وحقيقتين، الإسلام والجاهلية، الإيمان والكفر، الخير والشر، حاكمية الله وحاكمية البشر، الله والطاغوت، وإنه لا بقاء لطرف إلا بالقضاء على الطرف الآخر، ولا سبيل إلى المصالحة أو الوساطة بينهما. 
2- أن الإسلام هو الحق والخير والعدل، وأن مجتمع الإيمان الذي تكون فيه الحاكمية لله، وأن نظام الدولة القائم هو الباطل والشر والظلم مجتمع الكفر، حيث تكون الحاكمية للطاغوت، ولما كان الإيمان قولًا وعملًا فإن الدولة الإسلامية تصبح مشروعًا ممكنًا على شرط أن تصبح الشهادة مطلبًا وأمنية. 
3- لا يمكن أن يحدث التغيير إلا عن طريق الانقلاب، الانقلاب على السلطة، والقضاء على أئمة الكفر ووضع أئمة الإيمان محلهم. 
4- أن هذه العملية تقوم بها الصفوة المؤمنة، جيل قرآني جديد مثل جيل الصحابة الأوائل، قادر على قيادة مجتمع الإيمان ضد مجتمع الكفر، والأولوية للصفوة وليست للجماهير، والصدارة للنخبة وليست للشعب.  
5- أن هذه العملية عملية تحرُّر شامل واجبة وضرورية مفروضة فرضًا عينيًا على كل مسلم ومسلمة، مسئولية فردية وجماعية دينية وأخلاقية لتحوبل مجتمع الكفر والطاغوت إلى مجتمع الإيمان والحرية، حتى تصبح "لا إله إلا الله" منهج حياة وتحرير للوجدان البشري والتخلص من حكم الطاغوت.
 
كان جيل جديد تحت الأرض من الجماعات الأصولية يتشكل، كانت السجون والمعتقلات قد صهرتهم وقوت استعدادهم للتضحية، ولم يكن ملهمهم الإمام "حسن البنا" الذي اعتبروه تاريخًا مضت أيامه، إنما نمت في عقولهم أفكار "أبو الأعلى المودودي" و"سيد قطب"، لم يعد أمامهم إلا الجاهلية أو الإسلام، ولا حاكمية للبشر أمام حاكمية الله.

 
لقد نجح الملك "فيصل" و"عثمان أحمد عثمان" في عقد مصالحة بين الإخوان والنظام، وعادوا ليشهروا سهامهم حتى أصابت "السادات" نفسه ولم يستطع النظام بكل قمعه إعادته إلى القمقم.
 
ونجحت ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام "مبارك" وحزبه. ولأن الثورة بلا قيادة أو منهج أو تنظيم؛ ابتهل الأصوليون الفرصة، وجمعوا صفوفهم التي كانت منظَّمة تنظيمًا دقيقًا ومموَّلة تمويلًا مناسبًا في غياب التنظيمات الورقية التي انهارت في أول تجربة ديمقراطية،  وكانت الفرصة سانحة لهم وسط قبول شعبي- ليس حبًا فيهم ولكن كراهية لكل من خدعهم وسلب أموالهم- ونجح "نجيب ساويرس" وكتلته في أن يضخِّم الفرقة ويقسم الوطن إلى مسيحيين وعلمانيين كفرة ضد الإسلام، لهذا تقاسم التيار السلفي المقاعد مع الإخوان لأسباب عنصرية، وهم الذين طفوا فجأة من العدم، هؤلاء هم رموز الأصولية الدينية، وهذه هي مرتكزات فكرهم.

 
تنشد جماعة الإخوان التغيير الاجتماعي الجذري، ومن ثم تلعب الاعتبارات الأيدلوجية دورًا كبيرًا في صياغة أفكارها لتحقيق هذا التغيير، وهي ليست حركة دينية من حيث الجوهر بل هي حركة سياسية تنطلق من الإسلام كإطار فكري وضعه "حسن البنا"، وفرضت التحديات الجديدة محاولة تطويع فكرها طبقًا للواقع بقدر كثير من العموميات، مما جعله يكتسي بالغموض الفكري والمناورات السياسية.
 
قد ينجح التيار الأصولي في تحقيق أغلبية برلمانية، ولكنه سيصطدم بضمانات الوثيقة الدستورية التي لن تعلي تيارًا على آخر، وستظهر تيارات الشباب المعارض في الجماعة،  غير الصدام المحتمل مع أفكار السلفيين، مما يؤكِّد أن الجولة القادمة لن تكون في صالحهم؛ لأن الوعي حتمًا سينضج، وستتمكن الأحزاب الجديدة من ترتيب أوراقها واتصالها بالجماهير، وسيتمكن شباب الثورة والجماهير الواعية من استعادة قيادتها.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :