لماذا ثارت علياء المهدي؟
بقلم: إبرام رأفت
"لا شك إنها ساقطة ورجمها في ميدان عام سيكون أهون عقاب لجريمتها البشعة".
"قبل أن تحاكمها، حاكم كل عقل ترك كل همومه وانشغل بجسدها العاري، وحاكم كل يد بحثت عن مدونتها على الانترنت ثم أمسكت بأقرب حجر لرجمها، وكل فم سال لعابه أمام صورتها العارية ثم نطق باللعنات والويلات لها. فقد فعلت ما عجز كل رجال مجتمعنا عن فعله".
هكذا تباينت الآراء حول المفاجأة الغير متوقعة التي فجرتها (علياء ماجدة المهدي) بمجتمعنا هذه الأيام، لتحوز هي ومدونتها وصورتها العارية على أكبر نسبة اهتمام في كل الأوساط تقريباً الشعبية وغير الشعبية. ولمن لا يعرف من هي (علياء المهدي)، هي طالبة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة من مواليد عام 1991 وتحولت بين ليلة وضحاها إلى واحدة من أشهر الشخصيات المثيرة للجدل في الوطن العربي بعد أن قامت بنشر صورتها عارية على مدونتها بالانترنت احتجاجاً على ما أسمته مجتمع العنف والعنصرية والنفاق.
وما أن اشتهرت الصورة وأصبحت "قضية رأي عام" حتى ذهبت الأغلبية الساحقة من أفراد مجتمعنا المتدين جداً صاحب أعلى نسب تحرش جنسي بالنساء في الشوارع وأعلى نسب بحث عن الكلمات الجنسية في محرك البحث "جوجل" إلى تكفيرها وصب الويلات على رأسها والتمني رؤيتها لـ"ضربها بالجزمة في قلب الشارع". بينما بدأت قلة ممن يعتبرون أنفسهم مثقفين في الدفاع عنها وعن حقها في التعبير عن أنوثتها وسط مجتمع لا يؤمن بالمرأة إلا على الفراش. وبين هذا وذاك لم يتطرق إلا القليلون جداً لمحاولة فهم الدوافع التي قادت (علياء) لمثل هذا التصرف الذي أثار جدلاً واسعاً يعتبره البعض بمثابة الحجر الذي ألقي في مياه الفكر الراكدة ليحركها.
وحتى لا أسلك نفس المسلك سواء في تكفير أو تبرئة (علياء)، إذ أن تقييم العباد ومحاسبتهم ليس من اختصاص البشر، سأذهب إلى منطقة مختلفة تماماً وهي الاسم الذي اختارته لمدونتها لنشر صورتها العارية بها. فقد اختارت اسم (مذكرات ثائرة) للتعبير عن نفسها وعن أفكارها. ومن البديهي أن لكل ثائر ما يثور عليه. فعلى من إذن ثارت (علياء المهدي)؟ وما هو الوضع الذي فجر الثورة بداخلها؟ علماً بأنها ليست أول من يختار أسلوب "الاحتجاج بالتعري"، بل يرجع تاريخ هذا النوع من الاحتجاج إلى ما قبل العصور الوسطى. وعادة ما يلجأ المحتج إلى التعري الكامل أو الجزئي لإثارة انتباه أكبر شريحة ممكنة من المجتمع لإيصال وجهة نظره التي في الأغلب تكون لمناهضة الحروب كما فعل البعض في الغرب احتجاجاً على حرب العراق عام 2003، أو لدعم حقوق الإنسان والتنديد بمن ينتقص منها – من وجهة نظر المحتج – كما فعلت طالبتان فرنسيتان (أحداهما مسلمة) عندما سارتا في شوارع باريس مرتديتان النقاب على "الهوت شورت" احتجاجا على قانون منع ارتداء النقاب بالأماكن العامة بفرنسا.
ونظراً لأن جسد الإنسان أقدس من أن يتحول لمجرد شهوة وفتنة فتتم تغطيته بالكامل لتجنب فتنته، أو مجرد وسيلة لتحقيق هدف معين فتتم تعريته بالكامل لجذب الانتباه، فأنا أختلف مع (علياء) في طريقة احتجاجها كما أختلف مع من يغالون في المناداة بإخفاء الجسد وتشويه مفهومه، إلا أنني أتفق بالكامل معها فيما تحتج عليه وتثور لأجله. فهي تثور لأجل حقوق المرأة التي لا تزال تعاني الوأد الغير حرفي – أو الحرفي – في مجتمعنا بكافة أشكاله وأساليبه. فـ(علياء) قد ثارت على مجتمع يعتبر المرأة ربع إنسان في الزواج ونصف إنسان في الميراث ونصف إنسان في الديّة. ثارت على كل شخص يلهث وراء صوتها الانتخابي ليعلن لها من فوق منصة الحكم أن صوتها عورة وعقلها ناقص وشهادتها بنصف شهادة الرجل وحيضها نجاسة ومن يلامسها كمن يخرج من الغائط. أعلنت تمردها على كل من يعلّم الزوج كيفية ضرب زوجته إذا رفضت مضاجعته في الفراش غير مكتفياً – من وجهة نظره – بأن تلعنها الملائكة طوال الليل. وعلى مجتمع أباح للزوج الكذب على زوجته ضمن حالات جواز الكذب الثلاث. ومجتمع تعاني 91% من نسائه ما بين عمري 15-49 من بتر جزءاً من أعضائهن التناسلية وفقاً لتقرير المسح الديموجرافي والصحي لمصر عام 2008.
ولكن للأسف أغمض مجتمعنا عينيه كالعادة عن محنة المرأة الحقيقية في ظل مجتمع تسطو عليه مثل تلك الأفكار، ولم يهتم إلا بما لا ينفع. فما النفع الذي سأجنيه أنا أو غيري عندما أشغل بالي بـ(علياء المهدي) وجسدها؟ وماذا يفيدني عندما أنفق وقتي وجهدي في محاسبتها أو إدانتها؟ ألا يوجد إله واحد قدير – وإن لم تكن هي نفسها تؤمن به – سوف يحاسب البشر؟ إن أراد أن ينهي حياتها بسبب فعلتها كما يتمنى الكثيرون فأعتقد إنه ليس بعاجز ليحتاج من البشر من يتمم مشيئته. ولماذا لم يهتم أحداً بصديقها (كريم عامر) الذي ظهر أيضاً على الانترنت عارياً؟ ألا يكشف لنا هذا أن مجتمعنا مولع بأجساد النساء التي يلعنها ليلاً نهاراً ويبذل كل جهد له في تغطيتها وإخفائها حتى في أشد الأيام حرارة؟!!
ثم كيف يكون كل الجدل الذي يشغل بال بلداننا هو هل (علياء) بريئة أم مذنبة بينما تتعرض 79% من النساء المصريات للعنف بحسب دراسة أجراها مركز النديم بالقاهرة؟! وتتعرض (سميرة إبراهيم) وغيرها لجريمة الكشف الإجباري على عذريتهن من قبل السلطة المصرية؟ وكيف يصمت ضمير تلك المجتمعات على تعرض 43 ألف سيدة في السودان للجلد عام 2008 بسبب ملابسهن بحسب تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"؟!
كيف لا يثور كل ذو ضمير حي على من يتشدقون ليلاً نهاراً بأنهم من أرجع للمرأة حقوقها المسلوبة، بينما يعتبرونها قاصرة طيلة عمرها ولا خروج لها إلا بإذن ولي أمرها؟ ويعاقبون من تمارس حقها الطبيعي في قيادة سيارة كما يحدث في السعودية لدرجة أن عبر الشيخ السعودي (محمد بن صالح العثيمين) أنه من مفاسد قيادة المرأة للسيارة "أنها تكون طليقة" في اعتراف صريح منه بوجوب سجنها واستعبادها وتجريم عتقها. كما وصف الشيخ السعودي الراحل (ابن باز) قيادة المرأة للسيارة أيضاً بأنها من الوسائل المفضية إلى المنكرات، ولم يقف فضيلة الشيخ الراحل إلى هذا الحد بل أفتى بأن المرأة تقطع الصلاة مثلها مثل الكلب الأسود والحمار!!!! ولماذا يصمت المجتمع الذي حركته صورة على مدونة بالانترنت على تصريحات الشيخ (ياسر برهامي) بأن دخول المرأة للبرلمان مفسدة؟ وتصريحات الشيخ (حازم أبو إسماعيل) بأن من أسباب انتشار الجريمة بالعالم هو خروج المرأة المتزوجة للعمل؟
ولماذا يصمت كل هؤلاء الأطهار الذين يتمنون رؤية (علياء المهدي) غارقة في دمائها على فتاوى إرضاع الكبير وزواج المتعة ومفاخذة الصغار والاستمتاع الجنسي بالرضيعة والزواج من الطفلة كما يحدث في كثير من البلدان العربية وعلى رأسها اليمن حيث أكدت دراسة بجامعة صنعاء أن نسبة زواج الطفلات يصل إلى 65% من إجمالي حالات الزواج باليمن؟ ولماذا لا يثور مجتمع اللحى والنقاب اعتراضاً على العقلية التي لا ترى في تصميم مطار جدة وبرج المراقبة به إلا تجسدياً معمارياً لفرج المرأة والعضو الذكري للرجل كما أكد الشيخ السعودي (علي بقنة الشهراني) متهماً أعداء الإسلام بأنهم من قام بهذا التصميم الفاجر للمساس بهوية بلاد الحرمين؟ ولماذا لا تستيقظ ضمائرهم هذه عندما يسمعون الشيخ (الحويني) في حديثه عن جهاد الطلب ينادي بسبي النساء الغير مسلمات كملكات يمين وبيعهن كجواري لتحسين أحوال الدولة الاقتصادية؟ ولماذا تنام ضمائرهم عندما يسمعونه في مدحه لانتقاب المرأة أيام (هدى شعراوي) يقول بالحرف الواحد "كان وجه المرأة كفرجها" منادياً بإعادة قيم هذا العصر في تحريض واضح لاستباحة كل من تكشف وجهها لأنها كمن تكشف فرجها؟ وبنفس المقياس لماذا لا يعتبرون وجه الرجل كإربه؟ ولماذا لا يتم تطبيق جرائم الشرف في مجتمعاتنا إلا على النساء دون الرجال وكأن الزانية تزني مع نفسها؟ وكيف من الأساس يقرنون كلمة "جريمة" بكلمة "شرف"؟ فالكلمتان متناقضتان ولا "شرف" في أي "جريمة" أياً كانت.
تكثر الأسئلة وتطول قائمة الاغتيالات المتجددة والمستمرة لإنسانية المرأة في مجتمعاتنا، ولا يزال مجتمعنا يقدم النساء كل يوم كقرابين على مذبح التقاليد والجهل والتعصب الديني، والمتضرر الأكبر هو الإنسان. وفي الأخير أبلغ تعليق على كل الجدل الثائر هو فلسفة السيد المسيح التي سجلها التاريخ قبل أن يسجلها أتباعه تعليقاً منه على إحضار امرأة له أُمسكَت – دون رفيقها – وهي تزني، وسؤاله عن حكم رجمها. فبكّت ضمائرهم قائلاً: "من منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :