الكاتب
جديد الموقع
مصر بين مشهدين
بقلم: صبري فوزي جوهرة
تزامنت منذ أيام قليلة وفاة رجلين شهيرين تركا بصماتهما على هذا العالم سواء بالخير أو بالشر. الأول هو فاتسلاف هافل, رئيس جمهورية التشيك السابق, الذي أنار الطريق لملايين البشر المتعطشين إلى الحرية والحياة الكريمة داخل وطنه وفى كافة ربوع العالم, والأخر هو كيم يونج إيل طاغية كوريا الشمالية الذى مثل أقصى درجات الفشل فى الحكم والانحطاط السياسي والإنساني.
لن أتحدث طويلًا عن هافل, فقد رثاه العالم بأسره. يكفى القول بأنه أنهى استعباد الملايين من البشر لجبروت وسيطرة الفكر السياسى الشيوعى الشرير، وأنهى وجود الشيوعية عمليا بقوة كلمة الحق، والإيمان الراسخ بكرامة الإنسان وقدسية حريته أينما كان، وتحت كافة الظروف والأحوال.
و لن أذكر الكثير عن كيم يونج إيل سوى ما يوضح هدفي من كتابة هذا المقال، كما سأبين أسفل هذه السطور. ورث كيم الابن الحكم عن أبيه وكان من أعتى الطغاة الذين عرفهم العصر الحديث, واستمر الابن على درب المرحوم والده "القائد الأبدي" (حتى بعد أن نفق) فى ترسيخ مرض عبادة الفرد وتمكينه بأي ثمن إلى درجة العبثية واللامعقول والخبل والهوس بالشعارات الرنانة خاوية المعانى، في عقول شعب يبلغ تعداده 27 مليون نسمة. ثم "طاح" بعد ذلك -وبعد أن فشل فى إشباع شعبه الجائع- "يبلطج" على مسرح السياسة العالمية، يهدد سلام العالم قاطبة بقنابله النووية وصواريخه الفاشلة وبجيش يعد الرابع عددًا بين جيوش العالم, وتسريبه للأسرار والمعدات التى تؤهل الإرهابيين حول العالم، لبناء الأسلحة النووية أيضًا. يرجع هذا السلوك الشرير إلى حاجة الطاغية الفاشل للفت أنظار الشعوب الأخرى، واستجدائها غير المباشرللمساعدة بالابتزاز النووى لإنقاذ حكمه من عواقب المجاعة التى أدت إلى فناء مليون كوري في تسعينات القرن الماضى، ولجوء الأحياء منهم إلى أكل الجلود والأعشاب لدرء آلام الجوع, هذا على الرغم من أن شعار حكم أسرته الديناستى (وما أخيب وأخطر الحكومات التى تتبنى الشعارات) كان, وما زال, هو "الاكتفاء الذاتي"!
ربما كان من المعقول أن يؤدى التعتيم التام والتضليل المتعمد والتجويع المقصود أو غير المقصود, وإرهاب السلطة الى تقبل شعب مقهور مثل الكوريين الشماليين للإذلال أو للرضا بأحوالهم المتردية حتى وإن كان على مضض, و لكن ما استفز انتباهى و دعانى إلى كتابة هذه الكلمات هو رد الفعل الهستيري لموت كيم سونج إيل الذى انتاب شعبه, أو من صور لنا منه, والذى شاهدته بعينى رأسى في كافة وسائل الإعلام. لقد رأيتهم سجودا متعبدين باكين مولولين على الصنم! فعادت إلى ذاكرتى ما سمعت و قرأت عن قوة "غسيل" (وفي تعبيرى الشخصى "توسيخ") المخ، وهل يؤدى هذا النمط الشرير فى التعامل مع شعب بأكمله إلى إحالته إلى "مخابيل" انتفى عنهم الفكر الإنسانى القويم والزيغ التام عن الحقيقة؟.
تحول فكرى سريعًا إلى ما يجرى في بلادي: عقود طويلة من فكر غيبي عقيم قديم ثبت فشله مرارًا وتكرارًا, وأصنام أقامت ذاتها بذاتها فتعبدنا تحت أقدامها مخدوعين كنا أو مجبرين, عصف بإنسانية المصرى وامتهان لحريته وكرامته وتدهور وانحدار أصاب كل إنسان ومكان ومؤسسة وإبداع فى مصر بلا حدود لستة عقود من الزمان, وعندما حاولت العنقاء الرجوع إلى الحياة في 25 يناير الماضى وبدى لنا أنها قامت ثانية من الرماد أو كادت, تغاضى المصريون عنها، وانطلقوا مهرولين ساجدين في محراب صنم جديد قديم.
السؤال الذي أجهد عقلي هو: كيف لشعب أبهر العالم بمثل ثورة فاتسلاف هافل الفريدة النبيلة أن ينتهى به الأمر، وبعد أشهر قليلة الى مثل حال شعب كيم يونج إيل السوقى المبتذل؟ مش كفاية عبادة الأوثان و تقديم الضحايا البريئة للأصنام؟
اللي فاهم حاجه ينوبه ثواب يفهمني.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :