تعددت الأسباب وخلع الملابس ليس واحدًا
بقلم: حنان بديع ساويرس
ظاهرة غريبة انتشرت بعد ثورة يناير، فيبدوا أن التحرُّر في "مصر" قد وصل لمداه، فنلاحظ أن كثيرين بدأوا يخلعون ملابسهم على الملأ، لكن منهم من خلعها برضاه ومنهم من خلعها مُجبرًا. فعندما بدأت التيارات الإسلامية تتصاعد في الانتخابات البرلمانية، وجميعًا نعلم جيدًا موقف هذه التيارات من المرأة فإن أكبر طموحاتهم المَرجوة إذا حكموا "مصر" أن يُنقبونها!!! والغريب أن هذه الأمنية باتت مُلحة لديهم، بل كانت مطلبًا قديمًا جدًا لهم، فقد تناقلت بعض المواقع مؤخرًا فيديو قديم للرئيس الراحل "عبد الناصر" يقول فيه إنه قام بمُقابلة مُرشد الإخوان سنة 1953 وطلب منه طلبات أولها هي أن يفرض الحجاب على نساء "مصر"، وأن تلبس كل امرأة "طرحة" عند نزولها للشارع، وقد فسَّرها الرئيس الراحل على أنهم يُريدونه أن يُصبح كـ"الحاكم بأمر الله" الذي فرض على الناس السير ليلًا وعدم السير نهارًا بالشوارع مما رفضه "عبد الناصر". فالطبيعي عندما تُتاح الفرصة لأي إنسان أن يتقابل مع رئيس الجمهورية أن يطلب طلبات إيجابية ومُفيدة ولا سيما لنفسه، لكن الغريب أن هؤلاء عندما سنحت لهم الفرصة لذلك كان مطلبهم الرئيسي هو قهر وقمع الآخر!!.
عمومًا مالفت انتباهي واستوقفني هو رد أحد الحاضرين، وكانت لهجته تدل على أنه صعيدي، عندما قال للرئيس: "خليه يلبسها هو- قاصدًا الطرحة"، وكان هذا رد وافِ شافِ لأنهم يُريدون بالبلدي كدة "يستتوا الستات ويلبسوهم طرح" من أجل أن يشعرون هم بالرجولة، فمعروف عندما يُريدون إهانة رجل يقولون له "اذهب إلبس طرحة وأجلس في البيت"، وهذا ما يُريدونه: إهانة المرأة، وإلغاء دورها، وبقاءها في البيت. وإن خرجت تخرج بالطرحة فتستضعف ويشعرون هم بالرجولة!!.. أقول، كان رد الفعل على التشدد الإخواني السلفي ضد المرأة من إحدى الفتيات ذات العشرين ربيعًا، فريدًا من نوعه، والفتاة تُدعى "علياء المهدي"، فقامت بتصوير نفسها عارية تمامًا ونشرت الصورة على الإنترنت عبر صفحتها على الفيس بوك، وقامت الدنيا عليها، وهاج وماج الإسلاميون، ومن طلب أن يُطبق عليها الحد، ومن طالب برجمها، ومن طالب بإعدامها أو قتلها. ورغم أن ما فعلته مُبالغ جدًا فيه، وجرئ، ويبدو عملًا قبيحًا جدًا، لكن في النهاية فهي حرة في نفسها، والمثل يقول: "إن لم تستحي فافعل ما شئت". وإن كانت أضرت أحدًا فهي في النهاية لم تضر سوى ذاتها في المرتبة الأولى.
لكن ما أنا بصدده الآن، وهي الطامة الكبري، هي الفتاة التي قام جنود جيشنا العظيم!! بسحلها وتعريتها بشكل فاضح لا يُرضي أي إنسان لديه القليل من النخوة والحياء والشرف، لكن للأسف خرج علينا الكثيرون لتبرير سبب تعريتها، فمهما كانت الأسباب التي اقترفتها هذه الفتاة حتى لو كانت قامت بجريمة قتل لم يكن أبدًا رد الفعل عليه أن تُسحل عارية في وسط الشارع. ومع ذلك، فكلنا رأينا المشهد، فهي كانت بين أيديهم لا حول لها ولا قوة، والغريب أنهم ضربوا الشباب الذكور من حولها وتركوهم أما هذه الفتاة فضربوها وسحلوها وعروها في مشهد فاضح يندى له الجبين، ويشيب له الرضيع، وبعد ذلك قاموا بحملها حارصين أشد الحرص على أخذها، وكأنها فريسة وقعت بين أنياب مجموعة من الذئاب، فكلٌ يلتهم فريسته من جانب.. أقول، حملوها مُحاولين نقلها إلى مكان آخر يخصهم، لولا قذف بعض الشباب لهم بالحجارة، فاضطروا لتركها إلى أن أخذها الشاب المسيحي "إيهاب حنا إشعياء" مما أدى إلى ضربه بالرصاص في قدمه والإنقضاض عليه بوحشية من الجنود، ونفس الشئ بالنسبة لزميلته "عزة هلال" التي حاولت معه أن تقوم بإنقاذ الفتاة العارية، إلا وقد اجتمعت عليها كتيبة من العسكر لضربها ضربًا مُبرحًا نُقلت على إثره هي و"إيهاب" للمستشفى في حالة حرجة فاقدي الوعي، وهذا كما جاء ببرنامج "مصر الجديدة" بقناة "الحياة" مع الإعلامي "مُعتز الدمرداش"، وكم كانت فرحة "الدمرداش" عارمة بأن من أنقذ الفتاة المسحولة من إيديهم رغم أنها مُحجبة أو مُنتقبة هو شاب مسيحي.
وفي الوقت الذي تعاطف فيه الشاب القبطي مُخاطرًا بحياته في مُحاولة منه لإنقاذ الفتاة المسحولة المُحجبة التي تم تعريتها في مشهد لا إنساني، يخرج علينا الشيخ "محمد غزلان"- المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المُسلمين- قائلًا: إن هذه الفتاة لا تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين!!. كما أكَّد "ياسر البرهامي"- نائب رئيس الدعوة السلفية- أن الفتاة المُنتقبة التي تم تعريتها بأحداث مجلس الوزراء لا تنتمي للسلفيين، وأنها ارتدت النقاب لتوريط الدعوة.. وعجبي!!
فهكذا تخلَّى عنها منْ ربما تكون قد أعطت صوتها لهم في الانتخابات، فقد تبرأوا منها جميعًا وكأنها تُهمة يُريدون التنصل منها والتأكيد على عدم انتمائها لأحدهما؛ بسبب خوفهم من تأثير ذلك على الانتخابات، فيقول "البُرهامي" إنها ارتدت النقاب من أجل توريطهم، فهل هذا بمعنى أن الفتاة كانت تعرف أنه سيتم سحلها وتعريتها؟ أم هي التي طلبت من الجنود سحلها وتعريتها حتى تقوم بتوريطهم؟!! فقد فرَّغوا الأمر من مضمونه، فالقضية أصبحت لديهم هي التبرأ من هذه الفتاة وليست القضية هي ما حدث لها. لكن أريد أن أذكِّرك أن الفتاة لم تكن سافرة أو قبطية، ولا حتى مُحجبة، بل مُسلمة من النوع الأصلي الذين تُريدون أن تسير على نهجه نساء "مصر"، فهي مُنتقبة ومع ذلك خذلتموها وخذلتم كل النساء التي سوَّلت لهن أنفسهن أن يتبعوا تشدُّدك.. فياللعار!.
والأدهى، ما قاله "توفيق عكاشة" بقناة "الفراعين" عن هذه الفتاة، فتحملوا معي بشاعة ألفاظه الأكثر من مُستفزة، ويبدو أنه لا يوجد له ضمير يؤرِّقه على ظلمه الفادح لهذه الفتاة، فقد قال: "هي خارجة في الشتاء على العري، على اللحم، دا أحنا الست عندنا في البلد- ويقصد في الأرياف- بتلبس كالسون، وفوق الكالسون بنطلون، وفوق البنطلون جلابية. طيب وهي رايحة تحرق المجمع العلمي المفروض تقفز-بمعنى أنها تلبس بلوفر- وبنطلون جينز، وتدخل البلوفر في البنطلون، وتلبس بوط، وتدخل البنطلون داخل البوط، وتكافح وتحرق، لكن تروح تكافح بعباءة، فكدة يبقى كفاح من نوع تاني"..
أولًا- فبقدرة قادر حوَّل المسألة إلى خطأ الفتاة في طريقة ملابسها الداخلية، فكل إنسان حر فيما يلبس من ملابس سواء خارجية أو داخلية، فهي حرة في أن تلبس العباءة على العري أو تحتها ملابس آخرى. أم لأنها امرأة فبلا حياء تتدخل حتى في أمور شخصية جدًا ليست من حق حتى أقرب المُقربين منها التدخُّل فيها أو التحدث عنها أو الإشارة لها من بعيد أو قريب؟ فيكفي على المرأة المصرية تحملها لتدخلكم في زيها بصفة عامة، وفرض الزي الخارجي عليها، فهل تريد فرض زي مُعين أيضًا تحت ملابس المرأة؟ وماذا تفعل هذه الفتاة أكثر من أن تكون مُنتقبة حتى ترضون عنها؟ ومع ذلك لم تسلم من انتقادتكم غير المُحجبة أو المُحجبة أو المُنتقبة، فكل الطرق تؤدي إلى روما!!.
ثانيًا- أما المقارنة العجيبة التي قُمت بها لفتاة قاهرية بالمرأة الريفية في البلد عندكم- على حد تعبيرك- فهي مُقارنة غير منطقية وليست في محلها؛ لأنه بالطبع عادات المرأة في الريف تختلف عن عادات المرأة بالمدينة، والمرأة في بلدكم ليس من المفروض أن تكون قدوة تقتدي بها كل نساء "مصر"، أو أنها قاعدة من يشذ عنها يكون جزاؤه هذا الهجوم الفاضح وإتهامه في شرفه وأخلاقه.
ثالثًا- لماذا تفترض أن هذه الفتاة تلبس العباءة على العري؟ فمن الذي أكَّد لك ذلك؟ فهل كنت على مقربة منها وشاهدت أن ملابسها التي جُذبت بيد العسكر ويسحبونها منها هي مجرد عباءة؟ فالملابس كلها كانت مرفوعة إلى أعلى لأنهم قاموا بجذبها على هذا الشكل، بمعنى أنها لو كانت ترتدي أي شئ تحت العباءة- وليكن قميص أو بلوفر أو أي ملابس داخلية- ستُرفع هي أيضًا مع العباءة، ولاسيما أن يكون الجندي الذي فعل ذلك قاصدًا تعريتها للمزيد من الإذلال، وخاصةً مع السحل والشد والجذب الذي تعرضت له.
رابعًا- أما عن ما يقوله "عكاشة" إنه طالما أنها ذاهبة لحرق المجمع العلمي وستكافح كان يجب عليها أن ترتدي الملابس بالشكل الذي وصفه وسبق أن نوهت لكم عنه في السطور السابقة، وأنْ من سيكافح ويحرق لا يلبس عباءة، فكلامه هذا يشهد على كذب الإدعاءات التي يروِّج لها ولا يُدين الفتاة؛ لأن حسب وجهة نظره في طريقة ملبس من يريد أن يرتكب جريمة حرق أن يرتدي الملابس القفازية حتى تتيسر له الحركة، وكما نصحها من يريد أن يحرق لا يرتدي عباءة، إذًا فهي بريئة؛ لأنها بهذا الزي غير المناسب- من وجهة نظره- يثبت أنها كانت موجودة في اعتصام سلمي، وإلا كانت قد استعدت بملابس القتال التي نصحها بها، فقد برأتها بنفسك وبدون أن تدري!!. وأقول لك أنت وأمثالك كما قال الكتاب المقدس: إن "مُبرئ المُذنب ومُّذنب البرئ كلاهما مكرهة للرب".
فهذا المشهد غير الإنساني لا يصح أن يكون سبب للإسفاف وانتهاك حرية وكرامة فتاة كل ما فعلته أنها قامت باعتصام سلمي، وبدلًا من أن نطالب برد اعتبارها يخرج علينا المُنتفعون لتلويث سمعتها! وأيًا كانت هذه الفتاة، وأيًا كان سبب تواجدها أمام مجلس الوزراء، لا يوجد مُبرر أبدًا يجعل من عسكري مصري في الجيش المصري أن يتعدى على حُرمتها ويهتك عرضها، وأين أصحاب اللحى الذين أجهدونا وأتعبوا رؤوسنا بأن وجه المرأة عورة، و..... عورة، إلى آخره؟ وماذا عن هذه الفتاة التي تعرَّت بأكملها؟ وماذا لو لم تكن مُرتدية بنطال تحت العباءة؟- ولاسيما من يُحرمون لبس المرأة للبنطال وتشببها بالرجال حسب تعبيرهم- فالبنطال سترها في هذا الموقف ولم يضرها حتى لو تشبَّهت بالرجال. وفي النهاية، لم ينفعها منكم أحد، فالجميع تنكر منها، وهاجمها "الإخوان" و"السلفيون" و"عكاشة"، وأصبحت الضحية متَّهمة والمُجرم برئ ونبحث له عن مُبررات بلهاء لنسدل بها الستار أمام انتهاكه لحُرمات النساء والفتيات. فقد كتب أحد السلفيين على صفحته بـ"تويتر" قائلًا: "عندما قلنا إننا سنمنع لبس المايوهات هاجت الدنيا علينا، ولكن انقلبت الدنيا على فتاة التحرير".
فماذا أقول؟ فهل ملابس البحر "المايوهات"، والتي تُلبس على البحر- وهي أماكن مُخصَّصة لذلك- فهل يوجد بينها وبين تعرية فتاة وتجريدها من ثيابها على الملأ أية مُقارنة؟ فمثلًا الرجال يسيرون في شوارع "الإسكندرية" بالشورت ولم ينظر لهم أحد، لكن لو قام أحدهم بالنزول إلى الشارع في "القاهرة" بالشورت سيكون مُلفتًا للنظر، ولا أستبعد أن يقذفه الأطفال في الشارع بالحجارة، يزفونه صارخين "المجنون أهو"، بمعنى أن ملابس المصيف شئ وأن تُنتزع ملابس الفتاة في وسط ميدان عام فتصبح عارية ويقوم بركلها الجنود في كل أنحاء جسدها فهذا شئ آخر.. فهذا هتك عِرض، بل أشبه بالاغتصاب، فلكل مقام مقال.
فلو كان هذا حدث مع "ذكر"، وأقول "ذكر" لأن الذكورة ليست بالضرورة أن ترتبط بالرجولة كما قال قداسة البابا "شنودة" إن الرجولة صفات مثل النخوة والشهامة والشجاعة والإنسانية وهذه الصفات قد تكون موجودة في نساء وفتيات كثيرات، لكن ليس شرطًا أن تتواجد في ذكور كثيرين، لذا ليس كل ذكر رجلًا حتى لو كُتب في بطاقته الشخصية أن النوع "ذكر"، ولذلك عندما نرى أن هناك امرأة توجد بها الصفات السابقة للرجولة نقول أن هذه امرأة بمائة رجل أو امرأة أجدع من الرجال، وما إلى ذلك.. أقول فلو كان ذكرًا وليست أنثى من تعرَّى بالشارع بهذا الوضع المُهين المُشين، فهل هذا سيمر مرور الكِرام أم أنه سيجلب له الخزي والانكسار؟
الله يرحم أيام ما قبل الثورة، فكان المواطن منا- امرأة كانت أو رجل- يخرج الشارع مثل الأسد واثق في نفسه وهو يرتدي "الحتة الزفرة"، لا أحد يستطع أن ينزع ملابسه عنه، لكن الآن هذا غير مضمون، فنصيحتي لكل مواطن عند نزوله الشارع أن يتمسك ويتشبث بملابسه بقدر استطاعته حتى لا ينزعها أحد عنه، حتى لا تصبح فضيحته بجلاجل، واللي مايشتري يتفرج؛ لأن من خلع بإرادته غير من يخلع رغمًا عنه، فتعددت الأسباب وخلع الملابس ليست واحد.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :