الكاتب
جديد الموقع
ما لم يقله الاستاذ عادل حموده
بقلم: حنا حنا المحامي
قرأت مقالا رائعا –كالمعتاد- للاستاذ عادل حموده يحلل فيه الموقف الراهن وموقف المجلس العسكرى منه وما تسبب فيه من حاله مصر التى يرثى لها وتذرف الدموع من أجلها إذا كانت قد تبقت كلمات للرثاء, أو لا يزال فى المآقى بقيه من الدموع.
سرد الاستاذ عادل حموده تفاصيل القصور الذى ينسب إلى المجلس العسكرى مما أدى بالمتطرفين إلى أن يتوحشوا حتى أنهم بدأوا فى أن يستأسدوا على المجلس العسكرى نفسه. سرد الاستاذ حموده - ضن ما ذكر - مذبحة ماسبيرو ذكرا عابرا ولم يتعرض لتفاصيل أخرى تتعلق بالاقباط بوجه عام. وأنى أتفهم جيدا موقف الاستاذ حموده ذلك أنه لو أثار موقف المجلس العسكرى من الاقباط لاتهم على الفور بالخيانه وإثارة الفتنه الطائفيه ... إلى آخر هذه الملحمه التى لا يجيد سواها إعلامنا الموقر.
لذلك لا يسعنى إلا أن أكمل ما لم يذكره الاستاذ حموده سواء عن قصد أو عن أى غرض آخر. وطبعا ذلك الغرض الآخر لن يكون تأييده للاعتداءات التى ارتكبت ضد الاقباط.
يقول الاستاذ حموده إن عدم خبرة المجلس العسكرى السياسيه هى التى أدت به إلى الموقف الراهن, والحاله المترديه التى وصلت إليها مصر. وأقول أن عدم الخبره السياسيه هى التى جعلت مصر كلها فى حاله تدعو إلى الرثاء والبكاء, وليس هذا فحسب فمنذ البدايه نجد أن المجلس العسكرى قد انحرف انحرافا خطيرا عن الخط الوطنى الذى يلتزم به أى حاكم تجاه الشعب الذى يحكمه. ومن أبجديات هذا الخط الوطنى هو العمل على وحدة الشعب وتقدم الدوله. ومقتضى أن يكون الوطن وحدة واحده لا تتجزأ, وطنا يخلو من الصراعات, وطنا يسوده روح الموده والتآلف, وطنا يرفع علم المساواه بين كل فئات الشعب, وطنا يعمل وينتج أكثر مما يتكلم. ولكن للاسف الشديد لقد حاد المجلس العسكرى عن هذه القيم وانحرف انحرافا ممنهجا وبعناد مما أدى ألى هذا التدهور الراهن.
لا شك أن أى دوله مهما كان وضعها الاقتصادى أو المالى تتوقف عن الانتاج لمدة عام كامل لن تكون النتيجه إلا أن تصل هذه الدوله إلى الحضيض. وهذا للأسف الشديد هو ما ألت إليه مصر الغاليه. وقد كان على المجلس العسكرى أن يولى هذا الامر أولى اهتماماته مهما كانت تضحيته, ولكن هذا لم يحدث, بل كان لسان حاله يقول: "أنا والطوفان من بعدى".
منذ الايام الاولى التى تولى فيها المجلس العسكرى السلطه, أو بمعنى أدق استولى على السلطه, إذا به ينحرف عن عنصر المساواه, ذلك العنصر الذى يعتبر أساسا لبناء أية دوله ناجحه تعمل على تقدم شعبها. كنت أول من أشاد بموقف المجلس العسكرى أثناء زيارتى لمصر الغاليه فى حديث أدليت به فى فضائية سى تى فى بالقاهره وكان معى مجموعه من الزملاء الذين يقلقهم حال مصر ويحرصون على مستقبل مصر. ولكن للاسف الشديد سرعان ما خاب أملنا وانهار رجاؤنا.
فى أول بادره من المجلس إذا به يحاكم مايكل نبيل سند محاكمه صوريه رغم أنه شخص مدنى بسبب مقال كان قد نشره على الفضائيات وذكر فى المقال أن موقف المجلس العسكرى لم يكن إلا بإيحاء من أمريكا. أى أنه نفى عن المجلس الموقر موقفه النبيل. ربما يكون هذا خطأ وربما يكون قد بنى رأيه على معلومات أكيده, ولكن الامر لا يعدو أن يكون رأيا يعتقد هو بصحته. ولكن سرعان ما كشر المجلس عن أنيابه وقبض على مايكل وفى محاكمه صوريه لم تستغرق بضع دقائق حكم على مايكل سند بثلاث سنوات سجن, وزج بالشاب فى السجن. وقد كان الحكم جائرا إلى حد بعيد ذلك أنه لا يجوز أن يحاكم مدنى أمام محكمه عسكريه, كذلك حرية الرأى لا يعاقب عليها إلا النظام الدكتاتورى الذى قامت الثوره لتهدمه, والاهم من هذا وذاك أنه من خلال الملابسات التى تمت فيها المحاكمه لم يكن الدافع الاساسى إلا كونه مسيحيا. ذلك أن آراء عديده مثل آراء مايكل قد قيلت فى المجلس العسكرى ولم يحاكم أصحابها. كما أن الاحداث التاليه من المجلس العسكرى أكدت هذا الاتجاه أو هذا الرأى.
عقب ذلك وجدنا بعض السلفيين يقبضون على مدرس يؤجر شقة يملكها ويتهمونه اتهامات باطله وينفذون فيه عقوبه عجيبه تعود بنا إلى عصر التخلف الذى مضى عليه على الاقل خمسة عشر قرنا من الزمان. قطعوا أذن المدرس. ولم تقف الطامه عند هذا الحد بل حملوا المدرس إلى القسم وقالوا إنهم نفذوا فيه حكم الشرع وعلى القسم أن ينفذ فيه حكم القانون. والعجيب فى الامر أن الساده السلفيين الذين ارتكبوا تلك الجريمه لم تمسهم أية مساءله. إن ما ارتكبه هؤلاء السلفيون هو جريمه فى أى دوله متحضره كمصر, وكان يجب أن يحاسبوا على جريمتهم, ولكن للأسف الشديد والشديد جدا لم يوجه أليهم أيى سؤال أو حتى لوم.
أثار السلفيون مشكله فى إمبابه وادعوا كذبا أن أختهم عبير التى أسلمت مخبأه فى الكنيسه فقاموا بحرقها أى حرق الكنيسه طبعا. قام المجلس العسكرى الموقر مشكورا بترميم الكنيسه ولكنه لم يحاسب المعتدين وتركهم ليعيثوا فسادا.
الطامه الكبرى حين عين المجلس العسكرى نفسه محافظا مسيحيا فى أسوان فما كان من السلفيين إلا أن قطعوا السكك الحديديه ومنعوا دخول المحافظ ألى أسوان. ثم توجه رئيس الوزراء إليهم بتوجيه من المجلس العسكرى طبعا – ليرجوهم أن يقبلوا المحافظ ولكن دون جدوى. فما كان من رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف إلا أن انصاع لرغبتهم. وكان موقف المجلس العسكرى إزاء هذه الكارثه مخزيا بمعنى الكلمه إذ أنه عبر عن رضاه بل وحماية أى تعد على الاقباط. وزاد الطين بله أن هؤلاء السلفيين رفعوا علم السعوديه على أرض أسوان.
وهنا لنا وقفه خطيره: إن اسوان أرض مصريه خالصه وكل شبر فيها يدين بالولاء لمصر, ومصر فقط. والسعوديه ليست سوى دوله أجنبيه سواء كانت تلك الدوله صديقه أم لا يعتنق بعض المصريين مذهبهم أم لا فهى لا تزال دوله أجنبيه. وحين يرفع علم دوله أجنبيه على أرض مصر لن يكون ذلك إلا خيانة عظمى. فمهما كانت عقيدة المصرى أو مذهبه فهو لا يدين بالولاء إلا لمصر, ومصر فقط. وللاسف الشديد أمام هذه الخيانه العظمى وقف المجلس العسكرى موقف الرضا فعبر بذلك عن تشجيع للعنصريه والتعصب ومباركه كامله للتفرقه وتقسيم الموطن. ماذا يكون مؤقف المجلس العسكرى لو أن مسيحيا رفع علم أمريكا أو انجلترا على أرض مصر؟ هل موقف المجلس العسكرى كان يمكن أن يكون ذات الموقف السلبى؟ بالطبع لا. إذن لا يخرج الامر عن معنى واحد وهو أن المجلس شجع وعمل على الفرقه والتفرقه بين عنصرى الوطن الواحد.
لقد بدأ المجلس العسكرى أن يكشر عن أنيابه فى مذبحة ماسبيرو. خرجت المدرعات لتسحق شبابا فى عمر الزهور, وخرج الجنود البواسل لاطلاق النار على المعتصمين. وكان واضحا كل الوضوح بما لا يدع مجالا للبس أن المجلس العسكرى هو الذى أمر بهذه المذبحه.
كانت النتيجه أن العالم ضج من هذه المذبحه فبدأ المجلس العسكرى يفقد أعصابه فتطبيقا لمبدأ "المساواه فى الظلم عدل", بدا يعامل الاعتصامات نفس المعامله مثل ماسبيرو. وهكذا بدأت القوات المسلحه تفقد أعصابها بصوره مخزيه كما فعل فى تعرية الآنسه, ولم يلبث أن عمل على قتل باقى المعتصمين.
أما ما تلا ذلك من أحداث من قبل المجلس تجاه المسيحيين فهو أمر يعبر بكل وضوح عن مدى تعصبه ومدى ما قام به من فرقه وتعصب سرعان ما انتشر وسرى سريان النار فى الهشيم وبذلك ترسخت روح التعصب المقيت وسرت فى أوصال مصر من أقصاها إلى أقصاها.
وكانت النتيجه الطبيعيه التفرقه والانقسام وتصدع مصر. وإلامثله عديده لا داعى لذكرها أو تكرارها فهى معروفه للحادى والبادى.
الامر إذن لم يكن مناطه عدم خبرة المجلس العسكرى السياسيه بل هى زراعة روح الفرقه والانقسام فى مصر مما حدا به أن يعامل المواطنين بمكيالين حسب ديانة كل منهما وهذا أمر ليس مناطه الخبره بل مناطه الاخلاق وروح الوطنيه الصميمه التى لا تفرق بين مواطن وأخر.
كانت النتيجه الحتميه أن الاخوان والسلفيين نظروا ألى الاقباط نظره تعصبيه مقيته تخلو من قيم المواطنه والوطنيه. وبطبيعة الحال ما يبدأ بدايه خاطئه يضل الطريق, كانت هذه هى النتيجه.
ومع كل التقدير والاحترام لرأى الاستاذ عادل حموده, فالامر لم يكن مناطه الخبره السياسيه فحسب بل كانت القيم المتعارف عليها من عداله ومساواه ووطنيه وأمانه فى الاداء لو اتبعت لكنا أفضل حالا ألف مره مما نحن عليه الآن.
لا يمكن أن يتصور أى حاكم أن يعيش وطن بكافة أطيافه وفئاته بلا أى عمل أو إنتاج لمدة عام كامل. إن أى دوله على وجه الارض لو واجهت هذه الكارثه لانهارت. وهذا لا يحتاج إدراكه إلى علماء أفذاذ بل هو أمر عادى جدا وكان يتعين على المجلس أن يعمل على تدارك الوضع الاقتصادى الذى يتداعى أمامه. لو احتاج الامر لاستشار الخبراء. والبادى أنه لم يعبأ بما يدور حوله من انهيار يلمسه أى شخص عادى حتى لو لم يكن له خبره سياسيه. ولكن البادى أن المجلس لا يجيد إلا الصلف, ذلك الصلف الذى أدى ألى الوضع المأساوى الراهن.
كذلك إنى أختلف مع الاستاذ عادل حموده فى أن المشير لم يكن له النيه فى أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهوريه. أنه خرج فى ملا بسه المدنيه والتف حوله جمع من الناس ونادوا به رئيسا. كانت هذه بروفه أى تجربه عن انطباع الشعب لو رشح نفسه للرئاسه, لولا الهجوم الاعلامى الذى انصب عليه من كل حدب وصوب.
أما ما ذهب أليه الاستاذ حموده من أن المشير قال إنه سيرشح نفسه للرئاسه, فإنى أومن أن هذا لم يكن إلا من سبيل جس النبص. وحين وجد المشير أن باقى الضباط سكتوا فى وجوم تدارك نفسه قائلا إنه قد اتفق مع المجلس أن أحدا لن يرشح نفسه.
ولنا الامل فى أن يصلح المجلس النيابى والحكومه الجديده والرئيس الجديد ما أفسده المجلس العسكرى. ترى هل أحلم أم يراودنى الامل؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :