بقلم : عزمى إبراهيم

في شعر أحمد شوق وفي عصر أحمد شوقي
عصر نهضة القرن العشرين

أحمـد شوقي (1868-1932م) أميـر شعراء العـرب على مستوي جميع دول الشرق الناطقة بالعربية، أو الناطقة بالضاد، بلا منازع. ظهـر في في أفـق مصر الفتــاة في عصر النهضة الثقـافية المصرية الحديثــة التي أينعت وازدهرت في بدايـة القـرن العشـرين في مصـر وشـقيقـتيها الشـام والعـراق. وقـد غطى انتــاجه الأدبي كل نـواحي الحيـاة: من غـزل إلى فـلسـفة ومن ديــن إلى أدب، ومن حكمـة إلى مداعبـات، ومن وطنيـات إلى اجتماعيات. ولـه تاريخ سياسي مشـرف كما أن لـه مواقـف وطنيـة مشهـودة. وامتـدت شهـرته في أنحــاء جميـع البـلاد العربيـة وما بعـدها غيـر العربيـة بأسـيا وأوربـا حتى أن إيطاليـا قد أقامت له تمثـالا في أحـد حدائق عاصمتها رومـا "فيلا بورجيزى" تقديراً له كشاعر عالمى كبير ورفع الستار عن تمثاله فى احتفال حضره عديد من أدباء و فنانين مصريين وعالميين.

ولـد أميـر الشعـراء في القاهـرة عام 1868 من أب كـردي وأم تركيـة، وكانت جدَّتـه لأبيـه شركسية وجدَّتـه لأمـه يونانيـة. وكانت جدتـه تعمل وصيـفة في ديـوان الخديـوي إسماعيل فقامـت بتربيـة حفيـدها في رحـاب القصـر الخديـوي. ودخـل مدرسـة المبتديـان الابتـدائية، فالمدرسـة التجهيزية حيث حصل على المجانية لِتفوقــه حتى أكمـل دراسـته الثانـوية. ثم دخـل مدرسة الحقـوق، وبعـد أن درس بها عاميـن حصل على الشـهادة النهـائية في الترجمـة، ثم عـَيـَّـنه الخديـوي توفيـق في خاصتـه، وأوفـده لدراسـة الحقـوق في فـرنسـا عام 1890، فدرس الأدب الفرنسي وحصل على الشـهادة النهـائية في الحقـوق. وأطلع على الكثير من الأدب الأوربي كما تأثر بالكتاب الفرنسيين وبالذات موليير و راسين. وعـاد إلى مصـر أوائـل سنة 1894.
وقـد وهـب أحمـد شـوقى حيـاته للشعـر. فجـاء شعـراً عميـقاً جــاداً، دسماً مصقـولاً، كل سطـر فيه أنشـودة مستقـلة تخاطـب وتنعـش الحـس والوجـدان. فهو يحلـِّق بالقـارئ تحليـقاً في علــو السـماء وعلى مـدى الأفـق البعيـد والخيـال المنطلـق سعـادة وطـرباً وانسجاماً. وقد بلغت بعض قصائده أكثـر من مئـة بيـت.
وخـاض شـوقي بهذا الشعـر الرائع كل مجـالات الحيـاة فكان شعـراً وطنيـاً متدفقـاً بالحماس إلى دينيـاً متعمـقاً مستنيـراً مفعمـاً بالتقـوى والإيمـان، مـدح به الأديان والرسل. وكان في شـعـره غـزل وحـب وعتـاب وتأمـل وحكمـة ووصـف وتعاطـف ومـودة وحـثٌ على المُثــُل والأخـلاق النقيـة كضرورات لتقـدم الفـرد والمجتمع والأمـة... بل والبشرية عامـة.

وبشعـره أشـاد وافتخـر بعظمـة وطنــه مصـر القديـمة وفراعـنتـها وحضـارتها وآثــارها ونيــلها الخالــد. وفي شعـره الكثيـر من إعجـاب بجمـال الحيـاة والطبيعة في مصـر وبـلاد العالـم من تركيـا إلى الأندلـس وفرنسا وايطـاليا وغيـرها، إلى تقييـم وتقديـر للحضارة والعلـوم المتقـدمة والإختراعـات الأوربيـة العظيـمة، إلى كل ذلك وإلى غيـره مما يعجـز هذا الكتيب على إيفـائه حـق قـدره.
وبالإضافة إلى شعـره التقليدي فقد قـدم شـوقي شعـر الأغـاني والأناشيـد وشعـر حكايات الأطفـال
وهو القايل:

أَنا مَن بـَدَّلَ بِالكـُتـْبِ الصِحابا=+=لم أَجـِد لي وافِيـــًا إِلا الكِتــابا
صاحِبٌ إِنْ عِبتـَهُ أَو لم تعـِـبْ===ليسَ بِالواجـِدِ لِلصاحـِبِ عابـا
كُلـــَّــما أَخلـََقتــــُــهُ جــَــدَّدَني===وَكَساني مِن حِلى الفَضلِ ثِيابا
كما قـدم أيضا للمسرح العربي ما افتقـر إليه وقتئـذٍ من الشعـر المسرحي الناضج في روايـات منـها "مصرع كليــوباترا" و "قمبيـز" (من التاريخ المصري القديم)، و"عـلى بـك الكبيـر" (من التاريخ المصري العثماني)، و"مجنـون ليـلى" و "عـنتــرة" (من التاريخ العربي)، كما أن له "الست هدي" و "البخيلة". وهما مسريحيتان فكاهيتان.

ويشهـد التاريـخ أن أحمـد شـوقي قد إستجاب سريـعا لكافـة التطورات السياسية في مصر بعد ثـورة 1919م، وكان قريبـاً من روح الشعب. فسجل أحـداث ثــورة برمهات، مارس 1919م التى قـام بها سعـد زغلـول ورفـاقه، واهتـم شـوقى فى تسجيـله لهـذه الثـورة وتأييـده لها ولأهدافهـا بتـأجـج شـعـلة الوحـدة الوطنية في قصائـد صـارخة، حـتي أدى إلى نفيـه في برشـلونـة بأسبـانيا.
وعنـد عودتـه من المنـفي عام 1920م أستقبـله شعـب مصـر وقادتـه وأدبـائه وفنانيـه استقبـالا عظيـماً. وكانـت قد اشتـدت حركـة الشعـب الوطنيـة لمقـاومة الإستعمار الإنجليـزي، فانخـرط شـوقي في صفـوف المقاومة الى جانـب الشعـب مسلميـن وأقبـاط وعـَبـّـر عن آمالـهم ودعــاهم الى التحــرر والاستـقلال وبنـاء النظـام النيـابي والنهضة والتعليـم والصحافـة والأخــلاق والتعايـش والإنسانية عامـة.

ولم تخـل مناسـبة وطنيـة الا ونظـم فيها مشاعـر الشعب. وبذلك تحول شـوقي في نظـر مصر من شاعـر الملـوك والأمـراء إالى شاعـر الشعـب والأمــَّـة.
وعنـدما رأى أن زعمـاء الأحـزاب وأتباعـها وصحفـها يتنـاطحـون ويتنـاحـرون فيما بينـهم، في حيـن أن مصـر قد فقـدت حكمَـها المأمـول، حينئـذٍ، على السـودان، وأن الإحتـلال الإنجليـزي لا يزال جاثــماً على صـدر الوطــن، صـاح فيـهم:
صيحتـه الشعـرية الشهيـرة قائــلاً:
إلامَ الخـُلـــــــفُ بينـــــــكمُ، إلامــــــا؟===وهــــذي الضجـــة الكبـــرى عــلامـا؟
وفـيـــم يكيــــــــد بعضـــكـُم لبعـــــضٍ===وتبــــــدون العــــــــداوة والخصــامـا؟
وأيـن الفــــوز؟ لا مصـــر اسـتقـَـرَّت===عـلى حـــــــــالٍ ولا الســــــودان دامـا
ومن عديـد الدلائـل التى تؤكـد اندماجـه وتأيـده الشديـد لثـورة 1919 ولمصـر وأرض مصـر وتتـوج وطنيـته المتدفقـة، ما نظمـه فى مكتوبتـه النثـرية بعنـوان " دُعـاءٌ لِسَعـْـد " التى حظيـت بشهرة واسـعة النطـاق بين المسلمين والمسيحيين فى مصـر، فقـد كانت دعـاءاًً تــُلِىَ في المساجد والكنائـس في جميـع أنحـاء مصـر يوم 4 يونيو 1920م من اجـل أن يكلل اللــه جهـود سعــد زغلـول ورفاقـه في مفاوضات لنـدن.
وفيما يلي نص ذاك الدعـاء:
دعــاء لـِسَعـد
"اللــهم قـاهـــر القيـاصرة، مُـذِل الجبـابـرة، وناصـر من لا ناصـر له، هذه كنانتـك فــَـزَعَ إليـك بنـوها، وهــَـرَعََ إليـك ساكنـوها هـلالاً وصليـباً، بعيـداً وقريـباً، مستقبليـن كنائسـك المكـرمة التي رفـَعـْتـَها لقدسـك أعتــابـاً، ميمميـن مساجـدك المعظمة التي شرَعـْتـَها لكـرمـك أبـوابـاً .... نسألك فيها (المسيح) روح الحــق، و(محمـد) نـبي الصـدق، بهذه الصـلاة العامـة من أقبـاط الـوادي ومسلميه، اللهم إن المـلأ منا ومنهم قد تداعـوا إلى الحملـة الفاضـلة، والكلمـة الفاصـلة، في قضيتـنا العــادلة فأتــِـنـا اللـهم حقـوقــنا كامـلة، وكـن أنــت الوكيــل عـنــا توكيـلاً"

فى تلك الفتـرة طبقـت شهـرة أحمد شـوقى الآفـاق، ومُنـِح لـَقــَب "بـك"رسميـاً، وزاره عام 1926م شـاعـر الهنـد الكبيـر رابندراناته طاغـور، المتوج بجائزة نوبل في الآداب لعام 1913. كما زاره أيضا أعـلام السياسة والفكـر فى البلـدان الإسـلامية والأوربيـة خاصة فرنسـا وبريطـانيـا . وفى عـام 1927 أختيـر شـوقى عضـواً بمجلس الشيـوخ المصرى، وهـو نفـس العـام الذى صدرت فيـه الطبـعة الثانيــة من ديـوان شعـره "الشـوقيـات"
فأقـامـت لـه الهيئـات والأدبــاء حفـلات تكريـم كبيـرة بـدار الأوبـرا بالقاهـرة فى الفتـرة من 29 إبريل إلى 6 مايو سنه 1927م اشتركـت فيها وفـود من الـدول العربيـة والأوربيـة بمندوبيـها فكـان من الشـام محمد كـرد على ومن لبنـان شكيـب أرسـلان ومن فلسطين أميـن الحسيني ومن بلجيـكا فندنبـرج وعـدد من أصدقـائه الفرنسييـن والإنجليـز واليونانييـن والإيطاليين والأتـراك والهنـود بالإضـافة إلى العـديـد من شعـراء وكتــّـاب مصـر وعلى رأسـهم صديـقه وزميـل عصـره في قيـادة النهضة الثقافيـة في مصـر والشـرق، شاعـرالنيــل حافـظ إبراهيـم.
في ذلك الحفـل المهيـب بويـع شـوقي بإمـارة الشعـر العـربي في قصائـد عديـدة من المحتفليـن به، ولـُقــِّب منهم بأميــر الشعـراء، وقـام بإعـلان تلك المبايعـة بالنيـابة عنهم جميـعاً حافـظ إبراهيـم الذي ألـقى قصيدته الرائـعة ومنـها:
أميــــر الـقــــوافي قـد أتيـــت مبايـــعـاً===وهـذى وفــود الشـرق قد بايعــتْ معي

ومما هـو جديـر بالذكـر في إجـلال شـوقي لعظمـة مصـر العريـقة أن المسلميـن المتطرفيـن السطحييـن هاجمـوه وكـَفــَّروه، كعادتـهم في تحطيـم بل وقـتــل كل نابغـة ومفكـِّـرفي كل عصر من عصور العرب، وذلك عنـدما كتـب قصيـدة أبو الهـول الرائعـة ومنها البيـت التـالي:
أبــا الهــــــول لــو لـــم تكــــن آيــــَـــة===لكــــان وفـــــــاؤك إحــــدى العـِبـــَــرْ

وفي الحقيـقة غير المشكوك فيها أن أحمـد شـوقي كان رجـلاًً تقيـَّـاً نقيـَّـاً مؤمنـاً عمـيقاً وقـوراً موقـراً لـم تمسُـسْـه أيـَّة شـائبـة أو يلـَوَّث بأيّ ابتـذال في حيـاته العـامة أو الخـاصة، حتى في شـبابه. ولم يكـن شـوقي مسلمـاً مؤمنـا فقـط، بل كـان وطنيـاً أميـناً في أعمـاله وأشعـاره وفي أعمـاق قـلبـه وحنـايا نفسـه بل في كل قطـرة دم فيـه. فقـد كان قريبـا جـدا من الزعيـم الوطـنى مصطفى كامـل وظـل يلازمـه ويؤيـده في جهـاده لتحريـر مصـر من الاستعمار الأجنـبي حتى اللحظات الأخيـرة من حيـاته. وكمأ ذكـرت سابـقاً أنه كان قريبـا أيضـاً من زعيـم مصـر العظيـم سعـد زغلـول ورفـاقه.
ولعـل أهـم دليـل على وطنيـته اللامحـدودة هو نظـرته الثاقبـة لمفهـوم الوحـدة الوطنيـة التى جَسـَّـدَها في قصائـد عديـدة على مدى حيـاته وجهـاده لـِرُقي وتقـدم ونهضـة مصـر لتلحـق بركـب الدول الراقية، ولينـال وطنـه الحريــة من أي استعمار خـارجي أو استغـلال داخـلي، وتركيـزه على هـذه الوحـدة الخاليـة من التطـرف الديـني كأساس لمبـنى الوطـن السليـم.
وفيما يلي مقتطفـات من بعض هذه القصائـد.

من قصيـدة يوحـِّـد فيها عنصرَيّ الأمــّـة المصرية
إنــَّــما نحـــــن مسلميـــــناً وقـبــــــطـاً===أمـــَّـــــة وُحـــِّــدت عـلى الأجـيــــــال
سـبـــق النـيــــــل بالأبـــــُـــوَّة فـيـــــنا===فهــــو أصــــلٌ وآدمُ الجــــــــدُّ تــــــالِ
هـيئـــــوهـا لـِمـــا يليـــــــق بمنـــــــفٍ===وكـريـــــــم الآثـــــــــار والأطــــــلالِ
وإلى اللـــــــه مـن يمـــشـي بصليــــبٍ===في يـديـــــه ومـن يمـــشـي بهـــــــلالِ

من قصيـدة "نشيــد مصــر"
جعلـنـــــا مصــر ملـــَّــة ذي الجـــلال===وألـَّفـنــــــا الصليـــب على الهـــــــلال

وفي قصيـدة يحـذر المسلمين والأقبـاط من المغــالاة والتطـرف في الـديـن
لا تجعـلـوا الديـــنَ بـابَ الشــرِّ بينـكمُ===ولا محــــــــــلَ مبـاهـــــــــاة وإذلالِ
ما الـديــن إلا تــُـراث النــاس قـبــلكم===كـل امــــرئ لأبيــــه تـابــــعٌ تــــالي
ليـس الغـلـــو أميــــنـاً فـي مشــورتـه===مناهـج الرشـد قد تخـفـَي على الغـالي
لا تطلبــوا حـقــَّـكم بغيـــاً ولا صلفــاً===ما أبعــد الحــقِّ عـن بــــاغٍ ومُحتــالِ

ومن قصيـدة يناجي جبريل أن يرعي الأمة تحت ظل الهــلال والصليـب
جبـريــــل أنـــت هــــــــدى الســـــماء===وأنـــــــت بـرهــــــــــــان العـنـــــايــة
أبـســــــــط جـنـــــــاحـيـك اللـذيـــــــن===همـــــــا الطهـــــــــارة والهـــــــــدايـة
وزد الهــــــــــلال مــن الكـــــــــرامـة===والصلـيــــــــــب مــن الـرعــــــــــايـة

ومن قصيـدة يـرثي بـها بطـرس باشـا غـالي رئيـس الوزراء
بعـد اغـتيـاله عـام 1910م
قـد عـشـتَ تحـــدث للنصـارى ألـفـــــة===وتجـــِـــــدَّ بيـن المسلميـــن وئـــــــامـا
واليــــوم فـــوق مشـيـد قـبــرك ميـــتـاً===وجـــــد الموفـــَّــق للمقـــــال مقـــــامـا
الحــــــق أبلــــج كالصـبــاح لنـــاظــرٍ===لـو أنَّ قــــــومـاً حكـَّمـــوا الأحــــلامـا
أعْهـَدْتـــَـــنا والقـبــــــــط إلا أمـــــَّــــة===للأرض واحــــــدة تـــــروم مـــــرامـا
نـُعــْــلي تعـالـيــــم المسيــح لأجـلـــهـم===ويوقــــَّـــرون لأجـلـــــــنا الإســــلامـا
الـديـــــن للـديـــــان جـــَـــلَّ جـــَــلالـه===لـو شــاء ربــُّــــك وحـــَّــد الأقــــوامـا

ومنـها أيضـاَ ينـادي بالألفـة بين المسلمين والأقبـاط
يا قــوم بـان الرشــد فاقصوا ما جـَـرَى===وخـذوا الحقيـــقة وانبـــذوا الأوهـــامـا
هـــذي ربـوعــــكـمُ وتلــك ربـوعـــــنا===متقـابليـــــــن تعـــــــالج الأيـــــّـــــامـا
هـــذي قـبـــــوركـمُ وتلــك قـبــــــورنا===متجـــاوريـن جمـاجـمــــاً وعـظـــــامـا
فبحـرمـة المــــوتى وواجــب حـَقـــِّـهم===عيشــوا كما يقـضي الجـــوار كـــرامـا

وفي قصيـدة أخـرى يـرثي بها وطنيـاً قبطيـاً
يـُدفـــــن الصــالحيـن في ورق المُصــْ===ــحـَفِ أو فـي صحـائــفِ الإنجـيــــــلِ
مصـــر فـي غـيـــــبة المُشــايع والحــا===ســـد والحـاقــــد اللئـيــــــم الـذلـيـــــلِ
قامـت اليـــوم حــول ذكــراك تجـــزي===وطنـيــــــاً مـن الطــــــراز القـلـيـــــلِ

ولشـوقي المسلم المصري قصائـد روائـع في الديـن الإسـلامي لم يصـل إلى ذروتـها غيـره من شعـراء عصـره أو غيـر عصـره، حتى الصوفييـن والمتصوفيـن منهم في أي قطـر عـربي. فهو يفكـر ويكتـب بمنطـق عقـلي وتحليـلي فتستشـف في شعـره ومن ثنـايا تفكيـره وسطـوره طعـم التديـن الروحي النـَـقي المتنـور. كما أن لـِشـوقي قـلائـدٌ وبديعيـات عديـدة في تمجيـد الحاكميـن العادليـن والسياسيين والعلمـاء والفـلاسفة العظمـاء، مسلميـن وغيـر مسلميـن، عـرب وأجانـب.
كمـا أن لـه روائـع صافيـة مخلصة في تمجيـد السيـد المسيـح والصليـب والديـن المسيحي، نلـمس فيـها صـدق أحاسيـسه وصفـاء نفسـه واقـتنـاعـه بما يقـول وما يكتـب وما ينشـد. نسـرد منها البعـض فيما يلي:
من إحـدى قصائده يُمَجـِّد الإنجيـل
قـَلـــِّـب الإنجـيــل وانظــر في الهــُـدى===تـَلـــْــقَ للـتـــاريخ وزنــــــاً وحـســابا

ومن قصيـدة يمدح محاسن نفسـه مباهيـاً أنها متابعة لتعاليم السيـد المسيح
ولا بـــِـتُّ إلا كابـن مـريـــــم مشـفـِقـــاً===عـلى حـُسـَّـــدي مُسـتغفــراً لـِعــــداتي

ومن قصيـدة يذكـر فيـها ميـلاد السيـد المسيح ودعـوتـه وأعمالـه، وإيمـان وأعمـال تلاميـذه وتابعيـه
ولــــد الرفــــق يــــوم مولــــد عيــسى===والمــــروءات والهــــــدى والحـيـــــاء
وازدهى الكــــون بالوليــــد وضــاءت===بســـــناه مـن الـثـــــــرى الأرجـــــــاء
وســرت آيــــة المسيــح كمــا يســـري===من الفجـــــر في الوجـــــود الضــــياء
مـــــلأ الأرض والعـوالـــــــم نــــــورا===فالـثــــــرى مائـــــــج بــها وضــّـــــاء
لا وعـيـــــدٌ، لا صــــولة، لا انتـقـــــامٌ===لا حـســــامٌ، لا غــــــزوة، لا دمــــــاءُ
ملـــِـــكٌ جــــــاور التـــــراب، فـلمــــا===مـَـــلَّ، نابـــت عن التــــراب الســـماءُ
وأطـاعـتـــــه في الإلــــــــه شـيـــــوخٌ===خـُشـــَّـــعٌ، خـُضــَّـــعٌ لــه، ضعـفـــــاء
أذعــَـــن النـــاس والملـــــوك إلى مـــا===رسـمـــوا، والعـقــــــول والعـقـــــــلاء
فـلـــــهم وقـفـــــــة عــــلى كــل أرض===وعـــلى كــــل شــــــــاطئ إرســـــــاء
دخلـــــوا ثـيـــــــبة فأحســــن لقـيـــــــا===هـــم رجـــــــال بثـيـــــــبةٍ حـُكــــَــماء
فهمــوا الســـرَّ حيـن ذاقــــوا، وسـهــلٌ===أن ينـــــــال الحـقـائــــــق الفـُهـــَـــماء
فــإذا الهيــــــكل المقـــــــدس ديــــــــرٌ===وإذا الـديــــــــر رونــــــــقٌ وبهــــــاء
وإذا ثـيبــــــــــة لعيـــــــسى ومنفـيــــــ===ــــس ونيـــــــل الـثـــــراء والبطحـــاء
إنمــــا الأرض والـفضــــــاء لــــــربي===وملــــــوك الحقـيــــــــقة الأنبـيــــــــاء
لهــم الحـــــب خالصـــا من رعــــــايا===هــم، وكــل الهـــــوى لهـم والــــــولاء
إنمــــا يُنـــْـــكـِرُ الـديانــــــات قـــــــومُ===هــم بمـــا ينكــــــــرونـه أشـقـيــــــــاء

 

من قصيـدة الصليب الأحمـر
سـِرْ يا صليـب الرِّفـقِ في سـاح الوغى
وانشــُــرْ عـليـــها رحمـــــةً وحنــــانـا
وادخـُلْ على المـوت الصفوفَ مؤاسـياً
وأعـــِـــنْ عـلى آلامــــِــــه الإنســــانـا
والمـُـس جـراحـــاتِ البـريـّــة شـافـــياً
مـا كـُنـــــْــت إلاّ للمسيـــــح بـَنـــــــانـا
واجعـــلْ وسـيـلتــك المسـيـحَ وأمـــَّـــهُ
واضـرعْ وســـلْ في خـَلـْقـِـه الرحمـانـا

ومن قصيـدته الشهيرة "قــُم للمعلــِّم وَفــِّـهِ التبجيلا"
يذكر صلب السيد المسيح من أجل تعاليمه ورسالته
ذهـَـبَ الذيــنَ حمــوا حقـيــقـةَ عـِلمـِـهم
واســتعـذبـوا فـيــها العــــذاب وبـيــــلا
ســقـراط أعـْطـَى الكــأس وهي منيـَّــةٌ
شــفــتيْ مُحــِـــبٍّ يشــتــهي التقـبيــــلا
عـرضـوا الحـيــاةَ عـليـه وهي غـبـــوة
فـأبــَى، وآثـَــَــرَ أن يـَمـُـــوتَ نبـيـــــلا
إنَّ الشـجـاعـةَ في الـقــــلـوبِ كـثيــــرةٌ
ووجـــدتُ شـجعــانَ العـقـــولِ قـليـــلا
إنَّ الــذي خـلـــــقَ الحـقيــقـةَ عـلـقـــماً
لــم يُخــْــلِ من أهــلِ الحقيــقـةِ جـيـــلا
ولـربـَّـما قـتــــــلَ الغــــــرامُ رجـــالَـها
قـُتــِــل الغـــرام! كـَم اسـتبـاحَ قـتيـــلا!
أوَ كـلُّ مـن حـامى عن الحـــقِّ افـتــنى
عـنــدَ الـسـَّــوادِ ضغـائــــناً وذحـــولا؟
لـو كنــتُ أعـتقـــدُ الصليــبَ وخطــبـَه
لأقـمـــتُ من صَلــْـبِ المسـيـحِ دليــــلا
تجـــدُ الـذيـن بَنــَى "المسـلـَّةَ" جــِــدُّهم
لا يُـحســنـونَ لإبـــــــــرةٍ تـشـــكيــلا!
تـــلك الكـفــــور وَحَـشــْـوهـا أمـِيـــَّـــة
من عهــد خـوفـــو لم تـــرى القنـديـــلا
الجهــــلُ لا تحـيـــــا عـليــهِ جـمـــاعـةٌ
كيــفَ الحـيــاةُ على يـــديّ عـِــزريلا؟

 

ومن رائعـتــه "النيــــل"
حيـث يفخــر بحضـارة مصـــر العريــقة وملوكـها ومعتقـداتـهم
كما يذكـر زيارات ممثـلي الأديـان السماوية لمصر كموسى ويوسـف وإخوتـه والمسيح الطفــل وأمـه العــذراء مريـم
النيــــل
أَصْـلُ الحـَضارَةِ في صَعـيـدِكَ ثـابــِـتٌ
ونـَبــاتــُــها حـَسـَـنٌ عـليـــكَ مُخــَـــلـَّقُ
وُلـِـدَتْ، فكنـتَ المَهـْــدَ ثم تـَرَعـْرَعـَـتْ
فـأظــَـلـَّها منـــكَ الحــَــفـِيُّ المـُشـْفـــِـقُ
مــَــلأَتْ دِيـــارَكَ حـِكــْـمـَةً مأثـــورُها
في الصَّخـْرِ والبــَرْدِي الكـريمِ مُنـَبــَّـقُ
وبَنــَتْ بُيــوتَ العــِـلـْمِ باذِخــَـةَ الـذرى
يَسـْــعـَى لـهــُـنَّ مُغـــَـــرِّبٌ ومُـشـَــرِّقُ
واسـْتـَحـْدَثــَتْ دِيـــــناً، فكـانَ فـَضـائِلاً
وَبـِنـــاءَ أَخــْــلاقٍ يَطــــولُ ويَـشـْـهـَـقُ
مَهــَــدَ السـَّـبيـلَ لـِكــُـلِّ ديــــنٍ بعــْـــدَهُ
كالمـِسـْـكِ رَيـــَّـــاهُ بأُخـــْـرى تـُفـْتـــَّـقُ
يـَدْعـــو إلى بــــِــرٍّ ويَرْفـــَـعُ صــالـِحاً
ويَعــــافُ ما هــو للمــُـروءَةِ مُخـْلــِــقُ
للـنــــاسِ مـِنْ أِســْــرارِهِ مـا عـُلـــِّـمـوا
ولـِشـُعـــْبَةِ الكًهـَنــوتِ ما هـو أَعـْمـَــقُ
فـيــهِ مَحـــَــــلٌّ..

كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها

تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :