إضاءة على اخطر قضية واجهتها بلادنا مع العثمانيين
بقلم : يعقوب جوزيف قريو
عندما انظر إلى خريطة بلادي، وأرى الأجزاء السليبة منها بمساحاتها الشاسعة تنتابني حالة انقباض داخلي، فتتزاحم التساؤلات حول الاحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية، والغايات التي كانت وراء اتفاق بريطاني فرنسي عثماني، لجهة إجراء تغيرات جذرية في المنطقة، وهذا ما سيتم توضيحه لاحقا، وما تؤكده المراجع والوثائق اضافة الى ما سمعته وعرفته في طفولتي من اناس عاشوا نهاية الحكم العثماني ومرحلة مصطفى كمال اتاتورك، فكان لتلك الحكايا اثر كبير لدي، حيث عرفت الكثير عن طرق التعذيب التي تعرض لها اجدادنا من قبل العثمانيين، والتهجير القسري والقتل بابشع أساليبه، من بتر للراس بحد السيف والسكين، إلى التمثيل بالجثث وتقطيع اوصالها وبقر بطون الحوامل واغتصابهن الى ما هنالك من اعمال تعسفية وحشية لا انسانية، وكانت مذابح سيفو نموذجاً بشعاً سجله التاريخ الانساني ضد العثمانيين ومن ساندهم بارتكاب هذه الجرائم في الابادة للجنس البشري..
نعم مازلت اتذكر كل كلمة سمعتها من جدي ووالدي وغيرهما من الأقارب الذين عاشوا تلك الايام المرّة، التي كانت تهدف الى إلغاء شعبنا من التاريخ والغاية هي اجراء تغيير ديمغرافي في شمال سورية وشمال شرقها الى جانب تعديل في الحدود، وسلبت بذلك الارض وشوه التاريخ وسرقت الموسيقا ولم يسلم المطبخ من السرقة ايضاً "الذي اطلق علية اسم "المطبخ التركي"، علماً انه مطبخ سوري بامتياز، اما الموسيقا فإذا سمعها المرء وسمع التراتيل الكنسية السريانية سيعرف حق المعرفة ان ما يسمى بالموسيقا التركية ما هي الا موسيقى اجدادنا السوريين السريان.. (قبل ايام كنت بزيارة للاب الموسيقي بول ميخائيل كولي وذكر لي الكثير من الالحان التركية المأخوذة من الالحان السريانية وعلى سبيل المثال لا الحصر اغنية بعنوان"قرقاردان اندم انس" معناها نزلت من القلعة" ولحنها هو نفس لحن النشيد السرياني للقديس مار افرام والذي يبدا "بـ موران نترح حماعلين" ومعناها بالعربي يارب ارحمنا)، هذا ما تؤكده الوقائع التاريخية والحياة الاجتماعية، لاسيما ان عمر سورية يمتد الاف السنين قبل الميلاد والدور الحضاري الذي لعبته على كل المستويات العلمية والسياسة والعمران والتواصل مع الفلسفة اليونانية منذ عشرات القرون، أما تركيا فلم تكن موجودة قبل اتاتورك الذي أسسها في الربع الاول من القرن العشرين على أنقاض السلطنة العثمانية وذلك من خلال اتفاقيات وتسويات مع اوروبا. والسلطة العثمانية أصلا جاءت بعد الضعف الذي لحق بالدولة الرومانية في القرن الخامس عشر ميلادي.
وترافق ذلك مع الاعتداء على الأديرة والمدارس السريانية التي كانت بمثابة جامعات تخرج طلاب العلم والتي كانت تقوم بمهمة الترجمة والتاليف والاطلاع على حضارات وعلوم العالم .
وعلى الرغم من هذا الدور الحضاري الذي كانت تقوم به تم هدمها من قبل العثمانيين واستمرت الاعتداءات على الاديرة والكنائس ايضا ايام مصطفى كمال اتاتورك، وتحول الكثير منها الى ساحات ومراكز حكومية واسطبلات للحيوانات وغير ذلك ..
لهذه الاساب وغيرها يزداد التساؤل عند المرء: أهذه هي حركة تطور التاريخ التي ظلمت شعوبنا وسلبت أجزاء هامة من الوطن الأم سورية تحت حد السيف والذبح والقتل والتشريد؟ واضافة الى ذلك يطلب من هذه الشعوب الصمت والقبول بالأمر الواقع، على الرغم من كل الذي حدث من تشويه للتاريخ والحقائق التاريخية؟، هل يعقل للمرء ان يصمت بهذا الشكل؟ وعن هذه الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية عن سابق إصرار وتصميم... والجريمة الأكبر انه يتم تجاهل كل القضية بمذابحها واراضيها التي سلبت والظلم الذي لحق بالاجداد ويمنع على اصحاب القضية ذكرها هكذا وصل الامر ليتنكر كل الأخرين لماردين وطور عابدين وديار بكر والرها ونصيبين وأورفا وغيرها من المدن السورية السريانية التي تم ضمها الى ما سمي فيما بعد بجنوب شرق تركيا...
إن هناك من يتحدث عن الجولان وهذا أمر ضروي جداً وهي قضية وطنية بامتياز وندافع عنها وعن فلسطين الجريحة.. وربما تجد أيضا قلة يتذكرون لواء اسكندرون بخجل وبحرص شديد خوفاً على مشاعر الجار التركي، أما بالنسبة لماردين وطور عابدين والرها ونصيبين ودياربكر فانه لامر ملفت ومدهش ويستدعي الف سؤال وسؤال فلا أحد يذكر تلك الاراضي السليبة ابداً.
فمن حقنا نحن ابناء المنطقة التي سميت جنوب شرق تركيا ان نسأل كل هؤلاء، مسؤولين ومفكرين وكتاباً وأدباء ومواطنين ونقول لهم لماذا كل هذا التجاهل اليست هي اراضي بني تغلب وبني بكر بن وائل وديار ربيعة وغيرها من قبائل وشعوب من أبناء بلادنا، كان لهم ولاديرتهم وكنائسهم ومدارسهم دور حضاري وثقافي ليس على مستوى سورية فقط وانما على مستوى العالم العربي، كما كان لهم أثر على الثقافة العالمية، من خلال الجسور المفتوحة عبر حركة الترجمة والتأليف والتبادل الحضاري.
وعلى الرغم من هذا الدور الذي كان يلعبه السريان في المنطقة فهم تعرضوا للاضطهاد والمجازر ليس فقط بسبب ما سميت بالمجازر "الارمنية" لا أبداً إن الظلم للسريان كان عبر أربعة قرون من الحكم العثماني والتي كانت تحصل الحوادث اللا إنسانية هنا وهناك في هذه القرية أو تلك، وفي هذه المدينة وأخرى. إلا أنه وصل إلى أوجه عندما صدر القرار"الفرمان" بحق الأرمن وحصلت المجازر التي سميت بالمذابح الأرمنية، وبعد صدور الفرمان الاول صدر فرمان آخر ملحق يتضمن ذبح كل المسيحيين في المنطقة، وانتشر أنذاك أنه لافرق بين البصلة الحمراء والبصلة البيضاء عليكم ذبح كل المسيحيين .. ولما كانت المنطقة في غالبيتها من السريان فقد ذهب مئأت الآلالف من الضحايا السريان وغيرهم من باقي الطوائف والمذاهب المسيحية.. واكثر من مليون ومئتي ألف أرمني...
تركيا التي تاسست على حساب الاراضي السورية والارمنية واليونانية والبلغارية، في أب في أتفاقية سيفر التي وقعتها الدولة العثمانية مع الحلفاء بعد هزيمتها في الحرب العالمية الاولى، حيث سلخت هذه المعاهدة معظم أراضي الدولة العثمانية وقلصت قواتها العسكرية وسقطت هيبة الخلافة العثمانية مما تطلب الغاء هذه الاتفاقية بعد ثلاث أعوام وفي عام اجريت اتفاقية لوزان التي سلخت بموجبها أراضي جديدة من سورية وضمها الى تركيا التي رسمت حدودها مع جيرانها واشتملت خفضاً لمساحة تركيا من الطرف الغربي حيت تم اعطاء مساحات واسعة لبلغاريا واليونان مقابل إعطاء تركيا أراض سورية حيث اعتبر الخط الحديدي بين سورية وتركيا، هو الحدود الفاصلة بينهما ، وتم ترسيم الحدود من جزيرة بن عمر الى نصيبين وماردين وديار بكر وحران واورفة ومرعش وكلس وعنتاب واضنة وكيليكية وطرسوس ومرسين.. بشكل نهائي فذهبت كامل الاراضي التابعة لماردين ونصيبين وكيليكية الى تركيا. وفي عام وحسب الاتفاقيات المعلنة وغير المعلنة اعتبر لواء اسكندرون ضمن الاراضي السورية إلا أنه أعطيَّ نظاماً ادارياً مستقلاً كخطوة أولى للانفصال... حتى تم سلب لواء اسكندرون بالاعتماد على قرار عصبة الامم القاضي بفصل لواء الاسكندرون عن سورية الام.
نعم بهذه الخطوات المرسومة ذهبت الاراضي السورية باتفاق بريطاني - فرنسي - عثماني وفيما بعد التركي عبر التاريخ وبعدها استمر توريث هذه الاراضي الى الحكومة التركية التي اسسها كمال اتاتورك..
سنتناول في هذا الملف موضوعات سيكتبها باحثون مهتمون بشأن ما يسمى "جنوب شرق تركيا" وكليكية وأسكندرون، وسنفتح فيما بعد ملفات كل الاراضي السليبة من سورية جنوبا كانت ام شمالا...
إن ما تقوم به مجلة "اشراقات عشتروت" تقدم قراءة مهنية وثقافية وتاريخية واحساساً من قبلنا بالواجب الوطني والقومي ..وهدفنا ان نعمل بشكل جاد للكشف عن الحقائق التاريخية والجرائم الانسانية التي ارتكبت بحق شعوبنا لاسيما أن السريان هم جزء أساسي من هذه البلاد وقد لعبوا دوراً هاماً في تطورها وأمنها وما زالوا يدافعون عن وجودها...
عن مجلة اشراقات عشتروت العدد 57-58
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :