اكتشافات الفين وحداشر(1)
بقلم: منير بشاى
1-اكتشفنا أن لأقباط مصر صوت ووجود وحقوق.
لعام 2011 أن يفخر انه كان أخطر عام مر على مصر فى تاريخها الحديث. فى عام واحد حدثت تطورات غيرت وجه مصر بكيفية راديكالية، قليل منها ايجابى والكثير سلبى، وستستمر ردود فعلها أزمنة لا يعرف مداها سوى الله وحده. ولكن عام 2011 لم يغيرمصر فقط ولكنه كشف القناع عن حقائق كانت موجودة ولكنها كانت محجوبة عن الناظرين. وفى هذا أقتبس عن الرئيس المخلوع أنه قال ان اآحداث 2011 أظهرت أشياء كانت غائبة عنه. ومن اتشافات 2011 ان الأقباط وجدوا صوتهم وعرفوا أن لهم وجود وحقوق.
كان الأقباط فى معظم تاريخهم هدفا لبطش الحكام وترويع المتطرفين. وكان رد الفعل التقليدى لهم هو البكاء فى صمت ورفع الشكوى الى الله دون ان يفعلوا هم شيئا. وكان هذا التصرف السلبى ناتج عن ايمانهم بمورثات تمجد الألم وتقبل الظلم وتحتقر كل ما هو أرضى وتتعلق بما هو سماوى. ولم يكن هذا يساعد من يحاولون الدفاع عن حقوقهم سواء من الأجانب أو الأقباط الذين استوطنوا خارج مصر. فكيف يمكنك ان تطالب بحقوق من نعتقد انه مظلوم فى الوقت الذى لا يحاول هو ان يدافع عن نفسه أو على الأقل يساند دعواك انه مظلوم.
ولكن عام 2011 والفترة السابقة له شهدت تغول الاعتداءات الطائفية ضدهم فتم حرق العديد من الكنائس وقتل الكثير منهم ويبدوا انهم وصلوا الى القناعة ان سياسة الصمت لا تجدى فخرحوا من الاحتماء بجدران الكنيسة الى فنائها الخارجى ثم الى شارع رمسيس ثم فى مظاهرات فى نجع حمادى يهتفون "مش هنطاطى مش هنطاطى..خلاص بطلنا الصوت الواطى". ثم خرجوا بعد ذلك فى مظاهرات أمام قوات الأمن المركزى فى العمرانية ثم فى امبابة وأفطيح والمقطم والماريناب وغيرها والتى يعتقد الكثير من المحللين أنها كانت الشرارة التى فجرت ثورة 25 يناير 2011.
وبعدها عرف الآقباط ان لهم صوت ووجود وحقوق. فاشتركوا مع أخوتهم المسلمين فى مظاهرات قومية تضم عنصرى الأمة وتردد: يد واحدة مسلم مسيحى..يد واحدة ثم بعد ذلك اختاروا ماسبيرو للتعبير عن مشاكلهم الخاصة وخرجو فى تظاهرات تضم أيضا بعض الأخوة المسلمين الذين يؤيدونهم. وكرروا المشهد عدة مرات الى أن ضاق أعداء الحرية بمنظرهم وهم يخرجون عن الدور الذى رسم لهم وهو دور الذمى الذى لا يدافع عن نفسه بل ينتظر من يتطوع بالدفاع عنه نظير الظهور بالمسكنة والمذلة ودفع الجزية وقيول تخليهم عن مبدأ المواطنة.
ودبروا لهم الأمتحان الصعب وهو محاولة ابكام صوتهم الى الأبد فى مذبحة ماسبيرى فى 9 أكتوبر 2011 حيث اشتركت قوات الشرطة العسكرية مع البلطجية فى مؤامرة مكتملة الأركان يستخدموا فيها الأسلحة الثقيلة والنيران الحية ضد مواطنبن عزل من السلاح فدهست عجلات المدرعات الشباب القبطى واخترق الرصاص الحى أجسادهم. بينما كان الجنود يكملون عملية القتل ضربا بالعصى لمن أظهر بقية من حياة. وبينما حاول البعض الآخر اخفاء معالم الجريمة بطريقة غبية بالقاء الجثث فى النيل وغسل ارض الشارع من بقايا الدماء فظهرت الجثث بعد أيام عند القناطر.
هذا كله بينما كان تلفزيون مصر الرسمى يكمل المؤامرة بترويج الأكاذيب وتحريض الجماهير على الذهاب لنجدة الجنود (المساكين) ضد الأقباط (المفترين) الذين وصفوهم بأنهم يعتدون على الشرطة العسكرية. وتسمع مذيعة التلفزيون توجه التوبيخ ضد الأقباط بأن يتقوا الله فى هذا الوطن!
أمام هذا العمل الشرير كنت أخشى أن يتحقق مخطط من دبروا المذبحة من النجاح فى دفع الأقباط الى أن يعودوا الى صمتهم التقليدى. ولكن كم كان سرورى بالغا عندما رأيت الشباب القبطى يعود فى مسيرة أخرى مع أخوتهم المسلمين يعلنون فيها انه ان كانت مذبحة ماسبيروا قد قتلت العشرات وجرحت المئات فان الآلأف والملايين غيرهم ما زالوا أحياء ولن يتمكن أحد من أن يقتل ارادتهم أو يغتال كرامتهم أو يسكت صوتهم أو يسلبهم حرياتهم مادام هناك قلب ينبض بالحياة.
ورأينا المارد القبطى فى نوفمبر يعلن وجوده على سفح جبل المقطم. لا يخجل من ايمانه بل يعلنه للجميع. ونقلت لنا الفضائيات اجتماعا للصلاة فى كنيسة المقطم ليلة 11-11-2011 تحت عنوان "ليلة الصلاة من أجل مصر" حضره ما يقدر ب 40 ألف قبطى بالاشتراك مع العديد من المسلمين فكانت العين لا تخطىء ملاحظة وجود فتيات محجبات مع كثيرين لا يستطيع المرء أن يعرف انتمائهم الدينى من شكلهم أو ملابسهم، بل ولا أرى داع لمجرد المحاولة فالوضع الطبيعى أن يكون المصريون واحدا يهتم الواحد بالآخر، ويشاركه آلامه وآماله. وكانت صلوات الجماهير تشق عنان السماء وهم يرددون "يسوع" ويتوالى ترديد الكلمة لمدى طويل وبصوت واحد حتى أن البعض أحس أن المقطم كاد ان يتحرك من مكانه كما حدث فى زمن المعز.
وتوجت السنة باحتفال لم تشهد القاهره مثله بدأ من كنيسة قصر الدوبارة وامتد الى ميدان التحرير حيث رأينا الميدان يكتظ بالجماهير التى تذكرنا بالمظاهرات المليونية التى شهدها نفس هذا الميدان والتى كانت هذه المرة تتجه انظارها الى الله وتستقبل فى محضره عاما جديدا مليئا بالتحديات والشكوك والمخاوف والأمل فى الله وحده للخلاص والنجاة.
عام مضى شهد الكثير من الدماء القبطية ومعها دموع ذويهم وأحبائهم ولكنه أيضا شهد انتصاراالارادة القبطية وبذوغ نجم القبطى الثائر الذى نهض من سباته وأخذ مكانه باستحقاق بين الثوريين فى كل مكان ليعلن انه له صوت وحقوق وكيان ووجود، وأنه يدافع عن حقه المشروع فى وضح النهار، فليس هناك ما يخجل منه، ولن يقبل بعد اليوم أن يعود ليعيش فى دائرة الظل.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
موضوعات أخرى سنناقشها باذن الله فى هذه السلسلة من المقالات:
2-اكتشفنا ان الحاكم السابق كان مجرد ظاهرة صوتية يزأر ولكنه لا يقدر على الافتراس.
3-اكتشفنا أن التيارات الاسلامية ليست نباتات برية سطحية يسهل اقتلاعها بل أشجار راسخة امتدت فى أعماق التربة المصرية.
4-اكتشفنا أن الفساد فى المجتمع المصرى أكبر من النظام السابق وأقوى من الثورة التى جاءت بعده.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :