الأقباط متحدون | لا تقتـلوا أمَّـكم
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٢:١٨ | السبت ١٤ يناير ٢٠١٢ | ٥ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٣٩ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

لا تقتـلوا أمَّـكم

السبت ١٤ يناير ٢٠١٢ - ٢٣: ٠٩ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: عزمي إبراهيم
هُوجمَت وتـُهاجَم الكنيسة المصرية، أو بالأصح رئاسات الكنيسة، من بعض مسيحيي مصر بالداخل وبالخارج، النشطاء المدافعين عن قضية الأقباط بمصر.  هؤلاء، عن غيرة وإخلاص (وأؤكد ذلك ألف مرة)، ومعهم غيرهم من أبناء الوطن المسلمين المخلصين بل وبعض المحللين السياسيين الأجانب. يهاجمون رئاسات الكنيسة أو يلومونها بشدة ظلماً باتهامهم إياها بأنها بذرت وأنبتت أو سببت وتسبب في الأقباط خوفاً وضعفاً وخنوعاَ.  أعترض بقوة على هؤلاء الكتاب ومنهم من أحبهم وأحترمهم وأقدر آراءهم وتحليلاتهم السياسية والاجتماعية والوطنية.

 
أقول ذلك وأنا لست بالقبطي المُدَروِش ولا من عُبـَّاد الرئاسات ولا المتدين المتطرف (الحنبلي إذا صح هذا الوصف).  إن من عَـلـَّمنا الخنوع واضطرَّنا إليه هم ثلاثة، بكل صراحة ومع كامل احترامي وتقديري لملايين المسلمين المتفهمين العاقلين الذين يقرأون ويحترمون التاريخ المجرد من أي تحيز أو زيف.  ثلاثة هم: المستعمر الفظ والحاكم الظالم والطائفة المتعسفة.. تم ذلك تحت الاحتلالين الروماني والعربي (ويشمل حكم المماليك والعثمانيين).  لاقت الكنيسة والأقباط تحت نيرهما أسوأ معاملة يلقاها أبناء وطن من مستعمر.  فلينكر أخوتي المسلمين ما شاؤا ولكنها الحقيقة التي يدعمها التاريخ الذي لا يكذب ولا يتحيز.
حقيقة أن من علـَّمنا الخنوع والخوف هو تعسف الحاكم الظالم والطائفة الحاكمة الظالمة. لقد عشنا قروناً لم يكن لنا خياراً الا قبول القليل، بل خسارة الغالي والكثير أمام التعسف الحكومي والطائفي.  نجح الحاكم الظالم، ومعه الطائفة الحاكمة، في تعسفه ضد الاقباط الذين هبـُّوا مراراً ضد الظلم والظالم وخسروا المعارك حين كان الوطن المحلي معزولا عن العالم ومغلقاً كخلية من خلايا السجون.  أما الآن فمصر جزء من العالم الكبير ذي النوافذ المفتوحة على وسعها ولم يعد في وسع الحاكم أو الطائفة الحاكمة أو الأغلبية الا أن يكونوا عادلين ومنصفين لجميع أبناء الوطن الواحد.

 
إن أكرم فترة للأقباط كانت في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين تحت حكم محمد على الحاكم المسلم التركي الأصل وأسرته من بعده، وانطلاق النهضة الوطنية والثقافية والسياسية والحضارية بجميع مجالاتها في عهدهم.  حيث أبعَدَ محمد علي بذكائه، وهو مسلم، سيطرة الدين على حكم الدولة فكانت دولة مدنية حرة متقدمة.. أذكى شعلتها وحملها عالية رجال أحرار عشقوا مصر ولم يتخلوا عن دينهم بل كانوا عمالقة فيه، مثل الإمام محمد عبده والشيخ رفاعة الطهطاوي وغيرهم خريجي الأزهر، ومصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول ومصطفى النحاس وشاركهم أقباط عظماء عديدون.  سارت مصر المسيرة المشـَرِّفة وكرَّمت أبناءها مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم حتى "نكبـَة" الضباط الأحرار في 1952، بداية انزلاق مصر في المنحدر الديني والطائفي بأبنائها جميعاً، المسلمين قبل المسيحيين!!

 
في هذه الفترة عندما كانت مصر بأغلبية مسلمة (ولم تسمى إسلامية أو عربية) لأن الوطن هو قطعة أرض ليس لها عقل ولا قلب ولا احساس ولا دين ولا إيمان ولا كفر.. إنما الأديان للآدميين الذين يعيشون بها أو يعيشون عليها.  في تلك الفترة لم يكن الأقباط ولا الكنيسة في خوف أو خنوع أو تخاذل بل كانوا شموعاً تضيء الوطن مع أخوتهم المسلمين يداً بيد وكتفاً بكتف وقدما بقدم.  كان الكل، مسلمون ومسيحيون ويهود، أحراراً لا هم لهم الا استقرار وارتقاء الوطن، غير مشغولين بحروب وانقسامات دينية أو بغضاء طائفية كريهة.

 
وأعود إلى هؤلاء الغيورين الذين يلومون بل يخطـِّئون الكنيسة القبطية ورئاساتها.  إن الكنيسة هي واجهة الأقباط دائماً في عين الحاكم، سواء كان روماني أو عربي أو مصري، يوقع عليها الضغوط والتخويف والتهديد والوعيد والإرهاب حتى تقوم بدورها (غصباً عنها) في تهدئة بل تخويف رعاياها عند إبداء شعورهم بوقع الظلم والغبن وضياع حقوقهم كأبناء وطن، بل عدم المساواة مع الآخرين بالوطن.
إن موقف الكنيسة كموقف الأم التى تمسك أهداب ابنها باكية راجية إياه ألا يخرج للشارع ليدافع عن حقه أو أملاكه أو حتى عن شرفه، خوفاً منها عليه.  وموقف الكنيسة كموقف الأم التي تبكي دَمَـاً عندما يخرج ابنها لميدان الحرب ليدافع عنها وعن حريتها وعن حياتها.  ولو تصرفت الأم بعكس ذلك لكانت أماً حمقاءً فاقدة لأبسط عواطفها الفطرية النقية وهي مشاعر الأمومة التي غرسها اللـه في قلبها.  فهي الأم، تحمي أولادها بحياتها لآخر رمق فيها.  ولا نتوقع منها غير ذلك.  قد يصفها البعض المثاليين والخياليين بالشجاعة والتضحية العظيمة لو فعلت غير ذلك وضحَّت بإبنها فلذة كبدها، وهذا في رأيي مخالف لطبيعة الأم ومُسْقـِط لمشاعرها الفطرية مهما كان السبب.

 
من وجهة نظر أخرى نجد إن الكنيسة كرئيسة لطائفة من أبناء الوطن مثلها مثل رئيس دولة أمام المجتمع الدولي، فكما يقع رؤساء الدول تحت ضغوط خارجية لا يراها أبناء الوطن ولكن يروا نتائجها التى لا توافقهم والتي لم يمكن للرؤساء إيضاح المبرر لها علناً، فيظنوا فيهم ضعفاً وتخاذلا وخنوعاً.  تقع الكنيسة أيضاً تحت ضغوط مماثلة من الحكومات والطوائف المستبدة الداخلية يصعب عليها تفسيرها لأبناء الطائفة فيترجموا تصرفاتها كتخاذل وضعف وخنوع، خاطئين.  ناسين إن رؤساء الكنيسة أقباط مثلنا، في المعمعة مثلنا وأكثر، يقاسون ما نقاسي، ويشعرون بما نشعر به، ويأملون ما نأمله.. لا أقل.
إن دور الكنيسة الأساسي تجاه أبنائها هو التوعية الروحية والتوجية والتقويم والارشاد نحو حسن الأخلاق وكيفية التعامل مع الآخرين واحترام الدولة والقانون.  أما مواقفنا السياسية والاجتماعية والمدنية فنحن، ونحن فقط، المسئولون عنها بدافع من مشاعرنا الشخصية والجماعية كفصيل فعال في الوطن لنا ما للآخرين من حقوق كما علينا ما عليهم من واجبات.

 
إذا أردنا نحن الأقباط أن نقف أحراراً فلنكن أذكياء أولا.  إن الحرية والمساواة والعدالة والكرامة حقوقنا، واصرارنا عليها في يدنا نحن.  والمواقف السياسية وسلاح مصيرنا في يدنا نحن.  تلك مسئوليتنا نحن، أفراد وجماعات  وليست في يد الحاكم ولا الطائفة الأغلبية. فالحاكم العادل له ولاؤنا، والأغلبية لها أخوتنا وتعاطفنا وتعايشنا معاً لأنها بعضٌ من نسيج الوطن تماماً مثل الأقلية أو الأقليات.. لها ما لهم وعليها ما عليهم، بلا تفضيل ولا تمييز.
ولكن... وحدنا لن ننال ما نأمل من عدالة ومساواة وحقوق.  فمن أهم عوامل النجاح أن لا نفقد احترام وتعاطف ومساندة أخوتنا المسلمين الأحرار العاقلين المتعاطفين معنا ومع قضيتنا العادلة.  هؤلاء المسلمون العاقلون هم أغلبية شعب مصر مهما علت أصوات الأقليات المغرضة المتطرفة والمأجورة.  هم سند المدنية والحرية والمساواة، والمحرك الواعي في مجرى التقدم الحضاري لمصر.

 
الحرب حربنا نحن الأقباط كفصيل من شعب مصر، وليست حرب الكنيسة.  فلندع الكنيسة للصلاة والروحانيات والأخلاقيات. ..ولا نزجها في معمعة السياسة، فالسياسة بطبيعتها قذرة متلونة منافقة ولا ضمير ولا مبادئ لها.  ولنحمي الكنيسة ولنجعل صوتنا أعلا من صوتها في المجال السياسي والوطني والحضاري.  روحياً هي واجهتنا، ولكن سياسياً فلنكن نحن واجهة الأقباط لا الكنيسة.  بشرط أن نكون متحدي الصف مُوَحَدي الهدف والتخطيط وأن نكون كلنا هادفين وصادقين وخلفنا الكنيسة الأم الحنون تبارك خطواتنا وترفه الصلاة من أجلنا ومن أجل مصر مسلمين وغير مسلمين.

 
أقدم مثلاً بسيطاً.  لو شعر أحدنا أن ابنه في خطر يوماً فمن الخطأ أن يتوقع من الكنيسة (أي آبائنا بالكنيسة) أن ينصحوه بأن يحمل مسدساً أو سكيناً أو حتى عصاة لحماية إبنه والدفاع عنه.  لن تصدر هذه النصيحة من الكنيسة أو من أب روحي في الكنيسة.  فعندما غضب أحد تلاميذ السيد المسيح لـِما ارتـآه إهانة لمعلمه فسحب سيف عبد رئيس الكهنة وقطع أذنه، قال له المعلم العظيم: "رد سيفك إلى مكانه فمن أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ." وشفا أذن المقطوعة لصاحبها.  لا نتوقع أن الكنيسة ستدفعنا للمعارك والقضايا، ولكن الأمر متروك لنا كيف نحمي حقوقنا أو نطالب بها، حيث لنا الخيار تحت القانون فيما نستعمل لحماية ودرء الظلم عنا دون تدخل الكنيسة.  والكنيسة لن تمنعنا عن ذلك، ولكنها لن تدفعنا إليه.  والمعنى هنا دقيق لمن يستوعبه!!

 
نعم، هناك بيانات وتصريحات وإجابات صدرت من بعض رؤساء الكنيسة تختلف عن ما كنا نود أن نسمعه، بعضها في مظهره قد يضر أو يشـَوِّه أو يتعارض مع الموقف الحقيقي لأزمة أو قضية الأقباط . أكاد أن أكون متأكداً أن هذه التصريحات صدرت من رئاسات الكنيسة بدافع الكياسة والحكمة والروح الكنسية تجاه الضغوط السياسية.  ولا بد أن تكون الكنيسة طيبة الروح ومتسامحة حتى مع من نظن أنهم أعداء وغير متسامحين.  هذه طبيعتها التي أرادها لها السيد المعلم العظيم.  إنها كنيسة لا قاعة عمليات حربية.  وعلى أي حال، قضية الأقباط يعلمها القاصي والداني بتفاصيلها في أرجاء العالم جميعه، وليست خافية على أحد، حتى على هؤلاء الذين وُجِّهت لهم تصريحات الكنيسة الغيرمرضية للبعض منا.

 
هذا رأيي في هذا الموضوع، ولمن تختلف رؤيتهم له عن رؤيتي... فليراعوا عدم نشر غسيلنا على الملأ.
لا تقتلوا أمـَّكم... لا ترموا أحجاركم على واجهتنا المقدسة.. يكفيها الآخرين.!!
 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :