الأقباط متحدون | فكيف تكون مِصر مِصر بدون أقباط مصر؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٢:٠٩ | الثلاثاء ١٧ يناير ٢٠١٢ | ٨ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٤٢ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

فكيف تكون مِصر مِصر بدون أقباط مصر؟

الثلاثاء ١٧ يناير ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: حنان بديع ساويرس
قد شاهدت حوارًا للإعلامي "مُعتز الدمرداش" بقناة "الحياة" مع الداعية السلفي "عبد المنعم الشحات"، وهو معروف بآرائه العجيبة والغريبة؛ مثل تغطية التماثيل بالشمع، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الشواطئ، ومنع الخمور، وموقفه العدائي من المرأة والأقباط الواضح في تصريحاته التي صال وجال مُرددًا إياها، والتي كان يُريد تطبيقها بشكل عملي في حال وصوله للبرلمان، ولكن حمدًا لله "قدَّر ولطف"، وفشل فشلًا ذريعًا، ولم يفز في الانتخابات وبجدارة، حتى لا يُحقق أمنياته المكبوتة الفذة التي إذا نُفذت "ها يجيب عاليها واطيها"، ولا سيما بالنسبة لأفكاره الفريدة من نوعها فيما يخص السياحة والتعامل مع السائحين.

أقول، قد سأله "الدمرداش" قائلًا: إننا نسمع من يُحرِّمون تهنئة المسيحيين في أعيادهم، فما موقفك أنت من هذا الموضوع؟ فقال له: أنا عايز أسألك سؤال، أنا موقفي هاأقوله، هو نفس الموقف. فقال له "الدمرداش" مُقاطعًا، وملامحه يبدو عليها الصدمة- ولا أدري لِما هذه الصدمة من موقف "الشحات"، فيبدو أنه ليس مُتابعًا له-، فقال له: لا قولي. وبلا تردُّد قال "الشحات": موقفي هو "حُرمة التعييد على النصارى في أعيادهم"، وكانت دلائله في إثبات نظرية التحريم هذه، والتي يراها- من وجهة نظره التي لا مثيل لها وبتفكيره العبقري المُعتاد ووجهه السِمح الصبوح المُشرق الذي عهدناه- بأنها أسباب مُقنعة، وقد طرحها في صورة أسئلة، ألا وهي:
1- هل هناك وفد من الكنيسة الكاثوليكية يحضر في قداس عيد الأرثوذكس أو العكس؟.. مابيحصلش.
2- هل الكنيسة الأرثوذُكسية بـ"مصر" أرسلت وفدًا يحضر جنازة البابا "يوحنا بولس الثاني" بابا الفاتيكان؟ محصلش.
3- هل د. "رفيق حبيب"- نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"- وهو بروتستانتي- حضر؟ لم يحضر. فإذا كان البروتستانت لم يحضروا واحترموا الاختلافات العقائدية اللي بينهم في ديانة واحدة داخل طوائفهم، فعايزنا إحنا نحضر، وفي اختلافات عقائدية بيننا وبين النصارى؟.

بجد بجد أنا اقتنعت!!! ولذا سأقوم بالرد على هذه الدلائل الجبارة.
أولًا- بالنسبة للنقطة التي تخص تبادل التهاني في الأعياد بين الكاثوليك والأرثوذُكس عن طريق إرسال وفود مُتبادلة بين الكنيستين، فهذا بالطبع هراء، وهذا لسبب بسيط سأطرحه ولكن بعد أن أقوم بالتنويه عن سبب الاختلاف بين الطوائف في موعد عيد الميلاد المجيد.

بالنسبة لأعياد ميلاد السيد المسيح له كل مجد "الكريسماس"، والتي تبدأ بأول عيد يوم 25 ديسمبر، ويحتفل فيه الغرب ومعهم كاثوليكيي "مصر" وبعض الطوائف الآخرى، ثم تأتي رأس السنة الميلادية وتحتفل بها جميع الطوائف المسيحية بلا استثناء، بل يحتفل معهم المُسلمون في شتى أرجاء المسكونة، وأخيرًا عيد الميلاد المجيد الموافق 7 يناير أو بالأحرى 29 كيهك حسب السنة القبطية، فجميع الطوائف كانت تحتفل بعيد الميلاد في يوم موحَّد وهو يوم 29 كيهك، فهذا التاريخ القبطي ظل مُتفقًا مع التاريخ اليولياني بالغرب الذي يوافق 25 ديسمبر، واستمر التاريخان مُتفقين حتى سنة 1582، وفي هذا العام عهد البابا "غريغوريوس" الروماني إلى الفلكيين في أيامه بأن يقوموا بإصلاح التقويم لأنه يوجد به نقص مقداره عشرة أيام عن الاعتدال الربيعي، فاتفق العلماء مع الناس أن يناموا يوم 5 أكتوبر ويستيقظون على يوم 15 أكتوبر، بمعنى أنهم حذفوا عشرة أيام من العام، وبهذا قضوا على هذا النقص بالنسبة للاعتدال الربيعي عنه في السنة القبطية، وسمِّي هذا التعديل بالتعديل الغريغوري نسبة للبابا "غريغوريوس"، واستمر الغرب في الاحتفال يوم 25 ديسمبر الذي أصبح يُخالف يوم 29 كيهك، كما استمر الأقباط "الكنيسة الأرثوذكسية" في الاحتفال بعيد الميلاد 29 كيهك، والذي كان يوافق 4،5،6،7 يناير، وفي يوم من الأيام سيُصبح 8 يناير، وهكذا؛ لأنه ارتبط بالشهر القبطي الكيهكي. وكما نلاحظ أن العيد هذا العام جاء يوم 29 كيهك يوافق 8 يناير، ويحدث هذا كل أربعة سنوات، وسيستمر في يوم من الأيام هكذا.

وهذا التوضيح الذي نوَّهت عنه لأوضح أنه لا يوجد اختلاف عقائدي في هذا الأمر كما يدَّعي "الشحات"، بل هو اختلاف التاريخ القبطى عن التقويم الغربي "اليولياني" أو "الغريغوري"، بالضبط كما يأتي يوم عيد 6 أكتوبر في يوم يختلف عن 10 رمضان ونحتفل به مرتين في العام رغم أن عام 1973 الذي حدث فيه النصر العظيم كان السادس من أكتوبر يوافق العاشر من رمضان، وهذا معناه أن الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح أكثر من مرة ليس سببه اختلاف عقائدي، بل اختلاف في التقويم. وهذا لأن السيد المسيح الذي نحتفل بعيد ميلاده هو واحد، فلا يوجد إله للكاثوليك يختلف عن إله الأرثوذكس، وبالتالي لا يوجد عيدان واحد للكاثوليك وآخر للأرثوذكس حتى يقوم الكاثوليك بإرسال مندوبين عنهم لحضور قداس الأرثوذكس أو العكس؛ فالكاثوليك في "مصر" يحتفلون بعيد الميلاد حسب التوقيت الغربي يوم 25 ديسمبر، لكن يحتفلون معنا أيضًا يوم 7 يناير، أما عيد القيامة المجيد فالجميع يحتفل به في نفس اليوم، فليس من الطبيعي أن تكون القداسات مُقامة في كل الكنائس بمُختلف طوائفها وكل كنيسة ترسل وفدًا للكنيسة الأخرى، فإذا كان العيد واحدًا والذي نُعيد له واحدًا، فلماذا إذًا هذه المُقارنة العجيبة؟ ولما تعتقد في قرارة نفسك أنك اكتشفت اكتشافًا خطيرًا بأن المسيحيين المُختلفي المِلة لا يُعيدون على بعضهما البعض، لذا فكيف يُعيِّد المُسلم على المسيحي، والذي يختلف تمامًا معه في الديانة وليست في الطائفة فقط.
ثانيًا- النقطة الثانية، وهي سؤاله: هل الكنيسة الأرثوذكسية بـ"مصر" أرسلت وفدًا يحضر جنازة البابا "يوحنا بولس الثاني" بابا الفاتيكان؟ فـ"الشحات" قام بالرد على نفسه قائلًا "محصلش".

لكن للأسف أيها "الشحات" فأنك لم تصِب، سواء في هذه المرة أو حتى في مرات آخرى؛ فرغم أن موضوع التعازي هو مسألة شخصية ليس لها علاقة بالدين وليس لها حتى علاقة بالموضوع مثار الجدل، ألا وهو "تحريم تهنئة الأقباط في أعيادهم"، بمعنى هل لأن بابا الفاتيكان كاثوليكي إذًا لا يحضر الأرثوذُكس صلاة جنازه لأنه يختلف معهم في مسائل عقائدية حسب تعبيرك؟ فإذا كان الأقباط في "مصر" يحضرون الجنازات الخاصة بمُسلمين رغم اختلافهم معهم في الديانة، فمن باب أولى أن يحضر الأرثوذكس شعائر صلاة مسيحية خاصة بالكاثوليك، وهذا هو البند الأول من عدم منطقية أقوالك.
أما البند الثاني، وهذه هي المُفاجأة الكبرى، وهي أكذوبة أعلنتها على الملأ في محاولة منك لتضليل الناس بأكاذيب لتثبت بها جهالات، فربما تكون عن عمد أو عن جهل وعدم مُتابعة وإطلاع؛ لأنه بالفعل قد أرسل قداسة البابا "شنودة الثالث" تعازيه للكنيسة الكاثوليكية في نياحة البابا "يوحنا بولس الثاني"- بابا الفاتيكان-، كما انتدب قداسته وقتئذ نيافة الأنبا "برنابا"- أسقف الكنيسة القبطية في "تورنتو" و"روما"- لحضور صلاة الجناز وتقديم العزاء الشخصي للكنيسة الكاثوليكية، كما أرسل قداسته برقية تعازي لهم وكان مضمونها حسب ما نُشر بمجلة الكرازة بتاريخ 8/4/ 2005 م العددان 13 و14 كالتالي:
"إخوتنا كرادلة الكنيسة الكاثوليكية، وشعبها في أطراف المسكونة كلها..
خالص العزاء لكم في انتقال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني من عالمنا الفاني بعد قيادته للكنيسة 26 عامًا اكتسبت خلالها تقدير واحترام العالم كله لما إتصف به من صفات نبيلة، وأيضًا من مساهمته الكبيرة في العمل المسكوني وصلة الكاثوليكية بكنائس العالم كله، ولا ننسى زيارته لمصر ولكنيستنا القبطية وما قوبل به من ترحاب، وإن ما احتمله من آلام المرض لهو تعزية للمتألمين من أجله- أقدم لكم عزاء مطارنة وأساقفة وكهنة كنيستنا القبطية، ذاكرين جهادنا معًا في سبيل الوحدة المسيحية، وليوفقكم الرب في ملء الفراغ الكبير الذي تركه البابا يوحنا بولس الثاني."

أما النقطة الثالثة، وهي: التساؤل الخبيث عن عدم حضور د. "رفيق حبيب"- نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"- وهو بروتستانتي.. فما ينطبق على الكاثوليك وبعض الطوائف المسيحية الآخرى التي تحتفل بعيد الميلاد 25 ديسمبر كما ذكرت من قبل ينطبق على د. "رفيق"، وحضوره أو عدمه شئ شخصي يخصه كفرد وليس له صلة باختلاف عقيدته، ولا سيما أن هناك وفدًا حضر قداس العيد عن حزب "الحرية والعدالة"، وهم: د. "محمد مرسي"- رئيس الحزب-، و"محمد سعد الكتاتني"- الأمين العام للحزب. فإذا كان رئيس الحزب وأمينه قد حضروا يوم العيد وهم مُسلمون، فهل من المنطق ألا يحضر المسيحي الذي بينهم لأنه بروتستانتي؟!! وهذا بخلاف أن أمر حضورهم كمُسلمين مندوبين عن حزب إسلامي الجميع في حالة قلق منه هو أمر سياسي بحت، فحضورهم كان الغرض منه توصيل رسالة خاصة وموجَّهة لا تتضح فحواها إذا حضر د. "رفيق"، بل لا أبالغ إن قلت أن حضوره كمسيحي مندوب عن حزب إسلامي لا قيمة ولا تأثير له؛ لأن حضوره لن يؤدي الغرض المطلوب منه، وهذا لأن دلالة حضور المُمثلين المُسلمين عن الحزب بالطبع ستكون أقوى، فقد قام رئيس الحزب والأمين العام له بتهنئة قداسة البابا بالعيد "وهذا هو بيت القصيد".. إنهم قاموا بالتهنئة التي تريد تحريمها حتى لو كانوا قد سلكوا مسلكك في أنهم لم يحضروا الشعائر الدينية الخاصة بقداس العيد، لذا بعد تقديم التهانى بالعيد قاموا بالانصراف قبل بدء الصلاة، لكنهم في النهاية قاموا بالتهنئة، وهي المصدر الرئيسي لجدلك ومُشاكستك التي ليس لها حدود، كما لا يوجد لها براهين منطقية، وكل مُبرراتك بلا استثناء ما هي إلا مُجرد مُبررات لإخفاء تعصب واضح وصريح بعيد عن الحقيقة والمنطق، وما هو إلا جدال عقيم المراد به غرس التعصب داخل البسطاء ومن يسمعون لهذه الآراء الهدامة، وللمزيد من التطرف الديني، والقضاء على البقية الباقية من الأشياء الجميلة التي توارثناها كمصريين مُنذ قرون طويلة ومازالت موجودة بين الأقباط والمُسلمين، وهي تهنئة كل منهم للآخر في الأعياد، فما الذي يُضيرك ويُضير المُتعصبين في أن تستمر روح المحبة هذه بين المصريين؟!!!!.

كما كان هناك تصريحًا لـ"بكار" المتحدث باسم حزب "النور" السلفي حول موقف حزبه الإسلامي من عيد الميلاد وتهنئة المُسلمين للمسيحيين في أعيادهم الدينية، وأكَّد أن المُسلمين لا ينبغي عليهم تقديم التهنئة للمسيحيين في عيد الميلاد المجيد؛ لأن أعيادهم وشعائرهم الدينية ضد المُعتقدات الإسلامية، وأنه من الممكن أن يقدِّم المُسلم للمسيحي التهنئة في مناسبة شخصية، أما المناسبات الدينية فلا تستحق ذلك لأنها مُنافية لعقيدة الإسلام.

فيتحدَّث عن الشعائر الدينية المُختلفة وأنها ضد المُعتقدات الإسلامية، فلا أدري ما علاقة تحريم تهنئة الأقباط في أعيادهم بموضوع اختلاف المُعتقدات والشعائر الدينية، فالمفروض أن المواطن المُسلم العادي بعيد عن الرسميات يُهنئ جاره أو صديقه أو زميله في العمل أو الدراسة دون أن يضطر لحضور قداس العيد، فنتحدث عن التهنئة ولا نتحدث عن وجوب حضور الشعائر الدينية، وهذا لا يحدث إلا مع الشخصيات العامة والحضور الرسمي لقداس العيد، لكن ما علاقة هذا بأن مواطنًا مُسلمًا يقول لصديقه المواطن المسيحي "كل سنة وأنت طيب"؟!!!.

ولكن الرجل- أكثر الله لنا من أمثاله- قد سمح أن يقوم المُسلم بتهنئة المسيحي في المُناسبات الشخصية ولكن عيد الميلاد والقيامة فحذارٍ التهنئة فيهم، فهذا غير مسموح به، بمعنى أن الأخ المُسلم يأتي لصديقه المسيحي يوم عيد ميلاده ويقول له "كل سنة وأنت طيب" لكن في عيد الميلاد مثلًا لا يقول له نفس العبارة، فيتمنى له أن يكون طيبًا في عيد ميلاده الشخصي أما عن العيد بصفة عامة فلا يتمنى له أن يكون طيبًا!! فواضح أن هؤلاء الأساتذة العباقرة الذين قلما أن يتحفنا الزمان آتيًا لنا بمثلهم، من المولعين بنشر التعصب والكراهية وإشعال الفتن بين الأقباط والمُسلمين، أقول إن ربما يكون هؤلاء قد اكتشفوا فجأة- وعلى حين غُرة- أن المُسلمين هم السبب في تواجد المسيحيين إلى يومنا هذا بسبب تهنئتهم لهم في الأعياد المسيحية على مدار القرون الماضية، وهذا بسبب قولهم لهم "كل سنة وأنتم طيبين"، ولذلك فكَّروا في هذه الأفكار الجُهنمية، أي "المُستوردة من جُهنم".. فربما لو امتنعوا عن تهنئة الأقباط في أعيادهم الدينية فتنتهي البركات التي كانت تحل عليهم، وربما يختفي معها الأقباط!!..

عفوًا عزيزي القارئ، فكلامي هذا رغم أن مظهره يبدو أنه نوع من أنواع السخرية على هذه التصريحات المُتعصبة، إلا أنه ليس ببعيد على تفكير مثل هؤلاء، وأن يكون بالفعل هذا هو غرضهم وأمنيتهم، فهؤلاء لهم عالمهم ونواياهم التي لا يعرفها إلا الله وحده.

وفي النهاية، أقول للجميع إن شعب "مصر" مُبارك من الله، فلا يستطيع أحد تمزيقه أو تفريقه، والأقباط هم جزء أصيل من "مصر" وتاريخها، ولن تكون "مِصر" هي "مِصر" التي ننشدها ونتمناها إلا بوجود أقباطها بجوار مُسلميها. إذًا فكيف تكون مِصر مِصر بدون أقباط مصر؟!




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :