الأقباط متحدون | في ركني
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢١:١٨ | الثلاثاء ١٧ يناير ٢٠١٢ | ٨ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٤٢ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

في ركني

بقلم: د. هند خطاب | الثلاثاء ١٧ يناير ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

 في ركني في غرفة مهملة في شقتنا القديمة، اعتدت أن أجلس بالساعات أتحدث إلى أصدقائي الخياليين في طفولتي..
 

في ركني في صفي في مدرستي القديمة، أجلس أستمع إلى المعلمين وأتأمل زملائي الذين لم أشعر ليوم أنني مرتبطة بهم أو أنهم يفهمون ما يدور بذهني..
 

في ركني في الحديقة، جلست أراقب الأطفال يلعبون وأنظر إلى السماء وأتمنى أن أكبر سريعًا لأصبح رائدة فضاء وأطالع النجوم عن قرب وألمسها بيدي..
 

في ركني في الجامعة، جلست يوميًا لمدة سبع سنوات أستمع إلى محاضرات طبية لم أشعر للحظة أنني مهتمة بها..
 

في ركني في كافيتريا الجامعة، جلست أراقب الفتيات يضحكن في بلاهة، يحاولن إثارة إعجاب بعض الشباب الحمقى ذوي العقول الفارغة..
 

في ركني في الكافيه المجاور لجامعتي، جلست أتأمل شاشة الكمبيوتر المحمول الخاص بي وأطالع أخبار العالم، وأتعجَّب من قدرة الإنسان على الابتكار والاكتشاف كل يوم..
 

في ركني في عنابر المستشفى الجامعي، جلست أتألم لألم المرضى المعذبين، وأشعر بقلة الحيلة لعدم قدرتي على التخفيف عنهم..
 

في ركني في غرفة الولادة في المستشفى، وقفت أستمع إلى بكاء الأطفال حديثي الولادة، وتمنيت يومًا أن أسأل ذويهم: لمَ جلبوهم لهذه الدنيا؟ فقط ليعانوا ويلاقوا نصيبهم من العذاب والكبت..
 

في ركني في غرفة العناية المركزة، أجلس ليلًا- في الأيام التي أسهر بها ليلًا في المستشفى- أقرأ رواية لـ"علاء الأسواني" أو "بهاء طاهر" على أنغام أجهزة التنفس الصناعية الرتيبة، وأفكِّر في ضعف الإنسان وغروره في نفس الوقت.. ها هو ذا يرقد بعد حياة حافلة بين يدي الله معدوم الحيلة، مجرد جسد واهن تحت رحمة جهاز معدني..
 

في ركني في مركز الأمومة والطفولة في "طور سيناء"، جلست أشرب قهوتي في الصباح المبكِّر وأشغل يومي بالتفكير في سبب استسلام الناس في هذا البلدة الصغيرة لحياتهم الصغيرة جدًا المملة..
 

في ركني، أجلس يوميًا من التاسعة صباحًا إلى الخامسة عصرًا أعمل وأتساءل: هل تستحق الحياة هذه المعاناة؟؟ هل كان عليَّ أن أرتضي بحياة بلا طموح لكنها مريحة؟؟.
 

في ركني، أجلس في غرفة معيشتي ليلًا في شقتي الجديدة، أجلس أقرأ كتابي على ضوء منخفض بجواري وأنعزل تمامًا عن العالم الخارجي، وأفكر في مدى إبداع العقل البشري وقدرته على الإبهار..
 

في ركني، أجلس في غرفتي أبكي في صمت كلما ضاقت بي الدنيا، وأتأكَّد من أن أحدًا لن يرى دموعي، وأحاول أن أثبت نفسي وألا أستسلم مهما كلفني الأمر..
 

في ركني، أجلس في شرفتي أستنشق الهواء وأتابع السيارات المسرعة، وأتساءل عن السبب الذي يدفع بالناس إلى السير بهذه السرعة، وأحاول أن أتخيل قصصهم..
 

في ركني في القطار، أجلس أتأمل الطريق وأفكِّر، تُرى كيف ستكون رحلتي؟ وهل سيتسنى لي العودة منها أم أن القدر سيكتب النهاية؟..
 

في ركني في المقهى القريب من بيتي، أجلس بعد كل علاقة حب فاشلة أتساءل: هل هم المذنبون أم أنني أنا الملامة الوحيدة تأخذني الحياة والطموح عن التفكير في الاستقرار؟..
 

في ركني المفضَّل على أريكتي الفاخرة، أجلس بعد كل سهرة صاخبة أحاول بها أن أملأ فراغ حياتي، أستمتع بالصمت المحيط بي، وأتساءل: هل اختياري للوحدة كان موفَّقًا أم أنه كان يتوجَّب عليَّ أن أتزوَّج وأنجب للحياة أطفال مزعجين يصعب تقويمهم ويخالفوني الرأي ويرثون عاداتي ويثيرون غضبي في أغلب الأحيان؟..
 

في ركني الذي وضعت به مرآتي المفضلة في غرفتي، وتأملت وجهي العجوز المجعد وابتسمت، يا لها من حياة عشتها لا أدري أكانت سعيدة أم لا؟ مرضية أم لا؟ ولكن المؤكَّد أن موتي الليلة لن يصاحبه الندم..




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :