شِهَادَةُ أبِينَا باسيليوس نصار في سُوريا
بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
قدَّم أبونا باسيليوس شهادة حمراء بدمه؛ عندما ذهب لينقذ جريحًا من أبناء رعيته؛ كان ينزف ويستغيث على الطريق... انطلق كسامري صالح ليُسعفه بسرعة منقطعة النظير؛ هَبَّ ليضمد جرحه ويجِّبر كسره وليحمله ويُعيده سالمًا إلى ذَوِيه فَرِحًا، وعندما وصل إليه لينقذه إنحنىَ فوقه... إلا أن الأيادي الغادرة التي للتنين قنصته ونفثت سمومها ورصاصاتها لتخترق جسده الطيِّب الذي نذره وكرَّسه لله... جسده هذا سبق وشهد شهادة بيضاء بالنذور؛ ثم خضبته الدماء مذبوحًا بالشهادة، فصار ذبيحة كاملة على المذبح المقدس الناطق السمائي. إنه مُدمَّى بدماء الشجاعة ومبذول حتى آخر قطرة في دمه وهو على قارعة الطريق.
لماذا ذهبتَ يا أبانا وأنت تعلم أن الموت ينتظرك لا محالة؟! حيث لم يجترئ أحد على المرور؛ وعصابات الموت تتربص والشبِّيحة تنشر الموت في الطرُقات!! إن الذي إتصل بك لتنقذه كان على يقين أنك ستستجيب؛ لأنه خبرك وعرفك من قبل؛ بأنك كاهن العمل والقول... شفيع وخَديم عند سامري نفوسنا الحقيقي. إنه كنز موهبة المحبة الذي أُعطي لك وأعدّك لشهادة فاخرة. لقد تربص بك التنين القتال للناس منذ البدء وعدو كل خير؛ لكنك أنت من زرع لا يفنىَ ولا تخاف من الذين يقتلون الجسد. وها أنت عشتَ كهنوتك حاملاً آلام الرعية وصليبها حتى تصفّىَ دمك من أجلها؛ لتقدم نموذجًا ودرسًا للأجراء ولغير العابئين وللمتواطئين والمنتفعين؛ كي يستيقظوا إلى رجاء دعوتهم وينفضوا عنهم خزيهم... إذ عيبٌ علينا أن ننافق نيرون ودقلديانوس بدلاً من أن نشهد للحق الحقيقي وحده ونسعىَ لحمل آلام ومشاركة سَحقىَ بنت شعبي؛ حتى ننال رضى القدوس الأعلى من كل عالٍ.
هذا الجريح النازف لم يطلب منك مالاً ولا زيارة ولا طلبًا ماديًا أو روحيًا؛ لكنه طلب منك المخاطرة بنفسك... فقدمتَ وأوفيتَ غير عابئ بما سيكون ويحدث. فتممتَ سعيك على نحو لا يُقارَن؛ لأن نفسك لم تكن ثمينة عندك. لذلك مكافأتك وإكليلك سيكون لمّاعًا من أجل ذبيحتك كقيرواني وسامري جديد.
لقد أصابتني غُصّة عندما عرفتُ خبر شهادتك وملابساتها؛ وهي قد تسجلت في السماء وفي التاريخ؛ كي تعلمنا جميعًا أننا وُلدنا أحرارًا وأحياءً ولا يقوىَ علينا موت الخطية. ودمك المُراق يؤكد أننا لسنا أبناء خوف؛ لكن أبناء حياة وكرامة؛ فلا خائفون يدخلون ملكوت السموات. خرجتَ بكنيسة الحجر إلى كنيسة البشر؛ من كنيسة الحجر إلى كنيسة الكون ككاهن خادم لله العلي؛ تُسعف المجروح وتُطيِّب المهدور والمغدور؛ وهذا هو عمل كل كاهن ذبائحي يحفظ الكرامة الكهنوتية الحقّة؛ ويسعىَ بها في بناء أسوار أورشليم حتى لا نكون بعد عارًا.
رأيتُ تجنيزك عبر الإنترنت؛ وقد وُضع سِتر القرابين على وجهك لأنك قربانة وذبيحة مقدمة من أجل كنيستك وشعبك ومن أجل سوريا والعالم كله؛ لينجيه الله من شر الأشرار؛ ومن موجات الكراهية والقتل والتخلف التي تجتاحه.
رتلتَ أبانا باسيليوس السوري لتصلي بصوتك الشجيّ مع جوقة ضيعتك؛ والآن تستريح نفسك. وستروي لله عن ما يجري؛ والذي لا شك أنه عارفه وعالِمُهُ؛ لكنه يسمع ويستجيب لصلوات أتقيائه الأمناء الذين أتوا إليه حاملين فضائلهم وعذاباتهم؛ بعد أن صاروا قرابين تُدهس وتُطحن؛ وشموعًا تذوب؛ وحبّات بَخور تُحرق.
فليكن ذكرك مؤبدًا... نَمْ فَرِحًا أبانا باسيليوس الجديد الأنطاكي؛ فقد رافقك ويرافقك في سَفرتك شهداء كثيرون من مصر ومن بقاع كثيرة.
الرب معكم.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :