الأقباط متحدون | تأملات فى مأساة بورسعيد
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٤:٠٦ | الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢ | ٢٧ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٦١ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

تأملات فى مأساة بورسعيد

الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢ - ٥٥: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم / صبرى فوزى جوهره
من علامات اصالة الثورة المصرية امتداد احداثها على مدى عام الى الان و مازالت هذه الاحداث تتعاقب و سيستمر هذا التتابع الى سنوات عدية فى المستقبل. اقول انها ثورة حقيقية و ليست, لا قدر الله, على سبيل المثال من قبيل انقلاب اليوزباشية و الصاغات عام 1952 الذى اصبغ علي ذاته صفة "الثورة" بعد كام سنة عندما حلى الامر للمتآمرين و استقروا بتمكن على كراسى الحكم. فالثورات العظمى فى تاريخ البشر لا تختزل فى بيان يبث من دار اذاعة او ان "يتغدى" بعض المغامرين بالحاكم الشرعى قبل ان يتعشى بهم بل تستمر وقائعها لعقود مديدة و يتولد عنها انفراج و تطور طفرى يقفز بالانسانية الى الافضل. واشير هنا على مثلا الى الثورة الفرنسية التى يؤرخ لها رسميا من عام 1989 الى عام 1799 بالرغم من انها لم تنتهى فعلا, فى تقديرى المتواضع, الا بعد سقوط نابليون الثالث و قيام الجمهورية الفرنسيه الثالثة عام 1870 . و بالرغم من اننى بطبيعتى اميل الى التشاؤم عادة فى استطلاع المستقبل, و بالرغم من ان احوال مصر كما نراها الان لا توحى الى الناظر بالتفاؤل, الا اننى اعتقد اعتقادا راسخا ان الثورة المصرية فى عام 2011 ستجلب التقدم للبلاد لانها حقيقية ولدت من معاناة الشعب و لن تستقر حتى تتضائل هذه المعاناة او تزول.

مقدمه طويله حبتين لما اردت ان اتناول فى هذا المقال وهو مأساه احداث بورسعيد: مين السبب؟ لنستعرض المتهمين (او على الاقل من يشبه لنا انهم متهمون) واحدا تلو الاخر:

يكاد المصريون ان يجمعوا على ان المجلس العسكرى هو المتهم الاول. و نظريا لا شك فى مسؤليه المجلس عن هذه الكارثة: فهو الذى "نصب" كأعلى سلطة فى البلاد بعد سقوط مبارك. ولكن هل يعقل ان يقوم العسكر بعمل اجرامى بمثل هذه الابعاد فى وقت حوصروا فيه برفض كافة قوى الشعب لهم (ما عدى المنتفعين ببقائهم و هم معروفين), و رغبه المصريين المعلنة بما يرقى الى الاصرارعلى عودتهم الفورية الى ثكناتهم, فيزيدون من حنق الشعب عليهم و عزمه على ازاحتهم عن الحكم؟ لو كانوا هم صناع هذه المذبحة فعلا فلا شك انهم قد جلبوا على انفسهم المزيد من الرفض بل و الكراهية. هل يعقل انهم "يعملوا فى نفسهم كدا"؟ فى حالة واحدة فقط غير محتملة و ان لم تكن مستحيلة وهى التمتع بالغباء الاسطورى (هبلا و مسكوها طبله).

المتهم الثانى هم الاخوان المسلمين. و هم بلا شك اكثر ذكاء و قدرة على المناورة و الاحتواء و التهديد من العسكر. و لكن ما عسى ان يكون دافعهم على ارتكاب هذه المذبحة الان و هم فى مرحلة الاقلاع بعد التاهب و بعد ان بدى لهم انهم قد وصلوا اخيرا الى دهاليز السلطة بعد محاولات غير ناجحة استمرت لاكثر من ثمانية عقود من الزمان؟ هل يدبرون هذه الفعلة السوداء بعدما اصبحوا فى موضع مسؤلية وبؤرة فحص و نقد و اختبارالنوايا و القدرة على انجاز الوعود (بالرغم من انها لم تحدد مسبقا)؟ لو عملوا العمله دى يبقوا هم راخرين اغبيا!

المتهم الثالث هو شعب بورسعيد المفترى عليه. حيعملوا كده ليه بعد ان غلبوا الاهلى 3 -1 بعد انتظار لا يعادله فى الاصرار و الطول و المحاولات سوى تربص الاخوان المسلمين للقفز على حكم مصر؟ لو هم فعلا اللى عملوا كده يبقوا مجانين!

المتهم الرابع هم محابيس مزرعة طره. و مع عزوفى المعتاد عن الاعتقاد فى نظريات المؤامرة الا انهم اكثر العناصر احتمالا لتدبير هذه المذبحة. و ان كانوا قد فعلوا هذا حقا فلا يمكن ان يكون الهدف من محاولتهم هو العودة الى الحكم حيث انه من الاسهل اعادة معجون الاسنان الى انبوبه بعد عصره خارجها عن تحقيق مثل هذا الحلم "الفانتاستيكى". و لكن هناك اهداف اكثر احتمالا قد تداعب فكر هؤلاء الاشرار مثل الانتقام من الثورة و محاولة اظهارها بالفشل و التهور و انه فعلا لم يكن امام مصر الا ابوجمال او جمال او الفوضى او المناورة لدس بقاياهم و اتباعهم بين صفوف المسيطرين على مقادير البلاد, او قد تكون فى ذلك قدرة على ان يكون القصاص العادل المتوقع لهؤلاء الاوغاد اقل مما يستحقون.

المتهم الخامس هم "البلطجيه". و فى واقع الامر ما فيش حاجه اسمها كدا! البلطجية يعملون بالفلوس, ولا شك ان القبض عليهم و مسائلتهم عن مصادر تموينهم و تمويلهم فى مقدور العسكر لو توافرت الارادة لذلك. من يتحدث عن البلطجية الغلابة الذين يعملون "بالحته" يجب ان يتوجه بالبحث الى البلطجية "السوبر" الذين يتحكمون فى مصائر الشعب و البلاد.

اما المتهم السادس و الخطير و الاهم و ربما كان الاكثر عددا و شيوعا فى هذه الايام و الاحوال فهو كل انسان يشارك عن علم او عن غير علم فى عرقلة مسيرة الثورة و اهدافها باعتبار ووضع مصالحه الخاصة او مصالح جماعته فوق مصلحة الوطن فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر.
و للتذكرة, لم تقم ثورة 2011 للاستيلاء على الحكم بل لاهداف اكثر تواضعا واكثر ما تكون زهدا فى شهوة الحكم و ترفعا و بعدا عنها: عيش, حريه, عدالة اجتماعيه.

هل بين رجال مصر من يتطوع لتحقيق هذا الحلم؟ ان لم يكن مش مهم. فلقد فشلوا على مدى ستة عقود مضت. أما شباب مصر و شاباتها فهم الامل وهم قدها و قدود, لعلهم يعلمون و يثقون ان المستقبل لهم و لثورتهم التى لم "تتكلفت" فى بيان اذاعى مشؤم او فى صفات منفوخة كاذبة و اعمال دون كيشوتيه تدعو للرثاء و السخرية, بل صمدت و استمرت و تعرفت على طول الطريق و تفهمت و عورته و لم تبخل علي مستقبل مصر باحزان الامهات الثكلى او الجروح المؤلمة او العيون التى فقدت بصرها او الارواح الطاهرة التى انتقلت الى باريها.

ثورة مصر ما زالت فى اولى مراحلها و يوم بورسعيد مثله فى ذلك مثل يوم الجمل و يوم مسرح البالون و ايام الاعتداءات على الكنائس و يوم المقطم و يوم ماسبيرو و يوم شارع قصر العينى و شارع محمد محمود و غيرها ما هى الا ومضات فى سجل منير. انتظروا المزيد من الافراح و الاتراح, فلم تكتمل القصة بعد.


 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :