الأقباط متحدون | حكم الدينِ ليس حكماً إنسانياً
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:٠٠ | الجمعة ١٧ فبراير ٢٠١٢ | ٩ أمشير ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٧٣ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

حكم الدينِ ليس حكماً إنسانياً

الجمعة ١٧ فبراير ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : مهندس عزمي إبراهيم
 
المجتمع بلا رادع يصير غابة لوحوش ضارية، أو يتحول إلى مستنقع أخلاقي رطن عفن. فلولا الخوف من القانون والقضاء والبوليس والسجن ما كان هناك أخلاق ولا مراعاة لقِيَم إنسانية ولا حسن مواطنة ولا حسن جوار رغم وجود الدين وحكم الدين، ولقام معظمنا للاستحواز على ما نرغب فيه وما نهواه بالعافية سواء كان حقاً لنا، أو لا حقٌ لنا فيه. فسنجد مثلا.. الجائع المُعدَم والسمسار الجشع يهجمان على البنوك لسرقتها، أو على المخابز لخطف أرغفة العيش. الأول لاحتياجه والثاني للتجارة واستغلال ذوي الحاجة. وسنجد من يقتل الآخر لأي خلاف تافه أو مفتعل "لأمر ما في نفس يعقوب" وهكذا. والأمثلة على فيضان الفوضي في الممجتمع الفوضوي كثيرة.
 
فلو كان للمجرم الظالم ذرة من ضمير أو رادع من قانون أو توجيه من دين أو خوف من الله ما ظلم ولا تجبر... ولو كان لدى من يدافع عن الظلم أو يتغاضى عنه وعن ظلمه وازع من عدالة وإنسانية ما كان تحيز عن الطريق السوي. وهنا.. الخوف على مصر العظيمة التى ما تخلت عن القانون الإنساني في أي من عصورها الزاهية، بل حتى في عصور احتلالها. لماذا؟؟ لأن مصر حفظت الأديان بها مصانة موقرة.. ولكن لم تكن مقيدة بـ "حُكم الدين".
 
المجتمع بلا رادع هو المجتمع الذي خلا من القانون العادل. فـ "قانون الدين" ليس "قانون عادل". بل هو "قانون طائفة" بعينها يخدم طائفة بعينها دون الطوائف الأخرى بالمجتمع، حتى التي من نفس الدين. فالمسلم السُني بإيران المسلمة ليس له الحقوق التي يتمتع بها الشيعي المسلم. والمسلم الشيعي بالسعودية المسلمة ليس له الحقوق التي يتمتع بها المسلم السني.. وناهيك عن الطوائف الإسلامية الأخرى.
 
هذا هو "حكم الدين" أي دين، فالدين "فاقــد العدالة" حتى بين الطوائف من نفس الدين.. ناهيك عن الأديان الأخرى.
 
وربما نرى جرائم الفوضى ضد الأقباط المسالمين فقط هذه الأيام عياناً بياناً. هذا الظلم من نتاج تعاليم الدين ومن نبع فلسفة "حكم الدين". ولكن ما على المسلمين إلا أن يراقبوا ويترقبوا فالفوضى لا عقل لها ولا بصيرة. والظلم أكثر شراهة من النار المستعِرَة يسري سعيرها ويحرق الأخضر واليابس. فلن يسلم منه مسلم أو غير مسلم.
 
وعلى من لا يرى ما أراه أن ينظر إلى الصومال واليمن وأفغانستان والسودان حيث تعيش مغلفة بالدين وتعيث فيها الفوضى والظلم والقمع والإجرام والعنف والفقر والجهل والتأخر عن ركب الحضارة في أبسط معالمها. فحيث لا سيد فالكل سيد وحيث الكل سيد فالكل عبيد  هذه هي الحرية المطلقة، أقل ما توصف به أنها الفوضى ذاتها مجسمة.
 
تلك البلاد يحكمها الدين أو يدَّعون ذلك، أو يظنون ذلك. فهم لا يعرفوا من روحانيات الدين شيئاً ولا من الأخلاق شيئاً ولا يراعوا اللـه قدر ذرة. بل كلهم، حتى رجال الدين أو دعاة الدين، يحملون أسلحة أوتوماتيكية وبيدهم خناجر وسيوف وقنابل. ومع ذلك يتشدقون بالدين ويكبرون باسم الله. والله بريء مما يفعلون!! دول من حيث الإنسانية والحضارة بل من حيث كرامة الحياة تقع بين دول العالم في قاع القائمة. ويلاحظ أنها كلها دول إسلامية!! الكل مسلمون، لا الأغلبية مسلمون، كلا... الكل مسلمون من نفس الدين يحاربون بعضهم بعضاً، ويقتلون بعضهم بعضاً ويفجرون بعضهم بعضاً.
 
وعلى من لا يرى ما أراه أيضاً أن ينظر إلى البلاد التي يحكمها الدين بقبضة من نار وحديد كالسعودية ودول الخليج وإيران.. حيث رغم ثروات النفط ترتع فيها وسائل القمع والعنف والظلم والارهاب وكبت الأصوات الحرة ولسعات الكرابيج على ظهور المواطنين المسلمين، سواءاً من الحاكم الظالم أو من الطائفة المستبدة والمفضلة على جميع الطوائف الأخرى من نفس الدين. هذا علاوة على الخوف الدائم في قلوب الحكام الظالمين وفي قلوب المواطنين سواء. ويلاحظ أيضاً أنها كلها دول إسلامية!!
 
البلاد التي تفرض "حكم الدين" ويقيدها "قانون الدين" وتكتفكها "بنود الدين المقدسة" التي "لا يمكن أن تكون عادلة" بل حَشَرَت الدين حشراً في حكمها وسياستها فأصبح "من الطبيعيى" أن لا مفر لها من التمييز الظالم بين مواطنيها حتى من نفس الدين. هذه البلاد ترزخ تحت نير الجهل والعنف والفوضي والارهاب مهتمة بالتفاهات وبالفتاوي التى لا تثمر ولا تقدم بل تؤخر قروناً نحو بدائية بدوية بربرية، مشغولة عن فنون العلم والثقافة والاختراع والإبداع والانتاج، راضية (فخورة) بأن تعيش عالة صريحة على الدول الحرة الراقية التي بذكائها وعدالتها احترمت واحتفظت بأديان مواطنيها ولكن أبعدت الدين عن السياسة والحكم.
 
في البلاد الحرة الراقية والمتحضرة لايسود "قانون الدين" بل يسود "قانون العدل" الذي يساوي بين "جميــــع" المواطنين لا فرق ولا تمييز لجنس عن جنس، ولا لعرق عن عرق، ولا لون عن لون، ولا لدين عن دين. فتسير قدماً بالعلم والفن وتفيض إبداعاتها وأنتاجاتها وخيرها على البشرية جميعها.. (ومعوناتها على الدول المتقاعسة التي يحكمها الدين).
 
اليوم... بدأت ملامح بل نتائج "حكـم" الديـن" في مصر. فبدأت تغرق في مستنقع الحرية المطلقة أو بالأصح الفوضى المطلقة. حيث لا سلطة مدنية متحضرة ولا قانون ولا بوليس ولا قضاء ولا حتى رجال دين حقيقيون يقدسون الروحانيات ويوجهون للأخلاق الطيبة، بل تركوا الأمر للجهلاء الأميين المنساقين ولدعاة الدين يفتون بما شاءت لهم مصالحم وأغراضهم ويعيثون في الأرض فساداً ويعبثون بنفوس البسطاء ما شاءت لهم نفوسهم المريضة. فصار الحرق والقتل والاغتصاب مظاهرٌ تكاد أن تكون يومية معتادة. ثم ظهر أخيراً تهجير المواطنين المسالمين من قراهم وأملاكهم التي عاشوا بها آلاف السنين لأسباب واهية مفتعلة، أو حتى أسباب غير مفتعلة.. لكن لا سلطة إلا للقانون والأمن والقضاء للبت فيها. ولكن حكمت فيها جلسات المصاطب البدائية يرأسها الغير مؤهلين ومسئولين فانونياً بل المتطرفون دينياً، والغير متكافئة الأطراف، فيحكم الأقوى على الأضعف.. كسنة الغابات والأدغال . إقرارُ صريحٌ بتواري القانون العادل خلف ظلم الدين.
 
هذا ما تعانيه مصر الآن!!! خلت من القانون ومن العدل ومن الإنسانية بل ومن روحانيات الدين... وهذه هي تشريعات ودساتير الأديان (يا مصريين ويا مسلمين) تخدم طائفة وتظلم طوائف. من له أذنان للسمع فليسمع، ومن له عقل به ذرة من ذكاء فليعقل. تأتي النار من مستصغر الشرر.. وبين أيدينا نار مستعِرَة لم تعد شرراً.
 
لو كان بمصر الآن حاكم عادل وقوانين مساواة وقضاة يعرفون عدل القضاء، ورجال دين راشديم موجهين، لـَهَبـُّو لإصلاح الوضع اليوم قبل الغد. ولكن توارى القانون خلف الدين... وتم وأد الضمير في رمال صفراء... ولو استمر الأمر على تلك الحال فقل على مصر السلام.. وقل على مسلميها ومسيحييها السلام... ومرحباً بصومال في مصر وإيران في مصر.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :