الأقباط متحدون | ديك البرابر يؤذِّن
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠١:٤٦ | الاربعاء ٧ مارس ٢٠١٢ | ٢٨ أمشير ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٩٢ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

ديك البرابر يؤذِّن

الاربعاء ٧ مارس ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم :  إدوارد فيلبس جرجس

 لم أكن اعلم ان الكتابة في هذا الموضوع ستُضّحِك القلم ثم ينقلب الحال فتتحول الضحكات إلى بكاء ، وليس في هذا عجب أو تعجب . أحياناً تنقسم الرؤية داخل الكاتب بالنسبة لحدث واحد وتذهب من النقيض إلى النقيض ، فقد ينظر إليه كنوع من الكوميديا الهزلية فيضحك هو وقلمه حتى يستلقيا على الأرض ، ثم ينظر إليه من زواية أخرى فيكتشف أنه دراما حزينة أو مأساة فيصيبهما التشنج وينطلقا في بكاء مر ، ويحتار القلم في يده ، ويهز رأسه أسفاً ، وينعي حظه لأنه وقع في يد كاتب مزدوج الرؤية !!! ، إزدواجية الرؤية تبدو واضحة بالنسبة للحدث الذي خصصت عنوان مقالي من أجله ، فعندما شاهدته على شاشة التلفاز ، اندفعت إلى ذاكرتي صورة من الماضي ، كفيلم سينمائي يعود بأحداثه إلى الخلف أو ما يسمونه بلغة السينما " فلاش باك " ، أعاد إلى ذهني منزلنا في الصعيد وسطوحه التي تشغى بأسطول من الطيور ، وكان من ضمن وحدات هذا الاسطول ، مجموعة من البرابر " الدجاج " ،

 

وديك البرابر الوحيد يقف دائماً في وسطهم مزهواً بنفسه ، وبريشه وألوانه الزاهية اللامعة ، وعندما يبلغ الزهو أشده يغمض عينيه ، ويرتفع ذيله لأعلى ، ليطلق صيحة طويلة أو ما نسميه صياح الديك ، أو أذان الديك ، وهناك أغنية للأطفال تقول " والديك بيأدِّن كوكوكوكو في الفجرية " ، وعندما ينتهي من أدانه تلتف البرابر حوله وقد سبلت عيونها في انتظار من ستكون المحظية الأولى له . والفرق بين الديك وسط البرابر فوق سطوح المنزل ، والديك بطلنا هنا والذي شاهدته على شاشة التلفاز ، أن الأول بيأدن في الفجرية ، والثاني بيأدن في العصرية .

أرجو ألا تتوهوا مع نقلات قلمي فأنا لا أبغي أن أحاوركم بطريقة " حاوريني يا كيكا " فأنا قلت في بدء حديثي أن الحدث الواحد يمكن أن ينظر إليه الكاتب برؤيتين أو من طرفي نقيض ، فقد يراه حدثاً مضحكاً وفي نفس الوقت وعلى النقيض الآخر حدثاً مبكياً ، وأنا لم أهضمكم حقكم وعرضت الحدث برؤيتة التي أضحكتني وهي ديك البرابر وهو يؤذن فوق السطوح ، وسأفيكم حقكم بالكامل وأعرض الرؤية الثانية للحدث التي أبكتني وأدمت عيني قبل قلبي ، ديك البرابر يؤذن في قاعة مجلس الشعب . فجأة وأثناء انعقاد الجلسة نهض النائب السلفي اللقب الوهابي المنشأ " ديك برابر المجلس " وارتفعت يداه خلف أُذنية وأغمض عينيه ليؤذن أذان العصر ، وفي الحقيقة وحتى لا أكون كاذباً وأفقد مصداقيتي أمامكم رأيته من الأمام فقط ولم أر خلفه ولم أعرف إذا كان رفع ذيله كديك برابر السطوح أم لا ،

 

ولا يفوتني أن أُذَّكِر بأنه هو نفس ديك البرابر الذي ابتدع بدعة مظهرية أملتها عليه لحية وشارب حليق ووهابية بدوية  ، عندما أضاف كلمات عند تأديته للقسم المتعارف عليه في الدستور ، كلمات إذا صنفناها بما يتناسب مع الموقف سنجدها جاهلة بالقانون وبالدستور ، وبما يجب أن يكون عليه النائب بمجلس المفترض أنه سيشترك في تسيير أمور بلد وأنه يمتلك ما يسمونه بالعقل المستنير ، لكن هناك فرق بين الإفتراض والحقيقة ، وهذ ويلة ونكبة أغلقت باب الدخول إلى المستقبل الذي نادى به ثوار 25 يناير ، وفتحت باب مستقبل مخيف ، منذ أن استحوذت على معظم مقاعد المجلس عقول مستوردة من بلاد تنظر إلى الفكر والثقافة والإبداع والإستنارة والحرية على أنهم قمامة يجب أن تجمع وتحرق . إن الكتابة عن ديوك البرابر قد تطول ولا يكفيها الجريدة  بالكامل ، وأضطر أن أضرب كُتَّاب الجريدة الأفاضل كتف قانونيه بلغة كرة القدم تدفع بهم وبمقالاتهم إلى جريدة أخرى ، ولذا سأقتصرعلى الكتابة عن ديك آخر فقط من ديوك البرابر ، السلفي اللقب الوهابي المنشأ عبد المنعم الشحات الذي لو كانت طالت قدماه قاعة المجلس لأصبح أشرس ديوك البرابر وبلا منافس ،

ولخرج علينا بفتوى جديدة تقول أن الصلاة فرض يجب أن يؤدى كل ساعة حتى يظل طوال فترة انعقاد المجلس في وضع ديك البرابر المؤذن !! ، وبالرغم من أن كلماته المبتذلة عن أدب نجيب محفوظ هي السبب من حرمانه من المجلس ، إلا أنه ظهر ثانية وهو يعيد نفس الكلمات ، وزادها بمهاترة جديدة ، بأن كرة القدم لهو محرم وضد الشرع ، وبالتأكيد هذا الفكر تسير تحت رايته كل جماعة السلف المصري باللقب الوهابية المنشأ . أنا لا أحاول أن أكون خفيف الظل أو أكتب مقالاً ساخراً ، وخاصة في مثل هذا الحدث ،  لكن أحيانا أفقد التحكم على القلم ، ويعاند معي كبغل حرون ، أدفعه للجد فيندفع للهزل ، وأخيراً أعقد معه اتفاقية أن يأخذ نصيبه من الهزل ، ويترك لي نصيبي من الجد ، وأعتقد أنه أخذ حقه من الهزل ، وحق لي أن آخذ نصيبي من الجد . سأبدأ بكلمات تقليدية كُتِبت مراراً ومللنا من تكرارها بعد 25 يناير 2011 ، " إلى أين ذاهبة يا مصر " ، وباللغة العامية " رايحه على فين يابلد " ، هل أنت ذاهبة للنهاية ؟! ، وباللغة العامية  " هو انت رايحه في سكة اللي يروح ميرجعش " ؟!.  المثل يقول " سارقاه السكين " أي لا يشعر بألم الذبح لأن السكين ماضية أي حادة ، وعلماء المخ والأعصاب يقولون أن العقل عند حدوث الإصابة لا يترجم الشعور بالألم فوراً ، فهل هذا هو حال مصر الآن ؟ ، هل السكينة سارقاها ؟ ، أي أن العقل لم يترجم الشعور بالألم حتى الآن ، لقد مر أكثر من عام ، فكيف لا تشعر بالألم ؟! ، وكيف لم يترجمه العقل ، وخاصة أنها إصابة بالغة ؟! ، السكين الماضية التي سارت على عنق مصر ولم يترجمها العقل حتى الآن إلى ألم لا يطاق ، هي خروج التيارات المتأسلمة من كهوفها بصورة فجة وغزوها لمراكز السلطة والمجتمع بإسلوب أكثر فجاجة ، البعض يظن عن جهل أن ( الأخوان المسلمين + السلفية الوهابية + الجماعات المتأسلمة والمتطرفة الأخرى ) تعني أو تمثل " الدين " ،

فهل من يقشع الجهل عن العيون ويصرخ في الوجوه بأنهم ليسوا أكثر من مزايدين على الدين ، او تجار للدين ، أو شو إعلامي عن طريق الدين ، أو ميكيافيلية تستخدم الدين كوسيلة للوصول إلى غاية السلطة والحكم والتحكم والديكتاتورية البغيضة لإرضاء العقد النفسية والشعور بالنقص وإرضاء زبانية جهنم الذين يمولونهم !! .  لقد وصفت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر السلفيين بأنهم " خفافيش الظلام " وأعداء الإسلام ، مشيرة بأنهم لم يظهروا إلا بعد غياب المستنيرين من المسلمين الذين يتخرجون من الأزهر الشريف ، وأضافت في مداخلة تليفونية مع الإعلامي جابر القرموطي في برنامج مانشيت على " أون تي في " أن السلفية تيار مستورد غير مصري ولا يتسق مع الوسطية التي يتسم بها الدين الإسلامي  ، مشددة على أن الإسلام لا ينادي بالدولة الدينية ولا برجال الدين فالدولة في الإسلام كانت مدنية في الأساس . وكما يقولون الشيء بالشيء يذكر ، أحب أن أرسل صورة للقراء بصفة عامة واجبة التامل فقد توضح براكين الخراب التي تنتظر مصر لو سارت الأمور كما مرتب لها من خلال مؤمرات تدبر في الخفاء  ، الحادث الطائفي في مدينة العامرية بسبب ما قيل أن شاب مسيحي له علاقة مع فتاة  مسلمة ، العقل يقول أن أقصى ما يمكن أن يصل إليه الموقف هو عقاب بالقانون ، لكن ماذا حدث؟! ، إصابات ، وحرق ونهب بيوت ومتاجر المسيحيين ، وانتهى الموضوع بجلسة عرفية زنت بالقانون وحكمت بتهجير عدد من الأسر المسيحية من قرية العامرية بسبب هذه الواقعة  ، ألا يعلم النائب السلفي أحمد شريف الهواري الذي كان أحد أفراد المجلس العرفي ، أنه سواء المجلس العرفي أو الحكم بالتهجير يخالف القانون !! ،

 

وأنه نائب في مجلس الشعب وأن سيادة القانون هي الفيصل وليس أحجبة الدجالين والمشعوذين ، والعجيب أنه بعد أن ثار الرأي العام شجب حزب النور والجماعة الإسلامية ما حدث وكأن هولاكو زعيم التتار عاد ثانية وفعلها .  هذا مشهد واحد من مشاهد يصعب تعدادها ولن يكون الأخير ، مشاهد مثله وتفوقه تكررت بل  وتعدت إلى جرائم القتل ، وفي كل مرة يكون التطرف والتشدد هو بطل المشهد المشوه ، والمجالس العرفية لا تألوا جهداً للزنا بالقانون والرقص على أنغام بلطجية التشدد والتطرف . وسؤال على هامش الموضوع ، لماذا حُكِم الآن على الممثل عادل أمام بالحبس على أفلام قديمة أجازتها الرقابة وقتها بتهمة أنها أفلام فيها إهانة للإسلام بالرغم من أنها أفلام تدين الإرهاب وتدافع عن الإسلام ، أضع القاضي الذين أصدر الحكم بين قوسن ثم أسأل ألستم ترون معي أنها فوضى انتقامية باسم الدين !! . ولنترك الحديث عن فئة السلف المصري باللقب الوهابيية المنشأ وننتقل إلى ظاهرة أخرى من الظواهر التي تفجرت بعد 25 يناير . إن علم التاريخ يقول لكي نتعرف على الحقيقة يتطلب التعرف على كل معطياتها ، ولا يكفي أن ننظر من ثقب باب جانبي لنتعرف على ما يجرى في ساحة متسعة ، ومهما تعددت الثقوب فلن نعرف الحقيقة إلا إذا حاولنا التعرف على كل جوانب الساحة ،

 

ومن ثم يجب أن نقف ونحاول أن ننظر برؤية شاملة  للإ حداث داخل مصر منذ أن خلعت جماعة الأخوان ثوب الحظر وارتدت ثوب العلانية بل العلانية المطلقة ، وقفزت على أكتاف من ظنوا أن التيارات المتأسلمة تعني " الدين " ودخلوا إلى ساحة الحكم من أوسع الأبواب ، بالرغم من التناقض الشديد بين أهداف الثورة وما يسعون إليه ويضمرونه في نفوسهم ، فالدولة المدنية والنظام الديمقراطي هما أساسيات ثورة يناير المعبرة عن مضمونها السياسي وعن رسالتها الحضارية ، لكن ما تكشف في الفترة الأخيرة وبعد أن تمكنوا من تصدر الباب الرئيسي لفرض السلطة ، يقول أنهم خصوم لا أنصار لهذه الثورة ، إن ما انكشف حتى الآن ما هو إلا طرف فقط من نية مستترة لمعاداة مدنية الدولة وديمقراطية الحكم ، وتاريخهم الطويل يساند هذه الحقيقة . إن التاريخ يقول أنهم لا ينضموا إلى الكفة الراجحة إلا بعد ضمان رجاحتها تماماً ، وهذا ما حدث بالضبط  ، انضموا إلى الثورة بعد ضمان نجاحها ، واضمر  زعماؤهم الالتفاف عليها حين ينصرف الثوار ، ويخلو الميدان ، وعندئذ يتمكنوا من فرض وجودهم ، مستغلين قوة تنظيمهم وقدرتهم علي إثارة العواطف الدينية ، هكذا رددوا مع الثوار شعار الدولة المدنية ، لكنهم التفوا عليه بإضافة ماكرة تفرغه من معناه وتحول الدولة المدنية إلي دولة دينية فقالوا : نعم ، دولة مدنية ، لكن بمرجعية إسلامية ، أي بشروط تعطي الإخوان المسلمين الحق في فرض وصايتهم على الدولة ، والانفراد بالسلطة باعتبارها سلطة إلهية يتولونها بالوكالة فلا يحق لأحد من الناس أن يراقبهم أو يحاسبهم أو يعارضهم أو يناقشهم مهما كان علمه ، ومهما تكن حكمته ، وباختصار المرجعية الدينية التي أضافها الإخوان لشعار الثورة تنفي عن الدولة مدنيتها ، كما تنفي عن الحكم ديمقراطيته ، لأن الدولة لا تكون مدنية إلا بمرجعية مدنية ، أي بأن تكون المواطنة أو الحياة المشتركة في وطن هي الرابطة التي تجمع بين أفراد المجتمع على اختلاف عقائدهم واتجاهاتهم ، فالمجتمع المدني مجتمع وطني وليس ملة أوجماعة دينية ،  والحرية حق طبيعي من حقوق  الإنسان  وهي المصدر الذي تنبع منه إرادة المواطنين , فهل هذا ما فُهم من أداء نواب الإخوان منذ أن بدأت جلسات المجلس!! ، أم أن النية المستترة بدأت تتكشف رويداً رويداً ، حتى يتمكنوا من مد أقدامهم  في وجه باقي الأحزاب بل وفي وجه كل مصري لا تعجبه مرجعية مصنعة حسب الموقف والأهواء !!  

                                                                
الخلاصة :
الموضوع كله يمكن أن يلخص في كلمات ، لا يجب أن يوضع الدين على محك الأباطيل ، شرع الله لا يباع ولا يشترى ولا يُفصل حسب الأهواء ، العقل هو الحل ، نيتنا سليمة والحمد لله ، والقصد هو صلاح مصر ، والصلاح لن يأتي بأفكار تسييس الدين ، أو الدين المسيس ، إعطوا ما للدين للدين ، وما للسياسة للسياسة ، مصر غير معروضة للبيع في صالة مزادات ، هدى الله الجميع .




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :