الأقباط متحدون | أحم.. دستور يا أسياد
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٢:٣٣ | الخميس ١٥ مارس ٢٠١٢ | ٦ برمهات ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٠٠ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

أحم.. دستور يا أسياد

الخميس ١٥ مارس ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : شكري بسطوروس
 
تجري في مصر اليوم سجالات - على استحياء - حول صياغة الدستور الجديد، حيث تتطرح اسئلة من نوعية: من له حق المشاركة في اللجنة التأسيسية لصياغته؟ ما نسبة اعضاء مجلسي الشعب والشورى في هذه اللجنة؟ ما هي الاسس التي عليها سيتم اختيار اعضاء اللجنة من مجلسي الشعب والشورى؟ هل من حق الاغلبية ان تصيغ الدستور ام يجب ان تشارك كل اطياف الشعب في صياغته؟ هل من صفقة جديدة بين العسكر والاخوان بخصوص الدستور ايضاً؟ ولكن الاهم: هل رجل الشارع العادي معني بموضوع الدستور؟ هل الناس منشغلة بالامر أم يهمهم فقط مسألة انتخاب الرئيس؟ اما السؤال الاهم على الاطلاق فهو: من صاحب اليد العليا في تشكيل اللجنة التأسيسية؟ 
 
بعد الثورات والتغيرات الكبرى في تاريخ الدول الحديثة يتم تشكيل جمعية تأسيسية تضم كل اطياف الشعب لصياغة عقد اجتماعي جديد تتوافق عليه كل فئات المجتمع يسمى "الدستور". فالدستور هو اتفاقية بين كل فصائل الشعب وطوائفه توضع فيه المبادئ العامة التي ارتضها الجميع للدولة الجديدة. هو عقد توضع فيه القواعد الأساسية لشكل الدولة الجديدة (بسيطة كمصر أم فيدرالية كأمريكا وألمانيا ) ونظام الحكم فيها (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) كما ينظم الدستور السلطات العامة الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) من حيث تكوينها واختصاصاتها ومهامها وكذا العلاقات بين هذه السلطات، كما يحدد الحقوق والواجبات الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها وينظم علاقاتها تجاه السلطات الثلاث. لذلك يعتبر الدستور ابو كل قوانين الدولة، فيجب أن أن تُستمد كل قوانين الدولة من نصوصه وتتوافق معها. 
 
هكذا الحال في كل الدول الديمقراطية العظمى في العالم. فصياغة دستور جديد أكبر من أن تترك للفقهاء الدستوريين وحدهم، او لجماعة وطنية - كالجيش او النقابات مثلاً، أو لتيار سياسي دون آخر، أو حتي لائتلاف من القوي والأحزاب السياسية دون غيرها. بل يجب ان تمثل كل طوائف الشعب واطيافه في اللجنة التاسيسية لصياغته.
  
لكن هذا لم يحدث في مصر بعد 25 يناير 2011 كما يعرف الجميع، فقد اعطت التعديلات الدستورية في مارس الماضي حق اختيار اللجنة التأسيسية للبرلمان في سابقة عجيبة من شأنها ان تهدم فكرة التوافق العام على الدستور كعقد اجتماعي من اساسها. فالمادة 89 مكرر من التعديلات الدستورية التي صاغتها لجنة اخوانية اختارها المجلس العسكري لخدمة مصالحه ومصالح الجماعة، ثم أُضيفت للاعلان الدستوري تحت رقم 60 تنص على أن: "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى فى اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لإنتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويُعرض المشروع خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب لاستفتائه فى شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء."
 
لذلك يعلن الاسلاميون اليوم ان من حق الاغلبية البرلمانية صياغة الدستور! ويطالبون بان لا يقل عدد اعضاء اللجنة التأسيسية من مجلسي الشعب والشورى عن 60 عضوا حتى يمكنهم صياغة دستور اسلامي. بل هناك ايضاً تخوفات وشكوك لدى الكثيرين من أن صياغة الدستور في وجود المجلس العسكري لكونه اجهض الثورة المصرية تقريباً والآن يريد ان يحكم البلاد من خلف الستار وذلك بوضع نصوص دستورية تسمح له بذلك في مقابل وضع نصوص اخرى تضفي صبغة اسلامية على هوية الدولة وقوانينها كصفقة بين المجلس العسكري والاسلاميين. وكلنا يذكر تخاذل المجلس العسكري عن اصدار وثيقة "المبادئ الأساسية للدستور" التي اعدتها لجنة برئاسة الدكتور السلمي نائب رئيس الوزراء السابق في اغسطس الماضي لضمان مدنية الدولة .. وهو ما يصب في صالح نفس الصفقة.
 
العجيب في المادة 60 من الاعلان الدستوري أنها حمالة اوجه، فهي لم تحدد كيفية اختيار البرلمان لاعضاء اللجنة التأسيسية، وما إذا كانت ستتكون من شخصيات عامة أو قانونيين او من اعضاء مجلس الشعب، كما لم تحدد نسبة اي مجموعة منهم للاخرى. وهنا يحق لنا ان نسأل: هل من المعقول ان ينتخب اعضاء مجلس الشعب انفسهم لعضوية اللجنة؟ 
 
أليس لهذا اعترض دعاة الدولة المدنية على المادة 189 مكرر - سيئة السمعة - التي وضعت العربة امام الحصان اذ جاءت بمجلس الشعب قبل الدستور معطية امتيازاً غريباً للسلطة التشريعية بالمخالفة لما هو متعارف عليه في كل العالم، لأن الدستور هو منشئ السلطة التشريعية وغيرها من السلطات وليس العكس؟ أليس لهذا طالب دعاة الدولة المدنية من العلمانيين والليبراليين وبالطبع الاقباط بوضع "مبادئ دستورية حاكمة" لخشيتهم من تحول مصر إلى دولة دينية على يد برلمان اسلامي؟ 
 
اننا نحذر من اختيار لجنة صياغة للدستور بناء على مصالح خفية بين قوى بعينها او بناء على اوزان طوائف بعينها داخل البرلمان واهمال طوائف اخرى غير ممثلة لأن هذا لعب بالنار لا تحتمله مصر. فمثلاً، الشباب الذين قاموا بثورة 25 يناير هم اقلية غير ممثلة داخل البرلمان مقارنة بوزنها في الشارع. المرأة التي تمثل 50% من الشعب غير ممثلة في البرلمان تقريباً! ايضاً هناك 12 مليون قبطي على الاقل (15% من الشعب) غير ممثلين في البرلمان تقريباً. بل يمكن القول ان 40% من الشعب المصري الذين تحت خط الفقر غير ممثلين في البرلمان ايضاً.
 
ان الدستور هو اتفاقية على العيش المشترك بين كل فئات المجمتع - رغم اختلافتهم - في وطن واحد. والديمقراطية ليست فقط حكم الاغلبية كما يدعي الاسلاميون بل هي حكم الاغلبية مع الحفاظ على مصالح الاقليات والمختلفين في الرأي.
 
ان مخاوفنا من وضع دستور في ظل تحالف المجلس العسكري وبرلمان يسيطر عليه الاسلاميون هي مخاوف حقيقية، اولاً بسبب ان تحالفهما معاً هو تحالف مصالح وليس تحالفاً استراتيجياً. فالحقيقية ان كلاهما يتربص بالاخر مما يؤشر لصياغة كثير من النصوص الدستورية لحماية مصالح كل طرف بصرف النظر عن مصالح الشعب، أي ان تحالفهما هو لتحقيق مصالحهما الضيقة والتي هي ضد مصالح الشعب... وللتدليل على ذلك نضرب مثلاً: كيف ستوضع معايير دستورية للعدالة الاجتماعية بينما المجلس العسكري طوال عام كامل يرفض وضع حد اقصى للاجور، وذلك لأن 40% من اقتصاد مصر يديره الجيش بلا رقابة او محاسبة او شفافية؟ مثل اخر: كيف ستوضع نصوص تؤكد على مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بينما يريد اغلبية اعضاء مجلس الشعب دستور اسلامي لا يقبل بكل ما سبق. إذ كيف يستوي المؤمن والكافر، الرجل والمرأة؟ اي ان ما يزيد عن 60% من الشعب سيعاني من التمييز (المرأة وغير المسلمين) في ظل دستور اسلامي لأن في هذه الحالة سيكون المعيار هنا هو الايمان واحكام الشرع! وبناء على الدستور الاسلامي سيتم اصدار قوانين تمييزية ضد المرأة وغير المسلمين. وايضاً وضع حدود امام حرية التفكير والتعبير والابداع فضلاً عن حرية العقيدة، مما يضرب السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية للبلاد في مقتل... السودان وغزة مثالان حيان وهما ليستا ببعيدتين!
 
للتدليل على صحة ما نرى ولكي لا نُتهم بالتجني على احد، نذكر هذه الواقعة الغربية التي حدثت منذ ايام قليلة. في فبراير 2012 صوت مجلس الشعب بالموافقة على المادة 28 من الاعلان الدستوري والتي تمنع مسألة اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية او الطعن على قراراتها او إلغاءها، وهذا نصها: "تتولى لجنة قضائية عليا تسمى "لجنة الانتخابات الرئاسية" الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية... وتكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء..." ولك ان تتعجب عزيزي القارئ إذا علمت هذه المادة تتنافى مع المادة 21 من الاعلان الدستوري نفسه والتي تنص على ان: "يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء."... لمصلحة من وافق مجلس الشعب على مادة عجيبة كهذه تتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية؟ ما هذه الفضحية؟ ألا يستحي كل من صوت بالموافقة على هذه المادة؟ أليس هذا نوعاً من التضليل لعامة الشعب؟ هل تعمل اغلبية مجلس الشعب التي وافقت على هكذا مادة لمصلحة الشعب؟ هل يحترم من صوت لصالح هذه المادة القانون الذي اقسم على احترامه؟ هل لهذا اضاف اغلب الاعضاء الاسلاميين لقسمهم عبارة بما لا يخالف شرع الله؟ ولكن هل يسمح شرع الله بمثل هذا العبث والتضليل والتدليس؟ ألا يؤكد هذا وجود صفقة خفية بين العسكر والاسلاميين بخصوص انتخاب رئيس الجمهورية بصرف النظر عن مصلحة الشعب، بل ضد مصالح الشعب وإلا لماذا كل هذا اللف والدوران؟ 
 
أننا نهيب بكل عقلاء الوطن ومثقفيه من كافة التيارات في داخل مصر وخارجها الوقوف معا من أجل صياغة دستور يليق بمصر، وذلك بفضح هذه الالاعيب والمخططات التي يخططها طلاب السلطة... بتوعية الناس باهمية الدستور...  بدعوة الجميع للمطالبة بدستور مدني يكفل الحقوق والحريات العامة بالتساوي لكل المصريين بصرف  النظر عن الدين او الجنس او العرق. لئلا يتحول دستورنا الجديد من عقد اجتماعي إلى كلمة ينطقها العامة عند الاستئذان لدخول مكان "دستور.. احم.. دستور" لأنه إن كان هذا عينة ما هو معلن... ما خفي كان أعظم!  كان الله في عونك يا مصر.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :