- عمر سليمان هل هو طوق النجاة الأخير لمصر من الإسلاميين
- "رمسيس النجار": المجلس العسكري يريد جعل الكنيسة مؤسسة اجتماعية تابعة للدولة
- عن "خيرت الشاطر" أتحدث
- طلاب المدارس يتطوعون لإزالة القمامة من شوارع "بني سويف"
- الإدرة التعليمية بالمنيا تقر تدريب للأخصائيين الاجتماعيين في أيام أعياد دينية للمسيحيين ومطالب بالغاء التدريب
عن "خيرت الشاطر" أتحدث
دفعني للكتابة في هذا الموضوع الضجة التي أُثيرت حول إعلان ترشح المهندس "خيرت الشاطر" لمنصب رئاسة الجمهورية، والحملة المضللة التي أُثيرت حول هذه الشخصية، والمبالغة الشديدة التي يتجرأ بها ومعه الإخوان المسلمون حول دوره السياسي في انتفاضة 1968 في الإسكندرية وفي تأسيس الجماعة الإسلامية بالجامعة، وإضفاء صفات وخوارق للرجل وتشبيهه بـ"النبي يوسف"، وإن دعوته مستجابة، وإطلاق دعايات مضللة من نوع "أردوغان العرب" وغيرها من التشبيهات.
ولنبدأ بسرد ما حدث في تلك الأيام من نوفمبر 1968 بكلية الهندسة جامعة "الإسكندرية"؛ فقد استعان "عبد الناصر" ببعض الشخصيات الوطنية في حكومته بعد الهزيمة الفاجعة في 67 وما تلاها من محاكمة المسؤولين عنها فيما يُعرف بأحكام الطيران، والحكم الهزيل عليهم وعلى رأسهم "صدقي محمود" قائد القوات الجوية، وخروج المظاهرات بالقاهرة ضد هذه الأحكام في فبراير 68 بتنظيم وقيادة من الجناح اليساري في منظمة الشباب، وشارك فيها بقوة وكثافة عمال المصانع الحربية بحلوان، وأصدر "عبد الناصر" على إثر ذلك ما يُعرف ببيان 30 مارس في محاولة لامتصاص غضب المصريين، وتم تشكيل وزارة جديدة شارك فيها بعض العناصر الوطنية وعلى رأسها المرحوم "محمد حلمي مراد" الذي شغل منصب نائب رئيس حزب العمل فيما بعد كوزير للتربية والتعليم، والذي أصدر بعض القرارات التعليمية ومن بينها إلغاء نجاح الطلبة الراسبين في مواد بالثانوية العامة، مما استتبع قيام طلاب المدارس الثانوية الأزهرية والعامة بالمنصورة بالتظاهر ضد هذا القرار وذلك فىي يوم الخميس 21 نوفمبر، وتصدى الأمن للمظاهرات بعنف وقتل 4 من الطلاب وأُصيب آخرون.
وصباح يوم السبت 23 نوفمبر فوجئ طلاب كلية الهندسة بالإسكندرية بطالبين قرويين قادمين من المنصورة، أحدهما طالب في إعدادي هندسة نحيل الجسم طويل القامة هو "خيرت الشاطر" والآخر في السنة الثانية وهو "ناجي أبو المعاطي" الذي كان يحمل قميص طالب أُصيب في الأحداث ملوثًا بالدماء وذلك بمدرج إعدادي أكبر مدرجات الكلية، ليخطب "ناجي" في الجموع محرضًا على الثأر لطلاب المنصورة الذين سُفكت دماؤهم وإلى جانبه "خيرت الشاطر"، الذي تحدث هو أيضًا وكان يجهش بالبكاء بحرقة طول الوقت، لكن الذي بدأ بالحديث هو "ناجي أبو المعطاطي" الذي كان خطيبًا مفوّها، وثار طلاب هندسة لما حدث وقرروا الخروج بمظاهرة تهتف ضد وزير التعليم "محمد حلمي مراد" وضد وزير الداخلية "شعراوي جمعة". وعلى بعد عدة أمتار من الكلية قبل كوبري الجامعة تصدت قوات مكافحة الشغب للمسيرة التي كان على رأسها الطالب "عاطف الشاطر" (لا يمت بصلة قرابة لخيرت الشاطر) رئيس اتحاد طلاب الهندسة ورئيس اتحاد طلاب الجامعة، ومعه طالب آخر لعب دورًا رئيسيًا هو "حسن الحلبي"، وتم القبض على "عاطف الشاطر" وثلاثة آخرين منهم "الحلبي"، وتم ترحيلهم إلى مديرية الأمن، وقرر بقية الطلاب العودة إلى الكلية وعقد مؤتمر لهم فيها.
وبمجرد عودتهم حضر إلى الكلية اللواء "أحمد كامل" محافظ الإسكندرية، الذي شغل لاحقًا مدير المخابرات العامة وكان من أعمدة التنظيم الطليعي، وفي مدخل الكلية عند البوابة الخارجية المقابلة لمبنى اتحاد طلاب الجامعة وقف وسط حشد طلابي يتحاور معهم، وصرخ تيمور الملواني "المحافظ رهينة.. المحافظ رهينة"؛ فأمسك الطلاب بالمحافظ ودفعوه إلى غرفة الحرس بجوار البوابة وأغلقوا عليه الباب، واستخدم المحافظ التليفون الموجود بالغرفة في الإتصال بمدير الأمن وطلب منه الإفراج عن الطلبة المعتقلين وتم الإفراج عنهم وعودتهم إلى الكلية في سيارة مدير الأمن وسط تهليلات الطلاب ليقرروا عقد مؤتمر في مدرج إعدادي حضره المحافظ الذي قاطع الطلاب كلمته ليترك المؤتمر سريعًا ويدعو الطلاب لتشكيل وفد منهم للاجتماع به في مكتبه مساءًا.
ترأس المؤتمر الدكتور "عصمت زين الدين" رئيس قسم الهندسة النووية بالكلية، الذي كان عضوًا في تنظيم الطليعة الوفدية قبل حل الأحزاب، وترأسه معه "عاطف الشاطر"، واتخذ المؤتمر قرارًا بالاعتصام حتى تتحقق المطالب التي صيغت على عجل، وتتلخص في: إقالة وزير التربية والتعليم ووزير الداخلية، وإطلاق حرية الصحافة والحريات العامة، والحرب لتحرير التراب الوطني، وتم الاستيلاء على مطبعة الكلية لطباعة منشورات الاعتصام، وتعليق الميكروفونات على أسوار الكلية لتوجيه النداءات للجماهير وتوزيع المنشورات عليهم، وفي وسائل النقل العام، وحضرت مجموعات من الأحياء الشعبية المجاورة، وخاصة من أهالي حي الحضرة لدعم المعتصمين، واستمر الاعتصام لمدة ثلاثة أيام تم حشد قوات الأمن لتحاصر الكلية، وأوقفت الدراسة بالجامعات والمدارس، وتم إنزال الجيش ليعسكر في مبنى اتحاد الطلاب المواجه للكلية، وحلّقت طائرات الهليوكوبتر في سماء الكلية بغرض إرهاب الطلبة، وحدثت عدة مواجهات مع الأمن نتج عن أحدها مقتل عميد شرطة اسمه "عبد العزيز" (على ما أذكر).
وفي اليوم الأخير للاعتصام خرج الطلاب في مجموعات للتظاهر في الشوارع المحيطة، وخرج أهالي "الإسكندرية" في مظاهرات حاشدة مستخدمين العنف والعنف المضاد، ليتم الحرق والنهب والتخريب. وفي حصيلة لهذا اليوم الخامس والعشرين من نوفمبر ذكرت الداخلية سقوط 16 شهيدًا و167 جريحًا والقبض على 462 وتحطيم 50 أتوبيس والكثير من عربات الترام وإشارات وأكشاك المرور والمحلات العامة، وكنت في المظاهرة التي أحرقت مبنى موظفي المحافظة في "الشاطبي"..
وبالنسبة لقادة الاعتصام، فقد أُلقي القبض عليهم وعددهم 14 طالبًا من كلية الهندسة، ومعهم الدكتور "عصمت زين الدين"، وأُودعوا في سجن الحضرة لحوالي 4 شهور، وعلى رأسهم "عاطف الشاطر" و"تيمور الملواني" (وكان أثناء ذلك يحمل فكرًا دينيًا في أغلبه) و"ناجي أبو المعاطي"، وعدد آخر منهم "خيرت الشاطر" لما نُسب له من دور في إشعال الأحداث، و"طارق إسماعيل"، و"السيد البدوي" وهو غير رئيس حزب الوفد الذي كان يدرس في كلية الصيدلة حينها، و"حسني النجار"، و"بهاء حجازي"، و"محمد زقزوق"، و"حسام عطعوط"، وآخرين لا أذكر أسمائهم، وبعد الإفراج عنهم تم تحويلهم لمجالس تأديب قضت بفصلهم من الدراسة (كانت العقوبة الأقل على خيرت الشاطر فقد تقرر إيقافه لمدة عام واحد)، وتم تجنيدهم جميعًا ليقضوا فترة الخدمة العسكرية بـ"البحر الأحمر"..
بعد انتهاء فترة التجنيد تم إعادة قيد الطلبة المفصولين في عام 1971، والتحقوا بالكلية، وكانت الحركة الطلابية بقيادة القوى اليسارية على مختلف تنويعاتها تسيطر على الجامعة، ولم يكن النشاط الإسلامي الطلابي قد بدأ بعد إلا في حدود الصلاة والدروس الدينية بمساجد الكليات، وبعد ذلك أخذ الإتجاه الطلابي الإسلامي دعمًا قويًا من نظام "السادات" لموجهة المد اليساري في الجامعة، وذلك بواسطة أجهزة أمن الدولة والمحافظين وأمناء الاتحاد الإشتراكي، وعلى رأسهم بالإسكندرية "عيسى شاهين"، وفي أسيوط على سبيل الذكر "محمد عثمان إسماعيل" وغيرهم، ولكن حتى عام 1974 كانت السيطرة المطلقة في الجامعة للاتجاه اليساري، وأذكر أنه في كلية الطب كان "إبراهيم الزعفراني" يأتي لنا للاستئذان في تعليق مجلة حائط لهم، وتم تجنيد معظم الذين قادوا هبة 68 في مباحث أمن الدولة وذلك أثناء فترة السجن والتجنيد، وعادوا إلى قيادة الاتحادات الطلابية، ومنهم في الهندسة "عاطف الشاطر" رئيسًا للاتحاد، و"طارق إسماعيل" نائبًا للرئيس، و"السيد البدوي"، ومباحثين آخرين، بينما كان "تيمور الملواني" يقود الحركة اليسارية في الكلية، ومعه "عصام البرعي" وجيل جديد من اليساريين منهم "حسن خليل" و"حسني عبدالرحيم" و"عيد سعيد" و"أحمد سعيد" وكثيرين غيرهم، بينما نشطت الجماعة الإسلامية في الجامعة خاصة في النصف الثاني من السبعينيات، وكان دور "خيرت الشاطر" هامشيًا، ولكن أمراء الجماعة في هندسة "إسكندرية" كانوا "خالد داوود" و"محمد تاج" و"أسعد طه حراز" و"طلال الأنصاري".
بعد ذلك، ومع انتهاء "خيرت الشاطر" من دراسته في هدوء عام 1974 في هندسة الإتصالات، عاد إلى بلدته "المنصورة" ليعين معيدًا بكلية الهندسة بجامعة "المنصورة"، وليبدأ مشاريعه التجارية وإقامة معارض السلع المعمرة في نقابة المهندسين بعد سيطرة الإخوان على النقابات المهنية، وحقق "الشاطر" نجاحات متفرقة في التجارة مع شريكه "حسن مالك" في مصانع ومحلات سرار التركية والمستقبل للموبيليا، في حين لم يوفق عندما أنشأ شركة "كول سنتر" بتكلفة بلغت 6 مليون جنيه وأسند إدارتها لشقيقه الأصغر "بهاء" وخسر فيها خسارة كبيرة. واستثمر "الشاطر" في مجال البتروكيماويات إلا أنه لم يحقق فيها أيضًا نجاحًا كبيرًا.. وأنشأ أيضًا شركة ICG في مجال الIT ، واستثمر في مجال الأراضي والسيارات بصورة واسعة، ونشط في العمل السري مع الإخوان (حيث انضم إليهم في عام 1974) متسلقًا بذكاء شديد على أكتاف زملائه ليصل إلى مكتب إرشاد الجماعة منذ عام 1995، ثم نائب المرشد العام في ولاية "مهدي عاكف"، ونائبًا أولاً في ولاية "بديع"، وليدير من السجن انتخابات مكتب الإرشاد ومجلس الشوري في 2009 ليقضي على المعارضين له من أمثال "عبد المنعم أبو الفتوح" و"محمد حبيب" و"إبراهيم الزعفراني" الذين يعزى لهم الفضل في الإعلان الثاني للجماعة في السبعينيات، ويستقطب "عصام العريان" إلى صفه، ويلعب دور "راسبوتين" الجماعة.
وفي عام 1992 تم القبض عليه فيما يعرف بقضية "سلسبيل" التي تشبه في جزء منها قضية سيارة الجيب في نهاية الأربعينيات، والتي كشفت أسرار خطط الجماعة وتم على إثرها حل الجماعة والقبض على قياداتها، حيث تم استيلاء المباحث في قضية "سلسبيل" على أخطر وثيقة إخوانية هي وثيقة "التمكين"، والتي تحتوي على مخطط الإخوان كاملاً في السيطرة على "مصر" بدءًا من النقابات المهنية، وهكذا استغل "الشاطر" امبراطوريته المالية في تقوية نفوذه داخل الجماعة وفي مد خيوط من العلاقات التجارية خارجها بما في ذلك أعضاء رئيسيين من الحزب الوطني.
تلك لمحة سريعة عن التاريخ الحقيقي للمهندس "خيرت الشاطر" وليس التاريخ المزيف الذي تحاول الجماعة تسويقه لنا وللشعب المصري..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :