الكاتب
جديد الموقع
الصليب... في حياة قداسة البابا شنودة
بقلم: د/ صفوت روبيل بسطا
يحتفل جميع المسيحيين في كل بقاع الدنيا في هذه الأيام المباركة بإسبوع الألام , الذي لرب المجد ربنا وإلهنا ومخلصنا وفادينا يسوع المسيح , وتصل ذروة الألام إلي يوم الجمعة العظيمة التي عُلق فيها السيد المسيح- له كل القوة والمجد والبركة والعزة - علي عود الصليب ليُكمل لنا ولكل البشرية خطة الفداء الأعظم في تاريخ البشرية كلها , وليُخلصنا من الخطية الأصلية التي لأبوينا الأولين أدم وحواء , والتي أظهر فيها رب المجد عظيم محبته لكل العالم كافة ,وتًحمل في سبيل تحقيق هذا كل أنواع الألام والأهانات والجلد والبصق في هذا الأسبوع بالذات وينتصر لنا-بقيامته من بين الأموات- علي إبليس وكل قواته , ويُقيمنا معه من الموت الأبدي ويؤهلنا لنوال الحياة الأبدية ، كل هذا قدمه لنا رب المجد من غير ما يكون أحد من البشر طلب منه ذلك ، ولكن من دافع محبته للعالم كله ، ولذته في بني أدم ، ورحلة ألام رب المجد علي الأرض بدأت من يوم مولده في رحلة الهروب التاريخية للعائلة المقدسة من بطش هيرودس الملك ليبدأ رحلة الخلاص العظيم
وإذا تحدثنا عن رحلة الألام والصليب في حياة قديسنا المعاصر ، قداسة البابا ، مثلث الرحمات ، البابا شنودة الثالث -نيح الرب روحه الطاهرة- فسنجد أن رحلة الألام أيضا بدأت مع قديسنا الراحل من أول لحظة ولادته ومجيئه لأرض الشقاء والألم ، وأول وأقوي صليب حمله الطفل " نظير جيد" هو فقدان الأم منبع الحب والعطاء , وبعدها تتوالي علي قديسنا رحلة الألام والصليب حتي لأخر نسمة في حياته المباركة سائراً علي نفس درب سيده وإلهه يسوع المسيح
ولأن حياة قديسنا علي الأرض -كانت- مليئة وزاخرة بكل أنواع الألام وحمل مع سيده وسيدنا- رب المجد - الصليب في كل حياته ، وسار علي نفس الدرب في كل حياته حتي نياحته ووصوله إلي السماء ، فلن يستطيع كائن ما كان أن يصل لكل ما عاناه في حياته من ألام ، لذلك نتحدث فقط من يوم ما أعتلي قديسنا كرسي القديس والشهيد مار مرقس وأصبح الراعي الأمين علي رعيته وهو يتعرض لكل أنواع الألام وخاصة في السنوات الأخيرة من حياته المباركة علي الأرض
مثلما بدأ قديسنا حياته بالألم وفقدان الأم ، بدأ أيضا حبريته المباركة بألام وحروب شرسة من عدو الخير، وشن عليه الرئيس الأسبق "السادات" كل أنواع الحروب والضغوط والألام حتي وصل به الأمر أن يأمر بوضع قديسنا وتحديد إقامته في الدير في قرارات سبتمبر 1981 الشهيرة , معتقداً أنه بذلك سيُنهي علي البابا ، ولكن كانت يد الله ومشيئته أعلي وأعظم من أي مؤامرات ، وتظهر يد الله سريعة جدا وينال عقابه السماوي بعد شهر فقط من تعديه علي رجل الله
وتستمر رحلة الألام التي يتعرض لها قداسته وعلي مدار ثلاثة عقود متتالية ، وهي مدة حكم الرئيس المخلوع بوزراء داخليته ، بأمن دولته ، برجال داخليته ، وأشد الألام كانت في الضغط علي قداسته عن طريق أبنائه وشعبه وكل رعيته التي أحبها من كل قلبه ، وأفني كل حياته من أجلهم ، متمثلاً أيضا بربه وإلهه ، ومستمداً قوته وصبره علي الظلم من كل الجهات من وعود ربنا له ومن إيمانه العظيم في قوة الله وروحه القدوس ، حتي في أحلك الظروف كُنا نراه يُقابل شعبه بالأبتسامة للتخفيف عنهم مرارة الظلم والأضطهاد وهو يتمزق من داخله علي أبنائه
وتزداد وتيرة الألام إلي ذروتها في أخر سنتين خاصة من مجزرة "نجع حمادي" ثم تفجير كنيسة "القديسين" ،ثم المقطم ،وإمبابة ، ثم مذبحة "ماسبيرو" الدامية ، وحادثة واحدة من كل هذه تهز أعتي الجبال فما بالنا وكل هذه الأحداث تقع علي رعيته وعلي أبنائه في أزمنة متقاربة ، هذا غير الأحداث الكثيرة المتلاحقة والتي لا تقل قسوة ولا ضراوة عن سابقاتها مثل هدم وحرق الكنائس في أماكن متفرقة في كل أنحاء المحروسة ، ولا خطف وأسلمة بنات الأقباط ،وطرد وتهجير الأقباط ، ولا الكثير والكثير- يعوزنا الوقت- لسرد كل ما عاناه الأب والراعي وهو يري شعبه ورعيته مُستهدفة من كل الجهات ، سواء مسئولة أو حتي من عامة الشعب ، وفي كل هذه الأحداث لم -ولن- يحدث أن تم معاقبة أي أحد علي أي جريمة في حق أي مسيحي ، وفي كل هذه الأحداث والأضطهادات -المُمنهجة- والشعب المسيحي كافةً لم يجد غير قداسة البابا الملجأ الوحيد له- بعد الله- للشكوي وطلب الحًل للمشاكل أو لأرجاع بنت مخطوفة ، والناس معذورة ، ولكن في المقابل ماذا كان في يد قداسته لفعله ؟! غير مخاطبة المسئولين في كل حادثة ، ونحن نعلم جيداً ماهو رد المسئولين غير الوعود والشعارات من غير فعل أي شيئ!!! ، لذلك لم يكن أمامه غير الله الحنون ليسكب أمامه ألامه وشكوته وشكاوي أبنائه المظلومين ، وكل هذا بالطبع لا نشاهده ولا نراه ، ولكننا نعلم جيداً كيف كان البابا يُرسل شكواه لله ، وهذا وضح جلياً أمامنا خاصة يوم ما خاطب الله أمام الشعب في إحدي عظاته لدرجة أنه لم يستطع التماسك -وبكي-البابا أمام الملايين ، معني هذا أن قداسته ليس أمامه غير الله ليشكو له الظلم الواقع علي أبنائه ، ومعناه أيضا أنه يذرف الدموع لله-في خلواته الخاصة- من أجل شعبه
وفي وسط كل هذه الأحداث المتلاحقة والألام الشديدة علي قداسته ، تأتي ألام أخري من بعض السلفيين وعلي مدار ثلاثة أشهر، ولأكثر من 12 وقفة بعد صلاة الجمعة ، في مظاهرات حاشدة فقط لتوجيه الشتائم والأهانات في شخص قداسته - من أجل قصة ثًبُت كذبها - والتي عًبر عنها قداسته في مقابلة تلفزيونية بأنها ...جرح للشعور إلي أبعد الحدود... ونحن نعلم أن قداسته كان لا يقصد جرح لشعوره النبيل والمتسامح في حقه دائماً ، ولكن كان يقصد أنه جرح شعورلكل أبنائه المسيحيين وهم يرون أبوهم ورمز كنيستهم يُهان بهذا الشكل أمام أعينهم ، وهو كعادته يخاف عليهم وعلي شعورهم ، هذا غير الألام التي كانت تصدر من بعض أبنائه أنفسهم وهم يتهمونه بالتقصير في حق شعبه ورعيته ، ولسان حاله دائما يقول ...إغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون
وجائت أيامه الأخيرة علي الأرض لتشتد الألام عليه ويتوغل المرض في جسده الطاهر , وتكتمل رحلة الألام وتستمر إلي أخر نفس في حياته المباركة , وتنطفئ الشمعة التي كانت منورة حياتنا ، ولكن وعود الرب دائما قائمة ... وإن مات يتكلم بعد
سار البابا شنودة علي خُطي الحبيب في كل حياته وعاني الألام والصليب في كل حياته ،وقدم لنا المًثل والقدوة في التحمل والصبر والمغفرة للمُسيئين
قد لا نكون لم نري السيد المسيح علي الأرض ، ولكننا رأيناه وتعلمنا وصاياه وشعُرنا بمحبته , ورأينا ألامه وصليبه متمثلة في حياة البابا شنودة علي الأرض ، لأنه لا يترك نفسه بلا شاهد علي مدي الأجيال
في إسبوع الألام نطلب من المتألم عنا ، ونطلب من المصلوب من أجلنا أن.... يُعيننا كما أعانك يا قديسنا يا بابا شنودة
في إسبوع الألام وأنت مُعلق علي خشبة الصليب يارب يسوع ، نعلم جيداً مًن أنت ، لذلك في هذا الأسبوع نرتل لك ونقول لك
لك القوة والمجد والبركة والعزة إلي الأبد ياعمانوئيل إلهنا وملكنا
لك القوة والمجد والبركة والعزة إلي الأبد ياربنا يسوع المسيح يا مخلصنا الصالح
لك القوة والمجد والبركة والعزة إلي الأبد ...أمين
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :