الأنبا بيشوي يشيع عزازيل إلى مثواها الأخير
بقلم: عادل جرجس
أخيرًا أحس الأقباط أن هناك بوادر طيبة من الدولة نحو وضعهم على الخريطة الإعلامية، وخيرًا فعل التليفزيون المصري باستضافة العلامة اللاهوتي القبطي الكبير نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، ولأن نيافته يتمتع بمحبة كبيرة في قلب الأقباط وهو المطران الزائع الصيت في كل جنبات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فلقد كان اختيار التليفزيون اختيارًا موفقًا ليخرج علينا نيافته مع الإعلامي المتميز محمود سعد من خلال البرنامج الأشهر "البيت بيتك".
لم يكن الحوار تقليديًا مع الأنبا بيشوي، فلأول مرة يدير ضيف البيت بيتك اللقاء فلقد أدار نيافته اللقاء مع نفسه باقتدار ولم يسمح لمحدثة أن ينحرف بالحوار عمّا أراد نيافته لهذا الحوار ولأن ما قاله الأنبا بيشوي كان رائعًا وجديدًا ومميزًا، فما كان من محمود سعد وهو المحاور الكبير إلا أن يستسلم للحوار كما أراد له الأنبا بيشوي وليخلى للأنبا بيشوي كرسي المحاور ويجلس في مقاعد المتفرجين مستمتعًا معجبًا بكل ما قاله نيافته ليتحول البيت إلى بيت الأنبا بيشوي يصول ويجول فيه كصاحب بيت وليس ضيف.
والحقيقة فإن الأنبا بيشوي وبذكائه المعهود تعامل مع البرنامج على عدة محاور لإدراكه للخصوصية التي يتمتع بها اللقاء ولعلمه بنسبة المشاهدة العالية للبرنامج على النحو التالي:
- ضرب جدار العزلة المفروض حول الأقباط والخروج به من القوقعة والتخندق داخل البيت الديني (الكنيسة) واختراق المجتمع قبطيًا وليس كنسيًا ليبدأ عهد جديد يدخل فيه الأقباط معترك الحراك المجتمعي العام للوصول إلى معالجة الشأن القبطي على أنه شأن عام وليست قضايا خاصة والأمر ليس هينًا ولكن بكل المقاييس فلقد كانت البداية موفقة ورائعة وتبشر بالمزيد من التواصل المجتمعي.
- التعامل مع الحوار ليس كأي حوار تليفزيوني يظهر فيه نيافته ولكنه حوّل اللقاء إلى صيغة لإعادة تقديم الأقباط إلى الضمير الجمعي والجماعة الوطنية من جديد، فنيافته يدرك كم ما علق بثوب الأقباط من اتهامات عقائدية دينية وممارسات دنيوية فكان لابد له أن ينظف الثوب القبطي مما علق به من اعتقادات خاطئة أصبحت بمثابة المسلمات عند المجتمع ليعيد نيافته هيكلة الفكر المجتمعي نحو الأقباط وإيمانياتهم وسلوكياتهم ومعتقداتهم.
- تبرئة العقيدة المسيحية مما ألصق بها زورًا وبهتانًا ولأن ما لصق بالعقيدة كثير فكان يستحيل على نيافته أن يناقش كل الاتهامات الموجهة للمسيحية نظرًا لمحدودية وقت الفترة المخصصة لحوار نيافته فكان عليه أن يختار مشكلة كبير ويرد عليها وبإيجاز وبساطة فنيافته يدرك أن معظم مشاهديه هنا ليسوا مسيحيين لذلك كان لابد من اختيار خطاب بسيط ومقنع يوجهه إلى هؤلاء، فكان اختيار نيافته لموضوع التثليث والتوحيد وهنا تظهر حنكة وخبرة الواعظ المتمرس فالتثليث من أصعب الموضوعات شرحًا في العقيدة وهو الأمر الذي يصعب فهمه على العديد من المسيحيين، بل أن أباء الكنيسة الأولين منهم من سقط في الهرطقة بسبب عدم الاستيعاب الصحيح لعقيدة التثليث ولأن الأنبا بيشوي هو المتمكن من تبسيط العقيدة وله في ذلك الباع الكبير فكان الأمر سهلاً وبسيطًا بالنسبة لنيافته فقدم عقيدة التوحيد في المسيحية بكل هدوء وموضوعية مخاطبًا العامة من المسيحيين وغيرهم ليكون حديثه في هذا الشأن تثبيتًا للإيمان بالنسبة للمسيحيين وتوضيحًا للعقيدة وتبسيطًا لها بالنسبة لغير المسيحيين لينفي تمامًا عن المسيحية تهمة الإيمان بثلاثة آلهة.
- من أهم المحاور التي تعامل الأنبا بيشوي معها ببساطة هي السلوكيات المسيحية، فهناك فكر سائد لدى غير المسيحيين بأن الخمر مباحة في المسيحية وهنا تصدى نيافته لهذه الفكرة الخاطئة ولكنه لم يحلل أو يحرم الخمر ولكنه أظهر جوهر العقيدة المسيحية في التأثير على معتنقيها ففرق بين الخمر والمسكر فالمسكر مرفوض أما الخمر غير محرمة في حد ذاتها ولكن الاستغلال الخاطئ لها هو المحرم، فإن كان استخدامها بشكل معتدل وفيه صالح الإنسان ولا تعطل عمل الله في حياة الإنسان كانت مباحة أما غير ذلك فهو مرفوض.
- ينتقل الأنبا بيشوي في حواره هنا إلى العبادات في المسيحية حيث واجهه محاوره بخباثة مهنية بأن المسيحيين لا يصومون الصوم بمعناه الانقطاعي ولا يصلون إلا مرة واحدة في الأسبوع وهنا يفجر نيافته قنبلة من العيار الثقيل وهي إن أصل وضع مواقيت للصلاة هو أصل مسيحي فقام بذكر الصلوات السبع اليومية ليؤكد محاورة مع كل صلاة يذكرها نيافته وجودها عند المسلمين بل هي تزيد في عدد مراتها كذلك يتعرض نيافته لمفهوم الصوم ليظهر مدى قسوة الصوم في المسيحية وكثرة أيامه ليظهر المسيحيين على حقيقتهم في أنهم قوم متعبدون أكثر من غيرهم صومًا وصلاة.
تلك هي المحاور الأساسية لحوار الأنبا بيشوي ولكنه لم يكتفي بذلك بل أنه كان يتعمد عند الانتقال من محور إلى آخر التلميح لبعض القضايا المعاصرة ليسقط عليها أدلته، فيتعرض لقول السيد المسيح تبارك وتمجد أسمه "ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا" ليوضح هنا أن المقصود بالسيف هو سيف الاستشهاد وليس سيف العنف ليرد ببساطة على كل من يدعون أن المسيحية انتشرت في بداياتها بحد السيف ويؤكد ذلك ببعض الآيات الكتابية التي تدعو إلى محبة الآخر ولا يفوته هنا رفض العنف المسيحي أيًا كان فيذكر إحدى حوادث الفتنة الطائفية التي اعتدى فيها أحد المسيحيين على أحد المسلمين رافضًا هذا السلوك مسيحيًا وفي هذا يكون نيافته أول أباء الكنيسة بل أول المسيحيين الذي يرى أن هناك سلوكيات قبطية قد تؤدي إلى بعض حوادث الفتنة.
هكذا تحدث الأنبا بيشوي وهكذا جاء حواره أو قل عظته لأن ذلك كان حوارًا من طرف واحد ليس عيبًا في المحاور ولكن لتمتع الضيف بمهارات كارزمية تفوق قدرات المحاور على إدارة الحوار ولكن تبقى ملاحظة قد يجدها البعض غريبة وعجيبة هي أن الأنبا بيشوي كان عند استشهاده بآيات الكتاب المقدس كان يفتح الإنجيل ويقرأ منه وهو الأمر المستغرب على نيافته، فكل أبناء الأنبا بيشوي ومريديه يعرفون أن نيافته قاموس للكتاب المقدس فهو القادر دائمًا على سرد آيات ومقاطع كثيرة من الإنجيل بشواهدها فماذا حدث إذًا هل نسى نيافته آيات الإنجيل؟ بالطبع هذا أمر مستبعد وغير منطقي... أم كان نيافته يبحث عن آيات لم يحفظها بعد وهذا أمرًا يثير الضحك والسخرية إذًا لماذا كان يقرأ نيافته الآيات من الإنجيل ولعل المتابع لتعليم الأنبا بيشوي يستطيع بسهولة الإجابة على هذا التساؤل في عدة نقاط هي:
- استخدام الكتاب المقدس في الحوار لم يكن للتذكرة بنصوصه التي يحفظها الأنبا بيشوي داخل صدره ولكنه إثبات مرئي بدون دليل حواري على صحة الإنجيل وسلامته من التحريف وتمسك الكنيسة بإنجيلها فكان هذا محورًا إضافيًا مرئي وليس مسموع.
- نظرًا لأن نصوص الكتاب المقدس قد تكون غريبة على مسمع المشاهد الغير مسيحي فقد يلتبث الأمر على ذلك المشاهد إذا ما نطق الأنبا بيشوي بتلك النصوص على إنها رأي أو اجتهاد شخصي لنيافته ولكن القراءة من الإنجيل تبين إن ما يقوله نيافته هو صلب العقيدة وأساسها وما نيافته إلا شارح وموضح لتلك العقيدة فذلك يزيد من مصداقية الحوار لدى المشاهد.
- إن اختيار الأنبا بيشوي للآيات التي تلاها من الكتاب المقدس كان اختيارًا ذكيًا لأنها آيات في المثالية الإنسانية بعيدًا عن العقيدة وهو ما يثير فضول المشاهد لمطالعة المزيد من نصوص هذا الكتاب الذي يحمل كل هذه المثالية.
- استعان نيافة الأنبا بيشوي بكتابين في حواره الكتاب المقدس ورواية عزازيل للدكتور يوسف زيدان ليبين أننا نقاوم كل البدع والافتراءات على العقيدة والمتمثلة في رواية زيدان بكتابنا المقدس.
ويبقى هناك أمرًا خرج فيه نيافة الأنبا بيشوي عن وداعته وطيبته وهدوءه واعتداله ذلك الأمر الذي كان فيه بمثابة الأسد الثائر وهو نقاشة لرواية عزازيل، وأنا هنا عاتب على نيافته في هذا الأمر فنيافته قد واجه عزازيل منذ ما يقرب من السنة حتى أتى عليها نهائيًا وقوض كل صغيرة وكبيرة فيها وأذاق مؤلفها الذل والهوان حتى ماتت هذه الرواية إكلينيكيًا ولكن نيافته لم يكتفي بذلك بل قام بكل قسوة بتشيع جنازة تلك الرواية إلى مثواها الأخير، وأختار لتلك الجنازة أن تخرج من البيت بيتك وعلى الهواء مباشرة ليشيعها 80 مليون مصري لتكون تلك الجنازة هي أكبر جنازة في التاريخ ومع الأسف لم يجد المشيعون مَن يتلقىَ العزاء في الرواية.
صاحب النيافة كنت أتمنى أن تأخذكم الرحمة والشفقة بعزازيل ومبدعها ولكنكم قمتم بالتنكيل بهما ولم تلتمس العذر لزيدان فهو لم يكن يعرف أن البيت القبطي المبني على المحبة والوداعة يحوي في داخله أسدًا يلتهم كل مَن يقترب من هذا البيت وأهله.
حرام عليك يا سيدنا دة الضرب في الميت حرررررررررررام
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :