الأقباط متحدون | حوار مع النقاد حول الموقف من الأزمة العراقية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٦:١٥ | الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢ | ٦ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٦٠ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

حوار مع النقاد حول الموقف من الأزمة العراقية

الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : د.عبدالخالق حسين
 
لا شك أن شريحة المثقفين هم أكثر الناس اختلافاً في الرأي فيما بينهم، لاسيما في المسائل السياسية المثيرة للاختلاف والجدل، وبالأخص تلك التي تتعلق بالعراق وهو يمر في أخطر مرحلة عاصفة في تاريخه. ويكون الجدال ممتعاً وضرورياً إذا ما تمسك المتحاورون بشروطه السليمة، وكان غرضهم الوصول إلى الحقيقة لخدمة المصلحة العامة، وإنقاذ الوطن من تكالب أعدائه عليه، والالتزام بالصدق والموضوعية، وتجنب الافتراء والعواطف، وفرض الأفكار الرغبوية بدلاً من الواقعية. 
 
ليس القصد من هذا المقال الدفاع عن السيد نوري المالكي، ولكن من يتابع الحملة التي تقودها السعودية وقطر وتركيا، وبمساعدة بعض الأطراف العراقية التي رضيت بالقيام بتنفيذ مخططات تلك الدول، يعرف أن المستهدف هو ليس المالكي، بل الدولة العراقية برمتها، أو كما قال لي أستاذ أكاديمي متميز، أن العراق هو المستهدف. ولو كان أي شخص آخر في موقع المالكي لواجه نفس الهجمة الشرسة. لذلك فإذا ما بدا المقال وكأنه دفاع عن المالكي فهو تحصيل حاصل للدفاع عن العراق، ولأن الأقدار وضعت المالكي في هذا موقع الخطير ربط مصيره بمصير العراق كغيره من المخلصين لهذا الوطن وفي هذه المرحلة الخطيرة. لذلك أرى أنه في حالة تعرض الشعب والوطن والقيم إلى الخطر فمن الجبن والعار والجهل والانتهازية الوقوف على التل بحجة الحيادية. ففي عرفي، الحياد بين الخير والشر هو لصالح الشر. 
 
ولحسن الحظ، أن بدأ المزيد من الكتاب التقدميين العلمانيين، وحتى من خلفية ماركسية وتقدمية، بدؤوا يدركون ما يخططه أعداء العراق من مؤامرات، فتحدوا الإرهاب الفكري والبلطجة، فوقفوا إلى جانب نصرة العراق والعملية السياسية، ولم يتأثروا بما توجه لهم من اتهامات باطلة ورخيصة. وإننا واثقون من صحة موقفنا، ومتفائلون جداً بالمستقبل لأننا نقف في الجانب الصحيح من حركة التاريخ. أما الذين ربطوا مصيرهم بمخططات السعودية وقطر وتركية أردوغان، وتحت شعارات مثل أنهم ضد (حكومة المحاصصة الطائفية والفساد...الخ)، فسيكون مصيرهم الفشل.
 
وكما ذكرت مراراً أن معارضة السلطة موروث اجتماعي قديم إلى حد أنها صارت دليل الوطنية، وعدم المشاركة في التهجم عليها يعتبر خيانة وطنية، ناهيك عن الدفاع عنها!. استلمت تعليقات من بعض الكتاب الأفاضل يخبروني فيها أنهم يتفقون مع آرائي في حماية العملية السياسية، ولكنهم يتجنبون تأييدها في كتاباتهم علناً خوفاً من اتهامهم بأنهم صاروا من مثقفي السلطة!!!. وهذا دليل على أن هناك إرهاب فكري وبلطجة ضد كل من لا يشارك في التهجم على الحكومة حتى ولو كان هذا التهجم لصالح مخططات السعودية وقطر وتركيا لتدمير العراق. 
 
وبالمناسبة، نشر موقع بي بي سي تقريراً بعنوان: [أردوغان: "نحن كنا ولا نزال وسنبقى نقدم دعمنا لطارق الهاشمي"]، وذلك بعد أن أصدرت شرطة الإنتربول قراراً لإلقاء القبض على الهاشمي. وادعى أردوغان أن بقاء الهاشمي في تركيا من أجل العلاج! فهل هذا الدعم التركي للهاشمي وأمثاله المتهمين بالإرهاب هو لوجه الله، أم توظيف جهة ضد جهة أخرى لإضعاف العراق؟ وهل معارضتنا لأردوغان هي دفاع عن المالكي أم عن العراق؟ 
 
أثار مقالي الأخير الموسوم (قاسم والمالكي بين زمنين، التشابه والاختلاف) وعدة مقالات قبله، ردود أفعال متباينة لدى بعض المثقفين المحسوبين على اليسار والليبرالية، إضافة إلى كتاب من خلفيات بعثية وغيرهم من الذين فقدوا نعمتهم بسقوط حكم البعث، اتسمت هذه الردود بمواقف متشنجة من السيد نوري المالكي رئيس الوزراء، والتيار الإسلامي عموماً. فتعرض هؤلاء لطروحاتي وحاولوا تفنيدها، إما على شكل رسائل وتعليقات قصيرة، أو مقالات دون ذكر اسمي، ولذلك، وبالمثل سأتجنب ذكر الأسماء.
 
يلجأ البعض إلى اتهامي بأني تخليت عن علمانيتي وليبراليتي وانحزتُ إلى الإسلاميين الشيعة، وبالأخص إلى حزب الدعوة وكتلته (دولة القانون) وزعيمهما السيد نوري المالكي، بدوافع طائفية، ومادية!! وأن هذا التحول بدأ بعد زيارتي إلى بغداد نهاية عام 2009 للمشاركة في ملتقى فكري بدعوة من وزارة الدولة للمصالحة الوطنية. 
 
هذه الاتهامات باطلة جملة وتفصيلاً، لأن موقفي من الحكومة العراقية لم يتبدل منذ سقوط حكم البعث وقيام مجلس الحكم، مروراً بحكومة الدكتور أياد علاوي، وبعده الدكتور إبراهيم الجعفري ومن ثم السيد نوري المالكي. فخلال كل هذه السنوات كنت وما زلت حريصاً على إنجاح العملية السياسية. ولم أتعرض بالنقد إلى الدكتور أياد علاوي وكتلته "العراقية" إلا بعد سقوطه في الفخ السعودي، وتبنيه سياسة إفشال العملية السياسية خلال ترؤس منافسه السيد المالكي للحكومة، السلوك الذي يهدد العراق، وبات مكشوفاً للجميع، واستهجنه معظم المخلصين العراقيين، بمن فيهم العشرات من قيادي "العراقية" الذين ابتعدوا عنه وشكلوا كتلاً أخرى ليست معادية للمالكي إن لم تكن مؤيدة له. 
 
تتلخص معارضة هؤلاء السادة لطروحاتي أن مناهضة المالكي وحكومته واجب وطني على كل ديمقراطي علماني لأنه (المالكي) ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية (الشيعي) ولذلك فهو لا بد أن يكون طائفياً، وعلى هذا الأساس، فالإسلاميون لا يمكن أن يبنوا نظام ديمقراطي ولا دولة ديمقراطية. كذلك هناك حملة تقودها الصحافة السعودية تتركز على أن المالكي هو مشروع إيراني وليس مشروع عراقي (مقال عبدالرحمن الراشد في "الشرق الأوسط"، 26/4/2012)، كما وراح آخرون يصفون المالكي بأنه دكتاتور أسوأ من صدام، يقود إلى قيام نظام الحزب الواحد، وأن حزب الدعوة يقوم بدور حزب البعث. وكاتب آخر رد بمقال ضد قولي أن المالكي رجل المرحلة، وحاول جهد إمكانه تفنيد ذلك...إلى آخره من الاعتراضات التي سأناقشها بإيجاز رغم أني تعرضت للكثير منها في مقالات سابقة، ولكن يبدو أن ذاكرة البعض ضعيفة لذا وكما قيل: (في الإعادة إفادة)، وإنا لله وإنا إليه راجعون!!
 
هل حقاً النظام الحالي هو إسلامي؟؟
يبرر البعض عدائهم لحكومة المالكي على أنها "إسلامية". وحجتهم في ذلك هي أن المالكي هو زعيم حزب الدعوة، والتحالف الوطني يضم أحزاب إسلامية (دولة القانون+ الإئتلاف الوطني+ مستقلين).
 
أنا لا اعتقد أن النظام الحالي هو إسلامي لمجرد أن رئيس الوزراء وعدد من الوزراء من أحزاب إسلامية، فرئيس الجمهورية كردي سني علماني، ورئيس البرلمان عربي سني علماني، والحكومة إئتلافية تضم أعضاء من جميع مكونات الشعب الأثنية والدينية، والتحالفات السياسية التي أغلبها علمانية، مثل كتلة "العراقية" والتحالف الكردستاني، وحتى كانت الحكومة تضم وزيراً شيوعياً قبل الانتخابات الأخيرة يوم كان الحزب الشيوعي في تحالف مع كتلة "العراقية". وعندما طالب علاوي سحب وزراء الكتلة عام 2006 بغية إسقاط حكومة المالكي، رفض الحزب سحب وزيره لأنه رأى ليس من مصلحة الوطن إسقاط الحكومة في تلك المرحلة الخطيرة، وهو موقف وطني صحيح. وهذا هو موقفي أيضاً منذ البداية وإلى الآن. فلماذا كان موقف دعم حكومة المالكي صحيحاً يوم كان للشيوعيين مقعد فيها، وغير صحيح عندما خسروا مقعدهم؟ ألا يدل ذلك على أن دافع الذين يعملون على إسقاط حكومة المالكي هو لمصالح حزبية ضيقة؟ فلو بقي الحزب الشيوعي مع كتلة علاوي لربما احتفظ بمقعده في الحكومة الحالية أيضاً، وكان موقف الحزب من المالكي ودياً كما كان في السابق. فهل حكومة تضم وزير شيوعي ومعظم أعضائها علمانيون هي حكومة إسلامية؟ 
 
وهل بإمكان المالكي فرض حكم الشريعة الإسلامية على الناس، دون موافقة البرلمان، خاصة ونحن نعرف أن البرلمان رفض التصويت على العديد من المشاريع الخدمية التي قدمتها حكومة المالكي خوفاً من أن تزيد من شعبية المالكي، كما ظنوا؟ 
أليست الأمور تسير نحو بناء دولة مدنية؟ 
 
وفي الوقت الحاضر، هناك حكومات عربية في المغرب وتونس يرأسها إسلاميون دون أن يطلق عليها أحد أنها حكومات إسلامية. 
كذلك نتذكر أن أول رئيس لجمهورية قبرص عند استقلالها من الاستعمار البريطاني عام 1955، كان رجل دين، وهو رئيس الأسقفة مكاريوس الثالث الذي بقي رئيساً لها من عام 1955 إلى وفاته عام 1977، أي نحو 22 سنة، فهل هذا يعني أن جمهورية قبرص كانت دولة دينية مسيحية؟ علماً بأن المالكي ليس رجل دين ولا معمم، فقط منتم إلى حزب إسلامي سياسي، في مرحلة أصبحت الأحزاب الإسلامية موضة شائعة ومقبولة لدا غالبية أبناء الشعوب العربية، بدليل أنها تتمتع بشعبية أوسع من غيرها ليس في العراق فحسب، بل وفي معظم البلدان العربية. وهذا ليس ذنب المالكي، بل بسبب الظروف الموضوعية.
 
هل المالكي دكتاتوراً؟
يتهم السيد مسعودي البارزاني وأياد علاوي وأنصارهما المالكي بأنه دكتاتور مثل صدام حسين، أو أسوأ منه، على حد تعبير صالح المطلك، وأنه يقود إلى دكتاتورية الحزب الواحد!! 
 
لحد علمي أن لحزب الدعوة ثلاثة وزراء فقط في حكومة تضم أكثر من ثلاثين وزيراً. فهل هذا يعني أن المالكي صار صداماً، وحزب الدعوة صار بديلاً لحزب البعث؟ غني عن القول أن هذه الدعاية لا تخدم المصلحة الوطنية. 
وهل يعرف هؤلاء ما هي مواصفات الدكتاتور وسياسة الحزب الواحد؟ أو مجرد كلمات واتهامات يطلقونها جزافاً، وكما قال لينين: "التهمة تفيد وإن كانت كاذبة".
 
فلو أردنا الإنصاف والدقة، وكما صرح النائب ياسين مجيد في مؤتمر صحفي: "أن الدكتاتور هو من يرأس حزباً منذ اكثر من 20 عاماً، وابن اخيه رئيساً للوزراء، وابنه رئيساً لجهاز المخابرات، وخمسة من افراد عائلته اعضاء في المكتب السياسي للحزب" وهو يقص السيد مسعود البرزاني. ولذلك فإن مواصفات الدكتاتور تنطبق على البارزاني نفسه، وهو الأكثر شبهاً بصدام من غيره في السلطة.
 
أن فوز الأحزاب الإسلامية وخاصة الشيعية في الانتخابات، لا يعني أن الانتخابات كانت مزيفة، وإنما بسبب مظالم الأنظمة الدكتاتورية العلمانية السابقة، وفشلها في حل مشاكل الشعب، واضطهاد مكونات الشعب على أساس انتماءاتهم المذهبية والأثنية، لهذه الأسباب تخندق الناس في الخندق الطائفي والقبلي والأثني كملاذ آمن لهم من أجل البقاء، وانسحب ذلك سلباً على الأحزاب العلمانية الديمقراطية. لذلك فبدلاً من الاعتراف بالأسباب الموضوعية لفشل العلمانيين، راح الخاسرون يشتمون الإسلاميين ويتهمونهم بتزييف الانتخابات، و تعللوا بأنه حتى السيد نوري المالكي نفسه أتهم مفوضية الانتخابات بالتزييف. نعم هذا صحيح، وربما كان هناك تزييف بطريقة ذكية وخبيثة وعلى نطاق ضيق لصالح كتلة أياد علاوي على حساب كتلة المالكي فقط ، لخلق أزمة تشكيل الحكومة، ولم يكن ضد الأحزاب العلمانية الصغيرة. 
 
هل المالكي طائفي؟ 
من المعروف أن الانتماء لدين أو مذهب هو وراثي عن طريق التربية العائلية "بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ونحن على آثارهم مهتدون" (زخرف 22). ومن حق الإنسان أن يعتز بانتمائه الديني والقومي. ولكن التمييز والتحيز ضد الآخر بدوافع مذهبية هو طائفية مدانة مثل العنصرية. والسؤال هو: هل ظهرت بوادر وعلامات تدل على أن المالكي أنحاز لأبناء طائفته على حساب الطوائف الأخرى؟ هناك شهادات من أبناء السنة العرب ينفون ذلك وقد استشهدنا أكثر من مرة بالمقابلة التلفزيونية للسيد عدنان عليان، والدكتور سلام الزوبعي، وهم من كتلة "العراقية" السنية، ينفون فيها تهمة الطائفية عن المالكي ويؤكدون وطنيته وحرصه على وحدة العراق أرضاً وشعباً دون تمييز. لذلك لا أريد أن أعلق أكثر على هذه المسألة. 
 
والسؤال الآخر هو: ألا يحق للعراقي الشيعي أن يترأس حكومة بلاده لاسيما إذا كان عن طريق صناديق الاقتراع وموافقة الغالبية البرلمانية المطلقة؟
على أي حال، على الذين فشلوا في الانتخابات الأخيرة وقبلها أن لا يلقوا اللوم على الإسلاميين الذين فازوا، بل عليهم إقناع الناخبين بأنهم أصلح من الإسلاميين، أما محاربة الحكومة بكيل الاتهامات والافتراءات فهي طريقة فاشلة من شأنها أن تزيد من شعبية الإسلاميين. 
 
وحول "طائفية" السيد نوري المالكي، أضع رابطاً لمقابلة تلفزيونية له يرد بها على هذه الاتهامات.(3)، وكذلك خطاب افتتاحي له في اجتماع مجلس الوزراء في محافظة كركوك.(4) لتعميم الفائدة.
 
هل المالكي رجل المرحلة؟
ذكرت في مقال سابق أنه طالما فشل منافسو المالكي في ترؤس الحكومة، وفاز هو في نيل موافقة الغالبية المطلقة من البرلمانيين والكتل السياسية، فهذا دليل على أنه رجل المرحلة، خاصة وقد نجح لست سنوات في قيادة البلاد وإلى الآن رغم المشاكل العاصفة، والصعوبات الكثيرة، والصراعات الحادة بين عشرات الكتل السياسية، والمؤامرات الخارجية والإرهاب البعثي- الوهابي وتكالب دول الجوار عليه. 
 
هذه العبارة أثارت حفيظة خصوم المالكي واعتبروه تحيزاً مني له، فنشر أحدهم، وهو صديق، مقالاً بهذا الخصوص، حاول فيه تفنيد قولي. وذكر في مقاله قائمة من قادة العالم المشهورين مثل نيلسون مانديلا وغاندي وعبدالكريم قاسم، وحتى المرحوم شيخ زايد الذي جاء إلى الحكم عن طريق الوراثة والانقلاب على والده. مضيفاً إلى أنه طالما المالكي يختلف عن هؤلاء وليس ليبرالياً، فهو ليس برجل المرحلة!!. ففي رأيه لا يمكن لأي رئيس حكومة أن يكون رجل مرحلة ما لم يكن ليبرالياً ومقبولاً من جميع أبناء الشعب!! وسؤالنا هو، هل الذين ذكرهم الكاتب بأنهم رجال مراحلهم كانوا مقبولين من جميع أبناء الشعب؟ ألم يُقتل غاندي على يد هندوسي متعصب؟ ألم يقتل أولف بالما رئيس وزراء السويد وهي دولة ديمقراطية عريقة؟ وهل سلم عبدالكريم قاسم من القتل بوحشية ودون أن يتركوا له حتى قبراً يضم جثته الممزقة بالرصاص؟
 
نسي صديقنا، سامحه الله، أن رجل المرحلة هو ليس بالضرورة من يحظى برضاء الجميع، فرضاء الناس غاية لا تدرك، أو أن يكون من حملة أيديولوجيات معينة، ليبرالية أو غيرها، بل هو من تفرزه المرحلة ويتفهم احتياجاتها ومتطلباتها، ويستطيع كسب موافقة الغالبية المطلقة لصالحه، رغم أن هذه الغالبية هي الأخرى تعاني من صراعات فيما بينها على المواقع والنفوذ، ولكنهم وجدوا في المالكي الرجل الأنسب لهم. وهذا ما نجح فيه المالكي وفشل خصمه العنيد أياد علاوي. 
 
والملاحظ أنه لم يتفضل الأخ الكاتب، ولا غيره، بترشيح أي منافس عراقي آخر ليكون رجل المرحلة، فقط يكتفون بالقول أن رجل المرحلة يجب أن يكون وفق مقاساتهم!! نصيحتي للأخ الكاتب وأمثاله أنهم إذا أرادوا أن يفوز الليبرالي أو أي شخص يرشحونه لزعامة الشعب والحكومة، ويكون رجل المرحلة، فعليهم إقناع الشعب بالتصويت للمرشحيهم، فالأمور تقررها الظروف الموضوعية وليست التمنيات والأفكار الرغبوية التي لا نصيب لها في التحقيق على أرض الواقع. 
 
حول مؤتمر التجمع العربي لنصرة القضية الكردية:
نظمت جماعة من المثقفين العراقيين العرب، المحسوبين على اليسار، مؤتمراً في أربيل تسمي نفسها بـ(التجمع العربي لنصرة القضية الكردية)، وهو موقف مشرف أن ينتصر العرب لأخوتهم الكُرد في الوطن والإنسانية إذا ما تعرضوا للاضطهاد كما كانوا في العهود السابقة. ولكن عقد هكذا مؤتمر وفي هذه الظروف بالذات يثير تساؤلات كثيرة حول النوايا الحقيقية الخفية من وراء هذا العمل.
وقد تعرض لهذا الموضوع الكاتب السيد صائب خليل بمقال قيم له (1).
لذا لا نريد الخوض في تفاصيل هذا المؤتمر، بل يكفي أن نبين أن الغرض الأساسي منه هو تشديد الحملة ضد الحكومة المركزية، ودعم البرزاني في سياساته الرامية إلى إضعاف العراق لكي لا تقوم له قائمة، إذ يعتقد أن أمن واستقرار وازدهار كردستان تتوقف على تدمير العراق كما هو واضح من تحالفاته مع أعداء العراق، مثل تركيا أردوغان، والسعودية وقطر، وتصريحاته الأخيرة.
 
والسؤال هنا هو: ما الذي أثار حماسة هؤلاء لدعم تصريحات البرزاني ضد المالكي والحكومة الفيدرالية المركزية؟ هل كان حقاً من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الكردي ولسواد عيون هذا الشعب وهو يتمتع الآن بأوسع الحقوق الممكنة في جميع مراحل تاريخه؟.
 
للإجابة على هذا السؤال نحيل القراء الكرام إلى تقرير نشرته صحيفة (هاولاتي) الكردية الأهلية، تصدر في مدينة السليمانية، في عددها الصادر بتاريخ 16/12/2010، وتحت عنوان (هاولاتي تکشف فضيحة کبری)، ذكرت فيه‌ حصولها علی وثيقة رسمية مسربة تحتوي أسماء 173 شخصية سياسية ((تستلم منذ سنوات رواتب تقاعد بدرجة وزير من أموال الشعب...وأن معظم هؤلاء لم يشغلوا أي درجة وظيفية لدی حکومة الإقليـم). وقد أعاد الشاعر العراقي سعدي يوسف، الذي كان يصف نفسه بـ"الشيوعي الأخير"، أعاد نشر هذا التقرير على موقعه، نضع الرابط في الهامش(2). والجدير بالذكر، أن عراب المؤتمر هو أحد المستلمين لهذه الرواتب السخية (أكثر من 4 آلاف دولار شهرياً). ونحن لسنا ضد دعم هؤلاء مادياً، ولكننا نستهجن سكوتهم عن المظالم التي يتعرض لها الشعب الكردي على أيدي حكامه، وقيامهم بعقد مؤتمرات لدعم البرزاني مقابل المال، فهم بذلك لا يختلفون عن المرتزقة من الكتاب العرب الذين كان صدام حسين يغدق عليهم بمكرماته من كوبونات النفط المهرب لقاء عقدهم مؤتمرات دعم له في بغداد.
 
ملاحظة أخرى جديرة بالذكر. في كل مناسبة يتهجم فيها السيد مسعود بارزاني على المالكي يؤكد أنه حريص على الوحدة العراقية، وأن بغداد هي عاصمة بلادنا ولنا جميعاً. ولكن مع ذلك يستكثر البعض من الكرد على المالكي، بصفته رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة للحكومة الفيدرالية، القيام بزيارة إلى كركوك وعقد اجتماع وزرائه مع المسؤولين في المحافظة للإطلاع على احتياجاتها. إذ أفادت الأنباء أن صرح نائب من حزب بارزاني قائلاً: "أن زيارة المالكي لكركوك استفزازية للاقليم ولشركائه السياسيين". كما وقاطع الوزراء الكرد اجتماع مجلس الوزراء بكركوك. فهل هذه المواقف دليل على حرص الأخوة الكرد على الوحدة العراقية؟
 
كنت ومازلت أحلم أن تكون العلاقة الفيدرالية بين كردستان وبقية العراق كالعلاقة بين سكوتلاندا وإنكلترا في المملكة المتحدة. ولكن مع الأسف الشديد يعمل البارزاني وأتباعه على تمزيق هذه الفيدرالية وتحت مختلف الأعذار الواهية. وفي جميع الأحوال، وكما ذكرت مراراً أنه في حالة عدم التمكن من استمرارية الفيدرالية وفق الدستور العراقي، فالطلاق أبغض الحلال عند الله، ومن حق الشعب الكردي أن يتمتع بدولته المستقلة وبطرق سلمية، فهكذا فيدرالية يستكثر فيها الشريك الكردي على رئيس حكومة جمهورية العراق بزيارة محافظة من محافظاتها، هي ليست فيدرالية سليمة، وليست في صالح الجميع. 
 
النقد ليس عداءً
استشهدت مراراً بمقولة ماركس أن (النقد أساس التقدم...). ولكن يبدو أن من يحسبون أنفسهم على الماركسيين والشيوعيين يعتبرون النقد عداءً. فعندما نبين لهم أن سبب انحسار شعبية الحزب الشيوعي في العراق هو تحالفه القاتل مع الفاشية البعثية في السبعينات فهذا ليس عداءً وإنما حقيقة تاريخية يجب على الحزب مواجهتها وتقديم الاعتذار لأعضائه وللشعب عليها. وعندما نقول أن عصر الأيديولوجيات قد ولّى ومنها الأيديولوجية الشيوعية، فهذه حقيقة وليس افتراءً. 
 
وفي هذا الخصوص كتب أحدهم مقالاً مطولاً بحلقتين، بعنوان: (لمصلحة من هذا الهجوم على الحزب الشيوعي؟) (كذا)، رداً على مقالي الموسوم (قاسم والمالكي بين زمنين، التشابه والاختلاف). راح الكاتب يسهب في ذكر الاختلاف بين العهدين، بل واختار مقالاً قديماً لي عن منجزات ثورة 14 تموز، وهو فصل من كتابي عن الثورة، وراح يتساءل: هل تحقق شيء من هذا في عهد حكومة المالكي، وكأني لم أشر إلى نقاط الاختلاف. فبالإضافة إلى الاختلافات التي ذكرتُها في مقالي السابق وتجاهلها الكاتب، أضيف هنا أنه من أهم نقاط الاختلاف بين العهدين هو وجود هذا الإرهاب البعثي الوهابي الذي يشن حرب الإبادة ضد أبناء شعبنا ويعرقل مسيرته واستقراره وتقدمه. والاختلاف الآخر أن إصدار أي قانون في عهد ثورة تموز كان يتم بسهولة وسرعة خلال جلسة وزارية دون عوائق، بينما في النظام البرلماني هناك معوقات كثيرة لإصدار أي قانون. كما وينفي هؤلاء السادة أي إنجاز للحكومة، وهنا أقتبس فقرة من دراسة لخبير اقتصادي في بحث له جاء فيه:
 
((حقق العراق تقدما سياسيا على صعيد الفرد والمجتمع من خلال ممارسة الفرد لحريته الشخصية والفكرية، والممارسات الديمقراطية المتمثلة بالاستفتاء على الدستور، وبأجراء الانتخابات العامة والمحلية. وأصبح بدون شك علامة فارقة في المنطقة العربية (رغم التحديات والنواقص التي تعتري طريق الديمقراطية) من جانب. ومن جانب آخر حقق العراق تقدما محدودا في الحالة الاقتصادية منذ عام 2003 والذي تجسد في: انخفاض نسبة البطالة من 51% الى 15%، وانخفاض نسبة الفقر من 54% الى 23%، إضافة الى انخفاض نسبة التضخم من 65% الى 6% ، وكذلك ارتفاع نسبة خدمات الصرف الصحي وشبكة المجاري من 6%  والى  36%، وأيضاً ارتفاع انتاج الطاقة الكهربائية من 3500 الى 7500 ميغاواط، وارتفاع حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي من 3000 الى 5000 دولار، وانخفاض الدين العراقي من 127$ مليار الى 54$ مليار ... الخ)).(كمال البصري، اشكالية تقدم الديمقراطية وتأخر الاعمار، مواقع الانترنت). 
 
علماً بأن المالكي لم يستلم سويسرا أو السويد، بل استلم عراقاً حوله البعثيون إلى خرابة حقيقية وشعبه مصاب بألف علة وعلة، وقواه السياسية منقسمة إلى مئات التنظيمات المتصارعة على السلطة والنفوذ. كذلك استلم المالكي الحكومة عام 2006 وهي وفق نظام الشراكة الوطنية، أو ما يسميها أعداء الشرا




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :