فن التعليق وآدابه
بقلم- مهندس عزمي إبراهيم
كي أوقف أي ظنٍ مسَبَّق أو أي تأويلٍ لاحق، أود أن أؤكد أنه رغم أني أفتخر كل الفخر بقيام أخوة عديدين لهم مكانتهم الثقافية والأدبية ووزنهم الاعلامي والاجتماعي والسياسي والعلمي والديني مشكورين بالتعليق سواء بالتأييد أو بالنقد البناء على مقالاتي وقصائدي والاشارة سواء بالتقريظ أو بالمعارضة على تعليقاتي، ورغم أن التعليقات الجادة، سواء مؤبدة أو معارضة، تسعد الكاتب وتثري المقال أو القصيدة وتزيدهما أبعاداً وأعماقاً.. رغم ذلك، من رأيي أن كثرة التعليقات أو قلتها أو حتى عدمها ليست المقياس الوحيد لجودة المقال أو كفاءة الكاتب.
ما أرقى وأعظم من أن يمسك إنسان قلماً وورقة ويكتب سواء بادئاً لكتاب أو كاتباً لمقال أو تعليق...وما أصعب الكتابة الجادة الدارسة حتى على عظماء الكتاب والشعراء ساعين لإنتاج كتابة عقلانية موضوعية تفكيرية تحليلية دارسة مثرية للآخرين. ولذلك حق وصف أو تشبيه عملية انتاج الكتاب أو المقال او القصيدة أو التعليق بعملية الولادة.
ومن زاوية أخرى، ما أسهل كتابة تفاهات وسفاهات ومهاترات مضحكات مؤسفات لا تفيد أي انسان. فالكتابة لها قواعدها وآدابها ولا أقصد قواعدها اللغوية فقط، بل قواعد الرسالة المقصود توجيهها للقراء، وتحديد من هو الفصيل أو القطاع الاجتماعي أو الثقافي المقصود من القراء وماهو مستواه الادراكي، وكيفية تشكيل أو صياغة الرسالة لتناسب قدراتهم على استيعابها والاستفادة بها.. كل ذلك في غلاف أدبي مهذب اللفظ والقصد.
ورغم أن طرح المقالات والتعليقات ليست منافسة أو مسابقة في الضلاعة اللغوية، فالتعليق يستوجب نفس العناية. يظن البعض أن التعليق مجرد "شـَدّ سطرين" أوجملتين أو فقرة أو فقرات بدون التزام بآداب الكتابة. وأهم هذه الآداب ليس احترام الكاتب بقدر ما هو احترام القراء وتثمين وقتهم. والكاتب الأديب الحكيم المحنك يتوقع عدة أنواع من التعليقات على انتاجه، أذكر منها بهذا المقال ستة أنواع تختلف حسب كاتبيها في موضوعيتها وصيغتها وهدفها الواضح والمستتر.
أنواع التعليقات المقروءة:
1. النقــد البنــاء: التعليق في حقيقته هو مقال قصير مُصَغـَّر يتماشى في مضمونه مع مضمون المقال المُعَلـَّق عليه. وهناك من التعليقات ما تجعلني أنحني احتراماً وتقديراً لكاتبيها سواء مؤيدين أو معارضين لما في تعليقاتهم من حسن اللفظ وإضافات ثرية تزيد المقال الأصلى أبعاداً وأعماقاً. والكاتب الحكيم يدرك تماماً أنه لا يوجد ما يسمى مقال كامل متكامل يرضي زيد وعبيد معاً، ويدرك معني المثل المصري الجميل "عمر الحق ما يرضي اتنين". وبناء على ذلك عليه أن يستعد لقبول مؤيد جاد ومعارض جاد فكلاهما يقدم نقداً بناء هادف يثري المقال ويفيد القاريء. هذا النوع من التعليق يستوجب التقدير ويستوجب الكاتب أن يتجاوب مع المعلق، فيرد على ما يود من هذه التعليقات بالشكر والتقدير لمن أيـَّـد وبالتوضيح لمن عارض، وهذا حق مستوجب لكليهما.
2. التعليـق من جاهــل: يتوقع الكاتب تعليق جاهل لا يدري من الأمر شيئاً. يعلق ويعارض لمجرد أن يرى اسمه مطبوعا في الصحف أو المواقع. وعلى الكاتب إذا شاء التعقيب عليه أن يعرض أفكاره بأبسط الوسائل اللغوية قاصداً الشرح (لا التأنيب أو التقليل) كي يتعلم الجاهل ما لم يعلم.
3. تعليق المتعصب: هو تعليق معلق متعصب لرأيه مقتنعاً به بعماء. يصدق التاريخ حتى لو كان مزوراً، وينكر الوقائع وهي ثوابت، ويلوي الحقائق لصالح رأيه، ويقلب الأبيض أسوداً والأسود أبيضاً مؤمنا أنه على حق. فعلى الكاتب الحكيم أن يحذر مثل هذا المعلق، فيدافع ويحاجج ما أمكنته حكمته، ويحذر أن ينزلق إلى مهاوي الجدل المتعصب وهذا ما يرجوه المعلق المغرض.
4. تعليــق السفيــه: هو تعليق مهرج مُسَفـِّه يغمض عينه وأذنه متعمداً وينكر الحقائق والثوابت والوقائع التى يراها كالشمس ويسمعها كالرعد وتتداولها وسائل الاعلام، ولم ينكرها أحد حتى قائليها أو فاعليها. وقد يرد الكاتب على السفيه بلهجة مهذبة حتى يكممه أو يلجمه. ومن هذه التعليقات ما يستفز الكاتب (أو معلق آخر) ويخرجه من حكمته مرغماً لرد الإهانة بمثلها.. وتتحول ساحة المقال إلى معركة تطاحن غير مهذبة.
5. تعليق مهاجمة شخصية الكاتب: وتعليق مغرض من نوع آخر من معلق يهاجم شخصية الكاتب (لا كتابه ولا مقاله ولا قصيدته ولا تعليقه) محاولا التقليل منه شخصياً ومن رأيي اهمال مثل هذا المعلق وعدم الرد عليه فلن يرضيه أو يقنعه أي رد.
6. تعليــق جـَـرّ الشَـَكـَـل:
ولكن هناك نوع خاص من التعليقات يستشم منها الكاتب بحساسيتة أنها مجرد "جَـرّ شـَكل" فقط لا غير، فما عليه حفظاً لوقته ووقت القراء والموقع إلا استدعاء حكمته والتغاضي عن مثل هذا التعليق وعدم اعارته أهمية تجنباً لإثارة موجة من حرب لن يستفيد منها أحد، لا الكاتب ولا المؤيد ولا المعارض.. ولا الموقع.
التعليقات الغير مقروءة:
مما سبق أعلاه، كما يلقى أي كتاب أو مقال حتى ما قدمه عمالقة الأدب في كل العصور مؤيد ومعارض، كذلك من الطبيعي جداً أن يلقى التعليق على مقال (أي تعليق) مؤيد ومعارض، أو معجب ومستنكر. وبعد تقديم ستة أنواع من التعليقات المكتوبة (ومنها ما هو باسم أسماء مزوة مستترة)، أود أن أشير إلى تعليقات من معلقين من خلف الستار. منهم معلقين "جادين حقيقيين" ليس لديهم الوقت أو الرغبة في الكتابة. ومنهم "لا جادين ولا حقيقيين" أي ليسوا بمعلقين ولكنهم مجندين مغرضين وخفافيش ظلام.
كما نلاحظ في هذا الموقع الكريم (وفي بعض المواقع الأخرى) يمكن إبداء الرأي على تعليق بإحدى علامتي (+) أو (-)، أي (موجب أو سالب) ومدلولهما (جيد أو غير جيد) أو (موافق أو معترض). وبقراءة بعض المقالات ثم قراءة التعليقات عليها نجد ما يثير الدهشة... والأسف معاً.
1. يدهشني ويؤسفني ويدهش من لديه أبسط قدر من الملاحظة، عدد السوالب (-) التي تحظى بها بعض التعليقات، أو بالأصح بعض المعلقين وكما سأوضح أدناه، بأعداد باهظة تفوق في بعض الأحيان الــ 50 وأحياناً أكثر من ذلك.
2. ويدهشني أيضاً أنها معطاة لأساتذة كتاب ومعلقين (رجال ونساء) (معينيـــــن) لهم وزنهم الفكري ومشهود لهم بجدية النظرة ودسامة المادة وعمق المعلومات. في حين هناك تعليقات سطحية تافهة من آخرين لم تحظي بعشر هذا العدد من السوالب.
3. ويدهشني أكثر أن بعض هذا الكم من السوالب تعطى أحياناً لتعليقات تحمل أفكاراً وسطية، أي ليست يمينية أو يسارية ولا تستوجب تأييد ولا معارضة أو اعجاب او استنكار من أحد. ورغم ذلك تستقبل هذا الكم السخي من السوالب لمجرد أنها تعليقات صادرة من هؤلاء الأشخاص المعينين المشار إليهم بالبند السابق.
تجاه ذلك لا يسعني إلا أن أعتقد أن هذا الكم من السلبيات المعطاة بصورة دائمة ومتتابعة وبإصرار ضد شخصيات معينة، هو نتيجة حملة مقصودة مخططة ومنفذة بأصابع أفراد مرضى ثقافياً أو "شِـلـَّة" مقادة برئيس عصابة معين لحرب مريضة غير مهذبة ليست فقط ضد هؤلاء الأستاذة الأفاضل الكتاب والمعلقين بل ضد ما يحمله جوهر هذا الموقع الكريم من حيث إتاحة ساحة راقية لحرية الكلمة وليست لحرية السوالب وتحالفات السلبيين والشلل المهرجة يقودها قائد صغير النفس منشغلاً أو منشغلين بأعمال صبيانية في ساحة محترمة جادة. لقد قدمت لنا إدارة الموقع ومشرفيه هذه الساحة الثقافية لننمو ثقافياً وسياساً واجتماعياً ودينياً، ولنتحاور بجدية وباحترام وتعامل بنظافة اللسان والعقـل والنِيـَّـة، لا لتشتيت الجهود الجادة.
أربأ بنفسي أن أذكر أسماء، ومن السهل معرفتها لمن يحاول البحث البسيط. وما على من يشك في تقديري إلا أن يراجع السلبيات (-) السخية في مقالات وتعليقات الأساتذة القديرين الجادين مثل الدكتور ميشيل فهمي والأستاذ عادل نجيب رزق، الأستاذة هيام، والأستاذ هاني شهدي (على سبيل المثال). وغيرهم.. وأزج بينها تعليقات شخصي المتواضع. وما على الباحث في نفس الوقت إلا أن يراجع الإيجابيات (+) السخية التى تصرخ في وجوه القراء موضوعة املم تعليقات سطحية أو تهريجية أو هجومية كتبها أشخاص معينين أشك بل أكاد أؤكد أنهم هم القائمين بحرب السلبيات السخية. في كلا الحالتين بالربط بين السلبيات والإيجابيات لن يُخطئ العقل الفطن في نسبها لأشخاص معينة مهمتها التهريج والفهلوة وأعمال الصغار التي لن تجعلهم كباراً، ولن تجعل من الكبار صغاراً. ولكن خطورتها أنها تشتت الفكر والنظر عن جسيم الأمور التي تواجهنا في هذا الوقت الحرج. لو يعقلـــــون!!!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :