الأقباط متحدون | النيل يتدفق فى السويد رغم ظلم العالم
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٢:٥٠ | الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٢ | ١٤ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٦٨ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

النيل يتدفق فى السويد رغم ظلم العالم

بقلم: د. نوال السعداوى | الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٢ - ٢٨: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

صباح السبت ١٩ مايو ٢٠١٢

 جالسة تحت أشعة الشمس الدافئة شمال السويد، نسمة الهواء النقية المنعشة، رائحة العشب والزرع الأخضر، تذكرنى بالحقول فى قريتى كفر طحلة فى حضن النيل، الشاطئ هنا يختلف، ارتفاعات الجبال والوديان الممدودة إلى اللامنتهى، عيناى تمتصان رحيق الخضرة مع الأكسجين، هدير المياه المنحدرة من الجبال إلى النهر.

 
أكبر نهر فى السويد، نهر «دال»، يمر بقرية «ألفارلى»، التى أصبحت مشهورة فى العالم، فهى مسقط رأس أشهر كاتب سويدى، انتحر عام ١٩٥٤ وعمره واحد وثلاثون عاما فقط، ترك وراءه كتابات لا تفنى.
 
ستيج داجرمان، الشاعر والروائى، رأى العالم قبيحا، الظلم يعانيه الفقراء والنساء والأطفال والمهاجرون، نظام رأسمالى عسكرى عنصرى دينى أبوى ذكورى، الحرب والنهب والقتل، تراكم الربح للحكومات والسماسرة والشركات وتجار السلاح والمخدرات والجنس، نظام فاسد يسحق الضعفاء، يعبد القوة المسلحة والمال، يعاقب الأبرياء ويطلق سراح مجرمى الحرب واللصوص.
 
كتب ستيج داجرمان قصيدة قال فيها إن نهر «دال» فى السويد يشبه نهر النيل فى مصر، قصيدته عنوانها «عصر الثلج» منها هذه الأبيات:
 
تصعد روحك حتى الموت ويهبط الثلج
 
تتحجر أصابعك وعضلات قلبك
 
تتمنى أن تذوب فى شلال دافئ
 
مثل مياه نهر النيل
 
مستحيل أن تكون كما تريد أن تكون
 
تقف مثل تمثال من جماد
 
تنفث الثلج من فمك
 
لا تعرف الدفء أو حرارة الحب
 
تصبح بركة متجمدة ليس نهر النيل العظيم
 
اليوم يقام حفل كبير على ضفاف نهر «دال»، جائزة ستيج داجرمان الأدبية، فى الدقيقة التى يقدمونها لى، يفتحون السدود أمام المياه المنحدرة من الجبال، طريقة مبتكرة فى الاحتفال بالإبداع المتمرد الثورى، ويقولون لى: كتاباتك مثل كتابات ستيج داجرمان، تشق طريقها فى الصخر، كشلالات تتدفق من الجبال إلى النهر.
 
أحملق فى الصورة فوق مكتبه، عيناه هما العينان فى الثلاثين من عمرى، الغضب المتراكم منذ الطفولة، والحزن رغم الفرح والدهشة، والحب العارم للحياة، والزهد الكامل فى العيش، يقولون انتحر ستيج وهو فى ريعان الشباب، وأقول لهم، لن أنتحر وإن تجاوزت المائة، الحياة تستحق أن تعاش رغم كل شىء.
 
يفخرون بكاتبهم الثورى، يقولون لى «الجائزة التى تحمل اسمه تقود إلى جائزة نوبل»، وأقول لهم «فرق كبير بين الديناميت القاتل، والإبداع الثائر».
 
من كتابات ستيج داجرمان أختار هذه الكلمات:
 
مستحيل أن أكون سعيدا
 
فى مثل هذا العالم
 
حياتى مسيرة نحو الموت
 
لا أجرؤ على رجم أحد
 
يؤمن بما أشك فيه
 
الحجر الذى أقذفه به
 
سوف يرتد إلى رأسى
 
حاجتى للعزاء لا ترتوى
 
سجين تخيلاتى عن الحرية
 
وحيد مهدد من البحر
 
رصيف صلب من الجرانيت
 
وحدها الغيلان والضباع تعيش،
 
حد الشفرة قاطع للجميع
 
حياتى مهددة بخطرين: أفواه الجشع الشرهة، ومرارة القهر،
 
أرفض اختيار أحدهما: العربدة أو الزهد
 
كل ليل ليس إلا هدنة بين نهارين،
 
أشعر بالأمان فى غرفتى، وأشعر بالموت فى كل ما حولى،
 
ثقل السقف ونار المدفأة والحزن فى دمى
 
أملأ الصفحات البيضاء بكلماتى، لأقتل عبث الحياة، ولا أكون وحيدا على الأرض،
 
أجمع كلماتى فى كتاب يمنحنى الثراء والمجد، لكن ماذا أفعل بالمال أو المجد؟
 
لا أرغب إلا فى المستحيل
 
أرى الحرية بهيمة تعبر الكون سريعا فرحة بالعبور
 
أتخيل الأرض مقبرة جماعية، يستعذب الموت الملوك والأجراء على حد سواء
 
أتخيل السفاح والضحية والحكيم والمجنون كلهم يتلذذون الموت بدرجة واحدة،
 
لم يكن لحياتى هدف إلا الحرية، ما تصورته الحرية لم يكن إلا العبودية والرق،
 
أردت أن أعيش حرا ومناضلا داخل المجتمع
 
لكن العالم أقوى منى، لا أملك شيئا لمقاومة الظلم
 
سلطتى هائلة لو قاومت كلماتى طغيان العالم
 
هذا هو عزائى الوحيد
 
ستيج داجرمان ١٩٥٣
 
السبت الماضى ١٢ مايو ٢٠١٢
 
انعقدت فى ستوكهولم المحكمة الدولية لأحوال المهاجرين فى أوروبا، كنت عضوة هيئة التحكيم، القضاة، استمعت إلى العذابات عند حدود البلاد الأوروبية وداخلها، من إسبانيا إلى السويد.
 
رئيس المحكمة سويدى اسمه «أرنيه روث» مسح دموعه، وقال «أشعر بالعار من ظلم القوانين فى بلدى، تحدث الخبراء فى مجال الهجرة، كشفوا الثغرات فى القوانين، والنفاق تحت اسم الديمقراطية، أصدرنا قرارنا بإدانة الحكومات الأوروبية، لانتهاكها حقوق المهاجرين الاقتصادية والاجتماعية وكرامتهم الإنسانية، طالبنا بضرورة سن قوانين جديدة قائمة على المساواة والحرية والكرامة والعدل للجميع، دون تفرقة بين أهل البلد والمهاجرين».
 
فى كلمتى الأخيرة قلت «مشكلة المهاجرين ليست أوروبية فقط، بل عالمية، النظام العالمى القائم على القوة والمال والسلاح واغتصاب حقوق الغير، هؤلاء المهاجرون لا يأتون للشحاذة، بل لاسترداد بعض ثرواتهم التى سلبت منهم بالاستعمار الأوروبى، أفريقيا مثلا، من أغنى القارات، تم نهب مواردها وفرض الفقر والمرض والجهل على سكانها.
 
خمس محاكم دولية سابقة كنت فيها قاضية، منها المحكمة الدولية فى نيويورك ضد جورج بوش بعد الغزو الأمريكى للعراق عام ١٩٩١، المحكمة الدولية فى بروكسل عام ٢٠٠١ ضد حكومة إسرائيل لاغتصابها أرض فلسطين وقتلها شعبها، المحكمة الدولية فى بورتو أليجرى عام ٢٠٠٢ ضد الدول الاستعمارية التى أفقرت الشعوب ثم أثقلتها بالديون، كم أصدرنا من إدانات ضد مجرمى الحروب وناهبى الثروات ولم يعاقب أحد أيها السادة.
 
فهل تنجح هذه المحكمة فى إبادة الظلم من العالم؟
نقلاً عن المصري اليوم




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :